أحمد سليمانتقارير حقوقية

كتاب مثير عن الحل في سوريا: ثلاث مراحل.. و”كونغرس” سوري.. ولامركزية بستة أقاليم!

 لم يترك السوريون أي باب لم يطرقوه لتأكيد شرعية حلم التغيير الذي آمنوا به، واستحقاقات ثورتهم الباهظة الثمن التي واجهت أعتى التحالفات الطائفية والإقليمية والدولية، لدعم نظام أوليغارشي استبدادي مليشياوي، لم يترك – بدوره –  أي وسيلة إجرام متاحة لم يلجأ إليها لقمع الثورة التي قامت ضده.

من هو البديل؟!
إحدى أبرز الذرائع التي كانت تثار في وجه المطالبين بسقوط نظام بشار الأسد في السنوات الأولى لانطلاقة الثورة: (من هو البديل؟) وما هي الخطة البديلة إذا سقط الأسد؟ وقد سبق للسوريين أن قدموا العديد من المشاريع والأوراق البحثية التي تجيب على هذا السؤال الذرائعي بدقة..  فكان المشروع الذي  قدمته (منظمة اليوم التالي) أي اليوم التالي لسقوط الأسد… محاولة لتقدم رؤية تفصيلية لسوريا ما بعد الأسد في مجال القانون والعدالة الانتقالية، وإصلاح القطاع الأمني، وتصميم النظام الانتخابي والدستوري… ثم جاء كتاب (خطة التحول الديمقراطي في سورية) الذي صدر عام  2014 حاملا توقيع المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتجية وبيت الخبرة السوري. وفيه خطة للإصلاح الإداري والسياسي، وإصلاح نظام الأحزاب والانتخابات وإعادة هيكلة الأجهزة الامنية وبناء جيش وطني حديث وإصلاح اقتصادي… وقد اعتبر المشاركون في وضع هذه الخطة أن لحظة بداية المرحلة الانتقالية تبدأ بتنحي رأس النظام بشار الأسد، ثم تشكيل حكومة انتقالية على أساس اتفاق سياسي ينتهي بحسب نهاية الأزمة في سوريا، على أن تباشر الحكومة الانتقالية بتعليق العمل بدستور عام 2012 والعودة إلى دستور عام 1950، في رفض تام لكل الدساتير الاستبدادية التي فُصّلتْ في عهد حكم الأسد، منذ دستور حافظ الأسد عام 1973 الذي أسس لكل الخراب في سوريا… أما أحدث تلك المحاولات فهي  كتاب (سوريا بين الحرب ومخاض السلام) الصادر حديثا، لمؤلفيْه الأستاذيْن جمال قارصلي وطلال الجاسم.. وهو يتميز عن باقي المحاولات السابقة بأنه يعالج المستجدات التي طرأت على القضية السورية وأبرزها: اللاعبون الدوليون الذين أصبحوا جزءا من المشكلة ومن ضريبة الحل ايضا!

كيف ولدت فكرة الكتاب؟!
الكتاب الصادر عن “مركز الآن ” Now Culture  بثلات لغات هي (الإنكليزية والألمانية إلى جانب العربية)  يمثل كما أشار مؤلفاه  مقترحا للحل السلمي في سوريا .وفي هذا يقولان: “جاءت فكرة الكتاب انطلاقا من واجبنا تجاه بلادنا والعمل على الوصول إلى حل للصراع في سوريا كمحاولة لإثارة النقاش بين السوريين للمبادرة في العمل على استعادة سيادة قرارهم الوطني ورسم خارطة طريق للخروج من هذه المأساة”.
ويعترف المؤلفان في الصفحات الأولى من الكتاب أن هذه الدراسة انطلقت مما وصفاه بـ: “واقع أليم آلت إليه الأوضاع في سوريا، وإدراكا منا بأن الأمور خرجت من يد السوريين معارضة وحكمة وشعبا، وباتت حتى الاتفاقات الصغيرة يديرها الكبار”
هذه الاعترافات التي يصدر بها المؤلفان دراستهما هي ما تميز هذا المشروع عن المشاريع والأوراق البحثية السابقة والمشابهة.. وتعطيها امتيازا جوهره القراءة الواقعية للمستجدات التي طرأت على القضية السورية منذ دخلت روسيا بآلتها الحربية على الخط في أيلول/ سبتمبر عام 2015 وما تبع ذلك من تعقيدات دولية وإقليمية أخرجت القضية السورية من يد أبنائها وجلاديها في آن معا.

