زملاء

محمد بكري: أنا هزمت الصهيونية وسأستمر في هزيمتهم ما حييت ثقافيا وحضاريا

  • عيد ميلاد ليلى …  بدأنا من الصفر عن فكرة لرشيد مشهراوي بثلاث صفحات، كان العمل مشاركة كاملة، طورنا معا السيناريو
  • هناك تناغم بيني وبين جميع الممثلين، رغم شهرتهم قبلوا أدوارا صغيرة، لأنهم أتوا إلى الفيلم بحب كبير
  • فلسطين ليست حصراً على المسلمين، هي لكل مواطنيها من إسلام، مسيحيين، دروز وحتى يهود، لا تتم صورة فلسطين دون وجود المسيحية، عداك أن أكبر مفكرينا ومبدعينا من المسيحيين الفلسطينيين، إدوارد سعيد، إميل حبيبي، جورج حبش
  • رفضت إسرائيل الإعتراف بالفيلم لأنه يمثل المجزرة، و اليهود يتوهمون أنهم أصحاب الحق الأول والأخير للنكبات، هناك
    العديد من الأقليات اصيبت بالنكبة في ألمانيا وهناك الأرمن، لا أنكر الهولوكست، لكنه ليس حكرا على اليهود
  • الأخوة تافياني …  طلبوني لدور مركب ومعقد، شحاذ تركي يحاول إنقاذ عائلة ارمنية مدين لها بالجميل وينجح في النهاية بإنقاذ ثلاثة أطفال أرمن، الفيلم يحكي عن مجزرة الأرمن سنة 1915، كان العمل شيقاً وصعباً، صورنا في بلغارياعلى أساس أنها أرمينيا

حاورته: رشا التونسي – حصل فيلم “عيد ميلاد ليلى للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي” على التانيت الفضي لأيام قرطاج السينمائية 2008 التي أنهت دورتها 22 يوم 1 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وحصل بطل الفيلم محمد بكري على جائزة أحسن دور رجالي عن دوره “أبو ليلى”. “عيد ميلاد ليلى” إنتاج فلسطيني تونسي هولندي مزيج من الواقع والرواية، بطل الفيلم هو في الاصل “قاض سابق” عمل في بلد عربي عشر سنوات، وإستدعي إلى فلسطين ليقوم بواجبه لكن وزارة العدل لا تستطيع دفع راتبه، فيضطر للعمل سائق سيارة أجرة يملكها شقيق زوجته، يحاول تطبيق القانون في التاكسي عندما يكتشف استحالة تطبيق العدل والقانون في فلسطين التي تعاني: فوضى الحياة، غياب القانون، الصراعات بين الأجنحة والجماعات المسلحة، الشباب الذي لا يعرف إلى أين يسير، الحصار الاقتصادي الخانق، وتدهور الخدمات، البيروقراطية والتشتت داخل أروقة وزارة العدل الفلسطينية، المظاهر المسلحة في الشارع، الشرطة وطريقتها في معاملة المواطنين، حالة انعدام المنطق، عبثية الحياة والموت.
عوض أن يضع أبو ليلى على سيارته كالمعتاد شارة تنبه الراكب الى عدم التدخين، وضع واحدة تمنع حمل السلاح في إشارة إلى ما يرد في الفيلم من انتقادات للسلاح الفلسطيني، وحرب الأخوة، حكايات صغيرة يرويها الفيلم كلما تغيرت هوية الراكب فهناك السجين السابق و زوجة الشهيد و العاشقان الشابان اللذان لا يجدان مكاناً يلتقيان فيه فيقرران استقلال سيارة الاجرة لأنها أرخص من نادي الأنترنت، الراهبة التي عندها قداس في القدس يحملها رغم أنه لا يذهب للحواجز الإسرائيلية، صورة ساخرة للحياة يقابلها أبو ليلى في يومه الفلسطيني العادي، مشاكل وقضايا صغيرة ينسجها السيناريو ببراعة، ويغلفها بروح من السخرية السوداء مثل شخصية المرأة التي ترغب في أن ينقلها أبو ليلى إلى المقابر لزيارة قبر زوجها ومستشفى المدينة لمداواة قلبها المريض، ولا تجد فرقا بينهما. يقول لها إن العادة جرت عندنا أن نذهب إلى المستشفى أولا ثم إلى المقبرة، تجيبه: “ما في فرق”، لكن رغم كل شيء يبقى الأمل فعلى طول الطريق محلات الإسطوانات والمطاعم والصبايا الجميلات باللباس العصري إحتفالات زواج وورود، ويصل أبو ليلى نهاية اليوم في الميعاد المتفق عليه مع زوجته حاملا الزهور والهدية والكعكة لإبنته ليلى بمناسبة عيد ميلادها السابع، ورغم إنطفاء التيار الكهربائي وعلى موسيقى ضحكات زوجته وإبنته يشعل الشمعة الوحيدة دليل على الأمل الذي لا ينطفئ.
أول ما يميز محمد بكري قامته الفارعة وتاج فضي مشوش فوق رأسه، ثم تقترب منه.. تشدك نظرة زرقاء ثابتة وإبتسامة طفولية حزينة، وتجاعيد وجه عميقة رسمتها حكايات الزمن، يقدم زوجته: ليلى حبيبتي أم أحلى عمل في حياتي إبني صالح، ومحمد أب لستة أولاد، يبدأ الحديث فتدهشك التناقضات والمفارقات الثرية، شخصية في قمة العطاء والشهرة وفي نفس الوقت قمة التواضع والإنفتاح على الثقافات والمعرفة، أحقا يعيش هؤلاء تحت الإحتلال ونحن نتمتع بما يمكن أن يسمى إستقلالية تامة، ماذا فعلنا؟ وماذا يفعلون؟ محمد بكري.. قامة سينمائية ومسرحية، أينما يمر يحصد الجوائز والإعجاب، ينحني محييا وكأنه يعتذر عن كل هذا الضجيج حوله.

فيلم “عيد ميلاد ليلى” هو الثالث مع رشيد مشهراوي؟
بدأنا من الصفر عن فكرة لرشيد مشهراوي بثلاث صفحات، كان العمل مشاركة كاملة، طورنا معا السيناريو، كان يكتب ويرسل لي للقراءة، هناك بعض المشاهد أقترحتها وقبلها برحابة صدر، كمشهد الكابوس أول الفيلم، ومشهد الراهبة تقطع الحواجز الإسرائيلية

لماذا مشهد الراهبة؟
شخصية الراهبة تختلف عن الشخصيات الأخرى، بنعومتها وأناقتها، ثم فلسطين ليست حصراً على المسلمين، هي لكل مواطنيها من إسلام، مسيحيين، دروز وحتى يهود، لا تتم صورة فلسطين دون وجود المسيحية، عداك أن أكبر مفكرينا ومبدعينا من المسيحيين الفلسطينيين، إدوارد سعيد، إميل حبيبي، جورج حبش.. فلسطين أرض الأديان المقدسة جميعها، لذلك كان إيحاء الراهبة التي تركب التاكسي لعبور الحاجز لأن عندها قداس في القدس، في رأيي أن هذا المشهد من أجمل مشاهد الفيلم. وكثيراً عندما أشعر بشيء قاهر، شيء وجداني أذهب إلى الكنيسة، منظر الصليب يريحني، ربما لأنه يعبر عن إحتواء أعظم شخصيات التاريخ، أو ربما؟ لا تفسير لدي.

هل شخصية أبو ليلى في الفيلم تشبه شخصيتك؟
مطلقا، أبو ليلى يختلف عني ولا تجمعني به أي صفة، شيء واحد يجمعنا هو الشوق والتوق للعدل والقانون بالمعنى المجازي لا المربعاتي، المعنى الفلسفي للإنسان، قيمته ونضاله، إذا إحترمت الإنسان حافظت على القانون بكل معانيه، كان دور ابو ليلى تحديا بالنسبة لي، دور مختلف تماما عن أدواري السابقة في السينما، يختلف عني بتركيبته الجسدية والنفسية، أنا فوضوي لم أمشط شعري بحياتي، وهو منظم مسدول الشعر، الدقة الموجودة في حركات ونظرات أبو ليلى وأسلوبه الحياتي اليومي لست أنا، كان لا بد أن أؤطر شخصيتي المبعثرة في شخصية هذا القاضي المرتب والملتزم.

أنت راض عن هذا الدور؟
عادة لست سعيدا وراضيا عن أي دور، دائما بعد مشاهدة الفيلم اقول لو أنني عملت كذا أو كذا، هذا المشهد ناقص، ليس هناك إحساس أن ما قمت به كامل، دائما أشعر بنقص معين ولو كان هناك نوع من الرضا فيما يخص دور أبو ليلى، لكن لو اليوم أعيد تصوير الفيلم، سأقوم بالدور أحسن من قبل.

كيف كان إختيار الممثلين؟
إخترت أنا ورشيد الممثلين، كان هناك تناغم بيني وبين جميع الممثلين، رغم شهرتهم قبلوا أدوارا صغيرة، لأنهم أتوا إلى الفيلم بحب كبير، أحمد أبو سلعوم مثلاً تحصل على أحسن ممثل مسرحي على دوره في مسرحية رمزي أبو المجد بمهرجان قرطاج المسرحي، إبني صالح تحصل على جوائز عديدة ولعب دوراً صغيراً لكن عميقاً، أثني على كل أولئك الذين عملوا معنا، لصدق الأداء دون النظر إلى حجم الدور، وهذا العطاء أعطى للفيلم حجماً كبيراً ولون الفيلم بألوان مختلفة، وأغناه بالمعنى العريض: فالممثلون أتوا من شرائح مختلفة من جغرافية الشعب الفلسطيني، وأتمنى أن نعمل سوياً في أفلام قادمة.

هناك إستمرارية في أدوارك مع نفس المخرجين تقريباً، فأنت تصور حالياً مع ميشيل خليفي؟
أحب العمل مع أصدقائي، بدأت يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي تصوير الدور الرئيسي في فيلم (الزنديق) مع ميشيل خليفي، التصوير في الناصرة ورام الله والقدس ومشهد واحد في تل ابيب، أنتظر الكثير من هذا الفيلم، القصة طريفة والأسلوب جديد، والعمل مع ميشيل قصيدة شعر، وأنا خايف.

رغم التجربة والمسيرة ما زال لديك بعض خوف؟
أنا خائف بإستمرار، يلازمني الخوف حتى بعد العرض الأول، عرضنا “عيد ميلاد ليلى” في العديد من المهرجانات وكان النجاح غير معقول في كل مكان، لكن بقيت خائفاً حتى القدوم إلى مهرجان قرطاج وإلتقيت برد الجمهور المدهش.

آخر فيلم لك كان مع الأخوة تافياني عمالقة السينما الإيطالية؟
فيلم الأخوة تافياني هدية لا تثمن بالنسبة لي، لم يكن العمل معهم بسيطا أو سهلاً، لديهم شهرة عالمية كمدرسة في عالم السينما، بعد مشاهدتهم لفيلم “الخاص” طلبوني لدور مركب ومعقد، شحاذ تركي يحاول إنقاذ عائلة ارمنية مدين لها بالجميل وينجح في النهاية بإنقاذ ثلاثة أطفال أرمن، الفيلم يحكي عن مجزرة الأرمن سنة 1915، كان العمل شيقاً وصعباً، صورنا في بلغاريا على أساس أنها أرمينيا، نجوم سينما عالميين مع كبار السينما الإيطالية الذين أسسوا وثاروا على كل مفاهيم السينما العالمية، وهم في نفس الوقت شعراء سينما وفلاسفة، صعوبة العمل أنهم لا يتكلمون إلا الإيطالية والتواصل كان من خلال مترجم رفضوه في الآخر وفضلوا التفاهم بطريقة مباشرة حتى ولو كانت بالإشارات. أتمنى أن يطيل الله أعمارهم ويعطيهم الصحة للعمل مجدداً معهم، فيتوريو في الثانية والثمانين وباولو في التاسعة وسبعين، معلقة سينمائية تعلمت منها الكثير، كما أن موضوع الفيلم يخصني كإنسان ينتمي للشعب الفلسطيني، أحترم وأشارك الأقليات المضطهدة في العالم، هناك شبه ولقاء، ليس لنا حكر على النكبات، طبيعة البشر أن تضطهد البشرية، لا بد للفنانين أن يتماسكوا ويتضامنوا ضد أي مضطهد، وأنا فخور لأنني شاركت في صرخة ضد تلك المجزرة.

هل عرض الفيلم في إسرائيل أو البلدان العربية؟
رفضت إسرائيل الإعتراف بالفيلم لأنه يمثل المجزرة، و اليهود يتوهمون أنهم أصحاب الحق الأول والأخير للنكبات، هناك العديد من الأقليات اصيبت بالنكبة في ألمانيا وهناك الأرمن، لا أنكر الهولوكست، لكنه ليس حكرا على اليهود هو يخص كل الأقليات، ثم تريد إسرائيل أن ترضي تركيا كدولة إسلامية غير عربية، اللعبة سياسية ايضاً.

هل تعتقد أن مثل هذه الأفلام يمكن أن تعطي فرصة لقراءة التاريخ بطريقة أكثر موضوعية؟
إعادة النظر في قراءة التاريخ، هذا ما أرنو إليه، لكنني لست ساذجا أن الفيلم يمكن أن يغير التاريخ، لا الماضي ولا الحاضر، وجهة النظر ربما، نحن بحاجة إلى كميات هائلة من الأفلام كي تنتشر إنتشار الكوكا كولا لكي تحضر هذا التاريخ، وهنا تكمن أهمية فيلم “عيد ميلاد ليلى”، فإذا حسب ما آمل حضر هذا الفيلم الجمهور الأمريكي والأوروبي والذي لا يعرف التفاصيل الصغيرة ممكن أن يغير وجهة النظر ممسوحة من التأثير اليهودي.

ما هو المطلوب كي يقرأ الآخر الحقيقة دون تشويه؟
الصدق، هو المطلوب، من يستطيع أن يقف أو ينكر رواية محمود درويش ليدحضها؟ أو من يرفض المتشائل؟ محمود وإميل تعودوا الصدق الإنساني وحافظوا على إنسانية الفلسطيني أمام المركبة الإسرائيلية، فكانت جواباً كاملاً لما إقترفته هذه الآلة، وهنا أهمية الإعلام الصادق.

“هانا. ك” لكوستا غافراس هو أول فيلم طويل قمت بأدائه؟
أول فيلم طويل في حياتي الفنية، حملت فيه صليبي، لم أمثل نفسي بل مثلت الشعب الفلسطيني، كان أول فيلم يطرح موضوع حق العودة، شخصية الفيلم تقول لهؤلاء هذا بيتي، يرفضون سماعه وينفوه ثانية، يعود من جديد ليتهم بالإرهاب، كنت سعيدا جداً بالفيلم خاصة أن كوستا غافراس كان وما زال نجما و”غير ملوث” ومع هذا الفيلم كانت بداياتي وبداية صداقتي مع محمود درويش، إلتقينا في باريس سنة 1983، أثناء تصوير الفيلم.

كانت تربطك بمحمود صداقة عميقة؟

رغم فارق السن فهو يكبرني بثلاث عشرة سنة، تطورت بيننا علاقة قوية وعميقة وعز علي موته، عز على الجميع، كان موته مثل الصاعقة، قبل شهر كنا نتعشى معا أنا ومحمود وميشيل خليفي وبعض الأصدقاء، قال لي أعطيني سيكارة، قلت له أنت ممنوع من السكاير، قال واحدة على الغذاء وواحدة على العشاء، في الخروج أخذني جانباً وأخبرني أنه سيعمل عملية بصمت وخفاء، لكن “العكاريت” لم يسمحوا له بالفيزا إلى حد الآن. قلت له أنا ايضا مسافر لنيويورك سنلتقي هناك، ذهب إلى هيوستن في 2/8 دون أن أعلم، قررت العودة إلى فلسطين في 8/ 8. سمعت أن محمود مات في 9 / 8 واشعر بالحرقة، وتؤلمني أحلام اليقظة لو أنني ذهبت إليه، لو انني طلبت منه: “هيا إحمل حالك، قوم ندور على البنات الحلوين، ونشربلنا شي” لكنه ذهب وترك الحرقة في القلب. موت محمود هو موت الرجل الأخير.

فيلم الخاص “برايفت” مهم جدا؟
هذا الفيلم سنة 2004، يطرح مسألة الإحتلال الإسرائيلي بكل بشاعته، وأهمية الفيلم أن المخرج ليس فلسطينيا، سافيرو كوستانزو شاب إيطالي كان عمره 28 سنة أتى إلى فلسطين لعمل ريبورتاج عن أهل غزة، و شاهد الجنود الإسرائيلين وهم يحتلون بيتا فلسطينيا، أخرج أول فيلم طويل من هذه القصة الحقيقية. الإخراج والإنتاج إيطالي، تحصل الفيلم على عدة جوائز منها الفهد الفضي في مهرجان لوكارنو. وزع في كل العالم ما عدا في إسرائيل.
الجدل حول فيلم “جنين جنين” ما زال قائما منذ ست سنوات، ستقدم القضية ثانية أمام المحكمة.
صورت الفيلم الوثائقي “جنين.. جنين” الذي حصل على التانيت الذهبي لدورة قرطاج 2002 أثناء أحداث جنين حملت الكاميرا ونزلت لأصور أبشع الانتهاكات الصهيونية التي مورست ضد المواطنين الفلسطينيين هناك حيث سوي المخيم بالارض وقتل المقاومون وداست جنازير الدبابات الشهداء حتى أصبحوا أشلاء متفتته. لكن الرقابة منعت عرض الفيلم، قدمت إلتماسا لمحكمة العدل وبعد نضال سنتين حصلت على إجازة عرض الفيلم، ثم قام جنود صهاينة برفع دعوى على المحكمة يتهمونني بالتشهير والكذب من خلال الفيلم، ويطالبون بدفع مليونين و500 ألف شيكل مطالبة بالشرفية، وفي الشهر السادس من هذه السنة صدر قرار المحكمة المركزية بأنه لا يحق لهم الشكوى بما أنهم غير موجودين في الفيلم لا إسم ولا صورة، ثم بإيعاز من المدعي العام للجيش الإسرائيلي إلتمسوا عن طريق المستشار القانوني للحكومة الإدعاء ضد قرار المحكمة المركزية أنه يحق للجيش الإسرائيلي الشكوى لأن هناك تشهير بالجيش الإسرائيلي بشكل عام، ما زالت الشكوى جارية وأنا أنتظر القرار،

القاتل أصبح ضحية والضحية أمام القضاء؟
السلطات الصهيونية دائما تدعي الديمقراطية ولكنها في الوقع لا تمت بصلة للديمقراطية ولا إلى الحق، وأنا قلت لهم في لقاء مع صحيفة “هارتس” “أنا فنان وانشغل حاليا بالفن والإنسانية، أنا أعالج قضايا إنسانية بينما الجيش يعالج قضايا القتل وهذا الفرق بيني وبين الجيش الصهيوني. أنا حملت الكاميرا وهم حملوا البندقية وقتلوا الأبرياء”.

سينماتيك تل ابيب وسينماتيك القدس دفعتا للجنود تعويضات لإسقاط الدعوة المرفوعة؟
دفعوا تعويض لأنهم نشروا صورة من الصحف لجنديين من الجنود الذين دفعوا الدعوة في موقع السينماتيك تحت عنوان “جنين.. جنين”، رغم أن نشر صورهم لا علاقة له بالفيلم،

أخرجت ثلاثة أفلام وثائقية؟
الفيلم الأول عن نكبة 1948، وفيلم “جنين جنين”، وفيلم “من يوم ما رحت” الذي تحصل على التانيت الذهبي لقرطاج سنة 2006.

هذا الفيلم هو سيرة ذاتية؟
سيرة ذاتية عمليا، أهديت الفيلم لإميل حبيبي، محاكاة في قبره في حيفا، أروي له ما جرى لي ولنا من يوم ماراح، سنة 96، أقول له أنني ما زلت أعرض المتشائل حتى اليوم، كان آخر عرض في طوكيو، وإذا كان يعرف “حدا تحت” كي يترجم لليابانيين، أجمع بين القصة الشخصية وقصة الشعب، ربط عضوي بين الخاص والعام، وبصراحة هذا الفيلم أقرب الأفلام إلى قلبي، أدين للمرة الألف السياسة الإسرائيلية الغاشمة، وأفضح الإحتلال من ناحية، والبوق الإعلامي الإسرائيلي من ناحية أخرى، لأن الإعلام والسياسة إجتمعوا سويا لمحاربة جنين وشخص محمد بكري في نفس الوقت، فقد إستطاعت إسرائيل أن تمنع عرض الشريط على قناة “آرت” الألمانية، تحت ضغط السفير الإسرائيلي وكأنها مستوطنة إسرائيلية.

درست أدب عربي هل هناك مكان للأدب في مسيرتك؟
الأدب له الفضل الأول والأخير بأنني ممثل، الأدب والشعر العربي المعاصر والقديم هو صور سينمائية، الشعر العربي الجاهلي مليء بصور تثري مخيلتي.

هل جربت الكتابة ما عدا السيناريو؟
“أعطي الخبز لخبازه”، طلبت مرة من محمود أن يكتب لنا سيناريو، قال: أنا لا أكتب سيناريو أنا أكتب شعرا، وشخصيا أعرف أمثل، ربما وفي يوم ما سأكتب ذكريات، رغم أنني لست كاتباً، وأحسد الكتاب والشعراء، أنا مغن معقد وشاعر معقد وكاتب معقد، أحترم صاحب الصنعة الذي يترك الصناعة الثانية لصاحبها، لا يمكن أن تكون نجارا وحدادا وسفيرا وصاحب بنك، كن واحداً، كن أنت وليس غيرك.

أخرجت أيضاً للأطفال؟
عمل عن قصة غسان كنفاني، ومسلسل للأطفال: “حكايات العم خليل”، وممكن أن أعيد التجربة.

هل كان لديك تأثير كممثل على توجه إبنك صالح إلى التمثيل؟
ربما تأثير غير مباشر، حملته ليلى زوجتي وعمره سنة، كانت المسرحية لجون جونيه، ضممته وبلل لباس المسرحية قبل العرض بخمس دقائق، ومنذ طفولته شاهد كل العروض السينمائية والمسرحية، تفرج على المتشائل وهو في سن الثامنة، ولا شك أن هذا أعطاه الدافع لميوله.

هل تفضل المسرح أم السينما؟
التمثيل هو التمثيل ولو إختلفت التقنيات، لكن الحميمية الموجودة في المسرح لها خصوصيتها، الإنسان روح متحركة والحميمة مع المتفرج في المسرح ليس لها بديل، الكاميرا جامدة، لا أتصور أن لا أمثل في المسرح، المتشائل تسكنني، قال لي مرة محمود درويش بعد العرض: “لاتجعل المتشائل قبرك” كان صادقاً لأنه أراد أن يقول: أمامك طريق طويلة فلا تنغلق، لكنني لا أستطيع الخروج من هذا العمق، هناك أعمال لا تموت، محمود لم يمت هو يتجدد بإستمرار في مماته، كلما قرأته كلما جددت قراءته، أعمال الرسامين الكبار تبقى خالدة ليس لها زمن، المتشائل كذلك سبق عصره، ثم الأجيال تتجدد من كان عمره ثمان سنوات أصبح عمره خمس وعشرون سنة، لا بد أن أستمر وأستمر في عرضها حتى لا تموت، ولأن الصهيونية ما زالت، والإحتلال ما زال، وأبو النحس تلك الشخصية الممسوخة ما زالت تعيش في كل ركن من أركان هذا العالم، هو سوري مصري أردني عراقي فلسطيني فرنسي إنكليزي إيرلندي.. ظالم ومظلوم ومستعمر ومظلوم الحق، المتشائل صرخة في وجه كل أولئك، وهنا تكمن أهمية تقوقعي. هناك أعمال تعلقت بها مثل “موسم الهجرة إلى الشمال”، “يوم زماننا” لسعد الله ونوس، “الياطر” لحنا مينا، لكنني لم أجد بديلاً للمتشائل ولا أريد بديلاً، يجب أن أجد إستمرارية لهذا العمل، ربما قريبا حين أنهي الفيلم مع ميشيل خليفي، وفيلم آخر مع إيلي سليمان “الزمن الذي تبقى” سنصور في الناصرة شخصية أبو إيلي سليمان، إبني صالح عندما كانت الشخصية في سن الشباب وأنا في سن الكهولة وما بعد.

تنوي عمل فيلم عن محمود درويش؟
نعم، سيكون الفيلم تحديا كبيرا هناك ما هو المشترك بيني وبين محمود، لكن هناك محمود واحد فقط، لا أعتقد أنني سأخرج الفيلم لأنني أريد أن أهتم بأداء شخصية محمود، انا أحب محمود، سميت إبني محمود رغم أن محمود لا يحب إسمه، كان يقول إسم محمود مبطوح أفضل أن أكون واقفا، أحب محمود، أحب كبريائه، أنفته، تواضعه، خجله، شغفه بالنساء، ذوقه في الطعام واللباس، شعره ونثره، أحب عمقه وبعده الإنساني، تجديده، عدم تقليده، وتقليديته، أحب رمزيته الذي خلفها، مرجعيته الثقافية، أحب طريقة كلامه، كان واضح الصدق لا يداهن الأشياء ولا يتملق، ترك لنا إنتصابة مغايرة لما وصفته أجهزة الإعلام الصهيونية، الإسرائيلي اليهودي قمع حضارتنا وقمع أصالتنا، وشوه صورتنا في العالم، في الأدب وفي الموسيقى وفي الفن وحتى السينما. تعاملت السينما الإسرائيلية حتى أواخر السبعينات مع شخصية الفلسطيني كالأفلام الأمريكية والهنود الحمر، فجاء محمود ورسم معالم الإنسان الفلسطيني في تجلياته، جعل اللغة ملجأه، كل هذه المفردات وأكثر جعلتني أحب محمود، وربما إدراك محمود لإدراكي لكل هذه الأمور، ورؤيته لأعمالي في السينما والمسرح، جعلته (بكل تواضع) يحبني هو أيضاً، لذلك فقدان محمود بالنسبة لي ليس فقداناً على الصعيد الشخصي رغم أهميته، ولكن على الصعيد الأعمق لتاريخنا وفننا وأدبنا ورسالتنا ونضالنا ضد العدو، هو الفقدان الحقيقي وآخر عظام الشرفاء في هذا الوطن، آمل أن يعطيني العمر إمكانية أن يشاهد المشاهد العربي محمود درويش في المسرح والسينما، وإذا كانت الأموات تسمعنا سيكون محمود مسرورا.
تعمل دائما في أفلام تحمل مواضيع محددة، أليست لديك رغبة في الخروج من البوتقة؟
شاركت قبل شهرين في فيلم إيطالي “زواج ومصائب أخرى”، كوميديا هادفة إجتماعية سياسية، نقد ذاتي للمجتمع الإيطالي، حكاية جميلة جدا، أخرجتني من البوتقة، نفحة من الأوكسجين، رداء إنساني لا يلبس أي ثوب قومي، لا بد أن ينفتح الفنان على حضارات وثقافات أخرى وعوالم مختلفة عن فلسطين والعرب والسياسة، تعلمت لضرورة الفيلم الإيطالية وحكيت بالإيطالية، كان الدور مهماً جداً، سيرجيو باولو، شاعر مشهور يرددون أشعاره في البيوت والحفلات، يعيش قصص حب مختلفة.

كيف كانت علاقتك مع إميل حبيبي؟
علاقتي مع محمود مختلفة من ناحية أننا أقرب في العمر وأشبه بالطباع. أما مع إميل فهي علاقة الأب بالإبن، إميل سفينة في بحر هائج، منارة تقول لنا تعال، حب كبير، كنت أهتم وكان يهتم كأنني أحد من أولاده، تربطنا آلاف اللقاءات على مدار أكثر من عشرين سنة، جلنا أوروبا الغربية والشرقية، أمريكا والبلدان العربية طويلاً مع المتشائل، مئات العروض رغم المفارقات، ربما ما سأكتبه يوما سيكون عن رحلاتي مع إميل، ذكرت بعضها في فيلم من يوم مارحت، كان هرماً بالنسبة لي أنا شاب ما زال يلعب حفيان، وهو شاب نحيف جدا مثلي أنا اليوم، جميل جدا ووسيم جدا، صوت جهوري يقول أمام الجمهور (لعن الله بن غوريون، مين هذا بن غوريون) كان الإنسان الفلسطيني آنذاك يتيم الأب والإبن، يجب أن تأخذ إذن حتى بالنفس من الحكم العسكري، الشيوعي المناضل لا يمكنه أن ينام في بيته، إذا لمست علم فلسطين حكم عليك بالإعدام، كان إميل حبيبي في تلك الأيام النقيض من أبو سعيد المتشائل، بأعلى صوته ولا يخاف أحداً، بدأت علاقتي معه سنة 84 في نفس الفترة التي تعرفت فيها على محمود، اللقاء كان أسهل مع إميل لوجوده معنا بينما محمود في الشتات، كنت أقدم دوراً من أهم الأدوار في مسرحية من وراء القضبان لمخرج يهودي يساري رشح الفيلم للأوسكار ، سجين فدائي وراء القضبان قرر الإضراب عن الطعام إحتجاجاً على إنتحار سجين يهودي رفض شهادة زور ضد السجين الفلسطيني، وقد غيرت نهاية الفيلم أثناء التصوير، عندما تردد المخرج طلبت منه أن يعمل كل واحد منا نهاية على طريقته، كانت مجازفة لكن عندما أكملت تصوير النهاية كان هناك 50 سجيناً و50 عاملاً في السينما إنتابتهم والمخرج نوبة من البكاء، إعتذر المخرج وقرر الإحتفاظ بنهايتي، عندما علم إميل حبيبي بالحكاية كتب عنها في جريدة “الإتحاد” وعقد إجتماعا مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وفرض عليهم مشاهدة الفيلم وأخبرهم أن محمد بكري إستطاع أن يغير نهاية الفيلم لحقيقة من صدق المقاومة، لم يتواجد في مكان فيه مناصري للقضية إلا وحدثهم عن النهاية، كان إميل شاهدا على عصره.

هل يمكن أن يكون للسينما والمسرح والأدب دورا لرسم آفاقا للأمل؟
شخصيا أعدك بشيء واحد، أنا هزمت الصهيونية وسأستمر في هزيمتهم ما حييت ثقافيا وحضاريا.

حاورته: رشا التونسي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق