حوار مع الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان :أحسني دائما بشكل موضوعي ، كما أعيش الآخر دائما بشكل ذاتي فيختلط علي الاثنان ، ولا أعرف من أين تبدأ أناي ولا أين تنتهي
-
إن القتل بهدف حماية النفس وما تملكه هو دفاع مسلم بشرعيته في كل قوانين وأديان العالم ، هذا في الوقت الذي نرى فيه الأمازيغ قد سلبت منهم أجود أراضيهم ورغم ذلك لم نسمع عن أمازيغي واحد ، ومنذ الاستيطان العربي القديم لشمال إفريقيا ، قد قتل عربيا ما ، سواء بسبب الأرض ، أو بدافع من الحقد والعنصرية !!!
-
حاورها صالح ثيمجغيدين
ـ س : من هي مليكة مزان ( لقرائنا) ؟
ـ ج : هذا من أصعب الأسئلة التي يصر بعض الصحافيين على طرحها لإحراج الكتاب ، وربما أيضا لقياس مدى إحساس كل كاتب سواء بذاته المفردة أو بذاته الجمعية ، ومعرفة ما إذا كان يعتبر تلك الذات ، بشقيها هي بداية هذا العالم ونهايته !!! . لذلك أجيب بأني لست سوى هذا الآخر ، كل آخر ، في رقته وعنفه ، في طهره وعهره . في إيمانه وكفره . في جنونه وتعقله . أحسني دائما بشكل موضوعي ، كما أعيش الآخر دائما بشكل ذاتي فيختلط علي الاثنان ، ولا أعرف من أين تبدأ أناي ولا أين تنتهي.
هذا نوع من الالتزام الشخصي في ألا أكون غير سواي حتى تكتمل صورتي الآدمية وأرضى عن إنسانية كل ملامحي وتجلياتي . لكن هذاالآخر كثيرا ما يفسد علي شهية الالتزام هذه والمتعة المصاحبة لها ؛ بل كم يكون الأمر مؤلما حين لا أستطيع إقناعه بالكف عن مداعبة مدمرة كهذه لأجدني ، حين ينفذ صبري وتستنزف كل قواي على الحب والصبر والغفران ، وقد انقلبت جحيما (مستحبا بل ضروريا) علي وعليه !
ـ س : لماذا الشعر مليكة ؟ ولماذا بالعربية ؟
ـ ج : لأن الشعر هو الرفيق الوحيد الذي يحمل معك صليبك ، ويمشي إلى جنبك يسندك حتى آخر لحظة ليقول لك مخلصا ( والموت يشتهي روحك الشامخة ) : ’’ لك عندي عمر لا يقوى عليه الموت ، فمت ، مطمئنا ، موتك هذا ، مت لتسخر كما ينبغي من كل الخيانات ومن كل الجلادين وكل السيوف ! ’’ .
هذا الرفيق ˝اختار˝ أن يقول لي كلماته تلك بلغة القرآن ، إصرارا منه على فضح لاإنسانية كثير من أهلها حين وجدهم يحيدون عن تعاليم دينهم ، ويحكمون على خصوصية شعبي بالتراجع ، وعلى لغتي الأم بالغياب عن كل مدارس وطني وإداراته ومحاكمه وسجونه ومقاصله ، حتى لم تبق غير لغتهم / لغة الجاني والقاضي والسيف والجلاد .
ـ س : هل تكفي الكلمات ، يا مليكة ، لقول كل شيء ؟
ـ ج : الكلمات إن كانت تكفي لقول كل شيء عن ذاتي الأمازيغية وبؤسها فإنها تبدو ، للأسف ، غير كافية لأن يفهم الآخر بؤس هذه الذات وبأقل التكاليف الممكنة . ذاك أن هذا الآخر يفتعل الإصابة بالصمم ، ولا يريد أن يستمع لأصوات أخرى غير تلك التي تصعد من حنجرته . إنه نوع من العناد الكريه الذي لا بد له من عواقب وخيمة ، علينا أن ننتظرها سويا وأن ندفع ثمنها كلنا غاليا إن لم نتدارك الأمر بكثير من المحبة والحكمة .
ـ س : كتب أحد شعراء تامازغا في إحدى قصائده : ˝ لو وجدت عربيا بمزرعتي لقتلته ˝ ، فاتهم بالعنصرية ، ما تعليقك ؟
ـ ج : اتهامه بالعنصرية في هذه الحالة هو نفس الاتهام الذي يجب أن يوجه لكل فلسطيني ، مثلا ، يقتل مستوطنا يهوديا يستولي على مزرعته . فإذا كان الفلسطيني يقاتل ضد تهويد أرضه فمن حق كل أمازيغي أمازيغي ، وكل كردي كردي ، أن يقاتل ضد تعريب أرضه . لا فرق عندي ولا عند كل عاقل عادل .
إن القتل بهدف حماية النفس وما تملكه هو دفاع مسلم بشرعيته في كل قوانين وأديان العالم ، هذا في الوقت الذي نرى فيه الأمازيغ قد سلبت منهم أجود أراضيهم ورغم ذلك لم نسمع عن أمازيغي واحد ، ومنذ الاستيطان العربي القديم لشمال إفريقيا ، قد قتل عربيا ما ، سواء بسبب الأرض ، أو بدافع من الحقد والعنصرية !!!
بل أين هي العنصرية مع ما يشبه تنازل الأمازيغ عن حقهم واستسلامهم لواقع مر ، واقع تجرديهم من ممتلكاتهم وبذرائع مختلفة ، ذرائع كثيرا ما تفتعل صلتها بالمصلحة العامة حتى لا يجد الأمازيغ سببا للاحتجاج والرفض ؟!
ومن هو العنصري هنا : أهو الأمازيغي الذي فتح بيته ، وفي كرم نادر ، لكل عربي فار من جبروت أهله ، واعتنق دينه وزوﱠجه بناته ، بل وتغاضى عن جشعه وظلمه ، بل وتبنى لغته ودينه ، بل وتراجع في كل مجال مجال ليترك المكان والكلمة والسلطة له وحده ، أم العنصري هو العربي الذي أقبل رافعا شعار الإسلام والأخوة والرحمة بيد ، ورافعا باليد الأخرى سيوف القتل والقهر ؛ أو ـ في أحسن الأحوال ـ بنود النهب والإلغاء والمحو ؛ معتبرا كل من لا يتجرع عنفه في صمت ، أو لم يدخل دينه مخلوقا كافرا عليه الجزية أو الموت ؟!
ـ س : بماذا تشعرين حينما تسمعين هذه الكلمات :
* الأمة العربية من المحيط إلى الخليج ؟
* المغرب العربي ؟
ـ ج : هذه ليست كلمات : هذه يا أخي أسلحة كيماوية لا يتقن تصنيعها واستعمالها غير الدهاء العربي ، وباسم الحفاظ على وحدة أمة ودين ولغة لا توجد إلا في أذهان مبتدعيها ، وحدة هي مجرد وهم على اعتبار ألا مقابل لها في واقع الناس.
كما أن الدهاء العربي يعرف كيف يرتكب جرائم القتل البطيء ودون أن يترك دليلا واحدا ضده ؛ حتى أن العالم كله ، الآن ، قد يطلع على معاناة أي جماعة بشرية بدائية ( في أدغال إفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو صحاري استراليا ) يهددها الموت جوعا أو مرضا ، كما قد يهب لإنقاذها ؛ ولكنه لحد الآن لا يكاد يقتنع ـ وبالقدر الكافي ـ بوجود شعب أمازيغي يغالب الموت على أيد عربية ومنذ زمن طويل .
وتفسير ذلك يكمن في استعمال العرب للأسلحة الكاتمة للصوت ، أسلحة التعريب والإقصاء والتفقير والتهجير والإغراق في مياه البحر( قوارب الموت ). ونحن نعرف أن لا جريمة ثابتة حتى تكون هناك أداة ارتكاب الجريمة ، كدليل مادي مباشر ، وتكون هناك جثة .
تلك هي أسلحة العرب لإبادة غيرهم من الشعوب ، وأما الجثة ، جثة هذه الشعوب ، فقد وزعت أشلاؤها على حكومات عربية كثيرة حتى لا تعرف الضحية كيف تستردها ، ولا مع أي جهة تتفاوض من أجل إنصافها.
ـ س : يقال أن الإسلام عرب البربر ، ماذا يعني لك ذلك ؟
ـ ج : الإسلام بريء كل البراءة من تعريب الأمازيغ ( لنقل الأمازيغ لأني لا أحب استعمال كلمة البربر لأسباب لا داعي لذكرها هنا ) ، الدليل على ذلك أن هناك بلدانا إسلامية لم يغير من هويتها هذا الدين ، ولا ألحقها بما يسمى ’’ عالما عربيا ’’ ؛ تماما كما ليس بوسعه الآن أن يعرب أي بلد أوربي مثلا أو أمريكي لمجرد أن هناك أقلية عربية أو مسلمة في هذا البلد أو ذاك . لذا أتساءل كيف نزلت علينا بلوى العروبة هذه من دون باقي بلدان العالم ؟!
أعتقد أن مصدرها هو تراجع الأمازيغ واستسلامهم أمام تسلط الأقلية العربية عندنا ؛ والتي ظل يعاودها الحنين إلى موطنها الأصلي، وبدل أن تعود هي إلى ذاك الموطن وتترك الأرض لأصحابها ـ كما اضطر المستعمر الفرنسي والإسباني والإيطالي إلى تركها قبلها بفضل تضحيات الأمازيغ ـ ارتأت خلافه ، تساعدها في ذلك سلطتها وإيديولوجيتها ، أن تطرد السكان الأصليين أو تقوم بتصفيتهم ! أو على الأقل ـ حين بدت لها هذه المهمات شبه مستحلية ـ ارتأت أن تجعل تلك الأرض امتدادا لأصلها هناك في الحجاز ، متناسية أن للأرض أصحابها .
ولم تنتبه أبدا إلى أن أعدل المطامح وأقصاها وأنجعها للحفاظ على مصالحها ، وعلى المدى البعيد ، هو أن تتمزغ بدل أن تعرب ، هو أن تتعايش مع الأمازيغ تعايشا أساسه الاعتراف والاحترام التامان لأرضهم ولهويتهم ولثقافتهم الأصل .
هكذا بدأت أسطورة ما يسمى بـ ’’ العالم العربي ’’ . لقد بدأت بمجرد رغبة شديدة ظهرت فجأة لدى الأقلية العربية عندنا في تجديد الارتباط بموطنها الأصل ! وهي رغبة تحولت إلى مشروع لاإنساني سخرت لتحقيقه كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة ، وعلى أرض الأمازيغ ، واعتمادا على سياسة عنصرية إقصائية لهم . وها تلك الرغبة / المشروع تتحول الآن إلى كابوس فظيع بالنسبة للسكان الأصليين بل إلى جريمة في حقهم لا تغتفر .
ـ س : كمناضلة أمازيغية ماذا يعني لك : ˝ مغرب عربي على أرض أمازيغية ؟ ˝
ـ ج : يعني لي ذلك ما لا بد أن تعنيه العبارة الآتية لكل مناضل عربي غيور على أرضه وعروبتها : ˝وطن يهودي أو أمريكي أو صيني أو أمازيغي على أرض عربية ˝ .
إن على كل عربي أن يخجل من مقاومة أي احتلال لما يؤمن بها أنها أرضه ، وكيفما كان هذا الاحتلال ! نعم عليه أن يخجل من ذلك وهو يعلم ـ ودون أن يحرك ساكنا ـ أن إخوة له عربا لم يخرجوا بعدُ مما يحتلونه ( ولنسمي ، نحن أيضا ، الأشياء هنا بأسمائها الحقيقية رغم تقادم العهد والتعود على غيرها ) من أراض كردية وأمازيغية ، ولا توقفوا بعدُ عن معاملة الأقباط وغيرهم شر معاملة ، وذلك كله في عصر أعيد فيه الاعتبار لحقوق الإنسان أغلبية كان أو أقلية . بل إنهم لا يستحيون من وصف تواجد إيران في منطقة الأهواز ، مثلا ، احتلالا بدل أن يسموه شيئا آخر ، على أساس أن إيران بلد إسلامي ، ولا بأس إن كانت تخضع هذه المنطقة ، وباسم وحدة الدين ، لبلد إسلامي كإيران . وذاك ردا مني ، ومن كل إنسان عاقل ، على نفس المنطق الذي ينظرون به إلى تواجد العرب بشمال إفريقيا .
ـ س : يعيش الأمازيغ تحت وطأة أنظمة لغاتها الرسمية عموما هي العربية ودينها الإسلام ، لماذا هذه المفارقة ؟
ـ ج : لأن هناك عمى عربيا فظيعا لا يرغب في النظر إلى الناس والتعامل معهم إلا من خلال ثوابته واختياراته وكأن الحياة في هذا العالم الأمازيغي ، أو في أي عالم آخر ، لا يمكن أن تكون سليمة إلا إذا صارت حياة عربية مسلمة .
ولأن هناك أيضا ، وفي المقابل ، استلاب أمازيغي شبه تام يسهل على السياسة العربية تحقيق مخططاتها اللاإنسانية باسم الحفاظ على لغة ودين ، ليس كل الناس في حاجة إليهما كي يثبتوا أنهم أسوياء أو طيبون ، ومن خلق الله لا من خلق الجن والشياطين .
ـ س : أغلب الحركات في تامازغا لا تتجاوز مطالبها المطلب الثقافي ، لماذا هذه الأدلجة ؟
ـ ج : شخصيا كنت ومازلت أؤمن بأنه لا يمكن تحقيق أي مطلب ثقافي دون أن تكون للأمازيغ سلطة سياسية قادرة على تفعيل هذا المطلب الثقافي أو ذاك ، في حينه ، واستجابة لحاجيات شعبية حقيقية وملحة .
إن كان علينا أن ننتظر تفهم الأحزاب العنصرية الحاكمة لدينا لنكون من نريد فكن على يقين بأننا لن نكون أبدا !!!
وهنا أعجب لهذه الأقلية العربية التي تتحدى كل حق طبيعي وملح للجماهير الأمازيغية الواعية ، وذلك فقط لتفرض اختياراتها العنصرية ، تلك الاختيارات التي لا تخدم سوى مصلحتها المباشرة حتى لو كان في ذلك تهديد للاستقرار والأمن في كل بلدان شمال إفريقيا ، ماداموا محتاطين لكل طارئ بالفرار إلى حيث يكدسون أموالهم ، أموال يمكن أن تعوضهم عن شمال إفريقيا ، كما عوضهم شمال إفريقيا عن أرض الأندلس مباشرة بعد أن أجلاهم عنها أهلها المسيحيون ، ماداموا لا ارتباط لهم بأي أرض غير استغلال خيراتها .
ـ س : أين موقع البربر من أنظمة تؤمن بأمة عربية من المحيط إلى الخليج ؟
ـ ج : موقعهم عامة يبدو وكأنه موقع الضعيف الذي لا حول له ولا قوة . موقع تميز عامة ، وإلى اللحظة الراهنة ، بمجرد محاولات خجولة فاشلة لرفض هوية غريبة ألصقت بهم ، وبكل احتجاج باهت عاجز ضد أوضاع مزرية فرضت عليهم . محاولات لم يعرها العرب العنصريون أي اهتمام يستحق الذكر ، دليلي على ذلك استمرار إقصائهم . في حين أن بيدهم فعل الكثير لفرض مطالبهم بدل استجدائها من غيرهم .
هو موقع يعتبر بالنسبة لي كابوسا فظيعا لن نستفيق منه إلا إذا تسلح الوجود الأمازيغي بغيرته الكاملة على نفسه ووحد كلمته وصفوفه ، وبذل من أجل استرداد كرامته كل ما يستطيع ، وفي تحد لكل المناوئين له ، أولئك المناوئين الذين عليه ألا ينتظر أن يقوموا من تلقاء أنفسهم بالتصدق عليه بما هو حق له ، وإنما عليه أن يحسسهم ، بكل الوسائل الممكنة والمشروعة ، بضرورة تصحيح سلوكاتهم والتراجع عن مواقفهم ، قبل أن يجدوا أنفسهم في حاجة ماسة إلى مواجهة الأجيال الأمازيغية الصاعدة الغاضبة ، والتي لن تتهاون في استعمال أي سلاح لانتزاع حقها في أرضها وهويتها وثقافتها.
ـ س : ما هي باعتقادك الرهانات التي تؤدي إلى انعتاق البربر من سياسات :
* التعريب والتبعير والتغريب ؟
* التهجير والإدماج ؟
* التهميش والتفقير ؟
* الطمس والسلب والإلغاء ؟
ـ ج : شخصيا أرى أن الانخراط في الفعل السياسي ، والوصول إلى مراكز السلطة والقرار ، هو الكفيل وحده بانعتاق الأمازيغ من كل أشكال إهانتهم وإبادتهم ؛ مادامت جل الحكومات العربية الحالية قد تعودت أن تلغي أبسط المتطلبات الأمازيغية الشعبية من برامجها ومشاغلها . ومادامت تفتعل الصمم أمام صوت الحق وضرورة الإنصاف والتصالح الحقيقيين ، مستخفة في ذلك بالجماهير الأمازيغية ، بل ومعلنة العصيان لكل إرادة إنسانية طيبة تريد أن تتحرك لصالح الشعب الأمازيغي ولكل ما يخدم الاستقرار والأمن في المنطقة سواء كانت هذه الإرادة وطنية أو دولية.
ـ س : ما الذي يعيق النضج القومي الأمازيغي ؟
ـ ج : أهم أسباب تلك الإعاقة هو ما نلمسه في مختلف الأوساط الأمازيغية ـ سواء في المدن أو في القرى ـ من غياب فظيع وشبه عام لكل وعي بالانتماء ، أو الخجل منه ، أو استبداله بانتماء آخر يبدو لجل الأمازيغ أشرف من انتمائهم الأصلي على أساس أن فيه ’’ طاعة لله ولرسوله ’’ .
وكلها مواقف أمازيغية سلبية تدمر الوجود الأمازيغي من الداخل ، مواقف هي إرث ثقيل لسنوات طويلة من عمليات غسل الدماغ والقلب واللسان من كل ما هو أمازيغي ، مع حشو كل هذه الأعضاء بثقافة غريبة على الشعب ، وباستعمال لاديموقراطي وغير شريف لكل قنوات التواصل المتاحة للتأثير عليه.
ولعل النخبة الأمازيغية المثقفة ساهمت في ترسيخ هذه المواقف وإنجاح سياسة الغسل والحشو هذه بسبب بعدها عن الجماهير الشعبية ، بل وتبني بعضها لنفس الأفكار القاتلة للهوية الأمازيغية .
ـ س : لماذا لا توجد حركات مسلحة لتحرير تامازغا وشعبها باعتقادك ؟
ـ ج : شعب تامازغا شعب مسالم كريم ، ثقافته ثقافة إنسانية أساسها احترام الحق في الحياة والحرية والاختلاف . كما أنه أدنى إلى الحوار منه إلى إراقة الدماء . هذا إلى جانب اشتهاره قديما بالفروسية والشجاعة النادرة والقدرة على الحرب والقتال . غير أن عدم تفكير أمازيغ اليوم في حمل السلاح لرد الاعتبار لأنفسهم ولهويتهم وثقافتهم يعود إلى درجة الوعي المتفاوتة لديهم بالانتماء ، وبما يهدد هذا الانتماء من عوامل الزوال والانقراض إذ أن أمازيغ اليوم فئات :
ـ فئة مستلبة ليس لديها أي وعي بالذات إذ تعتبر نفسها امتدادا للوجود العربي ، وبالتالي فإن كل مطالبة بأي حق أمازيغي يبدو لها أمرا غريبا بل وبدعة ، فكيف ستفكر في حمل السلاح لتحرير نفسها أو ، على الأقل ، كيف ستفكر ولو في مجرد الاحتجاج السلمي لفرض احترامها على من يلحقون بها الإهانة والأذى ؟؟؟
ـ فئة تعي ذاتها وحقوقها كذات أمازيغية ولكنها تفضل التنازل عنها لصالح ذات غريبة مكتسبة ، وذاك تجنبا منها لكل˝ فتنة ˝ في حق ما صارت تؤمن به من ˝ أمة عربية إسلامية واحدة ˝ .
ـ فئة واعية بانتمائها ، غيورة عليه ، ولا استعداد لديها لاستبداله ولا للتنازل عنه ، ولكنها تفضل الحوار الحضاري والطرق السلمية لتحقيق مطالبها المشروعة .
ـ فئة أخرى أشد إحساسا لا بالانتماء فقط ، بل بالغبن والبؤس ، وترى ألا حل ـ وقد استعصى الحل ـ إلا المقاومة المسلحة بعد أن رأت ما رأته من الإصرار العربي على تجاهل المطالب الأمازيغية المشروعة .
هذه الفئة الأخيرة هي البذرة الصالحة لانبثاق حركة مسلحة لتحرير تامازغا وشعبها . ولسنا ندري ما قد يفاجئنا به المستقبل بهذا الصدد ، لذا ومن موقعي كشاعرة إنسانية / عضو في موقع ˝ شعراء العالم ˝، المعروف بتحركه من أجل الانتصار لقيم المحبة والسلام ، وكممثلة للعالم الأمازيغي لدى كل من هيئة ˝ شعراء في باريس ˝ وموقع ˝ شعراء العالم ˝، أوجه ندائي هنا لكل عربي مناوئ للمطالب الأمازيغية ، مثقفا كان أو رجل سياسة أو رجل دين ، أن يراجع نفسه وضميره ، ويقف إلى جانب الشعب الأمازيغي معترفا له بكامل إنسانيته ، وذاك ترفعا منهم جميعا عن كل وقاحة مجانية مدمرة ، وعن كل عمى عنصري قد يجعل كثيرا من الأمازيغ ، وخاصة شبابهم المتحمس ، ييأسون من جدوى المطالبة السلمية بكل حق مشروع ، ويفكرون في المقاومة المسلحة .
ـ س : ماذا يعني لك وطن للشعب الأمازيغي ؟
ـ ج : حق أؤمن به ، وحلم لا بد أن يتحقق مادام هناك شباب أمازيغي متحمس وعاشق للحياة الكريمة ، رغم كل أشكال ومستويات البؤس . كما أنه عيد لهذا الشعب غاب عنه طويلا حتى نسي ألوان الفرح ونكهة الزغاريد في دمه المتجمد من القهر ! بل هو المعنى الذي سيُضفىَ على كل القصائد التي انكتبت افتتانا به ، وعلى كل تلك الدماء التي سالت فداء له ! إنه الكيان الأصيل الوحيد والذي من دونه سيظل الأمازيغ غائبين عن الحياة والوجود !
ـ س : ما هي كلمتك في الأخير لأبناء تامازغا ؟
ـ ج : أكتفي هنا بهذا البوح الصادق :
إني أحبهم جميعا ، وأفكر دائما في الفرح الذي بإمكاني أن أضيفه كل يوم إلى أجندة الأشياء الجميلة التي تجعلهم أقوى من البؤس واليأس ، متحملة ، في سبيل ذلك ، ما أتجرعه في محيطي الأسري وفي الوسط الثقافي العربي والأمازيغي من سوء فهم ليس لهم به علم .
وهذه ليست شكوى مني أو حتى تباهيا ، إذ لن يثنيني عن محاولة إسعادهم أي قهر ، ولا أي إغراء ، ولا أي خذلان ؛ وإنما ليعلموا فقط أن تامازغانا العزيزة تستحق كل عشق صادق منا وكل تضحية وكل صمود . وأن عليهم إزاء كل من لم يلمسوا فيه أدنى تغليب لمصلحتها العليا على مصلحته الخاصة أن يردوا عليه خطبه ومحاضراته وادعاءاته وقصائده وأن ينفضوا عنه أجمعين .
كما بودي أن أقول لهم هنا ، ردا على رسائل التشجيع والمحبة التي يغمرونني بها من حين لآخر ، بأن وسائل النضال ليست دائما وبالضرورة قصائد أو خطبا أو ندوات أو شعارات أو مظاهرات ، ولكن هي أيضا حركات وكلمات يومية ، مكرسة لعشق الإنتماء ؛ حركات وكلمات تذكر صغارنا وكبارنا في كل لحظة وفي كل مكان بمن نكون وماذا نريد . حركات وكلمات بإمكانها ـ مهما كانت صغيرة أو عابرة ـ أن تفعل المستحيل وتحقق ما لم يستطع بعد أن يحققه النضال الرسمي الطويل .
فلا تبخلوا على تامازغانا بما تستطيعون من نبضات الحب اليومي ، حب سيظل دائما في متناولنا جميعا ، حب لن يبدو صعبا ولا مكلفا إلا لمن لا يخجله منا أن يتأخر عن الاستجابة الصادقة الفورية لنداء الأرض ووصايا الأولين .
- أجرى الحوار :صالح ثيمجغيدين ( مناضل أمازيغي من الجزائر)