واشنطن بين سطوة العقوبات وصراع النفوذ: كفى ربطًا لآلام السوريين بصفقات الكبار
وكل تأخير في رفع العقوبات، أو تسييسها، هو إسهام مباشر في إجهاض مشروع الحرية.

كتب أحمد سليمان : حين تتحول مآسي الشعوب إلى بنود تفاوض في غرف مغلقة بين الكبار، يصبح الضحايا مجرد أرقام على طاولة البازار الجيوسياسي. هذا تمامًا ما نشهده في الملف السوري، حيث لا يُقاس استحقاق الشعب للكرامة والاستقرار بإنجازاته الثورية، بل بمدى انسجامه مع مصالح واشنطن أو مزاج موسكو. وبينما تُستخدم العقوبات كسوط ضغط لا يرحم، يتم تجاهل تحولات مفصلية شهدتها البلاد خلال الشهور الماضية، ربما لأول مرة منذ عقود.
في وقت تصاعد فيه الحديث داخل أروقة الإدارة الأمريكية عن شروط رفع العقوبات عن سوريا، يغيب عن هذا النقاش أمر جوهري: إن ما تحقق على الأرض منذ سقوط نظام المجرم بشار أسد ليس مجرد تغير شكلي في السلطة، بل تحوّل جذري في بنية الدولة، وفي طبيعة من يحكمها، وفي فلسفة الحكم ذاتها.
لقد أسقطت الثورة السورية نظامًا إباديًا طائفيًا استمر في إذلال الأغلبية لعقود، وأفشلت في 8 آذار 2025 محاولة دولية مريبة لإعادة إنتاج نظام الأسد بوجه جديد. تم تفكيك الحزب الحاكم وأجهزته الأمنية، والقبض على الآلاف من مجرمي الحرب، وتمهيد الطريق لعدالة انتقالية حقيقية.
إن ما تحقق على الأرض منذ سقوط نظام المجرم بشار أسد ليس مجرد تغير شكلي في السلطة، بل تحوّل جذري في بنية الدولة، وفي طبيعة من يحكمها، وفي فلسفة الحكم ذاتها.
اليوم، تُحرّر سوريا من الاحتلالات المتعددة: الإيراني، واللبناني، والميليشيات الشيعية القادمة من العراق. ويُحصر الوجود الروسي بقاعدتين مراقبتين، بعد أن كانت البلاد تحت سيطرة متعددة الجنسيات. كما شهدت البلاد وقفًا تامًا للقصف، وإنهاء سياسة التهجير القسري، وإطلاق سراح 22 ألف معتقل سياسي، وفتح باب عودة اللاجئين، ورفع القيود عن الإعلام والتعبير والعمل السياسي.
ضد ربط العقوبات بصراع القوى:
ومع كل هذا التغيير، ما زال البعض في واشنطن يتحدث بلغة الماضي، ويشترط على حكومة الثورة السورية شروطًا لا تتعلق لا بحقوق الإنسان، ولا باستقرار البلاد، بل بمصالح أمريكية في أوكرانيا أو حسابات غربية تجاه الصين وإيران.
فهل المطلوب من دمشق أن تقرر مصير قواعد روسية عمرها سنوات، كي يُسمح للطفل السوري بتناول الخبز؟
هل تخفيف العقوبات لا يستحقه الشعب الذي أوقف إنتاج الكبتاغون، وأعاد الكهرباء، ورفع قيمة العملة الوطنية، ودمج القوى الكردية في مؤسسات الدولة لأول مرة؟
هل المطلوب من دمشق أن تقرر مصير قواعد روسية عمرها سنوات، كي يُسمح للطفل السوري بتناول الخبز؟
إن هذا الربط القسري بين آلام الناس وصراعات الكبار لا يُعد فقط لا أخلاقيًا، بل يعكس استعلاءً سياسيًا وقصر نظر استراتيجي. العقوبات لم تعد تضرب نظامًا متوحشًا، بل تعاقب شعبًا يحاول النهوض من الركام. وكل تأخير في رفعها، أو تسييسها، هو إسهام مباشر في إجهاض مشروع الحرية.
سوريا اليوم ليست رهينة الماضي، بل بلد يسير نحو التعافي الحقيقي. وإن كانت واشنطن تدّعي دعم الديمقراطيات الناشئة، فعليها أن تبدأ بإعادة النظر في أدواتها، قبل أن تخسر موطئ قدمها الأخلاقي والسياسي في منطقة باتت تتغيّر خارطتها على أيدي شعوبها، لا على خرائط غرف التفاوض الدولية.
نشطاء الرأي