الحاج صالح لـ”النهار”: الأميركيون بحاجة الى “التخريجة” الروسية وإستبعاد الضربة قد يعوّض بالتسليح
ديانا سكيني : من مكان ما داخل سوريا، يتابع الكاتب ياسين الحاج صالح دعمه لثورة السوريين ضد نظام بشار الأسد، من موقع المنظر والناشط المدني والصحافي. صفحة الحاج صالح على “فايسبوك” هي نافذة شخصية يطلّ عبرها على عدد كبير من المتابعين الذين يواكبون من خلال ما ينشره محطات الثورة. جولة في الصفحة تظهر عدداً كبيراً من صور الضحايا والمعتقلين المعارضين، وهي في حيّز منها تؤرخ لثورة كانت وجوهها المدنية طاغية قبل ان تدخل مسار العسكرة الشاملة. في المكان نفسه، يجاهر المثقف بعرض صور جثث الضحايا من الاطفال الممددين في صفوف. فبالنسبة اليه، يجب ان يرى العالم هذا الموت وهذه الفجائع.يجب ان يرى ليدرك. اما الآراء النقدية التي تطاول المعارضة فلا تقترب من حد المس بقناعة ضرورة إكمال الثورة الى الأخير.
في محطة مفصلية في الصراع، كالتي مثّلها الإتفاق الروسي الأميركي الاخير، سألت “النهار” الحاج صالح رأيه في مسار الموقف الاميركي منذ مجزرة الغوطتين وصولاً الى التسوية الاخيرة، فاعتبر ان “الأميركيين كانوا بحاجة الى التخريجة الروسية كي لا يفعلوا ما لا يريدون فعله”، متهماً في سياق الحديث سياسة واشنطن “المترددة وقصيرة النظر” بخلق بيئة حاضنة للجهاديين، ومتسائلا “ان كان فعلاً الأميركيون منزعجين من صعود الجهاديين”.
الى ذلك، تحدث الحاج صالح عن نكسة معنوية في صفوف كتائب مقاتلة كانت تعوّل على الضربة، مرجحاً ان يتم تعويض ذلك بزيادة التسليح، الامر الذي من شأنه مد أمد الصراع دون الاقتراب من الحسم لصالح احد الطرفين.
الحاج صالح تحدث ايضاً عن افق الوصول الى “جنيف 2” قابل للتطبيق، وعن اسباب رفض غالبية من الرأي العام الغربي للتدخل العسكري في سوريا. هنا نص الحوار:
ما هي قراءتك للموقف الأميركي بدءا من ردة الفعل على هجوم الغوطتين الى تلقف المبادرة الروسية ؟
تعرفين أن الأميركيين “قتلوا” أنفسهم كيلا يتدخلون في الشأن السوري. ليس لهم مصلحة مباشرة. ومنذ بدأ ظهور الجهاديين، توجهت سياستهم بالأحرى نحو الحيلولة دون سقوط النظام، والضغط على الجهات الإقليمية التي تساعد الثائرين العاملين لإسقاطه من أجل تخفيف دعمهم، وإن مع إبقاء النظام تحت الضغط. بدل أن يتآمر الأميركيون للتدخل في سوريا، ويلفقوا الأسباب للتدخل على ما فعلوا في العراق قبل عقد، لم يتدخلوا، و”تآمروا” للحد من تدخل غيرهم، وأمروا هذا الغير بعدم التدخل. أعتقد أن أساس سياسة الأميركيين منذ عام على الأقل يتمثل في منع سقوط النظام. ولم يتآمر هؤلاء الامبرياليون هذه المرة إلا على الثائرين السوريين، وليس بحال على النظام. (أما من تصرف على نحو امبريالي نموذجي، وافتعل الذرائع للتدخل – من حماية المراقد إلى تدخل الآخرين- فهو إيران، وذراعها اللبناني المعلوم).
ومحصلة السياسة الأميركية هي تطاول الصراع، وخراب واسع في المجتمع والعمران والنفوس، بما يشكل بيئة مناسبة أكثر لانتشار الجهاديين. لا أعرف سياسة أكثر تناقضاً وقصر نظر، هذا إن لم نسِء الظن: هل فعلا الأميركيون منزعجون جدا من صعود الجهاديين؟ لا أرى أدلة على ذلك.
وليس إستخدام السلاح الكيميائي هو ما دفع الأميركيين لتعديل سياستهم في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، فهم يعلمون جيداً أن الكيميائي إستخدم مراراً قبل ذلك. لكن هذه المرة استخدم بطيش وكسلاح دمار شامل فعلاً، وليس كسلاح تكتيكي، بما ينال من هيبة الأميركيين وصدقية كلامهم على “خط أحمر”، ويطال، إن مضوا في التجاهل، سطوتهم على حلفائهم قبل ردعهم لأعدائهم؛ وبما يشجع أطرافاً أخرى على توسيع هوامش لعبها الخاصة، وتجاه محاسيب الولايات المتحدة وأصحابها وأحبابها. لكن على مضض جرى هذا التعديل، وعلى حرج. إستعداد النظام لنزع السلاح الكيميائي وفق المبادرة الروسية التي يحتمل أن كيري أوحى بها يرفع عنهم الحرج، ويحقق المراد، ويصون صورة أوباما كصانع سلام. ويبدو لي أن تدخل الولايات المتحدة ضد بشار الأسد لمجرد أنه يقتل السوريين بسلاح محرم دولياً لا يشبه السياسة الأميركية، أعدل وأكثر أخلاقية مما يحركها عادة. لذلك كانوا بحاجة إلى تخريجة لائقة كي لا يفعلوا ما لا يودون فعله أصلا. المبادرة الروسية تخريجة مناسبة.
باستبعاد الضربة العسكرية واذعان النظام للخطة الروسية، كيف ستبدو موازين القوى العسكرية والسياسية في الصراع السوري؟ هل بتنا قريبين من ” جنيف 2″ قابل للتطبيق؟
أعتقد ان استبعاد الضربة بحد ذاته لا يحدث تعديلاً مهماً في موازين القوة، لكنه عنصر في سياق متناقض التأثير على الأوضاع السورية من جهة. سقوط سلاح مهم من يد النظام، حاز فاعلية ردعية مؤكدة في مناطق الغوطة في الشهور الأخيرة. هذا جيّد للثوار. لكن الاستبعاد، من جهة ثانية، رسالة للنظام بأنه لا بأس بأن يتوسع في قتل محكوميه بوسائل أخرى. ثم إن هناك نكسة معنوية للتشكيلات المقاتلة، وقد عوّلت على الضربة الأميركية، وهي في الأصل مرهقة. لكن يحتمل أيضاً أن يترجم استبعاد الضربة بتقديم دعم عسكري أقوى من قبل الأميركيين وغيرهم للمقاومة المسلحة، تشكيلات بعينها منها، وضغوط أقل على قوى إقليمية للحد من تسليحها. هناك منذ الآن معلومات في هذا الاتجاه. لكن لست متأكدا كم يحتمل أن يدوم هذا الضرب من التعويض. أرجح أن التسليح، إن صحّ، سيكون موجة عارضة، والأكيد أنه يندرج في إطار ضغط أقوى على النظام، وليس في إطار إسقاطه. هل، إذن، اقتربنا من جنيف 2؟ أشك في ذلك إن كنا نعني شيئاً أكثر من التقاط صور وعملية علاقات عامة مهداة للروس، وتطول بلا نهاية. سياسة النظام هي الحرب. ليس لديه سياسة أخرى. دون حرب يموت.
كانت الاسابيع الماضية “السورية المكثفة” محطة لاظهار رفض غالبية من الرأي العام الغربي للتدخل العسكري في سوريا. الى ماذا تعيد الأمر،و اي دور للمعارضة ولتمدد الجهاديين في هذه المسألة؟
أظن أنه نتاج أوضاع مركبة متعددة الأعماق، من جهة الحصار المر للمغامرة العراقية، والأفغانية. كلفة بشرية ومادية بلا عوض، وخسارة استراتيجية في الحالة العراقية. من جهة ثانية صعود الجهاديين في سوريا، وانجذاب وسائل الإعلام الغربية للتركيز عليهم، وإبراز جرائمهم أكثر مما هي بارزة أصلاً، وتصوير الصراع السوري صراعاً بين طرفين سيئيْن، أحدهما نعرفه وسوؤه يضرّ غيرنا. أيضاً التقصير المتوقع أو فوق المتوقع للطيف السوري المعارض في الغرب لشرح القضية السورية، بينما يبدو ان جماعة النظام أكثر تكرساً ومعرفة بكيفية مخاطبة الرأي العام الغربي، وإثارة هواجسه ومخاوفه من التغيير السوري. كذلك المدة الزمنية الطويلة وتعقد الصراع السوري وصعوبة فهم جوانب منه. الناس يملون بعد حين، ويفضلون تجنب التورط، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه. هناك أيضاً في تقديري عامل ثقافي طويل الأمد يتمثل في نزعة طائفية معادية للإسلام في الغرب، والإسلام السني تحديداً، بحكم صفته الأكثرية، وتماهيه بتاريخ الإسلام الامبراطوري، ونطق النزعات العدمية والإرهابية اليوم بلغته. بمحصلة هذه العوامل، يحتاج الغربي إلى جهد خاص كي يفهم شيئاً عن سوريا والثورة السورية يتجاوز الانطباعات الشائعة، وإلى جهد خاص أيضا كي يتعاطف مع الثورة. لا يحتاج إلى شيء، بالمقابل، كي لا يفهم ولا يتعاطف. لماذا يتعب نفسه؟