مع تزايد الحديث عن إمكانية انضمام سوريا إلى اتفاقية روما التي تؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، يُثار جدل واسع حول تداعيات هذا القرار على مستقبل العدالة في سوريا. يأتي ذلك في ظل جرائم موثقة ارتكبها النظام السوري بقيادة المجرم الهارب بشار الأسد، فضلاً عن الأدوار المثيرة للجدل التي لعبتها شخصيات أخرى خلال الصراع.
الإشكاليات المرتبطة بالتوقيع:
إحدى الإشكاليات الرئيسية المرتبطة بتوقيع سوريا على اتفاقية روما هي أن هذا التوقيع قد يُفسَّر على أنه مساواة بين الجلاد والضحية، أو بين من كان في موقع الدفاع عن النفس وبين من ارتكب جرائم ممنهجة. قد يشمل ذلك مجموعات سياسية أو فئات شعبية محددة دفعت إلى النزاع تحت ظروف قهرية أو دفاعاً عن حقوقها.
تعقيدات الملاحقة القانونية:
الأمر الأكثر تعقيداً هو أن شخصيات بارزة في الحكومة الحالية نفسها، التي من المفترض أن تمثل خطوة نحو الاستقرار والعدالة، قد تصبح عرضة للملاحقة القانونية. هذا قد يضعف ثقة الأطراف المشاركة في العملية السياسية، ويُثير تساؤلات حول قدرة المحكمة الجنائية الدولية على التفريق بين السياقات المختلفة التي وقعت فيها الجرائم، خاصة في نزاعات معقدة مثل الحالة السورية.
الإشكاليات المرتبطة بالتوقيع:
-
قد يُفسر توقيع الاتفاقية كمحاولة لوضع الجميع في خانة واحدة، سواء من ارتكب الجرائم الممنهجة أو من لجأ إلى الدفاع عن نفسه تحت ظروف قهرية.
جرائم النظام السوري: أدلة لا يمكن إنكارها
بعد سقوط نظام الأسد وفرار قياداته، كشفت عمليات تحرير المعتقلات عن أدلة مروعة على الجرائم الممنهجة التي ارتكبها النظام، من بينها:
- أدوات التعذيب الممنهجة:
وفقاً لروايات الناجين من المعتقلات السورية التي وصفها البعض بـ”مرحبا بالسجون”، تم الكشف عن أساليب تعذيب ممنهجة وظروف اعتقال قاسية تركت أثراً عميقاً في حياة المعتقلين وعائلاتهم.
غرف تعذيب مزودة بمعدات خاصة، منها أدوات الشبح والدولاب والصعق الكهربائي، تُظهر وحشية التعامل مع المعتقلين.
التعذيب الجسدي المباشر:
الشبح: يتم تعليق المعتقل من يديه أو قدميه لساعات أو أيام، ما يسبب ألماً مبرحاً وإصابات دائمة.
الدولاب: إجبار المعتقل على الانحناء داخل إطار سيارة مع ضربه بالعصي والأسلاك.
الصعق الكهربائي: صعق المعتقلين بالكهرباء في مناطق حساسة من الجسم.
اغتصاب النساء:اغتصاب النساء كمنهج اساسي ، نتج عن ذلك ولادات وأطفال مجهولي النسب
الإهانات المتكررة: إذلال المعتقلين بألفاظ جارحة وحاطة بالكرامة.
تهديدات ضد العائلة: استخدام العائلة كوسيلة للضغط النفسي على المعتقلين.
عزل طويل الأمد: وضع المعتقلين في زنازين انفرادية لفترات طويلة.
أساليب أخرى:
- تذويب الجثث والمحارق الجماعية
– مكابس الموت: كان السجين يوضع بين دفتي مكبس معدني يتم طحنه ومن ثم تذويبه في أحواض تحتوي على الأحماض الكيميائية، في محاولة لإخفاء آثار الجرائم.
أعداد المعتقلين والمصير المجهول:
1.المحررون
تقارير حقوقية تشير إلى الإفراج عن ما بين 10,000 و15,000 معتقل فقط.
بعض المعتقلين قضوا أكثر من 30 عاماً في السجون، بينما خرج آخرون فاقدين الذاكرة.
2.مجهولو المصير
تشير التقديرات إلى أن عدد المفقودين في المعتقلات يتراوح بين 100,000 و130,000.
غياب الوثائق الرسمية والتعتيم المقصود يجعل التحقق من الأرقام أمراً بالغ الصعوبة.
تحديات التوقيع على اتفاقية روما:
العقبات القانونية:
1.غياب دستور فعال:
يعيق وجود جهة شرعية قادرة على توقيع الاتفاقية.
2.حكومة تصريف الأعمال:
صلاحياتها المحدودة تجعل اتخاذ قرارات استراتيجية أمراً مستبعداً.
3.الحل الانتقالي:
قد يُناط توقيع الاتفاقية بحكومة توافقية تُشكل ضمن إطار تسوية سياسية دولية.
العدالة المؤجلة ومآسي المعتقلين
تحقيق العدالة في سوريا يتطلب:
1.الكشف عن مصير المعتقلين: عشرات الآلاف من الأسر ما زالت تنتظر معلومات عن أحبائها.
2.محاسبة الجناة: وعلى رأسهم بشار الأسد وأركان نظامه، الذين تورطوا في جرائم ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
التوقيع على اتفاقية روما يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة، لكنه وحده لا يكفي. يتطلب الأمر التزاماً دولياً جاداً بالكشف عن مصير الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
العدالة ليست مجرد مطلب أخلاقي، بل شرط جوهري لإعادة بناء الثقة، تحقيق المصالحة الوطنية، وضمان مستقبل مستقر لسوريا بعيداً عن مآسي الماضي.
أحمد سليمان