ما هو شكل الحكم الأنسب؟!
الفيسفاء السورية المتنوعة التي كان يتم التغني بها طيلة عقود من الخطابات الشعاراتية الجوفاء، أصبحت اليوم مشكلة، ومظهرا من مظاهر التباين والاختلاف المصلحي والقيمي لدى التفكير بأي مستقبل للتعايش بين هذه المكونات.. ولعل هذا ما دعى مؤلفا الكتاب للاطلاع على أشكال ونماذج الحكم في الدول التي لديها تجارب في معالجة مشاكل التنوع القومي والديني، فاطلعا على أشكال الحكم في فرنسا التي تعتمد اللامركزية الإدارية الموسعة والتي طورتها لتصبح أكثر صلاحية للأقاليم من الفيدرالية، والتجربة الألمانية ونظامها الفيدرالي، والتجربة السويسرية الفريدة، وتجربة الولايات المتحدة الأمريكية، وتجربة نيجيريا في زيادة عدد أقاليمها وتوسيع صلاحيات تلك الأقاليم، وكذلك تجربة الباكستان في التمثيل بالتعيين، المقتبسبة من نظام الكوتا البريطاني، إضافة إلى تجارب العراق ولبنان والبوسنة والسودان وأفغانستان والصومال ومخاضاتها السياسية والقانونية والدستورية، والانتكاسات الأمنية التي مرت بها تلك الدول…  وقد وصل المؤلفان إلى نتيجة عبرا عنها بالقول:
” نحن نجد أن أكثر حل مناسب للحالة السورية هو أن يكون نظام الحكم برلمانيا ديمقراطيا مع الاعتماد على اللامركزية الإدارية الموسعة في إدارة شؤون المحافظات والمدن، مع منحها صلاحيات واسعة في أغلب المجالات والتي قد تفوق الصلاحيات الممنوحة في الأنظمة الفيدرالية، وهنا نذكر المثال الفرنسي في اللامركزية الإدارية. في كلا الحالتين نرى بأن تطبيق مبدأ البرلمان المركزي المعروف في كل التجارب الديمقراطية، برلمانا مركزيا آخر يشبه في تركيبته برلمان الولايات الألماني الذي يسمى بالـ “بوندسرات” والذي يمكننا أن نطلق عليه اسم البرلمان المركزي”. ص (15)
ويوضح المؤلفان مهام البرلمان المركزي على النحو التالي:

1- يتداول كل القوانين التي تمس صلاحيات المحافظات
2- يهتم بقوننة علاقات المحافظات ببعضها البعض وبالحكومة المركزية
3- أعضاؤه أعضاء في حكومات المحافظات ويتم انتدابهم من قبل حكوماتهم إلى البرلمان المركزي لإعطاء المحافظات إمكانية المشاركة في سن القوانين التي تمس شؤونها الداخلية والمشاركة في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى جانب البرلمان المركزي.
يعتبر المؤلفان أن هذين البرلمانين يقومان بدور تشريعي، وفي المرحلة الدائمة ينتخب المجلسان مع أعضاء المحكمة الدستورية العليا، رئيس الدولة أيضا، وقد أطلقنا على المجلسين معا اسم “الكونغرس” كما هو في النظام الأمريكي. كما يوضحان أن عدد ممثلي كل محافظة أو منطقة سيكون متناسبا مع عدد سكانها.

حل على ثلاث مراحل!
مقترحات الحل كما يذهب إليها كتاب (سوريا بين الحرب ومخاض السلام) مؤلفة من ثلاث مراحل: (تحضيرية – انتقالية – دائمة)  وهذا التقسيم بالتأكيد منهجي وهام، وهو يساعد جدا على توضيح المسارات حسب الضرورات؛ فالمرحلة التحضيرية  تبدأ بعد انتهاء المؤتمر الوطني العام، تدوم لمدة عامين ويجب العمل فيها على إزالة التوتر بين أطياف وشرائح المجتمع السوري وعلى تنمية روح الثقة والتسامح والتصالح بين الأفراد والمكونات.

أما المرحلة الانتقالية فستكون أربع سنوات وسيتم العمل فيها على تثبيت السلام ووضع الأسس المتينة لمرحلة دائمة تكون عبر حكم سياسي ناضج يشعر في ظله كل السوريين بالأمان والاطمئنان والعدالة والمساواة، بعد إقرار وتثبيت استقلالية القضاء وفصل السلطات، ورسم الدوائر الانتخابية في كل المناطق السورية.

أما المرحلة الدائمة فهي ستعزز الثقة بين السوريين وتبدأ الهوية الوطنية السورية بالتشكل، وهو الشرط الأساسي للانتقال إلى الانتخاب عن طريق القوائم والنسبية وفقا  للقواعد الانتخابية وقوانين الانتخابات العصرية التي تؤسس لبناء الدولة على مفهوم الأغلبية السياسية وفقا للفاعلية والكفاءة… وهذا سيكون أساسا لتداول السلطة بشكل ديمقراطي، ووفقا لمبدأ دستوري لا يقصي أحد، مع ضمانات بعدم إنتاج نظام ديكتاتوري أو إقصائي حتى لو كان من خلال صناديق الاقتراع!.

إلا أن المؤلفيْن ينحيان منحى نظريا لا يأخذ بعين الاعتبار العيوب التي أفرزتها عقود الاستبداد البعثي الطويلة على الشخصية السورية.. فهما يريان أن المرحلة التحضيرية الأولى تبدأ بعد عقد مؤتمر وطني عام، يتحاور فيه السوريون… وهي حالة تم تجريبها مرارا للأسف ولم تنتج سوى مجموعة من المشاجرات والمهاترات والمزيد من الانقسامات.. فما بالكم أن الكتاب يقترح تمثيل المكونات من كل الاتجاهات السياسية والعسكرية بشكل يجمع كل من ينتمي إلى هذا المكون أو ذاك.. ويقول المؤلفان على سبيل المثال:
“نقترح تمثيل المكونات من كل الاتجاهات السياسية والعسكرية من ضمن حصة المكون، فمثلا يمثل الكرد من المجلس الوطني وقوات سوريا الديمقراطية والمستقلين الكرد واتحاتد القوى الديمقراطية الكردية ومنظمات شباب الكرد، ومن الناشطين في منظمات المجتمع المدني.. وهذا ينطبق على باقي المكونات.” ص (18).

أعتقد أننا في هذه الحالة سنحتاج لمؤتمر عام لحل مشكلات كل مكون على حدة قبل أن نصل إلى مناقشة أي بند على بنود المؤتمر الوطني العام، إذا تمكن المؤتمر أصلا إلى الوصول لتلك المرحلة. وبالطبع ليس البديل هو الإلغاء والاستبعاد والانتقائية في التمثيل.. وإنما توحيد وغربلة  الأصوات والقوى في مكونات أساسية ومتجانسة قبل الذهاب إلى المؤتمر الوطني العام الذي يرى المؤلفان أنه يجب أن يتمخض عنه “تشكيل المؤسسات التي سيكون لها دورا هاما في قيادة البلاد في المرحلة الانتقالية”… لكنهما يسيران في نفس المسار الاستعراضي الذي كانت أبرز صوره “نساء ديمستورا” حين يؤكدان أنه “يجب أن يكون للمرأة نصيبا فيها يتناسب ونشاطها ودورها في المجتمع” وكأن مشكلة سوريا اليوم هو حفظ كوتا معينة للنساء…!.

المؤلفان جمال قارصلي وطلال جاسم

تقسيم سوريا لستة أقاليم!
الكتاب في رؤيته يبقى حافلا بالطروحات المثيرة للجدل، والصادمة أحيانا.. فهو مثلا يقترح  إلغاء التقسيمات الإدارية الحالية التي تقسم سوريا لأربع عشرة محافظة، من أجل إنشاء ستة أقاليم على أسس اقتصادية وخدمية، مع حفظ صلاحيات المحافظات في كافة الشؤون الأخرى التي منحت لها في المرحلة الانتقالية.. وهذه الأقاليم هي:
1-    إقليم دمشق: ويضم دمشق وريفها ودرعا والسويداء والقنيطرة.
2-    إقليم حلب: ويضم حلب وريفها مع حمص وحماة وإدلب والسلمية وجسر الشغور
3-    إقليم الشمال: ويضم عفرين والباب ومنبج
4-    إقليم الجزيرة: ويضم الحسكة والقامشلي والرقة وعين العرب ورأس العين وتل تمر
5-    إقليم الساحل: ويضم اللاذقية وريفها وطرطوس ومحردة وصافيتا
6-    إقليم البادية: ويضم دير الزور وريفها مع تدمر والبادية السورية.
أعتقد أن هذه المقترحات التي بررها المؤلفان بأهداف اقتصادية وخدمية بحتة، مع التأكيد على حفظ خصوصية المحافظات.. لن تنجو من بروز النعرات المناطقية والطائفية التي لا ترتبط بأي هدف اقتصادي أو خدمي بالضرورة، وهو ما يجعل دراسة واقعها الاقتصادي أمرا يحتاج لتوسع أكبر!

أبرز اللاعبين عربيا: لهذا دعموا النظام!
الفصل الأهم من الكتاب برأي سواء في المقترحات أو التوصيفات هو حديثه عن اللاعبين وخيارات التسوية التي اعترف المؤلفان بأنها “خيارات مؤلمة وتسويات لابد منها” وتحت هذا العنوان كتب يقولان:
“الوضع في سوريا تحول إلى أكبر كارثة إنسانية في هذا القرن. لقد تجاوزت الحالة السورية ما يسمى بـ “الصوملة” و”الأفغنة” و”اللبننة” و”العرقنة” هذا التدخل السافر والشرس دوّل القضية السورية، وجعل من أرضها ساحة لتحقيق المصالح وتصفية الحسابات، بينما أصبحت أصوات ومصالح الشعب السوري مهمشة إلى درجة الغياب الكامل، والتجاهل المفرط من قبل الدول المتدخلة. هذا التجاهل سلب كل السوريين، نظاما ومعارضة وشعبا سيادة القرار وجعل من سوريا دولة تحت الوصاية الدولية، دون أن يسمى وصي معروف ويحمله التبعات القانونية للوصاية وفق القوانين الدولية”. ص (95)
ويعترف المؤلفان أن مصالح هذه الدول تتضارب في أغلب الأحيان وتنسجم في أحيان أخرى.. وأن تجاذبات اللاعبين الكبار تشير إلى أن الحلول المطروحة لن تكون في مصلحة السوريين… لكن ذلك برأيهما: “يحتم على السوريين أن يأخذوا مصالح وطموحات هذه الدول بعين الاعتبار، المعلن منها وغير المعلن على أنها حقيقة وواقع، ويجب الابتعاد عن المثاليات والتصورات الخيالية ” ص (95).

وفيما يخص اللاعبين المتدخلين في الشأن السوري يوصف المؤلفان بدقة متناهية واقع الدول العربية ودورها إزاء القضية السورية، ويوضح المؤلفان المصالح القومية والاقتصادية للدول العربية في سوريا بثلاثة نقاط:
–    الأولى: الإصرار على بقاء حكم العكسر
–    الثانية: محاربة القوى الجهادية والاسلام السياسي
–    الثالثة: محاربة التغيير الديمقراطي الذي يشكل الخطر الأكبر على حكام تلك الدول.

أما طبيعة الدور الذي باتت تلعبه الدول العربية فيلخصانه بالقول:
“أغلب الحكومات والأنظمة العربية لا ترغب في التغيير، وهي ذاتها في وضع وهن وضعف شديدين، ويكاد يكون تأثيرها محصور في التمويل وذلك وفق طلب القوى الفاعلة الكبرى، أو في الدعم السياسي لمن لا يملك التمويل. رغم أن محاولات الحل بدأ عربيا ومن خلال جامعة الدول العربية، وجاء التدخل الأممي لاحقاً، حيث سمي المبعوث الأممي كوفي عنان مبعوثا أمميا ولجامعة الدول العربية بآن واحد. بعد التدخل الأممي بدأت الدول العربية تخسر دورها تدريجيا إلى أن تلاشى تماما في التأثير على مسارات الحل في سوريا” ص (102)

أبرز اللاعبين الدوليين: العداء الصيني والمصلحة الإسرائيلية!
يعدد المؤلفان أبرز المتدخلين بالشأن السوري عربيا على النحو التالي: (مجلس التعاون الخليجي – المملكة الأردنية الهامشية – لبنان – العراق) وعالميا: (الولايات المتحدة الأمريكية – روسيا- إيران- تركيا – الاتحاد الأوروبي وبريطانيا – وإسرائيل) وفيما يتعلق بإسرائيل يوضح المؤلفان:
” رغم الرأي القائل بأن النظام السوري يحمي إسرائيل، وأن إسرائيل هي الحامي الأساسي لنظام الحكم في سوريا، فإن مصالح إسرائيل المعلنة تتلخص في حماية أمنها وحفظ حدودها، والبقاء كقوة مسيطرة وحيدة في المنطقة، وتهدف إلى أن تكون سوريا دولة هشة من أجل الحفاظ على الجولات دون ثمن، والوصول إلى اتفاق سلام غير عادل يفتح أمامها أبواب المنطقة على مصراعيها ” ص (121).

إلا أن أفضل وأهم تحليل لمواقف هذه الدول نراه في معاينة الموقف الصيني المعادي للثورة الصينية، حيث يوضح المؤلفان:
“إن المصالح السياسية الصينية تتضارب مع التغيرات الثورية في العالم وذلك لأسباب صينية داخلية، لأن المجتمع الصيني مكون من مجموعة من الشعوب المختلفة، وأي حراك ثوري أو تحرري أو انفصالي في داخل الصين سيكون له تبعات كبيرة على انتعاشها الاقتصادي ووحدة أراضيها. كذلك الصين تعاني من المجموعات الجهادية الصينية، حيث يوجد على الأراضي السورية مجموعات جهادية صينية لها حاضنة شعبية بين مكونات المجتمع الصيني، وعودة هؤلاء إلى الصين أو انتشار أفكارهم هناك يشكل تهديدا أمنيا لبعض أقاليم الصين” ص (108).

ولا ينسى المؤلفان ان يدرجا الدول الإسكندنافية (السويد – فنلندا – النوريج) وكندا ضمن الدول التي لها بات مصالح وتداخلات في سوريا، وهما يبرران ذلك بالقول: “وضعنا كندا مع الدول الاسكندنافية في نفس الترتيب لما تتمتع به هذه الدول جميعها بصفات مشتركة، وحتى في تقاسمها نفس القيم والمصالح إلى حد كبير، ويأتي على رأس اهتمامات هذه الدول هو وقف تدفق اللاجئين إليها، والذي تكمن أحد أسبابه في استمرار الصراع في سوريا. كما ان هذه الدول تبدي اهتماما كبيرا في الدفاع عن حقوق المرأة والمجتمع المدني وحقوق الأقليات المذهبية والقومية. ونشير هنا إلى دور هذه الدول في حل الصراعات المستعصية عبر العالم من خلال جهود خاصة تقوم بها عبر سياسة حيادية تجاه الدول الكبرى” ص (109)

ما هي التطمينات التي يجب أن نقدمها للدول الفاعلة؟!
ويلخص المؤلفان أهم التطمينات التي يتوجب أن تقدمها مجموعة الحل، إلى الدول الفاعلة في سوريا بخمس نقاط هي:
1- لابد أن تتحول سوريا إلى دولة حيادية، حيث لا تصبح مقرا ولا ممرا لتهديد دول الجوار.
2- يفضل أن يكون الحكم شبه رئاسي أو برلماني، ويلتزم بتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة
3- تحويل الجيش إلى جيش احترافي لا عقائدي، والأمن إلى مؤسسة تحمي أمن المواطن في الداخل وأمن الدولة في الخارج.
4- التأكيد على ديمقراطية وعلمانية وحيادية سوريا المستقبل أمام جميع مواطنيها.
5- العمل على الانفتاح الاقتصادي مع دول العالم والتركيز على اللامركزية الاقتصادية داخليا، وعدم احتكار طرق مرور الطاقة أو البضائع أو المياه حيث سيلعب هذا دورا هاما في إيجاد الحل للأزمة السورية.

واقعية سياسية وطروحات نظرية!
أخيرا: يؤكد المؤلفان أن هذه الدراسة “وجهة نظر مطروحة للنقاش، نعرضها على الشعب السوري كأفراد ومؤسسات وأحزاب ومكونات من أجل إنضاجها وإغنائها، علها تسهم في فتح باب الحل، وتمنح بلدنا بصيص نور في آخر نفق مظلم” والحق أن كثيراً من أفكار هذه الدراسة التي بذل مؤلفاها جهدا اكاديميا رصيناً ومعتبراً، مشبعا بالثقافة السياسية والحقوقية العميقة، والإطلاع الواسع على التجارب والأزمات، تستحق الكثير من الاهتمام والنقاش، وخصوصا الفكرة التي يوردانها في الصفحة (94) حيث يقولان:
“لتمثيل السوريين بشكل حقيقي، يجب تجاوز ثنائية النظام والمعارضة كليا، من خلال خلق كيان سوري مسؤول وفعال. ويتم الانتقال مباشرة لبناء سوريا طالما أن كل شيء سيكون بوصاية أو رعاية دولية”.

إن هذه الفكرة على سبيل المثال لا الحصر، تكشف الرؤية النظرية في بلورة بعض المقترحات التي يقدمها المؤلفان.. فإذا أسقطنا ثنائية المعارضة والنظام، وهي سقطت على أرض الواقع بطبيعة الحال، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع من لا ينتمون إلى هذا الطرف ولا ذاك أن يدينوا الجرائم التي ارتكبها كل الأطراف وعلى رأسهم النظام تجاه المدنيين على الأقل باعتبارها جرائم ضد الإنسانية؟! هل يستطيعون أن يطالبوا بتجريم النظام الذي استخدم موارد الدولة وترسانة أسلحتها لقتل وتهجير السوريين.. حتى وإن تأجلت طرق وآليات محاسبته وإسقاطه في المدى المنظور؟!
إن أي تمثيل سوري لا يقوم على فكرة الاعتراف بجريمة الحرب التي ارتُكبت ضد السوريين، وتوجيه اصابع الاتهام نحو الفاعل الأساسي فيها، سيكون مناقضا للواقعية السياسية التي تقبل بكثير من التنازلات بطبيعة الحال، على أن تقدم الحد الأدنى للانطلاق نحو صياغة الأرضية المشتركة، التي نقف عليها من أجل بناء سوريا الجديدة!

أورينت نت – محمد منصور

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق