زملاء

ملف شامل :عن الرقة.. عاصمة الرشيد وأول المدن السورية المحررة

مدينة الرقة التي تحررت بشكل كامل من النظام تعيش ظروفا إنسانية ومعيشية صعبة خاصة مع فقدان السلع التموينية والغذائية وكذلك النقص الحاد في المواد الطبية.

في شمال شرق سوريا، وعلى الضفة الشمالية لنهر الفرات تقع مدينة الرقّة، عاصمة الخليفة العباسي هارون الرشيد وأول المدن السورية المحرّرة من سطوة نظام الأسد.

أنشئت الرقة عام 244 أو 242 قبل الميلاد، وسميت في البداية كالينيكوس. ويقول البعض أن الاسم يعود إلى الفيلسوف اليوناني كالينيكوس الذي يعتقد بأنّه توفي في الرقة. في العصر البيزنطي، كانت المدينة مركزا اقتصاديا وعسكريا. وفي عام 639 ميلادي فتحتها الجيوش العربية الإسلامية وتحولت تسميتها إلى “الرقة”، وتعني في اللغة “الصخرة المسطّحة”.

وفي عام 772 ميلادي بدأ الخليفة العباسي المنصور ببناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من الرقة، سميت بالرافقة. وبنيت المدينة الجديدة بشكل حدوة فرس على الطراز المعماري للعاصمة بغداد، وسرعان ما اندمجت مع الرقة. وبين عامي 796 و808 ميلادي اتخذ الخليفة العباسي هارون الرشيد الرقة عاصمة له أيضا، وأصبحت المدينة مركزا علميا وثقافيا هاما.

أعلن الجيش السوري الحر بتاريخ 25/3/2013 أنه أحكم سيطرته على كامل مدينة الرقة، بعد أن اقتحم مبنى المخابرات الجوية وحطم أكبر تمثال لحافظ الأسد وسط المدينة. كما حرر فرع الأمن السياسي والزراعة. وتسلم جميع الفروع الأمنية وقصر المحافظ. وأسر رئيس فرع أمن الدولة “العميد خالد الحلبي”، لتصبح بذلك مدينة الرقة أولى المدن السورية المحررة من قبضة نظام الأسد. لكن وعلى الرغم من التحرير، إلا أن الرقة تعيش أوضاعا صعبة.

مدينة الرقة محررة بالكامل ولا تستطيع قوات النظام السوري التقدم على الأرض إلا أن مدفعيته المتواجدة داخل مطار الطبقة العسكري تغطي دائرة قطرها أربعين كيلو مترا، فيبقى المتواجدون ضمن هذا المجال تحت رحمة مدافع النظام السوري. كما عاود الطيران الحربي لقوات النظام السوري جولاته على المدينة وكثف في الأيام الأخيرة غاراته خصوصا في فترة الإفطار، فمنذ أيام استهدفت غاراته أحد أنابيب المياه الرئيسية التي تغذي المحافظة مما أدى إلى قطع المياه عن المحافظة بشكل كامل لثلاثة أيام متتالية. واضطر الأهالي للذهاب إلى نهر الفرات للحصول على المياه. واستهدف في اليوم التالي أحد المولدات الرئيسية لخطوط الكهرباء مما أدى لقطع التيار الكهربائي عن المحافظة قرابة خمسة عشر ساعة. فنظام الأسد إن لم يستهدف المباني المدنية فهو يستهدف المباني الخدمية، بغية الضغط على المجتمع المدني لرفض الكتائب المقاتلة في المدينة.

سد الفرات داخل دائرة الخطر

يذكر أن طول السد أربعة كيلو مترات ونصف تقريبا. تتجمع خلفه بحيرة تزيد طولها عن خمسة وثمانين كيلومترا بعرض ثمانية كيلو مترات، حيث تتجمع بداخلها قرابة الأربعة عشر مليار متر مكعب من المياه. ويتخوّف أهالي المدينة من أن تقوم قوات الأسد بقصف السد؛ الأمر الذي سيسبب، انهياره ولو جزئيا، كارثة كبيرة بالنسبة إلى المدن والقرى الواقعة خلفه. وكان آخر استهداف للسد عندما قام الطيران الحربي التابع لنظام الأسد بضرب محطة توليد الكهرباء الخاصة بالسد وعلى جسم السد الجنوبي، وكانت الأضرار كبيرة للمحطة. وأدى ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدة مناطق وقرى مجاورة للسد وعن مدينة الطبقة كما قطع أحد خطوط الكهرباء الواصلة لمدينة حلب.

الوضع الإنساني

بلغ عدد اللاجئين في محافظة الرقة منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن مليونا ونصف المليون لاجئ توافدوا من حلب وأدلب والحسكة ودير الزور وحمص إلى المحافظة، بالإضافة إلى عدد سكان المدينة البالغ عددهم قرابة المليون نسمة، حسب إحصائيات المنظمات الدولية والإغاثية. وتضاعفت المعاناة الشديدة لسكّان المدينة في ظل ظروف الحياة الصعبة والصعبة جدا بارتفاع درجات حرارة فصل الصيف وعدم وصول التيار الكهربائي وخطوط المياه النقية. كما تشهد المدينة شحا شديدا في توفر المواد الأساسية وخاصة الغذائية منها والدوائية.

ويذكر أنه يتواجد في المدينة سبع منظمات أهلية إغاثية كالهيئة الإغاثية ومنظمة البر والتقوى وغيرها بالإضافة إلى منظمة الهلال الأحمر. وتتشارك العمل فيما بينها بتجزئة المنطقة إلى قطاعات من أجل توزيع المساعدات بشكل متساو على اللاجئين.

تقوم هذه الهيئات بتوزيع السلال الغذائية شهريا على العائلات، لكن في الآونة الأخيرة لم تستطيع هذه الهيئات أن تغطي أكثر من خمسة وسبعين ألف حصة، أي أن ما يقارب المئة والثلاثين ألف عائلة محرومة من حصتها من السلال الغذائية .وحال المدينة أفضل نسبياً من حال الريف من حيث تغطية الأمور المعيشية. ويذكر أن المجلس المحلي للمدينة على تواصل دائم مع الائتلاف المعارض إلا أن الأخير لا يقدم أي نوع من أنواع الدعم للمدينة.

الأكراد في الرقة

يقول “أبوعبد الرحمن” من مركز الرقة الإعلامي: شارك الأخوة الأكراد أهالي مدينة الرقة مع العرب في المظاهرات والحراك الشعبي ضد النظام السوري. كما انخرط الكثير منهم في صفوف الجيش السوري الحر. وقاتلوا لإسقاط نظام الأسد إلا أننا نضع خطوط حمراء تحت حزب العمال الكردستاني “PKK” لأهدافه المزعومة باقتطاع جزء من سوريا وإنشاء دولة كردستان. ويذكر “أبوعبد الرحمن”: من فترة قصيرة حاولت كتائب حزب العمال الكردستاني التقدم باتجاه قرى “تل أبيض” لتعزيز وجودها العسكري في تلك المناطق إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل بعد تصدي كتائب الجيش السوري الحر بالتعاون مع الكتائب الإسلامية لها وإجبارها على التراجع إلى القرى الواقعة على الحدود التركية وللآن تجري اشتباكات بين كتائب المعارضة وكتائب الحزب في بعض القرى.

خطر الإسلاميين المتشدّدين

ذهب الكثير من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين الى الإقرار بوجود إشارات استفهام كثيرة حول المسألة المتعلقة بتحرير الرقة وتبعاتها. فما يزال ما يحدث في الرقة يثير الكثير من التساؤلات ويطرح العديد من النظريات سببها بالخصوص سلوك بعض الكتائب الإسلامية.

فمدينة الرقة ومنذ تحريرها تواجه أوضاعا قاسية على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والخدمية والصحية، بالإضافة إلى سلب ثروات المدينة وسرقة صوامع القمح علاوة على انتهاك الحريات وحالات الاعتقال التعسفي والتصفيات الدموية. وقد علت مؤخرا أصوات المواطنين المتذمرين من هذه الأوضاع وخرجوا في مظاهرات حاشدة ضد هذه الممارسات السلبية التي شهدت تصاعدا في الآونة الأخيرة من قبل ما يسمى “دولة العراق والشام الإسلامية”.

تعتبر “دولة العراق والشام الإسلامية” فراع لتنظيم “القاعدة” الذي أنشئ بأمر من زعيم دولة العراق الإسلامية “أبوعمر البغدادي” دون موافقة من “جبهة النصرة” وهي الفرع السوري “للقاعدة” وحتى دون موافقة زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري.

يذكر أن عناصر من “دولة العراق والشام الإسلامية” اعتقلت بتاريخ 9/7/2013 الناشط الإعلامي “محمّد نور مطر” من أمام مبنى المحافظة في الرقة التي تسيطر عليها المعارضة وذلك “بسبب وقوفه للحظات مع امرأة حاولت الاعتصام أمام المبنى”، حسبما ذكر أحد أقربائه. وسبق ذلك قيام عناصر “دولة العراق والشام” باعتقال مجموعة من الصحافيين. وروى شقيق المعتقل مطر على صفحات التواصل الاجتماعية أنه ذهب إلى مقر “دولة العراق والشام الإسلامية” لسؤالهم عن شقيقه حيث قابل “أمير” الجماعة الذي أبلغهم أنهم سيحتجزون مطر ثلاثة أيام لأنه لا يعرف كيف يؤدي الصلاة. وجرى الاعتداء على شقيق المعتقل وصديقه الذي رافقه وطردهم دون الإفراج عن المعتقل.

إشكاليات بقيد التحليل

مع تحرير أول مركز محافظة في سوريا واعتبارها نقطة تحول استراتيجية في مسيرة الثورة لإسقاط النظام السوري، سرعان ما بدأت أصوات الكثيرين تشكك في ذاك التحرير وبأسبابه والبعض ذهب إلى القول إن ذلك قد يكون لعبة أدخلت المعارضة في متاهة.

في هذا السياق ذكرت بعض التقارير الواردة من مصادر معارضة من داخل مدينة الرقة أنها أصبحت على قناعة تامة بأن خطة تحرير الرقة كانت صنيعة النظام، وأن الثوار يمكن أن يكونوا قد وقعوا في أكبر فخ نصبه لهم هذا النظام السوري.

خلصت التقارير إلى تفاصيل الأيام الأولى لتحرير المدينة بأنه كان من الواضح أن الوحدات العسكرية والفروع الأمنية لم تكن لديها أوامر بالاشتباك وإطلاق النار، وحتى القصف الذي كانت تنفذه طائرات نظام الأسد كان يقع بعيدا عن مراكز تجمع مقاتلي المعارضة.

ويخلص أحد الكتاب والمحللين بأن النظام قد قام بتسليم الرقة وذلك حتى تظهر للمدن الأخرى وللمواليين للنظام كيفية تعامل المعارضين مع إدارة المدينة، وتعتبر بذلك تجربة مشوهة لباقي المدن.

تستشهد هذه المصادر لتأكيد صحة ما ذهبت إليه بأن “اللواء 93 الموجود في أقصى الشمال السوري (عين عيسى) المحاصر خرج قبل أسابيع وبقي 15 يوما يتجول في القرى يعيث فيها فسادا دون أية مشكلة!”. والفرقة 17 أيضا لم تقم بضرب المدينة وعلى لسان أحد ضباطها قال “إننا نستطيع مسح المدينة بأقل من 24 ساعة ولكن ليس لدينا أوامر بذلك”. ولا تزال الكثير من الأسئلة تدور في فلك النشطاء دون إجابة منها:

“لماذا لم تسقط الفرقة 17؟ ما الغاية من الصورة الإسلامية المتطرفة التي تتوارد من الرقة؟ وهل يقبل الأهالي العيش في إطارها؟ ليبقى السؤال الأصعب.. هل تحررت مدينة الرقة بالفعل أم أنها سلّمت بالتفاضل؟

* مؤسسة “أنا”- ANA- للإعلام الجديد

العرب

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. الوضع في الرقة ممتاز جدا مقارنة ببقية المحافظات علما انها تعاني من تجاهل واضح جدا من الائتلاف والمنظمات الدولية والملاحظ ان هناك اطراف كثيرة اخرها النظام واولها بعض اطراف المعارضة تريد افشال تجربة الرقة وذلك واضح من التقارير الكاذبة التي تتحدث عن الرقة

  2. يبدو الاجحاف واضحا و التهجم على الدولة الإسلامية في العراق والشام جليا فالدولة هي الوحيدة التي اخذت على عاتقها تطبيق الشريعية الإسلامية في مسائل التشريع والنزاع بين الناس و أقامة محاكم شرعية في سبيل ذلك و الرقة هي المدينة الوحيدة التي لم تنتشر ظاهرة السرقة فيها والفضل لذلك لله ثم للدولة التي عملت بحزم على ملاحقة اللصوص و محاسبيتهم ..اما بالنسبة للتحرير فقط جاء بالقوة و لا تزال القوة هي سبيل التعامل مع اللواء 93 و الفرقة 17 والدليل الرتل الذي خرج و دمر، لكن فارق القوة حال دون التمكن من القضاء على باقي القوة العسكرية للنظام
    أما مصطلح مسلمين متشددين فهذا مصطلح غربي خاطىء فالأسلام ثابت و واضح وغير قابل للقياس لكن بقي الأعلامي العربي بوق من أبواق الإعلامي الغربي و ببغاء مردد يفتقد النظرة الموضوعية و الرأي المستقل

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق