فرج بيرقدار على أمازون – كتاباته المهربة من داخل السجن السياسي
صدر عن مركز ” الآن Now Culture ” كتاب ” خيانات اللغــة والصمـت – تغريبتي في سجون المخابرات السورية” للشاعر والصحافي السوري فرج بيرقدار .
نستل بعض مقاطع من أجواء الكتاب ، على ان يكون متاحا بطبعة ورقية خلال الشهر القادم ، بالإضافة إلى نسخة عنه بصيغة ” كيندل ” على أمازون .
https://www.amazon.co.uk/dp/B07T5XD966
كشاعر.. ارتديت وطني حتى آخر القصائد، وارتديته كسياسي عاشق، ولهذا فقد مزَّقت الديكتاتورية وطني مرتين، عندما مزَّقت سياطها جلدي كشاعر في المرة الأولى ( على أيدي المخابرات الجوية عام 1978) وكسياسي في المرة الثانية ( على أيدي شعبة المخابرات العسكرية عام 1987).
بالطبع ليس ما تعرَّضتُ له حالة خاصة أو استثنائية، فالقمع السافر والمعمم هو العدالة الوحيدة التي يجهد حكامنا في تطبيقها على المحكومين.
وأنا لا أتلاعب بالألفاظ حين أقول إن السائد في سوريا, هو قانون القوة لاقوة القانون. ذلك أن جميع الأنظمة، التي تعاقبت على الحكم خلال الثلاثين سنة الماضية، إنما وصلت إلى سُدَّة السلطة على أبراج الدبابات، وعبر الانقلابات لا عبر الانتخابات، الأمر الذي يعني أنها أنظمة غير شرعية، وأن كل ما صدر عنها من قوانين ومراسيم ومؤسسات هو غير شرعي أيضاً، بما في ذلك محكمة أمن الدولة التي أقف أمامها الآن كمتَّهَم، مع كامل احترامي لهيئة المحكمة كأشخاص لا كمؤسسة استثنائية.
هل هناك ما يبرر هذه التراجيديا الجهنمية التي أتحدَّث عنها؟
لقد حاولتْ السلطات المتعاقبة الإجابة عن هذا السؤال، وهي تلوِّح بسيف المشاعر الوطنية لدى الجماهير، مدَّعيةً أن الدوافع التي قامت عليها جملة القوانين الاستثنائية وحالة الطوارئ، تتلخص بضرورات الصراع مع الكيان الصهيوني!
إذن دعوني أتجاوز قناعتي بعدم وجاهة الدوافع، حتى لو افترضتُ صدقها، لأقول: أليس أمراً مضحكاً إلى حافة الجنون، مؤلماً حتى البكاء، أن تُطبَّق الأحكام الاستثنائية على الجماهير وقواها السياسية، فندخل قاعة محكمة أمن الدولة، في الوقت الذي تدخل فيه إسرائيل قاعة المفاوضات؟!
هل هذا يعني أن الأحكام الاستثنائية تستهدف شعبنا “عملياً” رغم ادِّعائها “إعلامياً” أنها تستهدف إسرائيل؟!
أترك الإجابة فاغرةً جراحها كانتصارات مهزومة، أو كهزائم سُجِّلت في بند الانتصارات.
وليس هذا هو التناقض الوحيد الذي يفترع البلاد بين التسميات أو الشعارات التي تدَّعيها السلطات وبين واقع الحال.
ذهاباً وإياباً تعلن السلطة صدق رغبتها في السلام والمصالحة مع إسرائيل، مؤكدة احترامها التام للشرعية الدولية وقراراتها ومواثيقها، فلماذا لا تحظى الشرعية الدولية ومواثيقها بأي احترام عندما يتعلق الأمر بشعب سورية؟
أيها السادة.. ليس ما تسمعونه أو تقرؤونه الآن تقريراً صحفياً معدَّاً للاستهلاك، وليس بيانات كاذبة تروِّجها أجهزة مأجورة أو مشبوهة، بل هو ما تبقَّى من أنقاض روحي، وأنقاض مئات المعتقلين السياسيين الشرفاء .
إنه شهيقي وزفيري وما يترمَّد بينهما من ذكريات الماضي وأحلام المستقبل.
مرة أخرى باسم الحرية، هذه الكلمة الموسيقى.. هذه الروح القُدُس، أعلن أن اعتقال أي شخص، سلاحه الكلمة و ليس البندقية، هو بالمعنى الأخلاقي ممارسة إجرامية صافية السلالة، هو خرق لإنسانية الإنسان بإطلاق، قبل أن يكون خرقاً بالمعنى الحقوقي لقوانينه ودساتيره.
إن دولةً تُعتَبر الكلمةُ فيها جريمة يحاكَم عليها المرء، هي دولة غير جديرة بالحياة، ولاحتى بالدفن، وبشكل خاص ذلك الطراز من الدول التي تُفترَس فيها الكلمة بالسياط والبنادق والزنازين.