زملاء

بكر صدقي : عيّنة من ثقافة المشانق والخوازيق والدم!

في صباح الخميس في 25/10/2007، تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بخمسة ممن دانتهم محكمة عسكرية سورية بجرائم قتل بقصد السلب، في ساحة باب الفرج الشهيرة بساعتها الأثرية وبتقليد قديم في تنفيذ أحكام الإعدام على مرأى من الجمهور. تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية هذا الخبر، في حين كان موقع «سيريا نيوز» الإلكتروني، المقرب من السلطة، سباقاً في نشره، ونقلته عنه مواقع الكترونية أخرى، واهتم به الحلبيون في مجالسهم الخاصة، بوصفه الخبر الأول. ويعود هذا الاهتمام أساساً إلى أن الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها عصابة السلب التي نسب قرار المحكمة إليها اثنين ممن نفذ بهم حكم الإعدام، لم يمر على وقوعها أكثر من أربعة أشهر، ووقع ضحيتها 23 شخصاً بين قتيل وجريح. وتشير القائمة المرفقة مع الخبر، إلى أن العصابة المؤلفة من ثلاثة شبان، ارتكبت أحياناً أكثر من جريمة في اليوم الواحد.
حضر تنفيذ الإعدام، وفقاً لخبر «سيريا نيوز»، مئات الأشخاص بينهم عائلات ضحايا جرائم العصابة، فضلاً عن جهات أمنية وقضائية. وتضمن الخبر سؤالاً وجهه الموقع للمحامي أحمد منجونة، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، عن رأيه في الإعدامات؛ أجاب عنه بالقول إن المحكمة العسكرية الميدانية التي حكمت على المتهمين، غير مختصة بالجرائم التي حاكمتها، وإن هذه من اختصاص محكمة الجنايات المدنية.
بقي أن نذكر أن أعمار الشبان الذين أعدموا تتراوح بين 18 و23 سنة، وثمة متهم ثالث، ضمن عصابة السلب، نجا من حكم الإعدام لعدم بلوغه السن القانونية (عمره 16 سنة).
وفقاً لخبر «سيريا نيوز»، دائماً، ارتفعت، عند تنفيذ حكم الإعدام، هتافات جمهور الحضور بـ»الله أكبر» و»بالروح بالدم نفديك يا بشار».
أما متصفحو الموقع الإلكتروني ممن كتبوا تعليقاتهم على الخبر، فقد عبروا بمعظمهم عن فرحتهم بالإعدامات. وبلغ عدد التعليقات 212 تعليقاً لحظة تصفحي للموقع، في اليوم الثاني لنشر الخبر، قسم منها سجالات متبادلة بين المعلقين. قلة قليلة فقط (تعليقان أو ثلاثة) عبّرت تعبيراً خجولاً عن رأي مختلف بدرجات متفاوتة، لم تبلغ حد مساءلة حكم الإعدام بصورة عامة، فتساءلت عن جدواه العملي في الحد من الجرائم، أو عن مدى أخلاقيته أو اتساقه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتعرضت لهجوم عنيف من مؤيدي الإعدامات.
المحامي أحمد منجونة الذي ذكر في تصريحه الآنف أن صدور أحكام الإعدام عن محكمة ميدان عسكرية يتنافى مع الدستور السوري، كما مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولا تتوفر في المحكمة المذكورة معايير المحاكمة العادلة وأهمها الدفاع عن المتهمين، وقال إن الحكم نفسه كان يمكن صدوره عن محكمة مدنية مختصة، لأن قانون العقوبات السوري يتضمن ذلك؛ تعرض لهجوم عنيف جداً من أكثرية التعليقات، وصل أحدها إلى حد التهديد المبطن. فقد كتب صاحب التعليق يقول، بعد هجوم عنيف على تصريحات المحامي، «أنا أعرفك شخصياً، وحضرت، ذات مرة، لقاء في بيتك». طبعاً لا يذكر صاحب التعليق اسمه، بل يكتفي باسمه الرمزي.
على الرغم من عدم تعبير منجونة عن اعتراضه على حكم الإعدام، فقد وجد الكثير من المعلقين المتحمسين، في كلامه فرصةً للهجوم، ليس عليه فقط، بل على فكرة حقوق الإنسان؛ فكتب عدد منهم يقول إن الشبان الذين أعدموا ليسوا بشراً حتى يصح الحديث عن حقوق إنسان بالنسبة لهم؛ وعنون واحد تعليقه هكذا: «حقوق شو؟»؛ وردّ الكثير منهم تصريحات منجونة إلى رغبته في الشهرة وتسليط الأضواء عليه؛ في حين أجمع كل المعلقين سلباً على المحامي، على أنه ما كان صرح بما صرح «لو كان ضحايا العصابة الإجرامية من أقربائه أو أسرته»، ما يشير إلى نوع من الفهم الثأري للعقاب.
القليل جداً من التعليقات حاول أن يطرح بعض الأسئلة على حكم الإعدام وتنفيذه؛ فتحدث البعض عن عدم ضرورة التنفيذ أمام الجمهور، وقال عدد منهم إن هذا الإعدام العلني يشوه صورة البلد أمام الخارج وسيدفع بالسياح الأجانب إلى المغادرة (في حين طالب البعض الآخر بنقل تنفيذ أحكام الإعدام عبر وسائل الإعلام)، واهتم آخرون بعمر المحكومين، مقترحين نوعاً من الإصلاح أو العلاج النفسي لهؤلاء المراهقين، واهتم نفر آخر بضرورة البحث عن الأسباب الاجتماعية التي دفعت بهؤلاء الصبية إلى درب الجريمة. فقط واحد أو اثنان تجرآ بالتشكيك في صحة قرار المحكمة، متسائلين عما يضمن عدم براءة الشبان من التهم الموجهة إليهم.
الغالبية الساحقة، بالمقابل، دافعت ليس فقط عن حكم الإعدام، بل كذلك عن صدوره من محكمة ميدان عسكرية، مبررين موقفهم بالقول إن المحاكم المدنية لن تصدر حكمها إلا بعد سنوات، وقد تتدخل الرشاوى لإنقاذ المجرمين. وانقسم المؤيدون المتحمسون بين مرجعيتين أخلاقيتين دينية وسياسية، في حين جمع قسم منهم بين الاثنتين. و»أكد» واحد من المعلقين على أن القرار بإعدام المجرمين صدر، ولا بد، بتوجيه شخصي من الرئيس السوري، مشيداً بحكمته. عدد كثير جداً من المعلقين شكر القيادة الحكيمة وأعلن عن ولائه لها، بمناسة تنفيذ أحكام الإعدام؛ وتعليقات كثيرة أخرى استشهدت بالآية القرآنية «ولكم في القصاص حياة، يا أولي الألباب» (ونبههم معلق واحد قائلاً إن القصاص لا يعني الإعدام بالضرورة)، وبالحديث المنسوب زوراً إلى الرسول محمد «وبشروا القاتل بالقتل ولو بعد حين».
عدد كبير من المعلقين عبروا عن حماستهم الشديدة بالقول إن حكم الإعدام لا يشفي الغليل، مطالباً بتنفيذه عن طريق الخازوق أو تقطيع الأوصال كوسيلة للموت البطيء. وقال أحد التعليقات، رداً على المحامي منجونة، إن المطلوب ليس قوانين حقوق الإنسان، بل القانون العصملي (العثماني) حتى يتم الإعدام بواسطة الخازوق. وقال معلق آخر إنه لو كان الأمر بيده لأعدم كل أسبوع عدداً من المجرمين على الملأ، ولمدة شهرين حتى تستأصل شأفة الإجرام والمجرمين؛ ورفع آخر شعاراً حماسياً يقول: «يحيا قانون الطوارىء» ويهاجم بشدة جماعات حقوق الإنسان.
أعتقد أن المناخ الثقافي المعبر عنه في غالبية التعليقات أعلاه، يفسر جزئياً قيام مراهقين حول العشرين من العمر، بجرائم قتل بهذه الفظاعة.
أكتفي بهذا القدر من نقل مضامين التعليقات، لأن إجراء جردة شاملة لها أمر متعذر. العرض يغني عن أي تعليق، سأكتفي بتسجيل ملاحظة عن مدى مصداقية تمثيل هذه التعليقات لمناخات الرأي العام في سورية. صحيح أن العالم الافتراضي، وخاصة منه تعليقات القراء، لا يتمتع بمصداقية يمكن الوثوق بها، لكنه يشكل مؤشراً له دلالاته، وخاصةً في بلد يفتقر إلى مؤسسات لدراسة الرأي العام. وصحيح أيضاً أن جمهور الموقع الإلكتروني المذكور، يمكن أن يحسبوا، عموماً، على اتجاه اجتماعي سياسي محدد، بالنظر إلى انحياز الموقع، لكننا ما لم ننظر إلى الأغلبية الساحقة من أصحاب التعليقات بوصفهم مرضى نفسيين، فسوف نكون مرغمين على القبول بأن الشريحة الممثلة في التعليقات تعبر عن جانب مهم من المناخ العام؛ الأمر الذي تؤيده ظواهر أخرى في المجتمع السوري، يقع الحديث عنها خارج حدود هذه المقالة.

بكر صدقي – الحياة

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق