طل الملوحي أسيرة حرب متشابكة “المصالح “بل أُضحية قدّم لها كادر استخباراتي مُنظم
- أدخل النظام السوري قضيته في لعبة للتخاطب بينه وبين الغرب.
- إذا كانت “طل الملوحي” طرفاً كما يُشاع أو كما يحاول البعض إقناع العالم، فإنه في هذه الحال سيتم محاسبتها وفقاً لبروتوكول الدول المعنية.
- عدم السماح لأهلها بالإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف، قائم على تحذير من الأجهزة الأمنية، والتي ربما تابعت “التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كومبيوتر طل الملوحي.
- بوسع الدبلوماسية المصرية القيام بمساءلة أفراد السفارة السورية، حيث تبيّن استخدام السلك الدبلوماسي كغطاء لأجندة أمنية، وكون التخابر المزعوم تم بمعرفة السفارة السورية وعلى أرض مصرية.
- لم يصدر ذات المحامي الذي فرضته الدولة تقريراً مفصلاً، وأيضاً لم يأذنوا لأطراف حقوقية كنا نتوقع منها دوراً بنشر تقارير مستقلة، سوى أن الأخبار التي توصلنا بها جاءت من مواقع تعيد نشر نصوص وفقرات بدت وكأنها مكتوبة من ضابط مخابرات.
- نخلص إلى القول بأننا أمام قضية كبرى ليس لأنها كذلك، بل لأن النظام السوري أرادها على هذا النحو. فقد تم تركيب أيادٍ وعيون وأرجل وأذن واحدة، بالتالي أصبح الملف ملتبساً، ثم راحوا يتحدثون عن عمالة.
- نستبعد التواطؤ العمد (وفقاً لنص الاتهام الذي يشير إلى التخابر لصالح دولة أجنبية) والذي يهيئون العالم لسماعه من محكمة سورية، إلا أننا في ذات الوقت نشير إلى حقوق يتسم فيها حتى مرتكبو الجرائم.
27 ديسمبر, 2010
أحمد سليمان: الحديث لن يكتمل طالما توجد حقيقة غير مكتملة. أما قبل، مَن هم رواة الحقائق الكبرى في حالات مثل الاحتجاز، ثم الاعتقال، بالتالي الاختفاء والمطاردة لكل من يتداول ملفاً أو قضية أصبحت ذات بُعد دولي؟
أجهزة أي نظام عربي عادة ما تمتلك ما يقوضها، لتصدير أزماتها الداخلية عبر تمرير اتفاقيات، وتأسيس برامج وتحالفات، وأحياناً هندسة لضرب مصداقية جهة مناوئة.
المكان ليس دمشق، أو القاهرة، وليس بتحريض من برلمان أوروبي أو من جهات مؤسسية أمريكية أو سواها، كما يحاول بعض فقهاء الإفك التحريضي، وهم كُثر بلا شك. كذلك لديهم أسباب سننظر فيها حين تتوفر شروط العدالة وقوامها قوانين حرة تنصف الجميع.
نروي إليكم مجدداً، حيث لا رابط واضح بين حدث وقضية، بين متهم ومحكمة سورية تتخذ من دمشق مكاناً آمناً، برعاية ما يمكننا وصفه بالإمارات المتفرقة، حيث قضاء “اللا” نزاهة وتشريع الإستبداد.
على الرغم من اللغط وسوء التقدير الفظيع الذي وقع أثناء الدفاع عن طل الملوحي، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يتراجع أي شخص ينشط منادياً بحريتها. بل ارتفع سقف المناشدات والمطالبات السلمية لتشمل الكثير من الملفات التي ما زال النظام السوري يعتّم عليها.
طل الملوحي الكاتبة والمعتقلة على ذمة قضية بدأت على أنها قضية رأي، وبعد شهور عدة ظهرت معطيات جديدة للاعتقال الذي امتنعت السلطات السورية عن كشف كل تفاصيله حتى اليوم. توجد احتمالات وخصوصيات ومحاذير من الاقتراب من قضية وقفنا إلى جانبها إيماناً منا بحق الدفاع عن كاتبة لديها ما يُثقِلها من الشجون والاهتمامات والكتابات.
نسرد هنا مسوغات موضوعية جعلت من التعاظم الدولي الإنساني، من منظمات وأفراد، دافعاً لمتابعة الدفاع عن حقوقها.
قضية الشابة والكاتبة طل الملوحي :
إننا منذ البدء ننحاز لجلاء الحقيقة بمعناها الدقيق، فهي أسمى من أن تكون ناطقة باسم فئة أو جماعة أو فرد. بالتالي، لسنا في مكان يجعلنا أسرى أو عبيداً لمعلومات ترد كرسائل مشفرة تنقصها الكثير من التفاصيل، التي سنأتي يوماً على ملامسة خفاياها.
حتى مطلع الشهر الثاني من العام الحالي، بالكاد كنا قد سمعنا عن خبر اعتقال شابة سورية، وفقاً لخبر مقتضب وصل بريد منظمتنا. وقد رجّح الخبر اعتقالها على خلفية كتابات تناولت هموماً إنسانية مشروعة. وبعد حين، انهالت الكتابات لتأخذ شكلاً لافتاً، ولم ننقاد حينها إلى المجازر المعلوماتية التي راحت تنتشر بمعدل كل يوم: خبر أو إشارة أو حتى حديث هاتفي عابر.
إلى أن شاع قضيتها كسجينة رأي وحينها كان لنا تحرك دولي ملموس أثمر نتائجه في عدد من البرلمانات الأوروبية، إضافة إلى تحركات مستقلة عنا كنا نشجعها. وقد أصدرنا بيانات وتقارير إلى جانب تجنيد آلة إعلامية مواكبة للإعتصامات السلمية التي ساندناها بقوة .كما قمنا بإنتاج عدد من أشرطة الفيديو كتحية لطل الملوحي ( راجع الفيديو هنا )،كونها سجينة رأي وفقاً للمعلومات التي تسبب النظام السوري في تأكيدها نظراً لتغييبه أصغر معتقلة واحتكاره المعلومات الصحيحة كخطوة قذرة تهدف إلى ضرب مصداقية نشطاء حقوق الإنسان. حينها قلنا إن النظام السوري يوحي للعالم بأن القضية تخص أمن البلاد، دون مستندات رسمية معلنة، سوى تسريبات وبعض تصريحات يكتبها رجال الأمن ويطلبون من أطراف أن تتبناها. وأبرز الأخبار كان حين صرّح والد طل الملوحي، السيد “دوسر الملوحي”، بأن ابنته ستحاكم في قضية تخص “التخابر مع جهة أجنبية”.
معلوم عن “الدولة” السورية وآلية احتكارها لأي ملف قضائي قد يسبب حرجاً معيناً، وعمل كهذا لا يمت للقانون بأي صلة. إضافة إلى ذلك، فإن هذا يُعدّ تدخلاً في شؤون المحاكم. لذلك، نجد الأجهزة الأمنية ترتكب تجاوزات كي تبدو أمام العالم وكأنها تلاحق أشخاصاً من ذوي السوابق المسيئة لأمن البلاد.
تهم لا حصر لها تُقاس وتُفصل لأي شخص، سواء كان صاحب رأي، سياسياً، أو مجرد قارئ لصحيفة، أو مُرسل بريد من جهازه الكمبيوتر. هذه هي سوريا التي يقول المسؤولون فيها إنها لم تعد تعاني من اختراقات لحقوق الإنسان؛ رواة بلا شعب، وحقيقة بلا واقع. وهو ذات الوضع كما حصل مع طل الملوحي.
ذات العقلية نجدها اليوم، وربما لأعوام قادمة. “الدولة” السورية تحتكر ملفاً حديث النشأة يقلقها إذا تم تداوله علناً، في وقت يمثل قمة الحرج عبر أصغر معتقلة تمتلك معلومات تمثل بالنسبة للنظام السوري عيباً سياسياً إذا تم تحريرها وسُمح لها بالكلام عن ملفها بلا رقيب.
لم يُسمح لأحد بتداول ملف طل الملوحي إلا فيما ندر، وعبر هوامش ضئيلة تستقي معلوماتها من أروقة القضاء ومن مشاهدات عابرة. حتى اليوم، نجد أن أغلب ما صدر إعلامياً هو خلاصة تقارير غرف تحقيق نشرتها وسيلة إخبارية تمثل صدى أجهزة ومؤسسات النظام.
لم يسمحوا لعائلة طل الملوحي بتوكيل محامٍ، بل تم تعيين محامٍ من طرف ذات الدولة، التي عُرف عنها عدم احترامها لحقوق الإنسان منذ تشكيلها وحتى اليوم. بالتالي، يترتب على المحامي المُوكل الالتزام بما تم رسمه مسبقاً. وليس على شابة متهمة مثل طل الملوحي سوى تكرار ما قالته تحت تأثير نفسي وبدني.
على الرغم من هذا وذاك، لم يصدر ذات المحامي الذي فرضته الدولة تقريراً مفصلاً، ولم يأذنوا لأطراف حقوقية، كنا نتوقع منها دوراً بنشر تقارير مستقلة. سوى أننا توصلنا إلى أخبار تعلنها مواقع تعيد نشر نصوص وفقرات بدت لنا وكأنها مكتوبة من ضابط مخابرات.
طل أسيرة حرب متشابكة المصالح، ومن هو العميل المفهومي؟
أعين العالم مُنصبة للتعرف على حيثيات أساسية، منها كيف لدولة مثل سوريا عبر قبضتها الحديدية، كيف لشابة صغيرة أن تؤسس لعمل استخباراتي مُنظم حسب ما تشيع عنه التسريبات؟
حيث ذهبت تلك التسريبات بحالة تبدو وكأننا أمام جريمة منظمة، أبطالها ضباط يتمرنون على متابعة فصولها من داخل السجن، مثلاً كالقول بأن طل كانت على صلة غير مصرح بها قانوناً مع أحد أفراد قوات الطوارئ منذ الثانية عشرة، وكأن الأحداث والقاصرات يخضعن لذات المساءلة التي تطال من بلغ السن القانوني.
بالرغم من عدم اقتناعنا بالرواية الأمنية التي جعلت من طل الملوحي مسرحاً لمجموعة شبكات تهدف إلى التجسس على ضباط ومسؤولين، إلا أننا سنحاول تقويم اعوجاج تعمده سيناريو الأجهزة الأمنية.
في وقت مُبكر من صباح 14 أكتوبر، اتصلت بي منسقة عربية في برلمان أوروبي مستوضحة عن دقة المعلومات التي نقلتها بعض مواقع حول طل الملوحي. فكان جوابي: “مصدر الخبر دولة بوليسية قمعية لا تتسم بأي مصداقية، وعدد زنازينهم أكثر من مدارسها وجامعاتها. برجاء توجهي بالسؤال للخارجية السورية أو بسفير دولتكم في دمشق ثم ابلغيني، إذا أمكن”. وفعلت مشكورة؛ أبلغتني استياء الدولة السورية من الحملات المتصاعدة، والتي كانوا يوحون للعالم بأن مصدرها ألمانيا، ما جعلهم يتوجهون لإطلاق تصريحات عبر الصحف الألمانية. فواجهها رد رسمي برلماني وناطق بإسم مجلس حقوق الإنسان ( راجع هذا النص هنا )
قبل يوم واحد من اتصال “المنسقة العربية” بي، وصلتني أكثر من إشارة من زملاء خبراء في شؤون المحاكم الأوروبية وآخرين ينشطون في منظمة العفو الدولية. أكدت إشارتهم القائمة على استنتاج يبين احتمال أخطاء أمنية حصلت أثناء التقصي عن معلومات حصلوا عليها من طل الملوحي التي كانت تُطلع السفارة كمقيمة عن تحركاتها. هذا ما أشرنا إليه ذات مقال بأنها كانت تشارك بأنشطة ثقافية وتقوم بزيارات ذات منحى دبلوماسي بتشجيع من السفارة السورية، والتي كأنها نصبت كميناً لطرف آخر لكنها وقعت فيه. وقد وضعنا تقييماً للقضية حسب الاعتبارات التالية:
- نظرًا لتخبط المعلومات المتضاربة بين نفي وتأكيد وتشويه، لم نأخذ بتلك التسريبات على أنها تحمل بعض الدقة التي أرادت الأجهزة نشرها، إلى أن قرأنا قسماً من ذات الرسائل الأمنية في صحيفة إلكترونية. بناء عليه، تشكل لدينا إيمان عميق بأن “طل الملوحي” زُج فيها ضمن مؤامرة أسس لها كادر استخباراتي مُنظم. ونظراً لبدء تشابك القضية قبل خمس سنوات (أي حين كانت في الرابعة عشرة)، فإذا وضعنا نضج الوعي السياسي عند طفلة فإنه بالمُطلق سنركز على عنصر مهد لأرض خصبة لما تدعيه السلطات بالتعامل مع دولة ثانية، ما يوحي بصمت منذ ذلك الوقت من قبل أجهزة المخابرات لغاية يمكننا تفسيرها بعمالة “الدولة” المتمثلة بعناصر ذات صلة لصالح جهة خارجية.ليس رمي تهمة كبيرة ومفاعيلها بشابة دخلت سن الرشد حديثاً، أي حين أصبحت طل الملوحي في الثامنة عشرة.
- على الرغم من تحفظنا على نص الادعاء الرسمي كونه يفتقر للاعتبار القانوني، والذي قام على أساس احتجاز طل الملوحي وفقاً لهذه المُعطيات والمعلومات التي كانت مُحتكرة من قبل الدولة السورية، فإنه تشكل لدينا كمراقبين بأن طل الملوحي نظراً لوجودها في مُعتقل مؤكد تم استخدام بريدها الشخصي. ونذكر تماماً حين دهمت مجموعة أمنية بعد يوم من اعتقالها وأخذوا كومبيوترها الشخصي من منزلها في حمص. أما بعد ذلك، فمؤكد أنهم طلبوا منها القيام ببعض المراسلات باسمها ووفق ما تم إملاؤه عليها. وربما طلبوا منها إجراء تواصل (عبر أدوات التواصل المختلفة التي تمت مصادرتها وكانت بحوزتهم وهي خاصة طل الملوحي) مع ذات الأشخاص الذين تدور أحداث القضية عبرهم. ونرجح عدم السماح لأهلها بالإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف، بناءً على تحذير من الأجهزة الأمنية، والتي ربما تابعت “التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كومبيوتر طل الملوحي.
- لهذه الأسباب وسواها، نطالب بمقاضاتها وفقاً لنص الاتهام إذا ثبت تورطها، وفي ذات الوقت يجب النظر إلى الدوافع الحقيقية ومن هم المحرضون الفعليون، بل من طلب منها التخابر لصالح دولة أجنبية. بمعنى أدق، يجب مساءلة جهاز أمن السفارة كونهم متورطين عن عمد حين طلبوا من طل الملوحي المشاركة بأنشطة السفارة الأمريكية بشرط ألا تغيب عن أنظارهم أثناء الأنشطة.
- نقرأ في صحيفة تفضي إلى تحليل يستشف بأن النظام السوري يقوم على إظهار الشابة بأنها تعمل لصالح ثلاث جهات مختلفة بوقت واحد (الأمن السوري – السفارة الأمريكية بالقاهرة – جبهة خدام) (راجع النص هنا )
- ونحن سنضيف احتمالًا أبعد من ذلك، وهو أن النظام السوري مسرح الجريمة بمكان آخر، والواقع أنه يبدو لنا إبعاد طرف رابع يُفترض أن تكون طل الملوحي تعمل لصالحه دون أن تكون منتظمة لصالح جهاز أمني. بمعنى أن السفارة السورية في القاهرة، نظرًا لوجود صلة وثيقة معها، كانت تعمل بإشراف تلك الجهة التي تأخذ من العمل الدبلوماسي غطاء للأنشطة الأمنية. فكانت طل الملوحي ممراً لبعض ما يصعب عليهم القيام به. لذلك ننحاز لوجود احتمال لارتباط أمني غير ممنهج بين طل الملوحي والسفارة السورية.
- الثابت لدينا أن طل كانت تتردد إلى السفارة السورية بشكل منتظم حسب طلب السفارة، وقولهم بأنه حرصاً عليها كمغتربة، نظرًا لخصوصية إقامتها الجديدة والتي اعتبرت العائلة أن السفارة السورية هي مرجع لكل السوريين. ومن هذه النقطة كانت مرتبطة عن غير قصد أمني حسب فهمنا لحالة طل الملوحي، كونها تكتب وتقوم بمساندة قضايا عادلة. فكان الموقف من جهة السفارة أن يجعلوا منها عميلاً مفهومياً مزدوجاً دون أن تكون منتسبة لجهاز أمني. يكفيهم سؤالها عن أخبارها بين حين وآخر لتقدم لهم إجابة شاملة عن فترة انقطاعها منذ آخر لقاء معهم.بموجب هذا الاحتمال أننا نجد مقاضاتها مُكلفة بالنسبة لجهاز أمني متورط أصلاً باستغلال السلك الدبلوماسي مسرح لنشاطه في القاهرة .
- ليس غريباً عن أجهزة مخابرات النظام السوري انه عمل على استخدام نتائج ذلك ضمن برنامج يخص عمله بموجب هذا الاحتمال، نجد أن مقاضاتها مُكلفة بالنسبة لجهاز أمني متورط أصلاً باستغلال السلك الدبلوماسي كمسرح لنشاطه في القاهرة. ليس غريباً عن أجهزة مخابرات النظام السوري أنها عملت على استخدام نتائج ذلك ضمن برنامج يخص عملها. بالتالي، تكون طل الملوحي أدت مرغمة مهمة أمنية من داخل غرف التحقيق تحت الضغط والإكراه. تالياً، فإن طل الملوحي إذا كانت متورطة بقدر معين، فإن تورطها نتاج ما يمكننا تسميته فضولاً أوقعها ضحية مؤامرة خبيثة.
- يوجد خيط يجمع بين طل الملوحي وبين الاحتمالات الواردة، كون أجهزة الأمن على معرفة بتحركات الشابة طل وكانت تستفيد من انخراطها بعالم متداخل، خصوصاً أن السفارة السورية في القاهرة كانت مرجعاً لها. وأثناء تلقيها دعوة للمشاركة في العيد الوطني في السفارة الأمريكية، وعند مراجعة طل سفارة بلدها، طُلب منها تلبية الدعوة وفق محددات معينة وقد التزمت بها.
وفقاً لهذه المعطيات إننا نعتبر طل الملوحي أسيرة حرب متشابكة المصالح ،فقد أدخلها النظام السوري في لعبة للتخاطب بينه وبين الغرب. فإذا كانت “طل” طرفاً كما يُشاع أو كما يحاول البعض إقناع العالم، فإنه في هذه الحال سيتم محاسبتها وفقاً لبروتوكول الدول المعنية. وإن كنا نستبعد التواطؤ العمد (وفقاً لنص الاتهام الذي يشير إلى التخابر لصالح دولة أجنبية) والذي يهيئون العالم لسماعه من محكمة سورية، إلا أننا في ذات الوقت نشير إلى حقوق يتسم بها حتى مرتكبو الجرائم.
وفقاً لنص دستوري:
سنعتبر حالة طل الملوحي ما يمكننا وصفه بتورط عن غير عمد، أو أخطاء شابة دخلت نسيجاً من الصداقات والتنقلات الاجتماعية، أدت إلى نمط غير مقبول قانوناً. لكن في ذات الوقت، إنه خطأ يقع فيه كثيرون ثم يعدلون عنه في حال توفرت شروط أساسية مثل: الإقامة، المحيط السليم، العمل المستقر، إلخ.
نخلص للقول بأنه لا يوجد تورط قائم على وعي وتفكير مُسبق. في ذات الوقت، توجد خفايا لم تُعلن نظراً للتعتيم على القضية، وإن كنا أصلاً نحاجج نظاماً تسلطياً غير شرعي، مرجعه مؤسسات أمنية فاسدة. نظام قائم على التزوير لمصلحة تدعي أمن البلاد، وكلام فيه مزايدات وعنجهية. على الرغم من ذلك، يمكننا إخضاع التهمة القائمة على توريط شابة لإسدال الستار عن الذين أسسوا لهذا الدور، وربما لعدم كشف القضية الأساسية التي قد تكون فعلاً تخص أشخاصاً ذوي نفوذ.
مع أخذ العلم، فإن التهمة التي سيتم محاكمة طل الملوحي عليها قابلة للاستئناف ومناقشة فعلية بموجب فقرات من الدستور السوري حيث يورد في الآتي:
المادة 273 من الدستور السوري:
- من كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات كالتي ذكرت في المادة 271، طبعها أو أفشاها دون سبب مشروع، عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين.
- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل إذا أبلغ دولة أجنبية.
- إذا كان المجرم يحتفظ بما ذكر من المعلومات والأشياء بصفة كونه موظفاً أو عاملاً أو مستخدماً في الدولة، فعقوبته الاعتقال المؤقت في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى، والأشغال الشاقة المؤبدة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية.
- إذا لم يؤخذ على أحد الأشخاص إلا خطأ غير مقصود، كانت عقوبته الحبس من شهرين إلى سنتين.
توصيات قانونية:
- العمل على تسلسل القضية حيث بدأت في سن الرابعة عشرة.
- مقاضاتها بموجب نفاذ شرطها القانوني الذي أشرنا إليه.
- إطلاق سراحها وفقاً لنص قانوني ورد في المادة 271، بالحبس من شهرين إلى سنتين، فقد انقضى عام على اعتقالها.
ملاحظات على خرق قانوني:
يتضح للمتابع لهذه القضية أنه تم اختصار كل الطرق التي تعزز وضع “طل” القانوني، حيث لم يُسمح لها بتعيين محامٍ من اختيارها. كذلك، لم يُسمح للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بحضور الجلسة الأولى، مما يؤكد وجود فضائح كبرى تطال رؤوساً في الأجهزة الأمنية.
الاعتقال قائم على الاستدراج، حيث تم إبلاغها بطرح بعض الأسئلة كما يحصل عادة معها في كل مرة، لكنها في هذه المرة خرجت حيث الموعد المقرر، وهناك تم احتجازها.
حضرت الجلسة الأولى ولم يتم معاينة سلامتها النفسية ولم تُعرض على طبيب وفقاً لأصول المحاكمات.
ملاحقة أفراد السفارة السورية:
بوسع الدبلوماسية المصرية القيام بمساءلة أفراد السفارة السورية، حيث تبين استخدام السلك الدبلوماسي كغطاء لأجندة أمنية، وكون التخابر المزعوم تم بمعرفة السفارة السورية وعلى أرض مصرية.
دور إقليمي أعوج وقضية شعب:
بقي أن نشير إلى أدوار يلعبها النظام السوري، فكانت نتائجه صفقات سياسية مُخلة بأخلاقيات الدول. مثلاً، قام بتسليم الزعيم الكردي عبد الله أوجلان وفقاً لاتفاقات جانبية، وتلاه تسليم عدد من قيادات تنشط في الحركة الأهوازية، إضافة إلى لعب دور إقليمي سيئ عبر تدخله في شؤون الجوار في لبنان والعراق. ولا يخفى على أحد قيام ذات النظام بلعب دور الوصاية على منظمات فلسطينية منذ نشأتها، من منطلق الحفاظ على الدور العربي الذي يدعيه. وقد أشبع العالم مزاودات تحت مُسمى الصمود والتصدي، فيما هو اليوم يتابع على نحو خانع أمام معطيات سياسية استسلامية. يكفي أن نشير إلى تدخله في شؤون السلطة الفلسطينية، مستخدماً حركة حماس كمدخل تفاوضي لرسم ملامح سياسته، كما يفعل مع حزب الله في لبنان وتحالفه مع إيران.
على ذات النسق، نجده يعد أجندة غير نزيهة بحق مجتمعه. فما كانت قضية “طل الملوحي” إلا مدخلاً كشف لنا عيوب النظام دفعة واحدة. ومن الواضح منذ نشأة الملف أنه وقع أسير عقول أمنية استنفرت طاقاتها في الهباء وبلا مقابل عملي، سوى تشويه لوقائع يُفترض بها أن تكون غير ما هي عليه. إنها لعبة أكثر من جهاز أمني، حيث تحولوا من حماة للأمن إلى معتدين على شعب وقانون يحكمه.
على ذات النسق، نجده يعد أجندة غير نزيهة بحق مجتمعه. فما كانت قضية “طل الملوحي” إلا مدخلاً كشف لنا عيوب النظام دفعة واحدة. ومن الواضح منذ نشأة الملف أنه وقع أسير عقول أمنية استنفرت طاقاتها في الهباء وبلا مقابل عملي، سوى تشويه لوقائع يُفترض بها أن تكون غير ما هي عليه. إنها لعبة أكثر من جهاز أمني، حيث تحولوا من حماة للأمن إلى معتدين على شعب وقانون يحكمه.
نخلص إلى القول:
إننا أمام قضية كُبرى ليس لأنها كذلك، بل لأن النظام السوري أرادها على هذا النحو. فقد تم تركيب أيادٍ وعيون وأرجل وأذن واحدة، بالتالي أصبح ملفاً ملتبساً، ثم راحوا يتحدثون عن عمالة.
بناءً على السرد المتعلق بقضية حاضرة عند الضمير العالمي، مؤكد لن يُغلق هذا الملف حتى وإن أُطلق سراحها تحت مرسوم أمني أو عفو رئاسي، أو بموجب نفاذ شرطها القانوني الذي أشرنا إليه، بدءاً من شهرين إلى عامين أو خمسة أعوام وفق بنود يحددها دستور البلاد. إلا أن هذه القضية لن تُغلق لدى الضمير العالمي ولدى الذاكرة السورية طالما أن الملف برمته يتسم بالغموض المتعمد لغايات لا علاقة لها بأمن سوريا، وإنما لغايات تخص سمعة جهاز مخابرات يحاول تشويه الحقائق ولعب دور الحفاظ على المصلحة الوطنية.
إن مصير مئات من القضايا يُصر على أنها تمس سمعة البلاد وتوهن عزيمة الأمة، ذات الأمة التي تم دفنها وسُحق شعبها قمعاً وجوعاً ومطاردة وسجوناً سرية وملفات ملفقة.
بصدد تعريف الدولة:
هذه التي يسمونها دولة، إذ تتمتع بتقاليد مجموعة (كانتونات مافياوية)، إمارات مفككة ومتناغمة بآنٍ معاً، حيث تحولت بلاد مثل سوريا إلى مزرعة للفساد السياسي برعاية ضباط. وقد أشرنا في غير مكان إلى “دولة”، فإنما حسب فهمنا للدولة الفاعلة التي يتم إدارتها عبر مؤسسات مدنية، وليس عبر مافيات ومخابرات وأمزجة المصالح التي تحددها مجموعة ضباط ومرتزقة يعتاشون من غياب الدولة.
هذه الدولة تعتقل نشطاء مدنيين وكتّاباً، محامين وأطباء، ومهندسين ودعاة فكر تحرري، وتقاضيهم في محاكم لا تتسم بأي معايير لأصول المحاكمات العادية، متسلحة بقانون يتم تطبيقه في زمن الحروب. وسوريا لم تخض حرباً منذ عقود، وليس بوارد أي اقتتال مع خصوم، إذ إنها حسب تصريحات مسؤوليها مُقبلة على تسوية سياسية وسلام استراتيجي مع الجوار والعالم، لكنها كما نلاحظ تقوم بحرب مفتوحة بحق مجتمع برمته.
يكفي أن نورد أسماء مثل هيثم المالح ومهند الحسني، أنور البني وتهامة معروف، راغدة الحسن وفاطمة حاوول، علي العبد الله وكمال اللبواني، حسن صالح ومشعل تمو، محمود باريش وخلف الجربوع، مصطفى حاج بكري والمغيّب نزار رستناوي، ومجموعة من المدونين الشباب الذين شاركوا بحلقات حوارية علنية: طارق الغوراني، عمر علي العبد الله، ماهر إسبَر، حسام ملحم، أيهم صقر، وعلام فخور، دياب سرية، وطارق بياسي، وسواهم من الذين يقاسون القمع والتعنيف والملاحقة.
هذه هي التي يسمونها دولة، فهي تُشرّع “اللا نزاهة” وتستبد بالإنسان. مع كل هذا وذاك، فإن المواطن في سوريا يعيش بين محرقة القمع وسوط التجويع الذي يرفعه أصحاب النفوذ الذين احتكروا الثروات وكافة مقدرات البلاد. ابتسموا، إنها إمارات التابعية السورية.
إعداد وتوثيق: أحمد سليمان
صدر التقرير عن منظمة ائتلاف السلم والحرية، و صادقت عليه المنظمات المنضوية في الائتلاف : جمعية النهضة الثقافية البلغارية – مقرها بلغارية، جمعية أصدقاء الكتاب – مقرها النمسا،التجمع الدولي لأقليات الشتات – مقره أمريكا ، المركز العالمي للصحافة والتوثيق – مقره سويسرا ، تجمع نشطاء الرأي والدمقراطية – مقره ألمانيا، مركز حلبجة لمناهضة انفلة وابادة الشعب الكردي – مقره هولندا، مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية “شمس” مقره فلسطين ، مركز الآن للثقافة والإعلام – مقره بيروت .
—————————————————–