زملاء

بكر صدقي : الطرف الكردي يعتبر نفسه مجتمعاً مستقلاً

  •  السياسي الكردي يستخدم لغة مزدوجة، غير نزيهة في التعبير بوضوح عن تمحوره الكامل حول كرديّته، وعن عدم اعتبار نفسه معنياً بما يحصل في حمص أو درعا أو ريف دمشق. ﻻ يجهر بهذه الحقيقة. 
  •  في «المجلس الوطني الكردي» تياران، الطالباني والبرزاني. تيار الطالباني أقرب للنظام، وله مواقف مهادنة جداً مع البي كي كي، بينما لتيار برزاني لغة أقرب للثورة، وهو رأس الحربة في الدخول في اﻻئتلاف الوطني.لكن حتى هذا التيار، والذي يتحدّث علناً عن وطنية سوريّة جامعة، تجد له موقفاً آخر في سجالاته الكردية-الكردية
  •  اﻻتحاد الديمقراطي ، يمارس اﻻنفصال بشكل فعلي على الأرض، وحمايةً لمواقعه ومناطقه، لكنه ﻻ يريد دولة مستقلة، بل إدارة ذاتية مبنيّة على كونه القوة المهيمنة على المناطق الكرديّة. «أكرادنا نحكمهم نحن»، هذا هو منطقهم. الأطراف الكردية الأخرى مترددة بين فيدرالية وبين «استقلال ذاتي سياسي»

حاوره ياسين السويحة : للمسألة الكرديّة في سوريا موقع في صدر التعقيدات الكبرى التي تعصف بسوريا اليوم، بعد أكثر من 1000 يوم على انطلاقة الثورة السوريّة ضد نظام بشار الأسد. «قوات الحماية الشعبيّة» التابعة لحزب اﻻتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، وهو الجناح السوري لحزب العمّال الكردستاني (PKK)، تفرض سيطرتها على المناطق الكرديّة في إدارة ذاتيّة فُرضت تحت الأمر الواقع بدايةً، وأُعلنت رسمياً قبل أسابيع. بالتوازي، تشهد مناطق الشمال السوري موجات متلاحقة من الاشتباكات بين القوّات الكرديّة وكتائب تابعة لـ«الجيش الحر» بدايةً، ثم الفصائل الإسلاميّة لاحقاً.

سياسياً، وصلت العلاقة بين اﻻتحاد الديمقراطي الكردي واﻻئتلاف الوطني إلى أسوأ درجاتها، فإعلان الإدارة الذاتية للمناطق الكردية قوبل ببيان عنيف من اﻻئتلاف اعتُبر فيه أن إعلان الإدارة الذاتية خطوة انفصاليّة، وأن من قام به، الاتحاد الديمقراطي، جهة معادية للثورة السوريّة. الاتحاد الديمقراطي عضو في هيئة التنسيق الوطني، المناوئة للائتلاف، وصالح مسلم، وجهه السياسي الأبرز، من قيادات الهيئة الأكثر حضوراً على الإعلام.

لإلقاء نظرة أكثر قرباَ وتخصصاً، حاورت «الجمهوريّة» بكر صدقي، وهو كاتب ومترجم كردي، وأحد أبرز المترجمين من التركيّة، له مساهمات مستمرّة في الصحف والدوريات العربيّة حول تركيا، المسألة الكرديّة، سوريا، وقضايا فكريّة وسياسيّة مختلفة. صدقي معتقل سياسي سابق في سجون النظام السوري.

> كيف ترى مستجدات الوضع الكردي السوري اليوم، مع تبلور قوات الحماية الشعبية التابعة للبي ي دي (الاتحاد الديمقراطي) كقوة عسكرية متماسكة تفرض منطقة إدارة ذاتية في المناطق الكردية؟

منذ بداية الثورة، كتبت مقالات حادة ضد سياسات البي كي كي (العمّال الكردستاني) وممارساته. اليوم ستلاحظ من خلال الحديث بعض الاختلاف. أنا لا أنظر بعين الودّ إلى سياسات هذا الحزب وممارساته، لكن أسبابي مختلفة عن جذور مشكلاته مع «المعارضة العربية».

النقطة الجوهرية في سوء فهم الطرف العربي للطرف الكردي هو أن الطرف الكردي يعتبر نفسه مجتمعاً مستقلاً، نفسياً وسياسياً وثقافياً، ويفكر بشكل مستقل. عندما يقول «نحن» فإنه لا يعني السوريين، بل الكرد، أو على الأقل «نحن الكرد السوريين»، وأصبح لهذه النقطة أهمية أقل من القول «نحن الكرد»، أي كأمّة تمتدّ بين العراق وإيران وتركيا وسوريا. تكرّست هذه البيئة النفسية عند الكرد بعد عام 2004، وأصبحت موجودة حتى عند السلبيين تجاه فكرة اﻻنفصال، أي أولئك الذين –مع حلمهم بأن يكون الكرد أمة كغيرهم من الأمم– هم واعون لواقع أن تحوّلاً كهذا ﻻ يمكن أن يتم إﻻ بتوافق دول عظمى، على مستوى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ولذلك فهم متصالحون مع فكرة اﻻندماج القسري مع بقية السوريين، أو مع الأتراك في تركيا، لكنهم مع ذلك، مستعدون ﻻنتهاز أية فرصة تتاح للحصول على واقع دستوري مختلف، أو لبلوغ حالة الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حتى اﻻنفصال التام (هذا الحلم بعيد المنال).

