زملاء

جورج حداد : العداء الاستعماري الغربي للشرق العربي، و”الوعد الشيطاني”

حتى الحرب العالمية الثانية كان محور الصراع العالمي يدور في اوروبا، التي كانت ـ منذ “روما” ـ “مركز العالم”، وكانت دولها الرئيسية تتقاسم “بقية العالم” (باستثناء اميركا الشمالية)، كمستعمرات ومناطق نفوذ ومصالح اقتصادية. وكانت اميركا تشارك في الصراعات الاوروبية كـ”متفرج” او “حليف” او “شريك”، وفي كل الاحوال كـ”مستفيد” من الاستنزاف الذاتي لـ”العالم القديم”.

وبنهاية الحرب العالمية الثانية، التي تمخضت عن الهزيمة التامة لدول “المحور” وتهافت وضعف الدول الاستعمارية الاوروبية الاخرى، خرجت الولايات المتحدة الاميركية نهائيا وكليا من سياسة العزلة القارية وبرزت الى جانب الاتحاد السوفياتي، بوصفهما اقوى قطبين في العالم، اقتصاديا وسياسيا وايديولوجيا وعسكريا. وتمحور الصراع الدولي بين هذين القطبين تحت ما كان يسمى “الحرب الباردة”، التي انتهت بالانهيار الداخلي لـ”القطب السوفياتي”، بفعل تضافر عوامل عديدة اهمها: الاختراق الصهيوني للاتحاد السوفياتي منذ الانقلاب الستاليني الغادر على السلطة البلشفية اللينينية في اوائل العشرينات.

وخلال تلك المراحل كان ما يسمى “الشرق الاوسط” (او “العالم العربي”) يشغل (في ما يشبه “الضمير المستتر”) مركزا متميزا في الصراعات الدولية. وكان يبدو بوضوح ان الهدف المركزي، المعلن او غير المعلن، للصراعات الدولية انما هو السيطرة على هذه المنطقة، ذات الاهمية الاستثنائية في التاريخ القديم والحديث، جغرافيا واقتصاديا وسياسيا وستراتيجيا، ثقافيا وحضاريا ودينيا. ونذكر هنا ما قاله كيسنجر في مذكراته (واستشهد بذلك مما علق بالذاكرة من بعض القراءات، واكون ممتنا لكل من يقوم بتدقيق هذه “المعلومة”) إنه بعد التدخل السوفياتي في افغانستان، سأله الملك السعودي فهد “من يا ترى ينتصر في افغانستان؟”، فأجابه الداهية كيسنجر “ينتصر الطرف الذي تكونون انتم معه او الى جانبه!”. وسواء كان كيسنجر، ام لم يكن يتملق الملك فهد لاستدراج زيادة الدعم السعودي لـ”المجاهدين” بزعامة بن لادن في افغانستان، فإن الوقائع التاريخية تقول إن من يسيطر على منطقة “الشرق الاوسط” (بالتعبير الاميركي) او “الشرقين الادنى والاوسط وشمال افريقيا” (بالتعبير الاوروبي)، يمكنه ان يسيطر على العالم.

اي ان “الشرق الاوسط” كان ولا يزال يلعب الدور السلبي، الانفعالي، او المفعول به، للجائزة الكبرى، او الفريسة الكبرى، التي تتنازع عليها القوى العالمية الكبرى والضواري الاستعمارية.

وخلال عهد السلطنة العثمانية، التي لم تستطع الارتقاء الى مستوى “العالمية” الا من حيث الحجم والوحشية والتهتك والتبذير، مر “الشرق الاوسط” بمرحلة طويلة من “الاستنقاع الحضاري” الشامل، حيث لعبت السلطنة العثمانية دورا تخليفيا مضاعفا واستنزافيا مزدوجا هو:

ـ “داخليا”، دور الجابي الجلاد، الذي يحمل السوط بيد وكيس النقود باليد الاخرى، ناهبا البلاد والعباد، ومدمرا بلا رحمة الاقتصاد والدورة الحياتية الطبيعية؛

ـ و”خارجيا”، دور موزع حصص “عوائد المنهوبات” على الدول الاوروبية، عبر اتفاقيات “الامتيازات الاجنبية” التي وقعتها السلطنة مع مختلف الدول الاوروبية، كما عبر تسديد فوائد القروض التي كانت تحصل عليها السلطنة من اليهود ومن الدول الاوروبية بواسطة السماسرة اليهود.

ولكن قبل مرحلة “الاستنقاع” العثماني، فإن الصراع الدولي، الذي تتفرع منه وتندمج فيه كل اشكال العلاقات الدولية، السلبية والايجابية، كان يتمحور حول العلاقات التفاعلية ـ الصراعية بين الغرب والشرق، انطلاقا مما يسمى اليوم “الشرق الاوسط”. واستنادا الى هذه العلاقات التفاعلية ـ الصراعية، نشأت مفاهيم جيوبوليتيكية ـ حضارية مثل: شرقي المتوسط، غربي المتوسط، الشرق الاقصى، “شرقي” و”غربي” و”افريقي” و”آسيوي” (“شرقي” كانت تعني “العربي” على الاغلب سواء كان مشرقيا او مصريا او مغربيا. و”افريقي” كانت تعني “الزنجي” غير العربي. اما “اسيوي”، فكانت تعني الاسيوي غير العربي).

وبعد سقوط السلطنة العثمانية، ودورها الملتبس كـ”ممثل مزيف” (عمليا: مغتصب) للشرق، و”وكيل فعلي” (عمليا: عميل وذيل) للمتمولين اليهود وللغرب، عاد الصراع الدولي بالتدريج ليتقنـّى في قناته التاريخية الرئيسية: قناة العلاقة التفاعلية ـ الصراعية بين الشرق والغرب، بالمعنى الواسع، الذي يتجسد الان، من جهة، في احتمالات التلاقي بين العرب وروسيا واوروبا، كما، من جهة اخرى، في الصراع المصيري بين اميركا و”الشرق الاوسط” بعد ان تحولت اميركا، والى اجل قد يطول وقد يقصر، الى القطب الاكبر الاوحد في العالم.

اليوم ينوب “الشرق الاوسط” عن العالم اجمع في مواجهة اميركا، “روما” العصر، وفي مواجهة “حصان طروادة” اليهودي ـ الغربي الذي تمثله اسرائيل في الشرق.

واليوم، يتضح اكثر فأكثر ان الصراع الدولي برمته انما يتمحور حول صراع “العالم العربي” (ووراءه العالم الاسلامي) ضد الامبريالية الاميركية (ووراءها الصهيونية العالمية والنظام الامبريالي ـ الرأسمالي العالمي بأكمله).

ومع ان المستعمرين الغزاة يهاجموننا في عقر دارنا، ويغتصبون ارضنا، ويقتحمون بيوتنا، ويروعون ويقتلون اطفالنا ونساءنا وشيوخنا، وينهبون ثرواتنا بأبشع اشكال النهب المكشوف (وصل الامر الى حد ان ينقل النفط الخام العراقي المنهوب الى الولايات المتحدة الاميركية، ليس لحاجات السوق الراهنة، اي ليس لتكريره وبيعه، بل حتى لتخزينه للمستقبل غير المنظور، حيث يتم تفريغه في الابار النفطية الاميركية الناضبة او شبه الناضبة)، فإنه لا يزال يوجد بيننا من يدعون الى “السلام” مع اسرائيل، و”التفاهم” و”التعاون” مع اميركا، وكأن اميركا تريد حقا “الدمقراطية” و”الحرية” و”حقوق الانسان” و”حقوق الاقليات” و”حقوق النساء”، ولا تعادي سوى “الارهاب والارهابيين”، “الاصولية والاصوليين”، “التطرف والمتطرفين”.

ولكن الواقع هو ان هذا الصراع يضرب بجذورها في اعماق التاريخ، بحيث انه اصبح صنوا لطبيعة الامبريالية التي لا يمكن لها ان توجد وان تستمر في الوجود الا بالصراع ضد العالم العربي، والسعي لتدميره ونهبه واستعماره. وبكلمات اخرى، فإن الامبريالية الاميركية ومعها الصهيونية العالمية، تدركان الان تمام الادراك ان وجودهما من اساسه اصبح رهنا بوجودهما في المنطقة العربية، وان انهيارهما او زوالهما من المنطقة العربية يعني انهيارهما وزوالهما في العالم اجمع بما في ذلك داخل “مغارة اللصوص العالمية” المسماة “الولايات المتحدة الاميركية” بالذات، التي يمكن تسميتها بكل راحة ضمير “الولايات المتحدة اللصوصية”.

والامبريالية الاميركية، بتحويلها اميركا الى “القطب العالمي الاكبر”، لا تستطيع ان تغير الطبيعة الاساسية للامبريالية، بل هي تنوب عن الامبريالية الغربية برمتها، وترث وتمثل التاريخ الامبريالي الغربي برمته، الذي هو اساسا تاريخ الصراع ضد الشرق العربي وغزوه ونهبه وتدميره واستعماره. وبالتالي فإن الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية “لا تستطيعان” تحقيق اي “سلام” في “الشرق الاوسط”، بل هما مدفوعتان، بطبيعتهما، الى تدمير العالم العربي واستعماره، بأبشع ما يكون التدمير والاستعمار. وكل طرف عربي يرفع لواء “السلام” مع اميركا واسرائيل لا يفعل سوى انه يرتكب الخيانة العظمى ويفتح الطريق امام الهمجية الامبريالية ويسهل لها عملية تدمير واستعمار الوطن العربي العظيم ـ مهد الحضارة العالمية، والام الرؤوم للانسانية.

ولا خيار اليوم في الصراع العظيم ضد الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية سوى خيار واحد وحيد هو: الانتصار او الانكسار. وكما صاح يوما ذاك الناصري الخالد في “تجار الهيكل” اليهود: “لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة”، فإن الانسان العربي المظلوم يرفع هامته اليوم بوجه الطاغوت الاميركي ـ الصهيوني ويصيح: “اخرجوا من ارضنا المقدسة، ولا تجعلوا منها مغارة لصوص، ايها الاستعماريين والصهاينة”.

وكل ما عدا ذلك ما هو سوى اضغاث احلام واوهام وترهات واراجيف جبناء او عملاء.

ولفهم حقيقة ما يجري الآن على الساحة العربية برمتها، وعدم الانخداع بالادعاءات “الاصلاحية” و”الدمقراطية” الفارغة والدعايات “السلمية” الكاذبة، فإنه من الضروري اجراء مراجعة تاريخية لتعامل الاستعمار اليهودي والغربي والصهيوني مع الشرق العربي، منذ آلاف السنين.

واذا كان الاستعمار لم يستطع ان يغير طبيعته كل هذه الآلاف السنين، فإنه الان ليس فقط “لم يتغير” بل من الاصح القول انه قد تغير نحو الاسوأ اي نحو “تطوير” نظرته الى الشرق العربي كعدو وجودي، و… كـ”فريسة”، وكمدى حيوي، وكموطئ قدم ومعبر للهيمنة على العالم اجمع.

XXX

لقد طرح ذات يوم المفكر النهضوي العربي ـ الاسلامي شكيب ارسلان السؤال المفصلي: لماذا تقدم الغرب وتخلـّف العرب؟

وعشية انهيار السلطنة العثمانية ومباشرة غداة انهيارها، كان هناك رغبة كبرى لدى الانتلجنتسيا العربية للتعلم من الغرب، سواء على صعيد الفكر التحرري والعلوم الانسانية والاجتماعية، او على صعيد العلوم الوضعية والتقدم التقني.

والعرب انما كانوا ينطلقون بهذه الرغبة الطبيعية من سجيتهم القومية ـ الانسانية، في ضرورة التفاعل الحضاري مع جميع شعوب الارض وفي طلب العلم “ولو في الصين”. ولم يكونوا ينطلقون بهذه الرغبة من اي مركـّب نقص تجاه الغرب، بل يؤكدون حتمية التواصل الحضاري العالمي، حيث ان اصغر تلميذ عربي يعرف ان كلمتي (alphabet) و (algebra) في اللغات الغربية تعنيان (الالفباء) و(الجبر)، اللذين اخذهما الغرب والعالم عن العرب؛ واصغر مثقف عربي يعرف ان العرب، وبفضل احدى اهم أروماتهم ـ الاراميين، اخذوا عن اليونان القدماء، ما ساعدهم في بناء الحضارة العربية ـ الاسلامية العظيمة، التي عادت بدورها فأعطت اسهاماتها الكبرى للعالم، وكانت الجسر الرئيسي الذي قامت عليه نهضة اوروبا الحديثة.

XXX

ولكن هل كان الغرب الامبريالي، ومعه الصهيونية العالمية (الضاربة جذورها في النزعة اللاانسانية لليهودية المعروفة) ينطلقان من هذا المنطلق “العربي” ذاته في ضرورة التفاعل الحضاري الانساني، في المحتوى والمدى، مع العرب؟

كـلا!

لقد كان الغرب الامبريالي واليهودية والصهيونية العالمية ينظرون على الدوام الى الشرق العربي نظرة الذئب الى الفريسة، متسلحين، “دينيا” واخلاقيا ومن ثم سياسيا و”مصلحيا”، بـ”الوعد الوحشي والشيطاني” المسمى “وعد يهوه” حول “ارض الميعاد”.

وان التقدم العربي، والتفاعل الحضاري الشرقي ـ الغربي، انما كان على الدوام يتم ليس في حالة “سلام”، بل في حالة صراع، جنبا الى جنب، ومن خلال، الكفاح لتحرير الشرق من الغرب الاستعماري والغزاة اليهود.

ولنلق نظرة تاريخية الى النظرة الذئبية للغرب الامبريالي واليهودية والصهيونية الى العرب، وكيفية تعاملهم معهم:

XXX

لنرفع اولا نظرنا قليلا الى “فوق”، ولنر كيف كانت تنظر الينا “النخبة” او “القيادة” او “الطغمة العليا” اليهودية، مختبئة خلف “الدعوة الالهية” ومن خلال ما كان “اوصى” بنا الاله التوراتي يهوه، الذي يؤمن به لا اليهود فقط بل وايضا من يسمون اليوم “المسيحيين المتصهينين”، الذين يعود لهم القرار في السياسة الاميركية، بالاضافة طبعا الى اسرائيل، التي هي تحصيل حاصل:

ان السلاح الايديولوجي ـ الاخلاقي ـ الديني الرئيسي، الذي يتسلح به اليهود (و”المسيحية!” الصهيونية) ضد العرب، هو ما يسمى “وعد يهوه” و”ارض الميعاد”، والذي تمت ترجمته في العصور الحديثة، سياسيا و”حقوقيا” و”قوميا”، بما يسمى “تصريح بلفور” او “وعد بلفور”.

والاعلام العربي، بمختلف مدارسه وانتماءاته، يركز بشكل خاص على نسخة “وعد بلفور”، نظرا لطابعه “المدني” السطحي والسياسي المباشر. ولكنه ـ اي الاعلام العربي ـ يتجنب الخوض في “وعد يهوه”، نظرا لحساسية الموضوع الديني.

اي اننا نحن، الضحية واهل الضحية، ينبغي ان لا نكدر خاطر المغتصب والقاتل، بأن نقول له انه و”الهه” مغتصبان وقاتلان.

وهذا خطأ كبير جدا يرتكبه العرب، والعالم، لا يضاهيه سوى الخطأ الذي ارتكبه الفاتيكان حينما “غفر” لليهود صلب المسيح. اي ان “القتيل” و”اهل القتيل” عليهم ان يسامحوا القاتل واهله، في حين ان الاخيرين لا يزالون مصرين على عدم الاعتراف بجرائمهم وجرائم اجدادهم وإجرامية “الههم”.

XXX

وحرصا منا على الاحاسيس الدينية الرقيقة جدا للمغتصبين والقتلة التاريخيين، نحاول مقاربة هذا الموضوع باقصى ما نستطيع من التجرد والتجريد “الفكروي”:

انه لمن المهم جدا معرفة ايهما اولا، وايهما ثانيا:

ـ الوعي والمعرفة، والدين (بوصفه احد اهم اشكال الوعي والمعرفة، وان بطريقته الخاصة “الماورائية”)؟

ـ ام الواقع المعاش؟

وبالتالي: هل ان الديانة اليهودية، التي تدعو الى ابادة العرب، هي “فيض نوراني رباني” ماورائي وقبْـلي، هو الذي اوجد لدى العبرانيين التطلع العدواني الواقعي ضد العرب، وحولهم بذلك الى “يهود”، وحوّل (بتلك الإرادة الربانية!!!) من حوّل من هؤلاء “اليهود” (ومن ثم مؤيديهم من “المسيحيين الصهاينة”) الى مرابين واحتكاريين وغزاة وقطاع طرق ولصوص استعماريين؟

ام ان الواقع الاجتماعي ـ الاقتصادي المتغاير، الذي كان يعيشه كل من العرب والعبرانيين القدماء، هو الذي اوجد الديانة اليهودية ودعوتها (“الربانية كذبا” “الشيطانية حقا”) الى النظر الى العرب كقطيع من البهائم والاغنام، والتحريض على غزو بلاد العرب ونهبهم وافتراسهم وابادتهم؟

XXX

وسواء كان هذا او ذاك، وطالما اننا ـ كبشر ـ لا نستطيع ان ندخل في “الذات الالهية”(مجاراة لمن يعتبر ان “يهوه” هو الله عز وجل)، التي لا تسعها السموات والارضون، ولا ان نفهمها حقيقة الفهم، لاننا ـ كبشر ـ لسنا اكثر من سمكة في محيط، والسمكة تستطيع ان تسبح في المحيط ولكنها لا تستطيع الاحاطة بالمحيط، فلنحاول ان نحلل الامر من زاوية اجتماعية ـ انسانية بسيطة على قدر “فهمنا المحدود” و”صغر عقلنا” الانساني:

لقد كان الشرق العربي، بطبيعته الغنية، المتعددة التركيب الجيولوجي والمعتدلة المناخ، مهدا للحضارة بجوانبها الانتاجية والعلمية والثقافية والحضارية واخيرا، او اولا، الدينية.

وكانت الغالبية الساحقة من القبائل والجماعات الانسانية في الشرق العربي مشغولة بالانتاج على انواعه (الرعي، الصيد، الزراعة، الحرف، التدجين، البناء، المواصلات) وصنع الخيرات، وتبادلها عبر المقايضة بين المنتجين انفسهم، ومن ثم عبر التجارة فيما بين القبائل والجماعات وفي “الخارج”.

وقد تميزت القبائل والجماعات العربية بأنها جماعات منتجة. ومع ان الفينيقيين وغيرهم من العرب القدماء اشتهروا بالتجارة، الا ان هذه الجماعات مارست التجارة كنشاط جانبي، مرتبط تمام ارتباط بالانتاج، وكشكل تبادلي لتحقيق الانتاج. اي ان هؤلاء التجار العرب القدماء الذين جابوا البحار والعوالم لم يكن هدفهم الاساسي والرئيسي تحقيق الارباح من التجارة ذاتها، بل تسويق انتاج اهلهم وبلادهم. ولهذا فقد اتصفوا بالصدق في المعاملة، وعدم الغش الخ.

وبكلمات اخرى فإنه تحت تأثير تقسيم العمل اجتماعيا والحاجة المتبادلة للناس (المنتجين) بعضهم الى بعض، نشأت الحاجة الى “الاخلاق” والضوابط الاخلاقية والحقوقية ومنها “التجارة الشريفة” التي مارسها العرب القدماء (من الامثلة الشهيرة عن التجار الفينيقيين: انه بعد ان خرج البحارة الفينيقيون من بحيرة المتوسط الى البحر العظيم او بحر الظلمات اي المحيط الاطلسي، وكانوا يحملون بضائعهم الى افريقيا الزنجية، كانوا ينزلون الى الشاطئ ويفرغون البضائع التي يحملونها، ويشعلون قربها نارا ويرجعون الى سفنهم وينتظرون، فحينما يرى الاهالي المحليون الزنوج الدخان يأتون وينظرون في البضاعة المعروضة، ويضعون الى جانبها كومة من الذهب او الفضة او العاج او الجلود الخ، بصفة بدل، وينسحبون دون ان يأخذوا البضاعة المعروضة عليهم؛ فينزل البحارة الفينيقيون وينظرون البدل، فاذا رأوا انه يساوي بضاعتهم اخذوه وانصرفوا تاركين بضاعتهم، والا تركوه مع بضاعتهم وعادوا الى سفنهم، فيعود الزنوج وينظرون من جديد ويزيدون شيئا على البدل، وهكذا حتى يأخذ البحارة البدل ويرحلون، فيأخذ الزنوج حينئذ البضاعة المعروضة عليهم).

ولكن اذا كانت النشاطات الانتاجية تختلف من حيث نوع السلع التي تنتجها الا انها تتشابه من حيث انها عمليات انتاجية، فإن التجارة ـ كنشاط اقتصادي ـ تختلف عن العملية الانتاجية في انها ترتبط بعملية التبادل، بشكل “مستقل” تماما عن الانتاج. ولا شك ان بعض التجار اخذوا يلاحظون ان سعر السلعة ذاتها يمكن ان يختلف بين مكان وآخر، في الوقت ذاته، او بين وقت وآخر، في المكان ذاته؛ وذلك تبعا للحاجة والعرض والطلب. من هنا فإن بعض التجار غير المرتبطين ارتباطا وثيقا بالانتاج والمنتجين، اخذوا يدركون امكانية “التلاعب” بتسويق السلع واسعارها وغير ذلك من الالاعيب ذات الطابع “المالي” غير المرتبط بالانتاج. وهذه هي بداية طريق “الاغراءات المالية” الموصلة الى الغش والربا والاحتكار الخ. ومن ثم فمثلما نشأت الضرورة لـ”الاخلاق” و”صدق المعاملة” و”التجارة الشريفة”، نشأ ايضا واقع مغاير يفسح المجال للكذب والسرقة واللصوصية والاحتكار والربا وقطع الطرقات الخ. ومن هذه “الثغرة التجارية” المترافقة مع اكتشاف النقود، التي يستطيع “مالكها” التحكم بعملية الانتاج كلها، ـ من هذه “الثغرة” فتحت الطريق لظهور الديانة اليهودية.

وكانعكاس لهذا الواقع المعقد، او كموجّه له، نشأت، في الجانب الديني، عبادات وألوهيات “ايجابية”، بعضها يقدس عناصر الطبيعة (الريح، الشمس، القمر، النور، الصاعقة، المياه، الخضرة الخ الخ.) التي ترتبط بها مختلف جوانب الحياة والانتاج، وبعضها يقدس الحيوان، او الانسان، او الحيوان ـ الانسان، او الانسان ـ الحيوان، بوصفها “ذات” او “موضوع” الحياة، وبعضها يقدس السلام والجمال والمحبة، او الشجاعة والقوة والحرب، بوصفها “طريقة” او “وسيلة” للحياة.

واستنادا الى هذه العلاقات الانسانية “الايجابية”، فإن الآلهة الابرز في بانثيون الآلهة الوثنية الشرقية القديمة، كانت آلهة الخير والسلام والحب (عشتروت او عشتار الهة الحب والخصب، وقصص ايزيس واوزيريس، وتموز وعشتروت، والموت والبعث والخصب، ومار باخوس اله الحب والخمر الخ)، وكانت معابد “الدعارة المقدسة” حيث كانت “المؤمنات” يقدمن انفسهن لـ”المؤمنين” بدون النظر من لمن، بحيث تتم لذة الاتحاد بالمعبود عبر لذة اتحاد اجساد العابدين (حتى الان لا تزال بعض المعابد الهندية المشهورة تعرض تماثيل لـ”الاوضاع الجنسية” بوصفها “طقسا عبوديا”). وقد وجد هذا التوجه نحو السلام والخير والحب والفرح، تجسيده في التعاليم المسيحية، في عرس قانا الجليل واعجوبة المسيح بتحويل الماء الى خمر، ومباركة الخبز والخمر، و”قليلا من الخمر يفرح قلب الانسان”، وعيد “خميس السكارى”، و”من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر اولا”، و”المجد لله في العلى، وعلى الارض السلام، وفي الناس المسرة”؛ ثم تطورت هذه النزعة للسلام والحب والفرح من المحسوس والجسدي الى التجريدي والروحاني، عبر نظرية “التجسد” (تأليه الانسان = أنسنة الاله) و”الروح القدس” و”الحبل بلا دنس” و”العائلة المقدسة” والحب الالهي الخالص والصيام وإماتة الجسد ونذر العفة والتبتل والرهبنة. كما تجسدت هذه النزعة الانسانية اسلاميا في “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، و”وانكحوا……”، و”الحور العين”، و”اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، ولاخراك كأنك تموت غدا”، و”الدين معاملة” و”العمل الصالح” و”الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” والتصوف و”الخلق كلهم (اي: كل الناس) عيال الله، وأقربهم الى الله انفعهم لعياله (اي: لكل الناس)” والسلام والرحمة في “السلام عليكم” و”الله الرحمن الرحيم”.

وكانت قد نشأت في ايران وكردستان القديمة الديانة الزرادشتية، التي لا شك ان العرب والعبرانيين القدماء تعرفوا اليها، والتي تؤله الهين: اله الخير، واله الشر. وكان التعبد لاله الشر يقصد ليس الى تبني الشر وتقديسه، بل كي يتعطف اله الشر على المتعبدين ويحميهم من الشر.

ولكن بطبيعة الحال كان هناك، في الوقت نفسه، آلهة شريرة بالخالص، ومن هنا فكرة: الشيطان، وما يسمى الديانات الشامانية، لان الكذب والطمع والقتل والسلب والنهب، كان موجودا بين البشر.

فمع تقدم المجتمع، ووجود فائض من الانتاج، وتعقيدات العملية التجارية و”استقلالها” عن الانتاج، نشأت ظاهرة الكذب والغش والسرقة والغزو والسلب والنهب، واتخذت طابعا قبليا ودوليا (اي فيما بين القبائل والدول). وفي هذه الاوضاع المعقدة، فإن بعض الجماعات او القبائل، اخذت تنصرف عن الانتاج والتجارة “الشريفة”، وتتجه نحو احتراف السرقة والسلب والنهب والغش والكذب والاحتكار والربا، باعتباره “اقصر الطرق” لامتلاك الثروة. واحدى هذه الجماعات التي تحولت الى شذاذ افاق مرابين ثم الى نهابين وغزاة، هي القبيلة المتوحشة العبرانية، التي تمخضت عن ديانة شامانية الجوهر، ولكنها “الهية” “علوية” المظهر، استطاع العبرانيون التوصل الى طرحها، نظرا لاختلاطهم بالزرادشتية (العراقية) والاخناتونية (المصرية) واخذهم “افكارهما” ومزجها وتطويعها من اجل مطامعهم.

وفي الاساطير الدينية ان موسى (“النبي!!!” طبعا) هو اول من صنع او “نادى” بالديانة اليهودية في سيناء. ولكن قبل فرار عصابة اللصوص العبرانيين من مصر الى سيناء، وتحولهم الى “يهود”، اي تحولهم من وثنية ذات ضوابط اخلاقية الى الديانة اليهودية الاستغلالية ـ الرأسمالية ـ الاستعمارية، فإن اول من صنع الجماعة العبرية كجماعة طفيلية تعيش على الغش والنصب والاحتيال والربا وبالتالي على آلام ومصائب الاخرين هو يوسف (“الصديق!!!” طبعا). فحينما كان العبرانيون بزعامة يوسف لاجئين في مصر، كانوا يتمتعون بسلاحين، مكـّناهم من استغلال ضيافة المصريين لهم والضحك عليهم ونهب ثرواتهم:

السلاح الاول ـ “اخلاقي”: وهو التحلل من الاخلاق من اجل الوصول الى المنفعة والغاية المرجوة، وخصوصا جمع الثروة، وهو ما تشي به “التوراة” بالنص التالي:

(من “سفر التكوين”/الفصل الثاني عشر/الارقام 9 ـ 16 : “ثم ارتحل أبرام ارتحالا متواليا نحو الجنوب. وكان جوع في الارض فهبط أبرام الى مصر لينزل هناك إذ اشتد الجوع في الارض. فلما قارب ان يدخل مصر قال لساراي امرأته انا اعلم انك امرأة جميلة المنظر. فيكون اذا رآك المصريون انهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك. فقولي انك اختي حتى يُحسَن اليّ بسببك وتحيا نفسي من اجلك. ولما دخل ابرام مصر رأى المصريون ان المرأة حسنة جدا. ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة الى بيته. فأحسن الى ابرام بسببها فصار له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء وأتن وجمال”.) طبعا ان الله التوراتي انتقم فيما بعد من فرعون ومن كل المصريين وكل العرب، فقط لانه ـ اي فرعون ـ وطئ ساراي دون ان يعلم انها ليست اخت ابرام بل زوجته (لو كانت ساراي اخت ابرام لكانت “حـَلـّت” لفرعون، ولما حمـّلنا اليهوه وزر خطيئة الفرعون الذي كان يطأ كل جميلة المنظر، ولكانت مشكلة الصراع العربي ـ الاسرائيلي محلولة من اساسها وكأنها لم تكن!).

ولكن لنترك الله التوراتي وشأنه ولننظر في “الاخلاق” التي دخل فيها أبرام الى مصر: انه لم يدخل مصر ليدرأ عنه الجوع الذي كان في الارض. والا فما كان هناك ما يخشى به على نفسه وعلى زوجته ساراي. (بعد اكثر من الف سنة دخلت العائلة المقدسة، “يوسف النجار، مريم العذراء والطفل يسوع”، الى مصر هربا من الرومان واليهود، ولم يخش يوسف النجار على نفسه وعلى مريم العذراء، التي كانت هي ايضا جميلة المنظر، من المصريين. بل على العكس انه كان ذاهبا معها ليلتجئ اليهم. وهو ما كان، حسب الرواية الدينية المسيحية). وهذا يعني ان ابرام كان ذاهبا الى مصر لغرض آخر، غير اللجوء البريء والهرب من الجوع، وهو غرض جمع الثروة. والاخلاق التي كانت تسيـّره هي ببساطة اخلاق “قوّاد” مستعد ان يفعل اي شيء من اجل ان يجمع الثروة (ونأسف تمام الاسف اذا كانت هذه “التوراة”، وليس نحن، تخدش حياء اي مؤمن صادق). ولو كانت ساراي اخته او ابنته، لما كانت عند ابرام مشكلة، ولما خشي ان يقتله المصريون بسببها، بل بالعكس. ولكنه حل المشكلة بأن طلب من زوجته ساراي ان تقول انها اخته، كي يسهل عليها “الشغل” بدون ان يصاب هو بأذى. ولما كانت “هذه” الساراي من نفس طينته “الاخلاقية” فقد امتثلت لطلبه. وطبعا ان بقية العبرانيين في مصر لم يكونوا افضل او اسوأ “اخلاقيا” من ابرام، بل كانوا على شاكلته، و”شغـّلوا” زوجاتهم واخواتهم وبناتهم “شغلة” ساراي، للضحك على ذقون المصريين واستحلابهم.

والسلاح الثاني ـ الخبرة التجارية: ان العبرانيين هم في الاصل من سكان المشرق العربي، حيث كانت فينيقيا وصيدا وصور وايبلا وتدمر ومكة وبابل وفلسطين الخ الخ، ذات التراث الاقتصادي والتجاري الكبير. وقد حملوا معهم طبعا الخبرة والتقاليد التجارية التي تعلموها من المشرق العربي. وهو ما لم يكن متيسرا لاهالي مصر، حيث كانت التجارة ضعيفة، لان الانتاج كان في الاغلب انتاجا مركزيا، بسبب مركزية النيل ومن ثم مركزية الدولة الفرعونية ـ العبودية.

ولكن العبرانيين مارسوا “التجارة” بالطريقة الغشية ـ الربوية ـ الاستغلالية، وهو ما تشي به التوراة ايضا فيما يلي:

(من سفر التثنية/الفصل الخامس عشر/الرقم 6 : “فإذا يباركك الرب إلهك كما وعدك يقترض منك أمم كثيرون وأنت لا تقترض وتتسلط على أمم كثيرين وهم لا يتسلطون عليك.”)

و(سفر التثنية/الفصل الثالث والعشرون/19ـ20: “لا تقرض أخاك بربى في فضة او طعام او شيء آخر مما يقرض بالربى. بل الاجنبي اياه تقرض بالربى وأخاك لا تقرضه بالربى لكي يبارك الرب الهك جميع اعمال يديك في الارض التي أنت داخل لتمتلكها”)

وقد استخدم يوسف وجماعته “اخلاقهم” الابرامية، من جهة، وخبرتهم التجارية الربوية، من جهة اخرى، للاستفادة من “السذاجة التجارية” لدى المصريين والشروع في المتاجرة، الممزوجة بالدعارة، والقائمة على الغش والكذب والاحتكار والربا. ويمكننا ببساطة ان نفترض انهم كانوا يستغلون فترتي فيضان النيل وشحه، فيخبئوا المنتوجات الغذائية ويحتكرونها، ويبيعونها لاحقا بأغلى من اثمانها، وخصوصا البذار والشتل، ويقرضون بالربا، الخ. وهكذا تسببوا في تجويع اهالي مصر، ونهبوا منهم ثرواتهم. وحينما استفاق المصريون على هذا “الوباء” الذي حل بهم وارادوا الانقضاض على العبرانيين لاسترجاع بعض اموالهم، حمل هؤلاء ما خف وزنه وغلا ثمنه، وفروا الى سيناء، في احدى دورات الجزر البحري، التي كانوا يحسبون حسابها مسبقا. (ولتغطية هذا الدور الاستغلالي المشين للعبرانيين في مصر، تحاول الاسطورة الدينية اليهودية ان تقلب الحقائق وتغطي القبوات بالسموات، بالادعاء ان يوسف كان عفيف النفس، وان الست زليخا امرأة فرعون تحرشت به، ولكنه عف عنها؛ وانه ـ اي يوسف ـ هو الذي تنبأ لفرعون بالسبع السنوات العجاف حبا بالشعب المصري). اي ان القبيلة العبرانية، وقبل الفرار الى سيناء والتحول الى “اليهودية” كانت قد تحولت الى عصابة من التجار المرابين الغشاشين واللصوص، تعرف تماما ماذا تفعل، والا لماذا يفرون من وجه المصريين المساكين؟ وهم قد حضروا ووقتوا عملية فرارهم بشكل مدروس مسبقا.

وفي سيناء، وابتهاجا بالنجاح “التجاري” (المالي = الذهبي) العظيم، الذي حققوه في مصر، قام احد زعماء العبرانيين هارون (“النبي!!!” ايضا) بنصب العجل الذهبي ليتعبدوا له، كشكل من اشكال تقديس المال وتجارة الغش والربا والاحتكار التي برعوا بها والتي مكنتهم من تجويع المصريين ونهب ثرواتهم المنقولة والهرب بها.

ولكن الشامان الاكبر موسى (الذي ادعى لنفسه مرتبة “كليم الله!!!”) كان اكثر ذكاء وفطنة من هارون، وادرك ان ما نجح في مصر لن ينجح في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، لان الفينيقيين، الكنعانيين والاراميين والسريان والاشوريين الخ، هم بارعون في التجارة، ولن تمر عليهم الالاعيب التجارية للعبرانيين بل قد تنقلب وبالا عليهم. بالاضافة الى انهم، اي العبرانيين، لم يعد بامكانهم ـ اذا دعت الضرورة ـ ان يفروا بالاتجاه المعاكس، اي الى مصر، التي سبق وأن فروا منها. وكأي شامان آخر صعد ـ اي موسى ـ الى جبل الطور، كي يختلي ويشاور “عقله الشيطاني” الذي سماه “يهوه” (من المهم تدقيق معنى هذه الكلمة. ونحن نفترض افتراضا ـ استنادا الى تقارب اللغتين العربية والعبرية ـ ان لها عدة مدلولات في آن واحد، منفصلة عن بعضها البعض، او مزيجا منها، وهي: “الذات”، “الذو”، “الهو”، “الهوية”، “الماهية”، “الهوى”). وقد رجع الى جماعته يحمل لهم نسخة مشوهة ومركبة من الاخناتونية، ومن الثنائية الزرادشتية، اللتين كان يعرفهما، بحكم “عبرانيته” و”مصريته”. وبموجب هذه النسخة “وحّد” موسى الاله العلوي الاخناتوني مع إلهي الزرادشتية في اله واحد مزدوج الشخصية (خيـّر وشرير في آن واحد) ولكنه يعطي الخير ويحصره بشعبه، ويحلل ويبيح الشر ضد الاغيار، باعتبار ذلك منتهى الـ”خير”. ونزل من جبل الطور ومعه “وثيقتان” تلخصان طبيعة الديانة اليهودية الشامانية ـ الربانية:

1 ـ “الوصايا العشر” (المأخوذة عن قانون حمورابي): (لا تقتل، لا تسرق، لا تزني الخ…) للتطبيق داخل الجماعة العبرانية وفيما بين افرادها.

و 2 ـ “وعد يهوه” بغزو العرب، وابادتهم، وسلب ونهب املاكهم.

اي: “الخير، كل الخير، للعبرانيين المرابين التجار والفجار”، و”الشر، كل الشر، للعرب الاغيار”!

وفيما يلي بعض نصوص هذا “الوعد الشيطاني” المسمى ابتزازا، خطأ او غير خطأ، “وعدا الهيا”:

(في “سفر تثنية الاشتراع”/الفصل السادس/الرقم 10 ـ 11 يقول يهوه قبل بلفور “المسكين!” بألوف السنين: “واذا ادخلك الرب الهك الارض التي اقسم لآبائك ابرهيم واسحق ويعقوب ان يعطيها لك مدنا عظيمة حسنة لم تبنها؛ وبيوتا مملوءة كل خير لم تملأها وصهاريخ محفورة لم تحفرها وكروما وزيتونا لم تغرسها”). وهذا غيض من فيض من امثال هذه “الحكم الربانية” في التوراة.

والمقصود بهذا الوعد هو “فلسطين” او ما يسمى “ارض الميعاد” او “ارض اسرائيل، من الفرات الى النيل”. وسنأتي لاحقا على ذكر من كان يسكن هذه الارض (حسب التوراة ايضا) التي يوصي بها “يهوه” افندي لـ”شعبه” “شعب اسرائيل”.

بعد صدور “وعد بلفور” كان الصهاينة يتبجحون انه “لا يوجد شعب فلسطيني”، وان “فلسطين هي ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض”. وان فلسطين كانت قفرا وخرابا عمّرها الصهاينة. ولكن ها ان “يهوه افندي” يعترف، على لسان “الخواجا موسى” بأن ما يسمى “ارض الميعاد” لم تكن ارضا قفرا، بل كانت، ومنذ ثلاثة آلاف سنة، وقبل ان يغزوها “اليهود”، مأهولة تماما و”مدنا عظيمة حسنة لم تبنها” (اي لم يبنها “شعب اسرائيل”)، وهي طبعا “لم تنزل من سماء يهوه” و”لم يبنها” يهوه، ولكن هذا “اليهوه” منحها عنوة واغتصابا لـ”شعبه!”.

فهل علينا، نحن العرب، ان نعترف بأن هذا “الوعد” هو “وعد الهي”، وبالتالي ان نرضخ له، وإلا فنعتبر “كفرة” و”ملحدين” و”اصوليين” و”ارهابيين” يعصون ارادة هذا “اليهوه” معتبرين انه هو الله؟

ـ اننا نترك لفقهاء الدين، المسيحيين والمسلمين، ان يجيبوا على هذا التساؤل، من وجهة النظر الدينية، ليس بالالتفاف (كما يجري حتى اليوم) حول هذا المفهوم “اليهودي” الواضح، ومحاولة اعطاء او اسقاط مفاهيم توفيقية ـ تسامحية، مسيحية واسلامية، حول اليهودية (وهي مفاهيم لا يقبلها اليهود انفسهم).

وفي السفر ذاته/الفصل العشرون/ الرقم 16 ـ 17 يضيف الفوهرر يهوه: “وأما مدن اولئك الامم التي يعطيها لك الرب إلهك ميراثا فلا تستبق منها نسمة؛ بل أبسلهم إبسالا الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوّيين واليبوسيين كما امرك الرب إلهك”).

اي ان اليهوه يدعو “شعبه المختار” كي يبيدوا العرب ابادة كاملة (“أبسلهم إبسالا” و”لا تستبق منهم نسمة”).

ونحن ننقل هذه الاقتباسات عن “الكتاب المقدس ـ العهد العتيق”، اي ما يسمى: التوراة.
وهو من : منشورات دار المشرق
الرقم التجاري: ISBN 2-7214-4542-4
توزيع: المكتبة الشرقية
بيروت ، لبنان
ولمن قد يشكك بصحة الطبعة، فهو منشور بالتصريح الكنسي التالي، الصادر عن مطرانية بيروت المارونية:

“لا مانع من اعادة طبعه

الحقير اغناطيوس زياده

مطران بيروت

بيروت ، 14 كانون الثاني 1983”

وهذا التصريح منشور حرفيا في اول الكتاب.

XXX

لقد جاء في برنامج الحزب النازي الالماني، الذي كتبه ادولف هتلر وانطون دريكسلير، وصدر في 24/2/1920، في المادة الرابعة ما يلي:

“4 ـ تحدد المواطنية بالعِرْق؛ ولا يجوز لأي يهودي ان يكون مواطنا في المانيا.”

وبعد ان جاء الحزب النازي الى الحكم سنة 1933، بدأ اضطهاد اليهود في المانيا.

وخلال الحرب العالمية الثانية، طرح هتلر والنازيون موضوعة “الحل النهائي” للمسألة اليهودية، اي القضاء الجسدي التام على اليهود.

ان تبرير (او حجة) هتلر والنازيين لهذا الموقف “الالماني ـ الآري” العنصري من اليهود، هو ان اليهود خانوا المانيا وكانوا يشكلون خطرا عليها، قبل واثناء وبعد الحرب العالمية الاولى.

ولكن هتلر والنازيين كانوا يكذبون. لأن الغالبية الساحقة من اليهود الالمان، لم يكونوا “يهودا” لا دينيا (كمؤمنين) ولا سياسيا (كصهيونيين)، بل كانوا “غير دينيين” او “غير مؤمنين”، دينيا، وشيوعيين واشتراكيين وجمهوريين ودمقراطيين، سياسيا. اي انهم كانوا “ألمانا” صادقين ومخلصين اكثر بكثير من هتلر وحزبه النازي. وحينما صدر وعد بلفور في 1917، فإنهم ـ اي الغالبية الساحقة من يهود المانيا، ونكاد نقول جميعهم ـ لم يلبوا “النداء الصهيوني” بل وقفوا ضده (ويمكن لاي كان مراجعة احصاءات الهجرة اليهودية الى فلسطين بعد الحرب العالمية الاولى ووعد بلفور، فاذا وجد بعض اليهود الالمان بين المهاجرين، فسيكونون افرادا قلائل ليس الا). كما انهم ـ اي اليهود الالمان ـ شاركوا بكثافة في الثورة الالمانية سنة 1919، وكانوا يحتلون مساحة واسعة من الجناح اليساري في الحركة الاشتراكية الالمانية. وقد استشهدت حينذاك في برلين القائدة الثورية الشيوعية “اليهودية” الاصل روزا لوكسمبورغ الى جانب 15 الف عامل شيوعي وثوري الماني قسم كبير منهم شيوعيون “يهود”. ومن هذه الزاوية، فإن الشيوعيين والاشتراكيين اليهود الالمان، كانوا فعلا يشكلون خطرا، انما على الحكم القيصري وعلى الرأسمالية الاحتكارية في المانيا، وليس على المانيا كبلد وحضارة وتاريخ، اي ليس على المانيا كشعب كان يطمح نحو الدمقراطية والجمهورية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والشيوعية. اما هتلر والنازيون فإنما كانوا يدافعون عن الرأسمالية الكبرى الاحتكارية الالمانية، ضد غالبية الجماهير الشعبية الالمانية، وبالاخص ضد الشيوعيين والاشتراكيين بمن فيهم من اليهود. وهم كانوا يتحججون بمحاربة “اليهود” لتغطية وجوههم الحقيقية كعملاء للرأسمال الاحتكاري الالماني وكأعداء للعدالة الاجتماعية والاشتراكية الحقيقية والشيوعية. بل ان النازيين كانوا متفقين سرا مع الصهيونية، للعمل على “تطفيش” اليهود الى فلسطين، والقضاء على اليهود المعادين للصهيونية. وللاسف ان النازيين استطاعوا عن طريق هذا التحريض العنصري ضد اليهود ان يحرّفوا ويسمموا وعي الجماهير الشعبية الالمانية. وهذا يذكرنا اليوم ببعض “الاسلاميين!!!” المشبوهين في العراق، العملاء التقليديين او الادوات العمياء للمخابرات الاميركية منذ الحرب على السوفيات في افغانستان، الذين يقومون بمحاربة الوطنيين المسيحيين، الشيوعيين والتقدميين، تحت ستار انهم “كفار” و”مشركون” و”صليبيون” وما اشبه من السموم والترهات المطبوخة في المطابخ الاستخباراتية الاميركية والاسرائيلية والمسكوبة سكبا في بعض الجماجم “الاسلامية!!!” الفارغة.

ولكن حتى لو صدقنا جدلا الادعاءات الهتلرية ضد اليهود، فإنها كانت ـ على الاقل ـ تتحجج كذبا بالدفاع عن المانيا وبأن اليهود كانوا يشكلون خطرا على المانيا.

XXX

اما دعوة “يهوه” التي صدرت منذ ثلاثة الاف سنة، لابادة العرب القدماء والاستيلاء على ارضهم ومدنهم وبيوتهم وكرومهم، فلم يكن لها أي مبرر او حافز دفاعي (حتى لو كان كذبا على طريقة “عكرت علي الماء”)، بل كانت دعوة عدوانية ـ استعمارية ـ ابادية، “عنصرية خالصة” مائة بالمائة، بدون اي مبرر كان. ولم يكن “شعب الله المختار” حينذاك مهددا، بل كان قبيلة متوحشة احترفت النصب والغش والربا والاحتكار، وتسببت بكارثة المجاعة الطويلة في مصر القديمة، ثم “تطورت” ـ اي هذه القبيلة ـ نحو احتراف الغزو والسلب والنهب والقتل والابادة، تحت ستار “الوعد الالهي” اليهوهي وحمل اسمه “يهوه = يهودي”.

و”الحجة” الوحيدة التي يبرر بها “يهوه” دعوته لابادة العرب هي: (سفر التثنية/الفصل العشرون/رقم 18: “كيلا يعلموكم ان تصنعوا مثل رجاساتهم التي صنعوها لآلهتهم فتخطأوا الى الرب الهكم”).

وهنا نقف امام المفارقة التالية:

ـ اخترع لنا موسى الها “فوقيا” “سماويا” “علويا”؛ الا انه اله اجرامي لااخلاقي اغتصابي؛ ليأخذ منه التفويض باستباحة شعوب اخرى تدين بآلهة “وثنية”، انما هي جماعات حضارية منتجة، بناءة، تحافظ على حسن المعاملة، حسن الجوار وحسن الاخلاق. وهذه الجماعات هي التي اعطت لاحقا الدينين التوحيديين السموحين، المسيحي والاسلامي، اللذين يختلفان جوهريا عن الديانة التي تبنتها القبيلة المتوحشة العبرانية التي تعيش على العدوان والغزو وسلب حقوق الاغيار واغتصاب ارضهم واعراضهم.

وهكذا فإن يهوه، ومن ثم الطغمة العليا اليهودية، كانا يخشيان ان “يتعلم” جمهور العبرانيين من العرب، وانه لم يكن يهمهما دعوة الشعوب الاخرى الى التوحيد والى عبادة اله علوي واحد (لان يهوه ليس كذلك)، بل كل ما كان يهمهما هو ان يسيطر “شعب اسرائيل” على ارض ومدن وبيوت العرب وابادتهم. وهذا يكشف بوضوح:

1 ـ ان الدين اليهودي ليس بأي شكل دينا توحيديا، يمكن ان يكون لجميع البشر، بل هو دين قبيلي ـ عنصري آحادي ـ واحدي، معاد للعرب اولا وللانسانية جمعاء ثانيا؛

2 ـ وان تبني الاله المجرد “يهوه”، من قبل قبيلة من قطاع الطرق، هو حجة للطعن بالعبادات الاخرى، المحسوسة، ليس لاجل الدعوة الدينية بحد ذاتها، بل لاجل تبرير و”شرعنة” فعل الغزو والسلب والنهب والقتل والابادة الذي تمارسه تلك القبيلة.

وقد اوعز قادة تلك القبيلة بالبقاء اربعين سنة في سيناء لعدة اسباب تدور كلها حول التحضير للعدوان، واهم هذه الاسباب:

1 ـ كي يموت كل الجيل السابق الذي ربما يكون من بين افراده من سبق له الاختلاط بسكان فلسطين الاصليين وربما يتعاطف معهم ويتأثر بهم و”يتعلم” منهم؛

2 ـ وكي يزداد عدد افراد القبيلة، وبالتالي يزداد عدد المقاتلين؛

3 ـ وكي يتم تهيئة القبيلة “دينيا” و”روحيا” ونفسيا لغزو وابادة “ابناء العمومة” و”الجيران” السابقين؛

4 ـ واخيرا لا آخر كي يتم التدريب والتنظيم والتحضير الجسدي والعسكري واللوجستي، الضروري، استعدادا لما هي مقدمة عليه القبيلة من غدر بشعب آمن كل ذنبه (ذنبه وخطيئته فعلا) انه لم يسبق له، ولم يلحق له ان آذاها بشيء.

XXX

ان العالم المتحضر يدين اليوم الهتلرية والنازية وما فعلته باليهود. ويمنع نشر الدعاية النازية، بموجب القوانين الصادرة في البلدان الاوروبية. وهذا موقف انساني صحيح مائة بالمائة، لأن التحريض على القتل والابادة، هو جريمة بحق الانسانية وجزء لا يتجزأ من فعل القتل والابادة. و”حرية الرأي” او “حرية التعبير” لا يجوز ان تتناقض مع “الكرامة الانسانية” ومع “حق الحياة” للانسان الفرد كما للجماعات الانسانية. و”الدعوات العنصرية” التي تدعو الى الكراهية والقتل والابادة العرقية والدينية، لا يجوز ان يسمح بها تحت مبرر “حرية التعبير”. فحرية التعبير وجدت لخدمة الانسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة، وليس لاجل تبرير اذلاله وقتله معنويا وجسديا.

وهذا المبدأ ينطبق ليس على اليهود وحدهم، انما على كل البشر. وقد شاءت صدف الاقدار، ان العرب هم ايضا “نوع” من انواع المخلوقات التي تدخل في صنف البشر، رغما عن يهوه افندي وموسى بن ابيه ويشوع بن نون ودافيد بن غوريون وأدولف بن هتلر وجورج بن بوش معا.

ولكننا نرى، وعجبا نرى، انه في حين تمنع الدعاية المعادية لليهود، بوصفها دعاية معادية للجنس البشري، فإن التوراة اليهودية، المليئة بالدعوات العنصرية لابادة العرب عن بكرة ابيهم، تطبع وتوزع بشكل عادي بجميع اللغات في جميع بلدان العالم. واكثر من ذلك فإنها تعتبر “كتابا مقدسا” و”كلاما الهيا”. مما يضفي على هذه “الدعوة الشيطانية” طابعا شرعيا (!!!).

ان جورج بوش يدعو الى اعادة النظر في نظام التعليم الاسلامي، فيما يتعلق باليهود. وهذه وجهة نظره، التي ينبغي الرد عليها بوضوح وحزم.

ولكن التوراة تدعو الى ابادة العرب، والعرب يخرسون، ويناورون، ويتملقون، حتى لا يواجهوا الحقيقة وجها لوجه. وكأنهم بذلك “يصدّقون” و”يصادقون” على صحة الدعوة “اليهوهية” لابادتهم.

وطوال اكثر من الفي سنة ظلت المسيحية تتعامل مع اليهود من ضمن المبدأ التسامحي المسيحي على قاعدة مقولة السيد المسيح “اغفر لهم يا ابتاه، لانهم لا يدرون ماذا يفعلون!”.

اما التعاليم الاسلامية، فهي ايضا تبرئ ساحة اليهود بطريقة غير مباشرة، بالقول ان التوراة الحالية هي محرفة، وان التوراة الحقيقية قد اخفاها المنافقون من اليهود.

من وجهة نظر اخلاقية مجردة، لا يسع اي عاقل الا ان يقدر عالي التقدير هذا الموقف الديني، التسامحي والتوفيقي، المسيحي والاسلامي.

ولكن (وهذا رأي شخصي تماما، و”زمني” و”قومي”، لا لاهوتي ولا فقهي ولا ديني) فإن هذا التسامح النبيل لم يعط المرجو منه، لا في الماضي، ولا في الزمن الراهن. بل اعطى نتيجة عكسية تماما، على طريقة: وإن انت اكرمت الكريم ملكته ـ وان انت اكرمت اللئيم تمردا).

فليقل لنا الدينيون الشرفاء، المسيحيون والاسلاميون، الذين ليست لهم “عقدة نقص” او “عقدة عداء” تجاه العرب والامة العربية:

ـ اذا كان يوجد توراة ثانية، غير “هذه” التوراة، فأين هي؟

ـ واذا كان يوجد ديانة يهودية ثانية غير “هذه” الديانة اليهودية (و”مذنبها”: المسيحية الصهيونية)، فاين هي؟

ان هذه الطبعة “المارونية” من التوراة، التي نقلنا استشهاداتنا منها، ليست مزورة، وليست محرفة. واذا كانت مزورة، فلتتفضل “الدولة اليهودية” اسرائيل ومعها حليفتها وشريكتها “السلطة الوطنية (جدا) الفلسطينية”، وليتفضل اي يهودي او “مسيحي صهيوني” في العالم، وليقولوا لنا ان هذه التوراة هي مزورة، ويرفعوا شكوى للفاتيكان ولمجلس الامن في الامم المتحدة، بأن المطرانية المارونية في بيروت تكذب عن لسان “يهوه” بهدف عرقلة عملية “السلام” بين العرب واليهود، عن طريق “نشر اقوال كاذبة على لسان موسى ويهوه” الغاية منها تسويد وجه اليهود واظهارهم بمظهر القتلة العنصريين لتحريض الفلسطينيين والعرب (احفاد الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوّيين واليبوسيين) ضد اليهود والمسيحيين المتصهينين.

ولكن اذا تركنا الجانب الديني للفقهاء الدينيين، مع كل الاحترام لهم، ونظرنا الى هذه الدعوة نظرة بشرية، اجتماعية ـ انسانية، فإننا نرى بدون اي لبس او ابهام انها دعوة عنصرية استعمارية، تدعو الى الابادة الجماعية لـ”امم” بأسرها، وذلك قبل الوف السنين من هولاكو وجنكيزخان والعثمانيين وجماعة “تركيا الفتاة” وهتلر والنازيين والفاشيين، الذين ابادوا الارمن والسريان والاثوريين والروس والبولونيين والغجر واليهود الاوروبيين.

بل ان هذه “الدعوة الشيطانية” لابادة العرب هي “مصدر الوحي” والاساس “الاخلاقي” و”الحقوقي” و”الديني” و”الفكري” و”السياسي” لكل الدعوات العنصرية والجرائم ضد الانسانية التي لحقتها.

فمنذ ان اطلق موسى (عذرا: النبي ـ كليم الله ـ موسى، قدس الله سره، وأعلى مقامه!!!) هذه الصيحة حرب “اليهوهية” لابادة العرب القدماء والاستيلاء على ارضهم، ودين اليهود وديدنهم هو الحرب على العرب، مباشرة، والتآمر والتعاون مع جميع القوى المعادية للعرب، لتخريبهم وتدميرهم واستعمارهم، حتى لو كانت، في بعض مراحل التاريخ، قوى معادية لليهود انفسهم ايضا.

وكل تاريخ اليهود هو تاريخ معاداة العرب، والتآمر عليهم، ومناصرة ودعم جميع اعدائهم ايا كانوا.

وتجاه ذلك لا يسعنا الا ان نختم بالقول:

ان الغزو الاستعماري للشرق العربي يستند دينيا وايديولوجيا و”اخلاقيا” وسياسيا الى “وعد يهوه”.

وان “وعد يهوه” ليس “وعدا الهيا” بل هو “وعد شيطاني”. و”الديانة” التي تنادي به هي “ديانة شيطانية”.

وان كل من يدعو الى الاعتراف باسرائيل والى اقامة “دولة يهودية” على ارض فلسطين العربية هو شيطان ومجرم نازي ـ صهيوني ومتصهين.

وكل من يسكت عن هذا “الوعد الشيطاني” وعن اقامة هذه “الدولة الشيطانية”، ويتكيف ويتطبع معها، هو نفسه شيطان، اخرس او غير اخرس، ولو كان حبر الاحبار، او امير المؤمنين، او الامم المتحدة، او جامعة الدول العربية (جدا!)، او السلطة الوطنية (جدا!) الفلسطينية (جدا! جدا!)، او حتى منظمة التحرير الفلسطينية (طبعا “تحرير”: تحرير فلسطين من الفلسطينيين، بناء لـ”وعد يهوه” جل جلاله!!!).

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

ـ* كاتب لبناني مستقل

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق