أي جدل أردناه ؟ وأي حرية نريد ؟
واقع قاتم يتطلب إعادة تقييم عميقة وطرح أسئلة جوهرية حول كيفية استعادة الثقة بين الشعوب والخروج من فجوة الإحباط ومتابعة مشروع الحرية والإنتصار للإنسان
أحمد سليمان : يمثل نشر مجلد “جدل الآن” الذي يتضمن حوارات وآراء اسشرافية للمستقبل ونصوص لأكثر من 130 مثقفا، لحظة فارقة في تاريخ الفكرالمعاصر. صدر هذا المجلد منذ أكثر من عشرين عاما، لكن مع مرور الوقت أصبح من الواضح أن المشاركين فيه استبقوا الكثير من أحداث العالم: دمار وفتنة وتفكيك ومحاولات هشة لإعادة البناء على أنقاض الخراب والإصابات في بلدان متعددة. ومن المؤسف أن هذه الأحداث جاءت في مواجهة الثورات التحررية من أجل تسفيه مشروعيتها. لقد كتبت لسنوات عديدة عن الاتجاه المتنامي نحو الجحود، حيث يترنح القرن الحالي تحت وطأة السياسات المختلة والنزاعات الإقليمية والدينية الموروثة. ومن المرجح أن يؤدي إهمال قضايا حقوق الإنسان إلى خلق تحديات أكثر خطورة في دول العالم، خصوصا في العالم الثالث، حيث يتم تجاهل الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها
وتشير هذه التحولات إلى واقع قاتم يتطلب إعادة تقييم عميقة وطرح أسئلة جوهرية حول كيفية استعادة الثقة بين الشعوب والخروج من فجوة الإحباط ومتابعة مشروع الحرية والعدالة والإنتصار للإنسان.
من الملفت أن الزمن العربي كان في كثير من الأحيان خارج السياق الدولي، مما أفضى إلى خصوصيات مختلفة حيث يظهر ضئيلاً وعدواني في أبشع مستوياته. والسؤال هنا: هل أفضت “الأزمان” المتعاقبة في الداخل العربي إلى تأسيس حوار حقيقي ، أم أن الأدوار المعقدة على المستويات الفكرية والسياسية والدينية والطبقية والعرقية، أدت إلى إقصاء متعمد عبر متاهات لا نهاية لها؟ وهذا يطرح تساؤلات حول سبب اعتبار وقف انتهاكات حقوق الإنسان شرطًا أساسيًا للحوار معها.
لقد كتبت لسنوات عديدة عن الاتجاه المتنامي نحو الجحود، حيث يترنح القرن الحالي تحت وطأة السياسات المختلة والنزاعات الإقليمية والدينية الموروثة. ومن المرجح أن يؤدي إهمال قضايا حقوق الإنسان إلى خلق تحديات أكثر خطورة في دول العالم،
إن هذا “الشرط” قد يخفي وراءه رغبة في التمثيل باسم مجموعات غير محددة، واعتبارها قضايا إقليمية، مما يؤدي إلى تسوية العديد من القضايا الحقوقية من خلال تقسيم جغرافي تهيمن عليه قوى كليانية كبرى. يظهر تدخل الدول الكبرى في شؤون بعض البلدان دون غيرها مدى هشاشة البنية السياسية في تلك البلدان، مما يعزز توجه العالم نحو الجحود.
منذ ان بدأت المشاريع الثقافية والفكرية الهامة بالانحسار، في حين أصبحت السلطات المعرفية تنتج مريدين ورموزًا، مما قد يكون أكثر خطورة من الأنظمة العسكرية. كانت هذه رؤيتي قبل أكثر من عقدين، وتحديدًا في عام 2000، عندما كانت هناك وقفة تأمل وحوار مفتوح عند مفترق قرنين، متسائلا عن إمكانية دخولنا إلى الألفية الثالثة. كانت تلك الأسئلة جدلية، عاكسةً قضايا أساسية في مأزق الفكر العربي (ولم يخرج منه بعد ). على مستويات سياسية واجتماعية واقتصادية، والتي حملت طابعًا شاملاً، إذ يعبر عن مشكلاتنا مع أنظمة الحكم في بلداننا، وما نتج عنها من سياسات دمرت بلدانًا وشعوبًا.
في هذا السياق، جاء كتاب “جدل الآن” كمحاولة لفتح حوار مفتوح من خلال عشرات من المثقفين الذين قدموا وجهات نظر مختلفة بشأن قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وأدبية ودينية. يمكن القول إن هذا الكتاب يمثل هموم المثقف العربي، وكشف عن المشكلات التي يعاني منها الفكر العربي، ومؤكدًا على هوية المثقف واتجاهاته.
اعتقد ان الكتاب فرصة للقارئ لاستكشاف مدى ارتباط المثقف بمجتمعه، وقدرته على تبني أفكاره وترجمتها إلى أفعال، على الرغم من أدوات القمع التي تُمارس ضد حرية التعبير.
إن الأسئلة التي أثارها “جدل الآن” مع نخبة من المثقفين الذين قدموا وجهات نظر وإشكاليات مختلفة حول قضايا سياسية واجتماعية وفكرية، إلى جانب عشرات المبدعين، كانت مدخلاً لاستكشاف مدى ارتباط المثقف بمجتمعه، وكيفية ترجمة أفكاره إلى أفعال رغم أدوات القمع. والقلق الذي يواجهه المثقفون في زمن الإرهاب المتنوع، حيث تقلصت هوامش التعبير الحر. فكانت دعوة لتعزيز الحوار وحق الاختلاف، بل والثورة على قيم الزيف والانحطاط التي تهدد حرياتنا الأساسية.
- إشارة: مع نهاية عام 2000، توصلت إلى اتفاق جزئي مع “مجلة عربية”، حيث طُلب مني تفعيل أحد أقسامها وفقًا لاهتماماتي. لذلك، قمت بإعلان “سلسلة ملفات الآن”. نشرتُ عدة حلقات منها، لكن الاشتراطات الرقابية التي ظهرت لاحقًا لتحديد طبيعة توجه ملفات هذه السلسلة، إلى جانب المزاج السياسي والرقابي في بعض الدول العربية، جعلت “ملفات الآن” عرضة للمنع، ما أدى في النهاية إلى توقفها.
بعد عامين، أصدرت في بيروت الطبعة الأولى من مجلد “جدل الآن”.
* ملخص عن كتابي ( جدل الآن / إلى الألفيـة الثـالثـة في الانتقاد الفكري والسياسي وعن قضايا الديمقراطية والقمع والاستلاب وعلاقة المثقف بالسلطة).
www.opl-now.org