برأيي أن على الطرف العربي أو التركي أو الإيراني أن يفهم هذا الشعور، بل ويتعاطف معه أيضاً. الكردي ﻻ يجد هذا التعاطف. في عام 2004 شعر بالخذلان من قبل المعارضة، هو الذي كانت معركته أيضاً مع النظام، وحطّم تماثيله ومزّق أعلامه، وخاض أول معركة جدّيّة مع نظام الأسد. المعارضة العربية، المسكونةً بهواجس اﻻنفصال، بالإضافة لتزامن الاحتلال الأمريكي للعراق، دخلت في الجو المتوتّر ضد الكرد. صحيح أن من حقّ العرب أن يلوموا الكرد على أنهم اتخذوا قرار اﻻنتفاضة دون المشاورة والرأي معهم، وبالتالي أن يُبدوا سلبية تجاه إقحامهم في مشكلة لم يكونوا جاهزين لها؛ لكن كان من الممكن أن تأخذ المعارضة العربية هذا الموقف بدل أن تنبّش عن صور أعلام «انفصالية» وغيرها كي تأخذ موقفاً عدائياً من الحراك الكردي. هذا ما حصل، وأنا نفسي شاركت بنقاشات كثيرة حول الموضوع مع معارضين عرب.

لهذا دوره في خلق النفور وانعدام الثقة، ومنذ ذلك الحين لعبت الأحزاب الكردية، وبخاصة البي كي كي، على هذا الوتر. ثم قامت الثورة السوريّة، وشارك الشباب في القامشلي وعامودا بقوّة، ولو بوضع مختلف ينطلق من خصوصيتهم ككرد، أي أنهم انخرطوا في مشاركة وطنية مع عموم السوريين، وإن مع وجود مطالب خاصة بهم ككرد، ومع رغبة بإثبات الذات ككرد أيضاً. البي كي كي لعب منذ اللحظة الأولى دور الكابح، ولم يكن لوحده في هذا الموقف، بل شاركته الأحزاب التقليدية الأخرى في ذلك. جميع القوى السياسيّة الكردية اتخذت الموقف التالي: علينا أن ننتظر ونرى، وأﻻ نتورط في صراع لا يخصّنا ككرد، فهذا صراع بين عرب. من المستحيل أن يفهم ابن مارع أو حْريتان أو دير الزور هذا الموقف، فلن يقبل موقف اﻻنتظار والمراقبة وهو يُذبح من قبل النظام، وهذا الموقف المندّد كان موقفي أنا شخصياً أيضاً؛ كنت أتألم وأنا أرى الأحزاب الكردية آخذةً موقف المتفرج، وهي ترى أن عليها أﻻ تقطع كل الخيوط مع النظام في حال نجح في قمع الثورة، وفي الوقت حينه استثمار هذه المشاركة القليلة في حال انتصار المعارضين للأسد. هذا موقف انتهازي، ينبع من الرغبة في الحفاظ على الوجود ككردي فقط، وانتظار أن يحمي المجتمع الدولي هذا الوجود في حال طالت المعركة، كما حصل بعدها. الآن يسهل أن يظهر قياديون كرد وهم يزهون «ببُعد نظرهم» و«صوابية» موقفهم في بداية الثورة، وقد يدّعون أنهم بهذا الموقف منعوا وصول الحرب إليهم، مع أن هذا غير صحيح، فالحرب وصلت إلى المناطق الكردية عن طريق «داعش» و«جبهة النصرة» وبعض كتائب «الجيش الحر».

هذا لا يمنع، بالعودة إلى الفكرة الأولى: التأكيد على أن الطرف العربي ﻻ يفهم الكرد. بالتأكيد يتحمّل الطرف الكردي مسؤولية عن عدم الفهم هذا. السياسي الكردي يستخدم لغة مزدوجة، غير نزيهة في التعبير بوضوح عن تمحوره الكامل حول كرديّته، وعن عدم اعتبار نفسه معنياً بما يحصل في حمص أو درعا أو ريف دمشق. ﻻ يجهر بهذه الحقيقة.

لدينا تيارات مختلفة في الساحة السياسيّة الكردية. في «المجلس الوطني الكردي» تياران، الطالباني والبرزاني. تيار الطالباني أقرب للنظام، وله مواقف مهادنة جداً مع البي كي كي، بينما لتيار برزاني لغة أقرب للثورة، وهو رأس الحربة في الدخول في اﻻئتلاف الوطني. لكن حتى هذا التيار، والذي يتحدّث علناً عن وطنية سوريّة جامعة، تجد له موقفاً آخر في سجالاته الكردية-الكردية، حتى لو لم يتحدّث عن اﻻنفصال عن سوريا. الموقف الحقيقي لهذا التيار أنه متكتّل حول كرديته، وينأى بنفسه عمّا يجري في سوريا، من دون إعلان هذا النأي بالنفس بوضوح.

