زملاءنصوص وإشراقات

نور قبلان : إلى معجزة لم تخلق في رحمي بعد

صغيري، ربما لن ترتئي يومًا أُمًّا تحدّث طفلها قبل جعله حتّى نُطفةً في قرار مكين.
ولأني لا أريدك أن تنشد “أعطونا الطفولة”، أكتب لك:
أجد روحي حافيةً على مشارف العشرين، مشارف تختلجها هتافات النكاح، صادفتُ أناسًا لا يُلحق غبارهم، يبلغون رسالاتهم، ويقصّون ما قاموا بسبره، وآخرين يُحرزون قصب السّبْق في غرس أفكارٍ أنصتَ بها الزمان، وكأن عقلي حَرْثٌ لهم، يأتونه أنَّى شاءوا، وغيرهم يُناكفون بكثرة سؤالاتهم، بذريعة الخوف عليّ من التأطّر في ردهة العزوبية..
ألا يعلمون أن الحبّ، كما الموت، حينما يأتي لا يعرف صغيرًا، فضلًا عن كبيرٍ؟
ألا يعلمون أن الحبّ، بشكلٍ ما، سيجعلنا أمهات؟
ربما لا يعلمون.

أذكر جيدًا عندما قام أحدهم وطرح عليّ سؤالًا ملغزًا:
“ما خطبك!.. ألا تمتلكين أيّ مشاعر؟!”
أجل، يا صغيري، أُدنتُ بتبلّد المشاعر، إذ إنهم لا يعرفون أني أتجبّر على مشاعري لأجلك.
أتعلم؟ ربما لو شُيّد بنيان أفكاري بلبناتهم،


ولو أن أطباعي طُبعت بطابعهم، لنشدتُ الهدف المنشود.
لكني، نَعامى عينك، ما أردتُ ارتداء ثوب حضارةٍ قديمة..

لا أعرف من حدّد ميقاتًا لصلاحية الزواج!
ميقاتًا غير قابل للإبطال أو الإبدال،
فما أعرفه هو ثمرة ذاك الزواج،
ناهيك عن أني ما زلتُ أُمسكُ خُفّ طفولتي،
أتسلّل إلى شوارعها خلسةً، وأنتشل من ماريها الابتسامة،
إلّا أني، في شوارع عقلي العاصفة، أفكّر بك بعناية..
أليس نهج حياتي تربيةً لك؟!
خُفٌّ من سيقع على خُفّي، يا صغيري؟ ألن تتبع خُطاي؟!
لأجل هذا، أخاف..
ألا أَميل إلى التخلّص من عاداتي السيئة،
أن أجعلَ لدستور المنزل سبيلًا لا يؤدّي إلّا إليك..
أُخمّن أنك الآن على أكتاف برزخٍ ما،
تسترق السمع لما أُرميه لك في سرّي!..
أتراك تنظر إليّ؟!
أتراك تفخر بي؟!
أترانا نلتقي في يومٍ ما على أجندة قدرٍ مبرم؟!
وأنا التي أخاف أن أُكبّل حرية عيشك بأصفاد نوايا بائسة،
أضعك لأجلها، كما فعل الكثير، إذ إنهم ظلموا أبناء الحياة،
حينما وضعوهم بنيّاتٍ غير آمنة..
“كخدمتهم عند الكِبَر”، وغيرها من تحقيق الرغبات بهم.
صغيري، أريدك أن تحيا ببهجةٍ، وتنمو بإيجابية.

أتوجّس من عدم الغوص في ماهيّتك،
ألا أتفهّم وجود كائنٍ بدائي في منزلي،
يريد بملء شغفه اكتشاف كل ما في محيطه،
أن أوبّخك لرؤيتي ألعابًا مبعثرة أرجاء مكانٍ أريده منزّهًا عن الأدران..

صغيري، سأُدلي لك باعترافٍ صغير:
ربما لن أَقوى دومًا على منع نفسي من بكاءٍ حيال تجمهر المسؤوليات على عاتقي،
لكني، حقيقةً، على أن ترى ابتسامتي بعدها..
فما هي كثرة الصحون إلا علامة البطون الشِّبَعَى!
وما هو رَكْم الغسيل إلا علامة الخروج والحُبور!

أعرف جيدًا أن لا مِرَاء في حبّ الأمهات،
لكني أخاف من سعيٍ كسعيهم في تعليمك المبكر،
فجُلّ ما تحتاجه أنت في سنواتك الأولى،
استحضار قدراتك الفطرية التي وُلدتَ بها، لا تدريسك العلوم والرياضيات.

أعرف أنك ستسوء فعلي إذ ما رأيتني أُقارنُك بطفلٍ آخر..
فإني بهذا أَهدم عماد الثقة فيك..
صغيري، لن أجعل منك حبيسَ كلمةٍ بحكمٍ مؤبّد..

وأعرف أنك ستحمل لي في قلبك شَنَاءة،
عندما أضعك في دائرة التحقيق والتأنيب عقب قيامك بفعلٍ خاطئ..
يا حبيب أُمك، اطمئن.. سأكون معك، لا عليك،
سنلجأ معًا إلى بوابة الحلول.

أخاف من عدم اكتراثي، عندما أجعلك تنام باكيًا..
ألا أعبُر بالحبّ خِتام كل موقفٍ لنا سويّةً.
أعهد إليك، يا عزيزي، حتى في صندوق طعامك،
سأترك لك كلمات مكتوبة بلسان القلب.

أقلق مني أن أتفوّه لك، عندما تكبر، بشيءٍ من:
“يكفيك أني أنجبتك”،
“حملتك تسعة أشهر بداخلي، عليك حملي عمرًا كاملًا”،
“ما أعطيتك إياه، عليك ردّه لي عند المشيب”..
لا أريد، يا صغيري، أن أُبطل صدقاتي بمنّك وأذيتك، فأنت زينةُ حياةٍ لي، لا لك.

عدا عن ذلك، لا أُخفيك.. فزماننا أضحى زمان اللا بركة،
كيف لي ألا أَحسب وأُوَطّن النفس لأمر قدومك؟!
لكن لا تخف، فأمك حتى في رُقادها الأَلْمَعي،
تبحث عنك بين التفاصيل المنتمية للأحلام،
تبني لك حبًّا محالًا.

دعني أقول لك أيضًا،
إن رؤية تفاصيل كل طفلٍ في عالمي، مدعاةٌ لأمومتك..
أمومة.. قالوا لي بأنها تُجرّد حاملها من كل أحلامه،
البس لهم أذنيك، يا صغيري، كما أفعل،
إذ إنهم ظلموا الأمومة، عندما اقترنوها بالتضحية..
فإذا جئت على قَدَر، ستسمع اسمي في حفل تخرّجي،
ما بينما تنمو غرسًا صالحًا بين يديّ..
بِرفقتك سأقصّ شريطة افتتاح مشروعي،
وربما سأُطلق سراح إبداعي الأول..
أعدك، سنسعد معًا بجلبة النوارس على البوسفور،
سنغنّي “ألف ليلة وليلة” في إحدى مقاهي القاهرة،
سنُلقي التحيّة على شمس زادار، ونرقص على أنغام بحارها،
سنتناول الكثير من الذرة على أرصفة المكسيك،
سأحدثك عن الحب الصوفيّ بحضرة تبريز،
وسأنافيك بين شعاب الأندلس التي أُحبّ..
صغيري، أريد بكل ميلٍ نقطعه بأرض الله، أن يتّسع به قلبك ميلًا مثله.

ملحوظة:
لا تنسَ بأني ما زلتُ قيد إعداد،
أتجرّع معلوماتٍ مضادّة للجهل بك،
أطوف في حقول التربية، قاطفةً لك من كل شجرة ثمرة..
صغيري، فإن لم يكن إعدادي… إعداد شعبٍ طيّب الأعراق،
فلستُ أَحرى بأمومتك.

في 26 تموز…
أقبّلك تحت النصوص.

نور قبلان : كاتبة سورية 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق