زملاء

غسان سلطانة : خال السوريين وأيقونة الحرية

عبد الرحمن محمد : “صباحكم متل ما بدكم”.. بهذه الكلمات كان الخال الراحل غسان سلطانة يبدأ أي كلام ينشره على صفحته.. ويختمه بالقول “قولو الله”.. إلى أن جاء الصباح الذي لم يكن يريده أحد، توفي الخال.. نعم هذه المرة حقيقة، ليس كما فعل قبل أسابيع ونعى نفسه على صفحته، مخبراً محبينه ومتتبعيه أن أجله دنا، وأصبحت أيامه في الحياة قليلة بسبب تفاقم مرضه العضال.

الخال غسان سلطانة

غسان سلطانة، أو “الخال” كما كان يناديه أصدقائه السوريون، رجل خمسيني ، شكل حضوره على الساحة الثورية إزعاجاً كبيراً للأسد ومريديه، فالخال كان “مسيحياً” ويفترض أن النظام “العلماني الممانع جداً” يحميه ويحمي أبناء الطوائف السورية الأخرى، على قاعدة فزاعة المحيط “السني” الكبير.

كتب أحد الناشطين على صفحة الراحل سلطانة: “بدأت شكوى الخال من آلام شديدة غير محتملة في الصدر من الجهة اليمنى منذ حوالي الشهرين، وذلك في مدينة أورفه التركية، عندما كان يؤسس (دار الخال) لإيواء الجرحى السوريين، وبعد اشتداد الألم وعدم القدرة على تحمله عاد الخال إلى مدينة الريحانية، وتحديداً إلى دار الاستشفاء ومشفى أورينت حيث تم إجراء الاستقصاءات المتوفرة وتم اكتشاف كتلة خبيثة في الرئة اليمنى”.. ويضيف: “تم إرسال الخال إلى القاهرة حيث أجريت له الفحوصات اللازمة وتم تشخيص خلايا سرطانية صغيرة في الرئة اليمنى مع انتشار المرض في العظم، إثر ذلك تم تحويله إلى مشفى خاص في العاصمة الأردنية عمان للعلاج، لكن بعد معرفة الخال بتكلفة العلاج الباهظة (40 ألف دولار)، ونسبة شفاء لا تتجاوز 6% ، قرر عدم أخذ العلاج وعاد إلى مدينة الريحانية ليقضي أيامه الأخيرة حيث تنقل ما بين دار الاستشفاء ومشفى أورينت، حيث كان يتناول جرعات عالية من المسكنات القوية”.

هنا كتب الراحل في صفحته مبرراً رفض العلاج في عمان: “كتار كتير من حبايب قلبي عرضو علاي يساهمو بعلاجي.. وبقلهن وبقلكن.. مو بطولة ولا استعراض: بتمن علاجي ممكن انقاذ المئات من ثوارنا يلي في منهن بحاجة لرغيف خبز.. بقى بترجاكن ومن قلبي.. هيدا الموضوع منتهي وآخد قراري فيه”.. حتى في لحظات ألمه الشديد، كان الخال يفضل أن تنفق النقود في دعم الثورة والثوار، لم يؤثر نفسه على أبناء وطنه، ووجد أن هناك من هو أبدى لتذهب إليهم النقود.

السوريون في دول اللجوء يعرفون الخال جيداً، كان يرافقهم في المظاهرات قرب سفارات الأسد في عمان وفي القاهرة، كا يحمل بيمينه القرآن الكريم، وبيساره الإنجيل المقدس.. يريد أن يري العالم أجمع أنه في سوريا ثمة ثورة شعبية عارمة، وليست ثورة طائفية كما ادعى النظام وصبيانه منذ اللحظة الأولى.. كان غسان سلطانة خالاً لجميع السوريين، جعل صفحته ملاذاً لمن تقطعت بهم السبل في دول اللجوء، يكفي أن يكتب “حبايب ألبي في سوري مندس بحاجة لكذا.. وكذا وقولو الله” حتى تنهال التبرعات والمساعدات.. يقولون إنه ساعد عوائل سورية كثيرة في مصر لتأمين تكاليف ايجارات بيوتهم، وتأمين سلال غذائية ومصاريف لعلاج المرضى منهم. كان يقصده الجميع.. ولم يتأخر يوماً في مساعدة أحد.

وفي عمان التي زارها من أجل الفحوصات والعلاج، لم يمنعه ذلك من التظاهر أمام سفارة الأسد، ومناشدة الحكومة الأردنية بطرد سفير المجرمين كما وصفه، زار اللاجئين وبكى على أحوالهم الصعبة.. حاول أن يخفف من آلامهم، رغم اشتداد آلامه.. فالسرطان لا يرحم.
وفي لبنان.. تجول في طرابلس ليطمئن على أحوال الفارين من قذائف ونيران الأسد، ساءه أن يقوم مذيع لبناني أسمه “طوني خليفة” بالتسول الرخيص والسياسي على حساب اللاجئين السوريين.. قال على صفحته: “نريد أن يرى هذا المذيع، نحن لسنا بحاجة لـ (ربطات الخبز) التي جمعها.. سنشتري 200 ربطة خبز، ونعيدها إليه.. لا نريد منية أحد”.

وفي تركيا لم يقعده المرض.. جال المخيمات ليمسح دموع الثكالى ويلاعب أطفال الشهداء، ومنها دخل إلى سوريا، عانق أرضها وقبّل تربها.. زار المرابطين على الجبهات، قبل جباههم وحيا بطولاتهم، ووقف مبهوراً أمام شجاعتهم، وكيف يواجهون الموت مقبلين غير مدبرين.. تجول بصحبة الكتائب الإسلامية، قال بصراحة لا تخافوا ممن يخاف الله، بل خافوا ممن لا يعرف الله.

 مقتطفات من كلمات الراحل في صفحته على فيسبوك:
– سؤال وجواب (كنا مجموعة سهرانين وكنت يا خال موضوع السهرة .. واختلفنا .. قسم قال أنك محسوب ع جبهة النصرة وع الكتائب الاسلامية رغم أنك مسيحي.. وقسم قال أنك مسلم.. وحدا قال أنك محسوب ع الجيش الحر وحدا بيقول أنت محسوب ع؟ بيجي حدا بيقول لا أنت محسوب ع؟.. وماحدا قال أنك محسوب ع الائتلاف أو المجلس لأنو الكل بيعرف قديش (بتحترمهن؟).. بقى كرمال الله وكلمة صدق : أنت على مين محسوب؟)..
حبايب قلبي ونور عيوني وبأغلى ما عندي أنا محسوب ع سوريا وعلى كل مين بدو يسقط هالساقط.. وأجندة ما بعد سقوط هالساقط ما عندي..

– صباح الإسراء والمعراج.. صباح سبحانه الذي أسرى بعبده.. يامن أسريت بعبدك وحبيبك المصطفى من مكة إلى بيت المقدس ومنها إلى السماوات العلا ولقاؤه بجبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى.. أرجوك وأصلي أن تسري بسوريا من ظلمة الظلم والقتل وتعرج بها إلى نور الحرية والكرامة وتخلصها من آلامها.. وآلامي.. أرجوك اللهم استجب لي ولأحرارنا وأنت السميع البصير.. وقولو الله.

– رغم مرضي ماعدت اتحمل حقارتكن.. والله مو أحقر ولا أوسخ ولا أنجس من بشار الأسد وعصابتو وحسن نصر الشيطان غيركن انتو يا (…) وما بستثني حدا منكن قشة لفة.. اتلاف جديد مع قديم مع الملحس مع الطقومة المؤقتة.. ولك هددو بشار إذا ما بيرحل رح تجو تعيشو عندو وشوفو كيف بيفضل الهريبة والموت ولا عيشة دقيقة معكن يا (…) ولك متنا.. انذلينا.. تشردنا.. مرضنا وأنتو؟؟؟؟ مابعرف شو انتو.. المهم والأكيد صرت متأكد انكن مو سوريين.. وع مسئوليتي.. وأنتو يا أحرار يا ثوار بيكفيكن أنو الله معكن والشعب الحر الأصيل.. قولو الله.

– طائفة كريمة.. ورح تضل كريمة: أقسم بالله العظيم أن الطائفة الكريمة الوحيدة في سوريا هي.. الطائفة السنية.. رغم كل القتل والتفظيع يلي عملو وعم يعملو هالساقط بشار وعصابتو بهالطائفة ما مقدر يجرها للمستنقع يلي عايش فيه.. ويلي بدو ياه. ويسوع المسيح.. والعدرا.. سأحميكي بدمي أيتها الطائفة الكريمة.. كي تبقي.. كريمة. وهيدا مو حكي وصف كلام.. والأيام بيناتنا.. سوري\ مسيحي.

أيقونة من أيقونات الثورة أنت أيها الخال.. رحلت حاملاً آلام المرض وفراق الوطن، وجراح أبناء سوريتك الذين أحببتهم بكل جوارحك، رحلت تاركاً قلوباً أحبتك بصدق، بادلتك الحب بالحب، والإحسان بالإحسان.. مضيت وأنت تردد: يا أبناء سوريا أنتم شعب تليق به الحرية، ويفيض بالكرامة والعنفوان.. تابعوا المشوار على دروب الآلام حتى الوصول إلى بر سوريا التي حلمنا بها طويلاً.

نقلا عن أورينت

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق