إذن الطبخة صارت معروفة، “تلفيق” حل دبلوماسي، “روسي ـ إيراني ـ غربي ـ تركي ـ عربي”، تتم التضحية فيها برأس بشار الأسد، مقابل ضمانات دولية تضمن عدم محاكمته وعائلته وأفراد نظامه وشبيحته، من أجل “الحفاظ على النظام والحيلولة دون انهياره”، وثم إجبار المعارضة، بعد تكسير ذراعها المسلحة “الجيش الحر” على قبول الصفقة وتقاسم السلطة من نظام الأسد، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية يتم فيها اختيار رئيس جديد “مقبول” لا ينتمي لا للنظام ولا للمعارضة، وتوزيع المناصب الوزارية بين الأطراف المختلفة مناصفة بين نظام الأسد والقوى المعارضة المختلفة، على قاعدة “عفا الله عما سلف”، مع إنشاء صندوق تعويضات لذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين، وإجبار دول الخليج على تمويل النظام “التوافقي” الجديد، والدعوة إلى مؤتمر “مصالحة” لمأسسة الوضع في سوريا ووضعه تحت الحماية الدولية والإقليمية المباشرة لمنع أي طرف سوري من الإخلال بما تم الاتفاق عليه.
بدأت مؤشرات المؤامرة الكبيرة على الجيش السوري الحر تظهر للعيان، فقد اضطر مقاتلوه إلى الانسحاب من حي صلاح الدين في مدينة حلب ومن أحياء في مدينة درعا بعد صمود أسطوري، بعد نفاد ذخيرتهم.
هذه المؤامرة تتورط فيها أطراف عديدة تعمل على “قصقصة جنحان” الجيش السوري الحر وإنهاكه و”تدويخه” لإجباره على الاستجابة لرغبات وإستراتيجيات لا تلبي مطالب الشعب السوري بإسقاط نظام بشار الأسد الإرهابي، بدءا من الحيلولة دون وصول أسلحة للثوار، وانتهاء بمحاول بعض الدول “صناعة جماعات تابعة لها” في الداخل السوري، على حساب الكتلة الرئيسية الممثلة للشعب السوري، وصناعة “ثوار مزيفين” على حساب الثوار الحقيقيين من الجيش السوري الحر والكتائب الأخرى المقاتلة على الأرض.
ليس سرا أن بعض دول الجوار تمنع دخول الأسلحة النوعية للثوار القادرة على تغيير موازين المعركة في سوريا لصالح الشعب السوري، بل إن انسحاب الثوار من بعض الأحياء في حلب ودرعا يكشف منع دول الجوار وصول الذخيرة للجيش السوري لمقارعة قوات الأسد والكتائب التابعة له.
وضع الثوار الحالي في سوريا هو حصار من الخارج، لمنع وصول ما يكفي من المدد والسلاح، وخنق من الداخل رغم القتال ضد آلة الأسد العسكرية الضخمة، فجميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة تعمل على خنق الثورة السورية وتركيع الثوار، بهدف “تليين” الجيش السوري الحر وتحويله إلى أداة “طيعة” لتحقيق أهداف الآخرين التي لا تعني بالضرورة تحقيق مطالب الشعب السوري بإسقاط النظام، وهو تركيع يتم بطرق مباشرة وغير مباشرة أهمها “منع السلاح النوعي” من الوصول إلى أيدي الثوار، وفتح قنوات اتصال مع جماعات هامشية في سوريا، وتجاهل المقاتلين الحقيقيين، من هنا فإن جميع الذين يدعون دعم الثورة السورية والجيش السوري الحر يكذبون، ولو كانوا صادقين لوصل السلاح إلى الثوار، وكلهم ضالعون في “تدويخ” الثورة والثوار والجيش السوري الحر.
على الجانب الآخر لابد من الاعتراف أن إيران تدعم نظام الأسد بشكل مبدئي وعلني وحقيقي، وتمده بالرجال والخبراء والسلاح والمال، وتدافع عنه في كل المحافل الدولية والإسلامية، مما يجعل منها حليفا يتمتع بالمصداقية والموثوقية للأسد، وعلى نهجها يسير حزب الله اللبناني، وكذلك روسيا التي استخدمت الفيتو المزدوج مع الصين 3 مرات لصالح نظام بشار الأسد، ودعمته بكل قوة في كل المحافل الدولية، إلى الحد الذي تهكم فيه البعض على سيرغي لافروف بوصفه أول وزير خارجية لدولتين معا، روسيا وسوريا، مما مكن نظام الأسد من الصمود بعد عام ونصف من الثورة.
مقابل هذه المواقف الإيرانية – الروسية المهمة والمؤثرة والحاسمة، يدعم الغرب والعرب وتركيا الثوار السوريين على استحياء وبتردد وبلا ثبات، وبكلام غامض يحتمل أكثر من تفسير وأكثر من موقف، فهذه الأطراف لا تريد “للثورة أن تنتصر ولا لنظام الأسد أن يهزم”، وتعمل على “ترويض” الثورة السورية من أجل دفعها للقبول بحل سياسي “متفق عليه” لتقاسم السلطة يضمن بقاء النظام، مع الاستعداد للتضحية برأسه، للوصول إلى سوريا “ضعيفة ومستقرة ووادعة ولا تشكل تهديدا لإسرائيل”.
إذا ربطنا حصار الثورة السورية ومحاولات خنقها من الداخل مع الحركة الدبلوماسية في الخارج نصل إلى التالي: الغرب وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل والدول العربية لا تريد انهيار نظام الأسد، والجهة الوحيدة التي تريد الإطاحة بالنظام البعثي هو الشعب السوري، ولهذا تنشط روسيا وأمريكا والغرب على تفكيك الثورة “دبلوماسيا” وتقديم “حلول مرضية للجميع” باستثناء الشعب السوري، ويكشف ذلك ما أعلنه قدري جميل نائب رئيس وزراء النظام البعثي بتأكيده “إمكانية استقالة الأسد في إطار مفاوضات مع المعارضة”، متفقا مع ما كشفته مصادر سياسية في دمشق قبل سفره من أن جميل ذهب إلى موسكو لمناقشة مشروع أعدته روسيا بموافقة سوريا يقضي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بإشراف دولي يشارك فيها من يرغب من المرشحين بمن فيهم بشار الأسد”.
إذن الطبخة صارت معروفة، “تلفيق” حل دبلوماسي، “روسي ـ إيراني ـ غربي ـ تركي ـ عربي”، تتم التضحية فيها برأس بشار الأسد، مقابل ضمانات دولية تضمن عدم محاكمته وعائلته وأفراد نظامه وشبيحته، من أجل “الحفاظ على النظام والحيلولة دون انهياره”، وثم إجبار المعارضة، بعد تكسير ذراعها المسلحة “الجيش الحر” على قبول الصفقة وتقاسم السلطة من نظام الأسد، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية يتم فيها اختيار رئيس جديد “مقبول” لا ينتمي لا للنظام ولا للمعارضة، وتوزيع المناصب الوزارية بين الأطراف المختلفة مناصفة بين نظام الأسد والقوى المعارضة المختلفة، على قاعدة “عفا الله عما سلف”، مع إنشاء صندوق تعويضات لذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين، وإجبار دول الخليج على تمويل النظام “التوافقي” الجديد، والدعوة إلى مؤتمر “مصالحة” لمأسسة الوضع في سوريا ووضعه تحت الحماية الدولية والإقليمية المباشرة لمنع أي طرف سوري من الإخلال بما تم الاتفاق عليه.
هذه الصيغة تضمن عدم هزيمة نظام الأسد، رغم أنه سيفقد رأسه، وعدم انتصار الثورة، رغم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين، وستكسب إسرائيل جارا ضعيفا مستقرا لا يهددها، وستأخذ إيران حصتها من الكعكة السورية، وتضمن استمرارية الزخم لذراعها في لبنان “حزب الله”، وسيرسخ الغرب قوته في المنطقة بعد خسائره في العراق وأفغانستان، وستكون روسيا أكبر الرابحين بتدشين عودتها إلى الساحة الدولية كلاعب لا يمكن تجاوزه، وتعلن انتهاء خسائر ما بعد الحرب الباردة وانهيار جدار برلين، وسيتم الاعتراف بالنفوذ التركي في سوريا، أما الأنظمة العربية فستستمر بدورها الوظيفي كأداة في أيدي القوى الكبرى، وأنها لا تقدم ولا تؤخر، ولا وزن لها من الناحية الإستراتيجية، وهدفها الوحيد هو الاستمرار في السلطة، وسيكون الشعب السوري هو الخاسر الأكبر، رغم الدماء والدموع والاغتصاب.
هكذا تفكر أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيران وتركيا والأنظمة العربية، وهو تفكير جدي ينبغي على ثوار سوريا أن يتعاملوا معه بجدية، لأن نجاحه يعني خسارة الثورة وتحويلها إلى “عبث” لا طائل من ورائه، وإغلاق الطريق نهائيا أمام أي ثورة جديدة في العالم العربي، طالما أن النتيجة النهائية للثورة “بقاء النظام” والقبول “بتسوية” على مقاس المصالح الإيرانية التركية الغربية الروسية والأنظمة الحاكمة