حجر الزاوية في استيعاب حيثيات الموقف الكردي ليس إﻻ فهم تمحوره حول ذاته، وفهم ابتعاده عن الوطنيّة السوريّة. لقد كان هذا الموقف بتقديري انتهازياً وسيئاً جداً في بداية الثورة، وحتى بعد سنة أو سنة ونصف من اندلاعها. وكنت أعبّر عن هذا التقدير في كتاباتي، لكنني اليوم أخفف من حدّة هذا التعبير. ليس خوفاً بطبيعة الحال، فقد كنت أكتب هذا الرأي وأنا بمتناول يد البي كي كي في الأشرفيّة بحلب؛ ربما لحسن حظي أن هؤﻻء لا يقرؤون، لكن كان يكفي أن يكتب أحدهم تقريراً لهم حول كتاباتي كي أتعرّض لمخاطر، فهؤﻻء كالنظام: يقمعون الناس و«يربّون» المنتقدين (هذا تعبير مستخدم لديهم بكثرة)، ويهاجمون المظاهرات ويقمعونها، حتى لو لم تكن ضدهم، ويعتقلون ولديهم سجون، ويقتلون أيضاً!

الثورة السوريّة وصلت اليوم إلى مأزق. لا هي قادرة بسلاحها أن تسقط النظام، ولا المقاتل قادر على إلقاء سلاحه والعودة إلى السلميّة، وﻻ النظام قادر على هزيمة الثورة. من الواضح أيضاً عدم وجود أي خطط للحل لدى ما يُسمّى بـ«أصدقاء سوريا»، بل خطط لإدارة الأزمة إلى مدى نجهل نهايته. في وضع كهذا، حين يكون المرء متمحوراً حول قوميّته، فإن السياسة الصحيحة من منظور كردي هي سياسة البي كي كي. هذا الكلام لا يعني على الإطلاق الدفاع عن ممارسات هذا الحزب، لكن سياسته القائمة على الدفاع عن مناطقه في حال تعرّضها لهجوم من قبل «داعش» أو «جبهة النصرة» هي صحيحة، سليمة، ومبرّرة أخلاقياً أيضاً. وحين ﻻ يُفهم أن الكرد ﻻ يتصرّفون كسوريين بل كجماعة مستقلة، تعنيهم ديار بكر أكثر مما تهمّهم حلب، فمن المُتوقّع صدور بيانات كبيان اﻻئتلاف الوطني الأخير حول إعلان الإدارة الذاتية الكردية، والذي اعتبر فيه أن البي كي كي، بفرعه السوري، جهة معادية للشعب السوري.

> ما رأيك ببيان الائتلاف هذا، حول اﻻتحاد الديمقراطي وعدائه للشعب السوري؟

موقف الائتلاف الوطني من حزب اﻻتحاد الديمقراطي سيء جداً، منفِّر ونابذ. اﻻئتلاف بحاجة لمدّ جسور مع البي يي دي، ومع هيئة التنسيق أيضاً! العمل على الذهاب في وفد موحّد إلى جنيف يجب أن يكون هدفاً رئيسياً.

ﻻ يكفي اﻻئتلاف اليوم ادّعاؤه أنه يحتوي تمثيلاً كردياً في صفوفه، فالقوة الحقيقية الممثلة للكرد على الأرض هي حزب اﻻتحاد الديمقراطي، وﻻ يُمكن إنكار هذا الشيء أو التخفيف من أهميته أو محاولة اﻻلتفاف عليه عبر تمثيلات سياسيّة افتراضيّة.

قوات الحماية الشعبية، وهي الفصيل المسلح الكردي الأكبر، محسوب على حزب اﻻتحاد الديمقراطي، رغم أن الكثير من عناصره ليسوا أعضاءً في الحزب. هناك منطق شبيه بالتجنيد الإجباري في كثيرٍ من المناطق الكردية لصالح قوات الحماية الشعبية، هي أيضاً المخرج شبه الوحيد لكثيرٍ من الشباب الكردي للحصول على قوت اليوم. كما أن هناك مظلة سياسية تحت اسم «مجلس شعب غربي كردستان»، وقد شهدتُ انتخاباته –على الطريقة البعثية– في الأشرفية بحلب. لم يكن هناك جيش حرّ في الأشرفية حينها، وكان تواجد النظام ضعيفاً لكنه حاضر؛ ما يعني أن المزاعم بعدم التنسيق مع النظام كاذبة. هم استفادوا من مصلحة النظام بوجودهم، وعملوا على الاستثمار في هذه المصلحة فعلاً.

اليوم، من وجهة نظر المعارضة «العربية»، هناك حاجة لاستمالة الكرد، هذا يعني استمالة حزب اﻻتحاد الديمقراطي. ﻻ معنى للالتفاف على هذه الحاجة عبر استمالة أحزاب افتراضية، معدومة الثقل الشعبي. هذا ليس إﻻ خداعاً للنفس.

