أحمد سليمانتقارير حقوقيةزملاءقضايا

التماثيل الحقيقية موجودة داخل الحكومة

حين تتحطّم الحجارة باسم الدين، تتسلل الأصنام إلى الحكم باسم القداسة.

لهذا، فإن الخطوة الأولى لإنقاذ ما تبقى من سوريا، هي إزالة “حكومة الظل” المكوّنة من المشايخ، بدلاً من ترك البلاد رهينة السادية العقائدية التي تتلطّى بعباءة الدين.

ظاهرة اقتلاع أو تكسير التماثيل في سوريا، بتوجيه من شيوخ هذه الحكومة الموازية المسيطرة على مشروع الدولة، لا تعبّر عن رفض للأصنام، بل تُبشّر بصناعة أصنام جديدة، مكرّسة لعبادة الفرد، أيًّا كان هذا الفرد.
إنه ليس تحطيمًا للوثن، بل تلاعب صارخ بطبيعة البلاد السورية وهويتها المتنوعة.

يبدو لي نحن أمام طلائع “بعث إسلامي” جديد… على طريقة جماعة “بالذبح جيناكم”.

 

نقد الظاهرة:
يُبرر البعض هذا السلوك بأن التماثيل “من مخلفات النظام الأسدي الساقط”. لكن هذا التبرير، حتى لو استند إلى عداء مشروع للنظام، لا يبرّئ هذا الفعل الهمجي.
لا أحد في سوريا يشجّع على الإجرام الأسدي تحت أي ظرف، لكن ما يحدث هنا يتجاوز حتى وحشية النظام القديم، لأنه ينبع من خلفية أشد انغلاقًا وظلامية، تحاول محو كل تعدد رمزي وثقافي، لصالح زعيم مستبد أو “شيخ مخلَّد” باسم الله.

نحن لا أمام كسرٍ لرمز، بل هجوم ممنهج على الذاكرة الجماعية لسوريا، وسعي لإعادة تشكيل الفضاء العام وفق مقاييس أيديولوجية أحادية تُقصي كل ما لا يشبه “الخليفة القائد” أو “الشيخ الحاكم”.

هذه النزعة لا تختلف كثيرًا عن الاستبداد الذي خرج السوريون ضده. إنها تُنتج نسختها الخاصة من الطغيان، مغلّفة بخطاب ديني، مدعوم بنزعة تطهير رمزي، لا تقلّ عنفًا عن التطهير الأمني الذي مارسه النظام لعقود.

سوريا لم تكن أرض كراهية تجاه الفن والرمز، بل كانت ملتقى الثقافات، حيث تتجاور الكنائس مع المساجد، وتختلط الأساطير الإغريقية بالزخارف الإسلامية، وتعيش الرموز القديمة في تناغم مع معمار الحياة اليومية.

اليوم، نحن أمام ظاهرة مَرَضية، تنبع من عُصاب جماعي يتغذّى على كراهية الجمال والاختلاف، وعلى وهم “التوحيد القسري”.
هي نفسها اليد التي أحرقَت الكتب، وكسرَت الآلات الموسيقية، وطاردت القصيدة، ونصّبت نفسها وصيةً على الذوق والروح.

الخطر لا يكمن في تمثال مكسور، بل في محاولة فرض هوية وحيدة على وطن متعدّد.
في نفي الجمال، وقتل الرمز، وتدمير الخيال العام.

سوريا ليست مرآةً لماضٍ عبوس، بل أرض حيّة بتعدديتها. وكلّ من يحاول اختزالها في صورة واحدة، أو نغمة واحدة، أو لون واحد… إنما يحفر قبرها باسم الخلاص.

● جاءت هذه الملاحظات على خلفية تحطّم “تمثال الشهداء” في ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب.
وقد وثّقت الكاميرات ما وُصف بأنه “محاولة نقل” للتمثال، لكن العملية جرت بأسلوب غير مهني، وبدون أي إجراءات سلامة أو تقنيات نقل معتمدة.
كل شيء يشير إلى أن الحادث لم يكن عرضيًا، بل مدبّرًا ومقصودًا أن يبدو كـ”خطأ أثناء النقل”.

أحمد سليمان

صادر عن نشطاء الرأي 

 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق