ناهد بدوية :عمي الطاهر…أحتفي بك وبجريدة السفير
“إرث تاريخي ومن تقليد معاداة حركة التحرر الوطني الجزائرية للمثقف، معاداتها لكل من يقرأ ويكتب”:
هكذا قال الكاتب المبدع الطاهر وطار أو “عمي الطاهر” كما يناديه كل من يعرفه عن قرب. عمي الطاهر الذي خرج أيضا عن إرث تاريخي وتقليد راسخ من تقاليد المثقفين العرب، ألا وهو الصمت عن الانتهاكات التي يتعرض لها المبدعون و المفكرون في البلاد “الصامدة”. تلك الانتهاكات التي أكلت “الصمود” شيئاً فشيئاً كما تأكل دودة القز ورقة التوت، حتى أصبحت هذه الدول منكشفة حتى من ورقة التوت.
أطلق الطاهر ندائه لإطلاق سراح المبدع ميشيل كيلو على صفحات جريدة السفير في عدد 5 حزيران الذي منع في دمشق بعد اكتشافهم لهذا النداء الذي يقطر حباً لسورية ولمبدعي سورية ويقطر خوفاً عليها. أطلق ندائه هذا بعد أن كان قد آثر الصمت منذ عدة شهور بصدد رفضه للدعوة إلى سورية للمشاركة في إحدى المناسبات الثقافية، لأن سورية “تعاني ماتعاني” من أعدائه وخصومه. ولكن صديق ممدوح عدوان وشوقي بغدادي وسعد الله ونوس لم يستطع الاستمرار بالصمت عندما سمع بالأحكام الجائرة التي طالت مثقفين في سورية، وطالت ميشيل كيلو ذلك “الشيخ الذي قضى حياته في الإبداع والنضال ومحاولة بث الثقافة وروح العلم في أمتنا العربية الغلبانة”.
ليس غريباً على الطاهر وطار إطلاق هذا النداء، فقد عاش تجربة بلاد تشبهنا، لذلك تراه يستشعر غربتنا في وطننا ولا يمر عليه خطاب الشعارات والتغني بدماء الشهداء. في مذكراته الأخيرة التي صدرت بعنوان “أراه” يعلن أن الغربة داخل الوطن هي الأقسى. ويقول “ليس أشق من الغربة أيها الشهيد.وليس أكثر غربة في بلدنا من المبدعين والشهداء”.
تحدث كثيراً عن الجزائر ولقد ذهلنا من التشابه. فضح البنية الثقافية الهشة لمسؤولي جهاز الدولة في الجزائر، بوصفه “الجهاز الذي أمعن في تهميش المثقف، كما ألغى صوته وأجهز على وجوده، داخل المنظومة السياسية درءاً لتعدد الأصوات وإيماناً بالصوت الواحد”.
اخترع مصطلح الحزب وحيد الخلية للتعبير عن حزب جبهة التحرير الوطني الذي يقول عنه أنه “حزب غير معطاء، وبقي منذ الاستقلال تقريباً، يلف ويدور حول نفسه مراوحاً مكانه”.
أحيل على المعاش مبكراً، وقد كانت هذه الإحالة تماماً مثل التسريحات عن العمل عندنا، إحالة سياسية ونوع من القمع المدني الذي يهدف إلى فصل المفكرين والناشطين عن المجتمع.
عانى من غياب مؤسسات تعنى في الجانب الثقافي في بلاده، فأسس جمعية الجاحظية التي قال أنه أسسها ضد هذا الغياب.
أحتفي بالطاهر وطار الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً والذي يعتبر من أبرز صانعي المشهد الثقافي في الجزائر، عبر أفكاره وآرائه الجريئة، وكتابته، وعدم مهادنته للسلطة ولا لخصومه السياسيين.
أحتفي وأعيد تعريف المعروف. ألّف عدة روايات أولها اللاز التي نشأنا عليها. و بما فيها “ورقة اللعب”، و زواج بغل، والشمعة، والأنفاق المظلمة. فضلاً عن مساهماته في تأسيس مجلتي “الجماهير” و”الأحرار”. وهو أحد الفائزين بجائزة الثقافة العربية التي تمنحها اليونيسكو، لعام 2005.
ولكن خير احتفاء بهذا المبدع هو التعريف بآماله وأحلامه، وخير معبّر عن ذلك ما قاله عن خياراته في الكتب التي يود أن يحتفظ بها في حياته. وهي “الام لغوركي حتى لاتبرد العاطفة مع الفقراء وضد الأغنياء ، والعقب الحديدية لجاك لندن حتى لاتضيع معاني القيمة الفائضة ، واللاز روايته هو حتى لايرتكب الشيوعيون نفس الاخطاء التي ارتكبوها ، والمقدمة لابن خلدون ، وتاريخ البربر لابن حزم الاندلسي”.
وأخيراً أحتفي بجريدة السفير، الجريدة التي تحاول دائماً التمرد على النظرة الأحادية والضيقة لمشاكل بلادنا.
ناهد بدوية