هناك تشنّج عربي تجاه مطالب الكرد فعلاً، وهذا ما بدا واضحاً خلال المسار السياسي للمعارضة أثناء الثورة. بقيت المعارضة تدّعي طوال عامين أنها عاجزة عن إزالة «العربية» من الاسم الرسمي للجمهورية، وأنها غير مخوّلة لإقرار اللامركزيّة. لكنها نسيت هذه المواقف الرافضة حين تعرّضت لضغوطات دولية معينة من أجل إدخال كتلة كردية ﻻ وزن لها على الأرض. ما الذي يمنعها إذاً من التفاهم مع صالح مسلم إن كان بالإمكان انتزاع إقرار منه بأنه ﻻ يريد اﻻنفصال؟

بالمناسبة، لو سُئلت عن رأيي، أنا لست مع إزالة «العربيّة» من اﻻسم الرسمي لسوريا. لو لم تكن موجودة وأُريد إقرارها فسأكون ضد هذا الإقرار، لكن طالما أنها موجودة فلست مع إزالتها. سوريا حقيقةً بلد ذو غالبية عربية كبيرة. لو كنت عربياً لرفضت حقاً. لماذا عليّ أن أزيل هذه الصفة لإرضاء أقليّة؟ إن كانت تُزعج الكرد فمكان نقاشها برلمان منتخب. أما فرضها بالقوّة، وبضغوط دولية، فهو أمر مزعج…

لكن ليست تلك هي الفكرة. المثير هو درجة التمسّك بكلمة «العربيّة» طوال شهور، ثم التنازل عنها بسرعة حال تواجد ضغوط دولية بهذا اﻻتجاه. لماذا إذاً ﻻ تتم الموافقة على الإدارة الذاتية للمناطق الكردية، وهو أمر واقع فعلاً، مقابل الذهاب إلى جنيف بوفد موحّد وبمطالب متفق عليها؟

حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي متمحور حول ذاته الكردية، حول حزبيته، وحول أوجلان. أيّ طرف يخدم هذا التمحور فهو قابل للتحالف معه، أكان بشار الأسد أو الجيش الحر أو أردوغان أو أياً يكن. هذا الحزب مرن إلى درجة اللامبدئية. ﻻ يوجد لديه مبادئ استراتيجية وﻻ تحالفات ثابتة. المقدس الوحيد لهذا الحزب هو أوجلان ومسألة خروجه من السجن، وكل ما عدا ذلك تكتيكات ظرفيّة. قد يتحالف ظرفياً، موضوعياً أم ﻻ، مع النظام السوري اليوم، ليقاتله غداً، ليعود للتحالف معه بعد غد، وهذا حصل فعلاً.

في الوضع الحالي، يعمل حزب اﻻتحاد الديمقراطي على ترسيخ الإدارة الذاتية بقوة الأمر الواقع، ويعمل على حماية مناطقه، وإن بمنطق «حاميها حراميها».. أي أنه يفرض خوّات على سكان هذه المناطق، ويُعاقب من يُبدي استياءً على ذلك. أما الوضع النهائي لسوريا بمناطقها فيعلمون أنه متعلّق بالمناخ والتوافقات الدولية.

في تركيا ﻻ يُطالب حزب العمّال الكردستاني بالانفصال، بل يريد إدارة ذاتية في المناطق الكردية.

> إذن هل ترى أفقاً للعمل المشترك مع الاتحاد الديمقراطي، ولا سيما أمام استحقاق جنيف؟

من واجب اﻻئتلاف البحث عن مصلحة مشتركة مع اﻻتحاد الديمقراطي، وهناك مصلحة مشتركة فعلاً، ومن الممكن سياسياً البحث في ترسيخها كخطة عمل سياسية مشتركة، أكان بالانضمام للائتلاف، أو على الأقل ضمن تشكيل وفد مشترك إلى جنيف2. هذا عمل سياسي وبحاجة لسياسيين، وﻻ يأتي بالخطابات المكرورة.

ثمة حلم داعبني قبل نحو أسبوعين، مفاده أنه طالما سيجبرنا المجتمع الدولي على الذهاب إلى جنيف2، فبدل أن تذهب ثلاثة أطراف –اﻻئتلاف، هيئة التنسيق، والهيئة الكردية العليا– لتتصارع فيما بينها أكثر من تَفاوُضها مع النظام، فيجب أن نجد طريقة لتوحيد هذه الأطراف الثلاثة في وفد واحد. وأرى هذه اللحظة فرصة بكل معنى الكلمة، فصراع «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام – تنظيم القاعدة) مع البي كي كي، وصراع «داعش» مع الجميع عملياً، يشير إلى خصم مشترك يمكن أن يوحّدها. البي كي كي عضو في هيئة التنسيق، وعضو في الهيئة العليا أيضاً، وكأنه «جوكر». إن كان بإمكانك أن تبني جسراً ما مع «جوكر» كهذا فيجب أن تحاول، وﻻ شيء مستحيل في السياسة. أما حين تتهمه بالعمالة للنظام، كما فعل اﻻئتلاف، فإنك تدفعه كي يكون عميلاً للنظام فعلاً.

> كيف رأيت خطوة مسعود برزاني التصعيدية الأخيرة تجاه حزب اﻻتحاد الديمقراطي في سوريا؟

فوجئت ببيان برزاني القاسي تجاه البي كي كي، والصادر قبل توجهه إلى ديار بكر للقاء رجب طيب أردوغان. منذ سنتين والأحزاب الكردية المقرّبة منه تطالبه بأن يحميها من غطرسة البي كي كي، خصوصاً أحزاب «آزادي» و«البارتي»، حيث تعرضت كوادرهم للاعتقال، وفي بعض الأحيان للتصفية أيضاً. حدث ذات مرة، على سبيل المثال، أن أوقفت عناصر البي كي كي مصطفى جمعة، سكرتير حزب «آزادي»، أثناء توجهه نحو كردستان العراق، وجرى التحفظ عليه حوالي 24 ساعة حتى تمكنت وساطات وتدخلات عديدة على مستوى عالٍ من الإفراج عنه. برزاني تصرّف مع البي كي كي حتى الآن بديبلوماسيّة شديدة، فهو يعلم قوّة البي كي كي وﻻ يريد الدخول في معركة معهم.

المسألة الرئيسية بخصوص حزب الاتحاد الديمقراطي هي أنه الجهة الوحيدة ذات الوجود الحقيقي على الأرض، فغالبيّة الأحزاب الأخرى موجودة على الورق فقط، والأحزاب القليلة ذات التواجد منضوية في الخط العام للاتحاد الديمقراطي، أكان ذاك الانضواء معلناً أم مستتراً. برزاني يعلم قوة البي كي كي في سوريا، ولا مصلحة له بالتصادم معهم. لماذا أصدر بياناً عدائياً كهذا وهو في طريقه إلى تركيا للقاء أردوغان؟ أردوغان يعمل على إعادة الجسور مع حكومة المالكي، ومع إيران، ويحاول تعديل موقفه بخصوص مصر بعد أن اتخذ موقفاً شديد العدائية تجاه اﻻنقلاب العسكري. وحتى علاقاته مع الولايات المتحدة تمرّ باهتزازات، أعلماً أن العلاقة مع الولايات المتحدة، أكان مع حزب العدالة والتنمية أو أي حزب آخر، تشكّل أولوية قصوى، باعتبار أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي.

أردوغان يشعر اليوم بفداحة سلسلة أخطائه في سياسته السوريّة. ربما تدغدغ سياسته السورية عواطفنا كمعارضين للنظام السوري، فالرجل فتح الأبواب للمعارضة وللاجئين وللسلاح، لكنه ذهب بعيداً وبشكل غير حكيم إذا فكرنا بالموضوع من وجهة نظر المؤسسة التركيّة الحاكمة. لم تكن طريقة قطع العلاقات مع النظام السوري، بانعطافة شديدة من الصداقة المتينة إلى القطيعة، سليمة من منظور السياسة التركية، وﻻ سيما أنها أتت بحجة أن الأسد لم يستمع لنصائح أردوغان، وكأن هذا اﻻستماع واجب. بغض النظر عن انعدام أخلاقيّة بشار الأسد وخراقة سياسته في تدمير بلده، لكنه غير مجبر على سماع كلام أردوغان. عدا ذلك، تعامت سياسة أردوغان عن واقع وجود نحو 20 مليون علوي في تركيا يتعاطفون مع نظام بشار الأسد، يصدّقون سرديته للأحداث وينتجون الروايات اللازمة لتبرير جرائمه. هذا عدا المشكلة الكردية الكبيرة في تركيا، ودور البي كي كي فيها كعنصر مؤثر وصاحب تواجد مهم عن طريق الاتحاد الديمقراطي في سوريا. هذا عامل سياسي شديد الأهمية، خصوصاً مع توجه الحكومة التركية للدخول في مفاوضات مع أوجلان شخصياً في سجنه.

في الوقت الذي يرمّم فيه أردوغان علاقته بالمالكي، وقبل أن يستقبل برزاني، هو يأخذ في الحسبان أهمية علاقته مع البي كي كي. كيف إذاً يصدر عن برزاني بيان حادّ ضد البي كي كي وهو متوجه إلى ديار بكر؟ أعتقد أنه كان تصرفاً خاطئاً من الناحية السياسيّة، حتّى مع موافقتي الكاملة على مضمون كلامه.

هو يقول، محقاً، أنه لا معنى لكلام البي كي كي، بما فيه كلام ممثليه في البرلمان التركي، عن «ثورة روج آفا»، فليس هناك ثورة في أن ينسحب النظام لصالح قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتنسيق معها، من المناطق الكرديّة. يشير، محقاً أيضاً، إلى سلوك البي كي كي المتعسف بحق الشعب الكردي، وبحق القوى السياسية الأخرى في المنطقة. كلامه صحيح مئة في المئة… لكن ما كان يجب أن يصدر عنه. كمثقف مستقل أستطيع أن أقول أنا هذا الكلام، فليس خلفي حزب أو إقليم أو دولة، وﻻ توابع تُذكر لذلك. لكن برزاني في موقع مسؤولية، وعليه أن يُصدر خطاباً جامعاً ﻻ منفّراً، أكان من وجهة نظر كردية بحتة، أو حتى من وجهة نظر الثورة السوريّة، إن كان فعلاً متعاطفاً معها. ﻻ مصلحة للبرزاني في أن يقول عن البي كي كي إنه عميل للنظام، وإنه ينسّق معه ضد الكرد أو ضد السوريين، حتى لو كان هذا الكلام صحيحاً. كان على برزاني أن يؤكد على القواسم المشتركة. بالتأكيد لم يكن عليه أن يمدح البي كي كي، لكن الهجوم عليه خطأ فادح، خصوصاً والبرزاني متوجه إلى ديار بكر، أي معقل البي كي كي في تركيا.

