أحمد سليمانمنظمة نشطاء الرأي

أحمد سليمان: قتلوا حبيبي يا رفيقنا هو الآن في البعيد … قالت غزل

لمحت صورتي الموضوعة بمنتصف غرفتك. تأثرت لذلك لأنك الوحيد الذي حافظ على صوري وكتبي ورسومي الطفولية على الرغم من كل هذه الحرب الطاحنة التي ابتلعت أبناء البلد الواحد.

العاشق الكسير:
تناولت “غزل” طنجرة المطبخ وراحت تقرع عليه بغصن زيتون ثم لوحت امك بمنديلها القروي واستمر الغناء الممزوج بالحسرة والدموع. غناء يؤكد على مواصلة الطريق من أجل مستقبل البلاد وأهلها الذين أنهكتهم حرب متوحشة. مازلت أطرب على وقع تلك الكلمات. كلمات تؤكد البقاء والحرية. (وما بنرحل أبدا يا منشار وما بنرحل أبدا يا سمسار. لا براميل ولا نابالم ولا “صووايخ ” أبو نص لسان. ما بنرحل أبدا يا سمسار) اذكر اهزوجتك هذه، توليفها القائم على لحن ثائر أحببت فيه بساطته وصوته الهادر من بين حقول الفلاحين. كلماتك تلك كانت تضيء عتمة الغرفة الصغيرة في وسط أشجار الزيتون، جعلتني للحظة أشعر بأنني أجلس بينكم وأصفق بيدي الناحلتين وقد تساقطت دموعي محملة فيها خليط سنوات من عذاب وخوف وحنين.
لا يمكنني وصف حزني العميق عندما سمعت بمصيرك الذي تعرضت له. أنه من المؤلم سماع خبر تصفيتك ونكال جثتك، وما يجعل الأمر أكثر صعوبة هو أنك تركت وراءك حبيبة وعائلة وأصدقاء محبين.

كان يسعدك دائمًا أن تتحدث عن “غزل” وعندما تلقيت مني رسالتي العاشرة التي أبلغك فيها عن خبر سار، كان الفرح يتقافز على وجهك. رأيت وجهك يشع طمأنينة وحب، في تلك اللحظة اعتقدت بأنك ستخرج من شاشة اللابتوب لتعانقني عناق الرفيق الغائب منذ سنين. ثم أمسكت بالهاتف و مررت شاشته قبالتي وطلبت مني ان ان احمل لفحة حمراء ألوح فيها كما كنتم تفعلون في مشهد جماعي راقص، سررت بكم خصوصا حين رقصت انت وغزل والاصدقاء. وقد لمحت صورتي الموضوعة بمنتصف غرفتك. تأثرت لذلك لأنك الوحيد الذي حافظ على صوري وكتبي ورسومي الطفولية على الرغم من كل هذه الحرب الطاحنة التي ابتلعت أبناء البلد الواحد. كدت اختنق من غرابة المشهد وبراءة الاهل والأصدقاء ومن شدة الوحدة التي قتلتني.
لم اكن جاهز لهذا الحزن يا رفيقي فلدي من الخراب الذاتي الكثير الكثير. لا يمكنني وصف أحزان محبيك وأحزاننا جميعا على فقدك، إنها فاجعة كبيرة بل خسارة لا يمكن تعويضها. لقد كانت رحلتك إلى الأبد مليئة بالظلم والوحشية، تذكرت ما قلته لي عندما اتصلت بك لأخبرك فكرة أعدها صديق من أجلك ، كان الفرح يملأ قلبك رأيت بريق عينيك، وكنت متحمسًا للقيام بخطوة افضل.
علمت بأنك أوصيت حبيبتك بأن تغادر بمفردها وتتابع حياتها، كلماتك هذه وصلتني بعد فترة طويلة عبر إحدى برامج التواصل التي تكاثرت وهجرت بعضها. لكنني تلقيت رسالتك لتوي من مصدر آخر أي من “غزل” نفسها التي التي كنت تطرب لسماع اسمها، وصلتني رسالتك بعد قتلك يا رفيقي وقد وصلني الخبر في رسالة ممزوجة بعشقك لغزل. عشق تقول فيه غزالتك (قتلوا حبيبي يا رفيقنا هو الآن في البعيد ). غزل التائهة والتي تصر بأن خبرك مجرد غياب كيميائي وانك حاضر معها وأنها لن تغادر إلى ان تعثر على قبرك.
لتوي أقارن رسالتك التي لا تفارق مسمعي، اقارن تاريخ إرسالها مع محتوى آخر دمجته في برنامج تحليل الأصوات كي أتأكد ان المحتوى حقيقي وانه صوتك وقد سمعته أيضا في حجرة صوتية اخرى. شعرت بالاختناق وانا اكرر سماع صوتك مرارا لعلني استعيدك كما يتم استعادة الملفات الصوتية والصور الضائعة. لعلني استعيدك وتقف أمامي من لحم ودم، صوتك الغاضب من أحوالك وقلقك. تطلب مني أن أبذل كل ما في وسعي للحفاظ على لوحتك الرائعة غزل. وتكرر طلبك من اجل حمايتها لأنها ستكون وحيدة خصوصا بعد ان قصفت الطائرات منزل أهلها وماتوا جميعا. لقد كانت شجاعة منك أن تفكر في سلامتها بدلًا من تفكيرك في نفسك.
صديقي، لقد كنت نموذجًا رائعًا للتضحية. كنت تسعى دائمًا للخير للآخرين، حتى في ظلمة الظروف التي كنت تعيش فيها. انك تشبهني وقد بدأت أشكك بأننا اثنان ومن عائلتان مختلفتان، اني افتقدك يا صديقي الغاضب، اعتقد أنني سأعيش حزنا طويلا وقاسيا، بعد هذا الحدث المفجع، لقد أصبحت متشائمًا بشأن مُقبل الأيام، بعد الآن. كل ما يدور في ذهني هو ذكريات عاشقين فرقتهم طواحين الموت في بلدي.
مع هذا النبأ، تحول الأمل الذي كنتُ أحمله بداخلي إلى خيبة كبيرة. فقد شعرت بأنني فشلت في حماية عاشق وثائر عظيم، وأن كل ما فعلته لم يكن كافيًا لإنقاذه. وكان الألم الذي شعرت به عندما علمت بتعذيبه وقتله في آنٍ مرهقًا.
أعلم بأن الكتابة والقوانين والادانات لا تعيد المقتولين إلى الحياة، لكنها تجعلنا نتمسك بالأهداف النبيلة التي وقع بسببها من أحببناهم و غابوا فجأة. هي الحرب هكذا لا تختار ضحاياها، لكنها تدمر الأبرياء على الأغلب.
أحمد سليمان
اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق