مبادرة شولتس: هل تضع نهاية للحرب في أوكرانيا؟
كتب أحمد سليمان : في ظل تصاعد التوترات العالمية والصراع المستمر في أوكرانيا، بات البحث عن حلول دبلوماسية لوقف الحرب ضرورة ملحة. وبعد مرور قرابة عامين على اندلاع النزاع الروسي-الأوكراني، لم يعد الحديث عن التبعات الاقتصادية والسياسية محصورًا في روسيا وأوكرانيا فحسب، بل امتد ليشمل أوروبا بأسرها. أحد أبرز الأحداث الأخيرة التي لفتت الأنظار كان إعلان المستشار الألماني، أولاف شولتس، استعداده لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف إنهاء الحرب. هذا التصريح المفاجئ جاء قبل انعقاد القمة الأوروبية في برلين، وسبق زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أوروبا، مما أثار التساؤلات حول أهداف هذه التحركات الدبلوماسية، ومدى إمكانية إيجاد حل سياسي لهذا الصراع الطويل.
هل ستنجح مبادرة شولتس لوقف الحرب في أوكرانيا؟
منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، كانت الجهود الدولية تسعى إلى إيجاد مخرج سياسي للنزاع، ومع ذلك لم تفلح تلك الجهود حتى الآن. إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس عن استعداده للقاء بوتين أعاد الأمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام، وخاصة في ظل التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي شملت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أوروبا والقمة الأوروبية في برلين.
زيارة بايدن تأتي في وقت حساس، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد الصف الأوروبي حول دعم أوكرانيا، في ظل الانقسامات التي بدأت تظهر بسبب تبعات الحرب الاقتصادية على الدول الأوروبية. بالنسبة لبايدن، فإن الهدف الأساسي من الزيارة هو تعزيز التحالف الغربي ضد روسيا، واستمرار تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا. لكن في الوقت نفسه، هناك دعوات متزايدة داخل أوروبا للتفكير بحلول سياسية تضع حدًا للصراع، وهو ما يجعل مبادرة شولتس محورية في هذا السياق.
خطة السلام للرئيس الأوكراني زيلينسكي
بالإضافة إلى ذلك، يلعب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دورًا هامًا في هذه المرحلة، حيث قدم خطته الخاصة للسلام والتي تشمل عدة نقاط رئيسية، مثل استعادة السيطرة على الأراضي الأوكرانية، وضمانات أمنية دولية، وتعويضات الحرب من روسيا. زيلينسكي لا يزال يشدد على موقفه الثابت بعدم التفاوض على حساب الأراضي الأوكرانية، مما يضع تحديات إضافية أمام أي جهد دولي للتوصل إلى تسوية.
في هذا السياق، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن خطة زيلينسكي من التوفيق بين الطموحات الأوكرانية، والمطالب الروسية، والضغوط الأوروبية لإيجاد مخرج؟
ماذا تحقق من مكاسب لروسيا منذ بداية الحرب؟
منذ اندلاع الحرب، كانت روسيا تسعى إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وقد تمكنت من إحراز بعض المكاسب:
1. السيطرة على أراضٍ أوكرانية:
روسيا عززت سيطرتها على أجزاء واسعة من شرق وجنوب أوكرانيا، لا سيما في منطقة دونباس.
2. تعزيز العلاقات مع قوى غير غربية:
برغم العقوبات الاقتصادية الغربية، نجحت روسيا في بناء علاقات قوية مع دول مثل الصين والهند، ما ساعدها في التخفيف من حدة تلك العقوبات.
3. تحقيق مكاسب جزئية في سوق الطاقة:
بالرغم من تراجع صادراتها إلى أوروبا، استفادت روسيا من ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، مما أدى إلى تحقيق بعض المكاسب الاقتصاددية.
حجم الضرر الاقتصادي على أوروبا وألمانيا أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا، تعد من بين المتضررين الأكبر من الحرب. فإلى جانب تأثيرات نقص الغاز الروسي وارتفاع أسعار الطاقة، واجهت الدول الأوروبية أزمة اقتصادية حادة نتيجة العقوبات والضغوط المالية المتزايدة.
1. أزمة الطاقة: تقليص إمدادات الغاز الروسي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، ما أثر سلبًا على الاقتصاد الألماني والأوروبي بشكل عام.
2. التحديات المتعلقة بالهجرة: النزاع تسبب في هجرة ملايين الأوكرانيين إلى أوروبا، ما شكل ضغطًا إضافيًا على الموارد والخدمات العامة في العديد من الدول الأوروبية.
3. التراجع الاقتصادي: تواجه ألمانيا، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية، صعوبات في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، حيث تأثرت قطاعات صناعية رئيسية.
من المتضرر الأكبر: روسيا أم أوروبا؟
من الصعب تحديد الطرف الأكثر تضررًا بدقة، فكل من روسيا وأوروبا يواجهان تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة. ورغم أن العقوبات الغربية أضعفت الاقتصاد الروسي، إلا أن موسكو تمكنت من تخفيف بعض التأثيرات من خلال تعزيز علاقاتها مع شركاء عالميين غير غربيين. وفي المقابل، تعاني أوروبا، وخاصة ألمانيا، من أزمة طاقة خانقة أدت إلى تراجع معدلات النمو وارتفاع تكلفة المعيشة.
نخلص بالقول، تظل مبادرة شولتس واحدة من العديد من المحاولات الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا. وبينما يواصل الرئيس الأوكراني زيلينسكي التمسك بخطته للسلام، فإن الدور الذي ستلعبه كل من الولايات المتحدة وأوروبا، بقيادة ألمانيا، سيكون حاسمًا في تحديد ما إذا كان هذا النزاع سيصل إلى حل سلمي أم سيستمر في جر القارة الأوروبية إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية والسياسية.