من جهته، أبدى أردوغان ذكاءً سياسياً أكبر، حيث توجه إلى بلدية ديار بكر، معقل حزب السلام والديمقراطية (أي الواجهة السياسيّة المُرخّصة للبي كي كي). كانت المرة الأولى التي يزور فيها رئيس الوزراء التركي بلدية ديار بكر، ما استدعى مزاحاً من عثمان بايدمير، رئيس البلدية، حول أن الزيارة، المُرحّب بها، أتت في نهاية الولاية الحاليّة للبلديات، وبالتالي ﻻ تنفع للمفاوضة حول مشاريع تنموية مع الإدارة الحالية. هناك تنافس سياسي كبير بين «العدالة والتنمية» و«السلام والديمقراطية» في تلك المنطقة، وهناك تنافس كبير على الأصوات. زيارة أردوغان لمعقل خصمه السياسي قبل لقائه برزاني كانت خطوة سياسية شديدة الذكاء أمام اﻻستحقاق اﻻنتخابي المحلّي القادم، في حين لم يكن موفقاً إعلان برزاني لموقف معادٍ للبي كي كي قبل توجهه لديار بكر.

في الاحتفال المشترك مع برزاني، ألقى أردوغان خطاباً سياسياً مهماً للغاية، فيه الكثير من دغدغة العواطف. عَين الرجل على صندوق اﻻقتراع دوماً، وهذا حقّه. صحيحٌ أنه لم يُقدّم بعد أشياء ملموسة كثيرة بما يخص المسألة الكرديّة، لكن لعلاقته مع برزاني أهمية استراتيجيّة كبرى.

> ما هي أسس تمتين العلاقات بين برزاني وأردوغان مؤخراً؟

هناك أساس اقتصادي للعلاقة بين تركيا وكردستان العراق، تقع نواته في احتياطيي النفط والغاز الهائلين في كردستان العراق. يقدّر لهذه الثروات، في حال استُثمرت جيداً، أن تصعد بالعراق إلى صدارة منتجي النفط في العالم. هذا لوحده سبب كافٍ لصراع وتحالفات. الأتراك محرومون من الثروة النفطية حرماناً تاماً، ويلاحظ أن هناك اعتماداً كبيراً على الغاز في التدفئة في تركيا، وهذا منطلق حرص الأتراك على تمتين العلاقات مع قيادة كردستان العراق. هناك تسريبات صحفية تتحدّث عن احتمال بدء تدفّق الغاز والنفط عبر الأنابيب بين كردستان العراق وتركيا بعد أسابيع قليلة، وهذه النقطة مصدر خلاف وتوتر مع حكومة العراق المركزية بقيادة المالكي. لهذا السبب استبق أردوغان وصول برزاني إلى تركيا بإرسال داوود أوغلو، وزير الخارجية، إلى بغداد، حيث زار المقامات الشيعية، وقابل السيستاني ومقتدى الصدر. هناك حساب كبير لاحتمال أن تكون زيارة برزاني لديار بكر وانطلاق التعامل النفطي سبباً لتوترات مع الحكومة المركزية في العراق، هذا من جهة. ومن جهة أخرى تكرّس الزيارة تقارباً في المواقف بخصوص الوضع في غربي كردستان، والموقف من الثورة السوريّة.

لفهم موقف برزاني علينا أن نحاول وضع أنفسنا مكانه. برزاني محاط بالأعداء من كلّ الجهات: 1) الحكومة المركزيّة في العراق، ليس فقط لوجود المالكي على رأسها، بل الخلاف التاريخي مع أي حكومة في بغداد؛ 2) إيران، التي يخشاها برزاني بقوّة، وهو محقّ في هذا التقدير، فلإيران تدخلات كثيرة ممكنة عن طريق أحزاب إسلامية كردية موالية لإيران؛ 3) علاقته مع النظام السوري ساءت منذ اﻻحتلال الأمريكي للعراق، بعد سنوات من علاقة استعمالية مع النظام الأسدي لمناكفة نظام صدام حسين؛ فإن أضفنا 4) تركيا للجهات المعادية، سنجد أن اﻹقليم مهدّد بالاختناق الكامل. يبدو أن برزاني، من خلال التجارب، قد وجد أن العلاقة مع الشمال هي المثمرة، وذلك نتيجة عوامل: أنقرة دائماً تحت ضغط حزب العمال الكردستاني، وبالتالي هي بحاجة لأخذ العامل الكردي بعين الاعتبار، أكان ذلك في الداخل التركي أو في كردستان العراق؛ تركيا أيضاً بحاجة للنفط والغاز التركيَّين. بالتالي، تحصل تركيا على الموارد النفطية وتستفيد من مكانة برزاني تركياً، ومقابل ذلك تقدّم لكردستان العراق عمقاً هاماً للانفتاح على العالم، وظهراً مسنوداً.

تاريخياً، كان الأتراك هم الباردين تجاه برزاني، فحين نشأ إقليم كردستان العراق، رأى الأتراك فيه دافعاً نحو محاولة كرد تركيا تقليد التجربة، ودخلت حملات عسكرية عديدة في الإقليم لمحاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني دون إذن أو توافق مع الحكومة الإقليميّة. تغيرت المقاربة التركية للعلاقات مع كردستان العراق بُعيد اﻻحتلال الأمريكي للعراق، وتحوّلت العلاقة من معاملة مهينة تلقاها برزاني في زيارته الأولى لأنقرة، حيث عومل كزعيم قبلي لا أكثر، إلى توجّه أردوغان إليه في زيارته الاخيرة لديار بكر كـ«أخي مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق». كانت المرّة الأولى التي يتحدث بها رئيس وزراء تركي عن «كردستان»، وقد ﻻقت هذه الخطوة انتقادات كثيرة من جهات سياسيّة تركيّة، في حين لقيت استحساناً لدى أوساط عريضة من كرد تركيا… نحن نشهد الآن ذروة شهر العسل بين أردوغان والبرزاني.

> كيف تؤثر وقائع الساحة الكردية الإقليمية على عملية السلام المتعثرة بين البي كي كي والحكومة التركية، وكيف تتأثر الساحة السورية بهذه التفاعلات؟

أخشى، بناءً على تجارب سابقة، أن ما يجري هو محاولة من قبل أردوغان للاستثمار في الخلافات الكردية-الكردية بين تيار برزاني –على امتداده في العراق وتركيا وسوريا، وحتى إيران– وبين التيار الأوجلاني، المتواجد بقوّة في سوريا. أخشى أيضاً أن يكون برزاني قد بلع الطعم، وهذا مستغرب حقاً. هناك استياء كبير في أوساط البي كي كي إثر موقف برزاني منهم قبيل زيارته لديار بكر، وهناك مسؤولون حزبيّون صرّحوا بأنهم يعتقدون بأن «برزاني أذكى من أن يكون أداةً بيد أردوغان»، وهذه طريقة دبلوماسيّة لتوجيه إهانة للبرزاني.

ﻻ أدري إن كان لدى برزاني ترتيب في ذهنه لإصلاح الأوضاع مع البي كي كي، أم بالمقابل هو يرى أنهم التحقوا بشكل نهائي في محور إيران-النظام السوري.

بخصوص الاحتمال الثاني، لي رأي مختلف بعض الشيء. صحيح أن البي كي كي، منذ بداية الثورة، هو جزء من المحور الإيراني-النظام السوري في مواجهة المحور السعودي-التركي-القطري-البرزاني (هذا واقع موضوعي، سواءً كان هناك اتفاقات مكتوبة أم لا) لكن في المرحلة التي بلغتها الأزمة السورية اليوم، حيث ﻻ يبدو هناك أي حل في الأفق، موقف حزب اﻻتحاد الديمقراطي هو الصحيح، من حيث حماية مناطقه. عدا الحماية، هو يحكم مناطقه بالحديد والنار، وهذا طبعاً ﻻ يمكن أن أتفق معه. من حيث طريقة وعقلية الحكم، ﻻ يختلف حزب اﻻتحاد الديمقراطي في شيء عن نظام الأسد أو صدّام حسين. تفكيره حزبي وضيق، وهو حزب عديم المبدئيّة خارج المبدأ الجوهري والوحيد لديه: أوجلان، وما يُسمّى بـ«فكر أوجلان»، وهو فكر سطحي للغاية. ينظرون إلى أوجلان بنفس النظرة العلويّة النمطية تجاه حافظ الأسد، أي القائد الذي أخرجهم من واقع التهميش والإبعاد الكامل من المشهد.

على مستوى تركيا، تراوح وضع الكرد بين وضعين: الأول هو الإنكار التركي الكامل للوجود الكردي، واعتبار الكرد أتراكاً ولكن لديهم «عجمة» لغوية، وهناك حتى ابتكار لقصص غريبة عن أصل كلمة «كردي»، كالقول أنه آتٍ من صوت الدوس على الثلج في الجبال. وهذه العقليّة هي التي مهّدت لحروب إبادة منذ زمان أتاتورك.

هناك مطار في اسطنبول باسم صبيحة غوكجين، وهي ابنة أتاتورك بالتبنّي وأول امرأة تركية قادت طيارة حربيّة، وقد قادت هذه الطائرة الحربيّة بالذات في حملة ضد الأكراد في ديرسيم. الآن، وقد دخل أردوغان في مسار سلمي مع الكرد، كان من المحبذ على سبيل المثال أن يتغيّر اسم هذا المطار ذو الرمزيّة السيئة، لكن أردوغان ﻻ يجرؤ على خطوة كهذه، حتى لو أرادها، إذ سيجد مقاومة عنيفة من معارضيه القوميين واليساريين.

الوضع الثاني بدأ منذ منتصف العقد الماضي، حين دشّن أردوغان مساره التصالحي مع الكرد، فاعترف خلال خطاب انتخابي في ديار بكر بوجود «قضيّة كرديّة» في تركيا، ووعد بالعمل على حلها، وتكلّم أيضاً عن سياسة «انفتاح داخلي». بالتوازي مع ذلك، افتتح قناة تلفزيونية حكومية ناطقة بالكرديّة، وكرّر خطوات من هذا القبيل. التي قد تبدو رمزيّة لكنها في الحقيقة أكثر من ذلك بالنسبة للكرد، فهي تأتي بعد معاناة سياسة وإنكار تام لوجودهم، وحملات اعتقال وحروب إبادة وغيرها. بالتوازي مع اﻻنفتاح على الكرد، بدأ أردوغان حملة تهيئة نفسيّة وترويض للطرف الآخر، القومي المتشدد الرافض للاعتراف بالكرد. ألغيت المحرّمات في النقاشات الداخلية حول الكرد وحقوقهم في المرحلة التالية، وأصبحوا مجال صراع وسجال وحوارات.

بعدها، افُتتحت مرحلة من المفاوضات المباشرة مع أوجلان في سجنه، من قبل قيادات عليا في المخابرات التركية تفاوض باسم الحكومة، ولم يتسرّب شيء من هذه المفاوضات للإعلام. تكلّلت هذه الجهود بإرسال أوجلان لكلمة مكتوبة إلى احتفالات عيد النوروز الماضي في ديار بكر، أعلن فيها بوضوح انتهاء مرحلة «الكفاح المسلح»، وأمل في الكلمة أن تفي الحكومة التركية بوعودها فيما يخصّ تحسّن أوضاع الكرد في تركيا. لم تحدث تقدمات كبيرة في المجال السياسي منذ ذلك الحين، ولحسابات سياسية حزبية جدّ ضيقة، على الرغم من الأهمية الكبرى لهذا المسار السياسي، ولما يمثّله من إغلاق جرح نازف لدى الطرفين عمره عقود، وتسبّب في مقتل أكثر من أربعين ألف شخص.

لا أدري إن كان ظهور أردوغان الأخير في ديار بكر برفقة برزاني و، من هو أهم، «شيڤان» –المغني الكردي صاحب الرمزية الكبيرة على الصعيد النضالي، والذي مضى على وجوده في المنفى37 عاماً– يمكن أن يكون إشارة رمزية ﻻستئناف العمل السياسي فيما يخص القضية الكردية في تركيا. حتى الآن هناك الكثير من الخطوات الرمزية، لكن العبرة بالتنفيذ.

حزب العمال الكردستاني نفّذ تعهداته فيما يخصّ سحب مقاتليه من الأراضي التركيّة، وهناك تاريخ من الغدر التركي بتنفيذ التعهدات مع الكرد فعلاً. حتى هذه اللحظة أعلن أوجلان عن وقف إطلاق النار من طرف واحد أكثر من 12 مرّة، وفي كلّ المرات أخلّ الأتراك بوقف إطلاق النار هذا.

في شهر أيلول الماضي، وبعد جمود لعدة أشهر في العملية السلمية، وعدم وصول التعديلات الدستورية اللازمة لرفع الظلم عن الكرد (هناك معتقلون بالآلاف، على سبيل المثال، بما فيهم نواب في البرلمان وصحفيون ومحامون)، هدّد أوجلان بالانسحاب من العمليّة السلمية، وأمام هذا التهديد، ردّ أردوغان بالتأكيد على رغبته في مواصلة العمل في تحقيق السلام، ووعد بحزمة إصلاحات دستورية، إصلاحات صدرت فعلاً بعدها بقليل، لكنها كانت تخصّ بيئة أردوغان الإيديولوجية بشكل أساسي، مثل قرار رفع الحظر عن المحجبات في بعض المؤسسات العامة. هي إصلاحات ديمقراطية ومهمة وضرورية فعلاً، لكنها ﻻ تتجه للتقدّم في المسألة الكردية.

نتيجة هذه التجارب، ﻻ يمكن الوثوق بأردوغان فيما يخصّ وعوده للكرد. خطاب ديار بكر رائع، رمزية الحدث رائعة، لكن مسيرة أردوغان ﻻ توحي بالثقة.

أما بخصوص سورريا فإن تقدّم العملية السلمية في تركيا ينعكس علينا إيجاباً: يتغيّر موقف حزب اﻻتحاد الديمقراطي.  اﻻتحاد الديمقراطي ، بالمناسبة، ﻻ يتكلم باﻻنفصال، وهو صادق في ذلك. هو يمارس اﻻنفصال بشكل فعلي على الأرض، وحمايةً لمواقعه ومناطقه، لكنه ﻻ يريد دولة مستقلة، بل إدارة ذاتية مبنيّة على كونه القوة المهيمنة على المناطق الكرديّة. «أكرادنا نحكمهم نحن»، هذا هو منطقهم. الأطراف الكردية الأخرى مترددة بين فيدرالية وبين «استقلال ذاتي سياسي» هو فعلياً فيدرالية مموهة، وليس لديهم المقدرة على تنفيذ ذلك. القوة على الأرض هي للاتحاد الديمقراطي.

الجمهورية

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق