شكوى لاهاي: تبرئة فلول النظام أم محاولة لتقويض العدالة؟
( الساحل السوري ليس لطائفة أو مكون واحد )

كتب أحمد سليمان: في لحظة دقيقة من عمر الانتقال السياسي في سوريا، تبرز محاولات مريبة لإعادة إنتاج خطاب طائفي تقليدي، عبر تقديم تمثيلات أحادية غير شرعية لمكونات مجتمعية بأكملها. ومن أخطر هذه المحاولات، ما جاء على لسان المدعو غزال غزال، الذي خرج مدّعيًا الحديث باسم “الساحل السوري” بجميع مكوناته، مطالبًا بحماية دولية وحكم ذاتي، متجاهلًا ليس فقط تنوع هذه المنطقة، بل السياق الحقيقي لما جرى.
فالأحداث التي شهدها الساحل لم تكن استهدافًا لطائفة بعينها، بل كانت نتيجة اعتداءات مسلحة نفذتها مجموعات تابعة للنظام السابق في محاولة انقلابية واضحة، سعت إلى فرض واقع بالقوة على الأرض، واصطدمت برد فعل من قوى محلية – بعضها من الأهالي وبعضها الآخر من تشكيلات أمنية – في ظل غياب الدولة التي لم تكن قد فرضت سيادتها الكاملة بعد.
- الدولة الجديدة تتحرك: لجان تحقيق وعدالة انتقالية
في المقابل، تعاملت الدولة السورية الجديدة مع الأحداث بمسؤولية وشفافية، فأعلنت مباشرة عن تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة للوقوف على ما جرى وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين، بغض النظر عن انتماءاتهم أو خلفياتهم. وفي اليوم التالي، أُعلن عن تأسيس هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، تهدف إلى معالجة آثار الانتهاكات التي راكمها النظام القديم، ومقاربة المساءلة والإنصاف بطريقة حقوقية، شاملة، وغير انتقائية.
الأحداث التي شهدها الساحل لم تكن استهدافًا لطائفة بعينها، بل كانت نتيجة اعتداءات مسلحة نفذتها مجموعات تابعة للنظام السابق في محاولة انقلابية واضحة، واصطدمت برد فعل من قوى محلية – بعضها من الأهالي وبعضها الآخر من تشكيلات أمنية
- ادعاء التمثيل: غزال غزال والوصاية المرفوضة
ما يُثير القلق اليوم هو محاولات البعض لتقديم أنفسهم كـ”أوصياء شرعيين” على طوائف كاملة، في تجاوز فاضح للإرادة العامة. فالمدعو غزال غزال لم يكتفِ بادعاء تمثيل العلويين، بل تحدث باسم الساحل بأكمله، وتجاهل الوجود الراسخ والمُعبر عنه للمسيحيين، السنة، الأكراد، التركمان، والإسماعيليين الذين يعيشون في المنطقة ويؤيدون مشروع الدولة المدنية الجديدة.
- الادعاء في لاهاي: تسويق مظلومية زائفة
في تطور لافت، أعلن ما يُعرف بـ”المجلس العلوي في فرنسا” عن تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، متحدثًا باسم “الشعب السوري بجميع مكوناته” عن جرائم مزعومة ضد الطائفة العلوية. هذه الدعوى تمثل قفزًا فوق الواقع، وتنطوي على محاولة لتوظيف القانون الدولي في سياق دعائي، يستغل أحداثًا أمنية كان مبادرها جماعات مرتبطة بالنظام السابق.
من الناحية القانونية، تبدو هذه الشكوى دون سند، لأن سوريا لم تشهد عملية تطهير أو إبادة جماعية في هذه الأحداث، بل جرت اشتباكات مسلحة بسبب اعتداءات محددة، وردّ فعل محلي عليها. كما أن الادعاء بتمثيل السوريين أو العلويين أمام المحاكم الدولية من قبل كيانات غير منتخبة ولا معترف بها، هو خرق للشرعية الوطنية.
- الرد الشعبي والمؤسسي: تفكيك الرواية المصطنعة
الغالبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية، شأنهم شأن بقية مكونات المجتمع السوري، يعيشون في مناطقهم ويرفضون أي وصاية، وعبّروا صراحة عن دعمهم لانخراطهم الكامل في مسار الدولة الجديدة، بعيدًا عن الاصطفافات الطائفية أو الخطابات الانعزالية.
السؤال هنا: من خول غزال غزال أو المجلس المذكور تمثيل العلويين أو التحدث باسم السوريين كافة؟ ومن منحهم تفويضًا قانونيًا أو سياسيًا؟ إن ما يحدث هو محاولة مكشوفة لخلق سردية مظلومية تقوّض المسار الانتقالي، وتحرف النقاش عن جوهره: ضرورة المحاسبة الشفافة وإعادة بناء دولة للجميع.
- الطريق إلى الدولة ليس إلى الطائفة
إن مواجهة هذا النوع من الخطاب الطائفي تتطلب وعيًا وطنيًا عامًا، ودعمًا للمؤسسات الوليدة، وعلى رأسها هيئة العدالة الانتقالية والتي يجب توسع هيكلية تمثيلها الحقوقي والقانوني، بما يضمن عدم السماح بإعادة إنتاج آليات النظام القديم تحت شعارات كاذبة أو مظلوميات مصطنعة.
في الختام، فإن الرد الأقوى على مثل هذه المحاولات هو في وحدة الصف الوطني، والتمسك بمسار العدالة الشاملة، ورفض كل ادعاء تمثيلي يخرج من خارج المؤسسات الشرعية، خصوصًا حين يكون مدفوعًا بأجندات تتعارض مع مشروع سوريا الجديدة: سوريا الدولة، لا المزرعة؛ المواطن، لا الطائفة.
أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي