زملاء

أقوال داعية حقوق الإنسان المحامي “مهند الحسني “في محضر استجوابه القضائي لهيئة محكمة الجنايات الثانية بدمشق


اذا كانت جريمتي في هذه الحياة أني بحثت عن مجتمع عادل فهناك دائماً من يضحي بنفسه في سبيل القيم النبيلة والأهداف السامية وأنا من جهتي لم أجد هدفاً يستحق التضحية أسمى من الدفاع عن حقوق الإنسان. وذلك على الرغم من قساوة الظروف التي خلفتها ثقافة الخلاص الفردي. فالوطن الذي قدم لنا الكثير يستحق منا اليوم أن نقدم له واجب تضحية في سبيله. بكلمة الحق وروح المحبة وذلك على الرغم من مرارة الاعتقال وقسوة السجن.

  • المحامي مهند الحسني : انطلاقاً من نظرة المشرع الذي جعل من أقوال المتهم حقاً له يستطيع من خلاله الدفاع عن نفسه، فقد آثرت تقديم مذكرة بأقوالي في محضر استجوابي القضائي. حاولت عرض وجهة نظري بموضوع حقوق الإنسان كمفهوم تطورت آليات الحماية فيه بأثر تراكمي عبر العصور.

حاولت من خلالها أن أثبت أن العرب والمسلمين لم يكونوا يوماً خارج التاريخ وإنما جزء لا يتجزأ منه وساهموا كغيرهم من الشعوب في إثراء تلك المنظومة الحقوقية الحضارية الإنسانية بإسهاماتهم توخيت بأقوالي الصدق والأمانة في العرض، لثقتي بأن هدف محكمتكم الموقرة الوصول للحقيقة والقيام بدور عيادة الوقاية الاجتماعية ما بين المتهم الماثل أمامكم بوصفه أحد دعاة الحقوق المدنية وما بين الجهات التي اعتقلته وزجته وأمطرت بالتهم المجانية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وأن هدفكم لم يكن يوماً معاقبتي بإلصاق رقم المادتين /285-286/ من قانون العقوبات على ظهري وشحني إلى سجن دمشق المركزي لأتحول مع الزمن إلى مجرد رقم بين ألوف الكتل البشرية المكدسة فيه، بتدبيج قرار حكم بحقي سداه ولحمته بضعة أسطر من العبارات المجملة والألفاظ العامة وهو ما تأنفه العدالة في سوريا.

لا يخفى عليكم أن مثل هذه المحاكمات ما هي إلا وقفات حاسمة في تاريخ القضاء الجزائي، وقد تحمل في طياتها الأمجاد، مثلما قد تحمل المخازي. وبرأي فإن المبادئ والقيم السامية لحقوق الإنسان التي آمنت بها وعملت لأجلها أكبر من قانون العقوبات. لأنها مفهوم وممارسة وتطبيق ومنجز حضاري وإنساني على الأرض وبالتالي فهي ملك للبشرية جمعاء، وحق مكتسب للمستضعفين والمظلومين والمهمشين والمقهورين والمنسيين ومدمري الأجساد.

لهذا رأيت أن من واجبي كإنسان وكمواطن وكمثقف وكمحامي أن أعمل لترسيخها والإعلاء من شأنها، مع علمي أن أمامنا الكثير من العمل، وسنتعرض خلالها للكثير من الأسى وسنثخن بالجراح بمقدار منا نحقق من نجاح.

ويبقى إيماني بعدالة القضية التي ضحيت بمستقبلي المهني في سبيلها، ويقيني بأنها تستحق التضحية محفزاً دائماً لي للنجاح والله من وراء القصد.

على مدى التاريخ وبأثر تراكمي سعى الإنسان لتثبيت وحماية حقوقه الأساسية بالحرية والكرامة والأمان الشخصي والعيش الكريم والمساواة وغيرها من الحقوق.

وإن جوهر حقوق الإنسان في حقيقة الأمر ليس إلا ذلك السعي لتثبيت تلك الحقوق وحمايتها من الاعتداء والتعسف، تلك الحقوق التي تحولت بدورها وارتقت من مجرد مناشدات وشعارات جوفاء ترفع في مناسبات احتفالية أو انتخابية لتجد طريقها للدساتير والقوانين والمواثيق والعهود الدولية عابرة الحدود الإقليمية والخصوصيات المحلية لتشكل معياراً لتحضر الدول وتمدنها ومرتكزاً لمكانتها في الأسرة الدولية ومقياساً لوحدتها الوطنية، وبنظرة سريعة على تاريخ الحقوق تعيدنا إلى عام /1928/ حين صدر في انكلترا إعلان يعتبر من أهم الإعلانات اللاحقة لوثيقة إعلان الحقوق فيها عام /1215/ وسابق للشركة الإنكليزية للحقوق عام /10688/ وهو ما عُرف لاحقاً بقانون احترام الشخصية أو منع التوقيف التعسفي.

ومضمون هذا الإعلان أنه يمكن لأي شخص علم بتوقيف شخص آخر دون مبرر قانوني أو مسوغ شرعي أن يوجه طباً للمرجع القضائي المختص يطالبه فيه بإحضار الموقوف فوراً أمامه للاستماع لإفادته وإخلاء سبيله إن لم يكن هناك مبرر شرعي للتوقيف. بمعنى أن الضرورة أوجدت مرجعية عادلة ومؤتمنة ومحايدة تقف ما بين الشرطي والمواطن… ” إنه القاضي” .

يُشكل هذا الإعلان برأي نشطاء الحقوق المدنية مرحلة هامة ومفصلية في يقظة الضمير البشري لأنه لم يَعُد من الممكن إيقاع العقاب أو الإيلام بالإنسان بدون حكم من مرجعية قضائية عادلة ومؤتمنة. ولتكون هذه المرجعية القضائية حقيقية لا شكلية أو فولكلورية أنطلق العقل الإنساني الغربي في البحث عن الضمانات لحماية الإنسان من المحاكمة الجائرة.

فكما للدولة الحق في استخدام وسيلتها المشروعة (الملاحقة الجزائية) في ملاحقة المجرم للقصاص منه وإنزال العقوبة به، فقد كان من الضروري ضمان أن لا تتحول تلك الوسيلة المشروعة إلى أداة تسلط تمارس القمع لغايات سياسية بعيدة عن العدل والقانون، و عليه فقد أحاط العقل التشريعي المدني والحضاري المتهم وبأثر تراكمي بترسانة من الضمانات القانونية تضمن حمايته من الاتهام الكيدي أو التوقيف التعسفي أو حتى الحكم الجائر.

كما فرضت الدساتير قبل القوانين حقوق للمتهم كمواطن (لا سيما المختلف بالرأي ) ينتمي لدولة وجدت أساساً لحمايته والسهر على أمنه وكرامته ولم تتركه أسيراً للخوف أو التعثر أو الوهم.

يعل من أوائل تلك الحقوق حق المتهم في الدفاع عن نفسه وحقه بالاتصال مع محاميه بمعزل عن عيون الرقيب [ المادة /72/ من أصول المحاكمات] وحق بإخلاء سبيله وحقه في قرينة البراءة وحقه في الأخذ بالأصل القانوني المتمثل بحسن النية. لا بسوئها وحقه بالأصل القانوني المتمثل بالإباحة لا المنع والحظر.

وحقه أن لا يُدان بوصف جرمي لا نص عليه ف بالقانون وأن لا يحكم بعقوبة بدون جريمة واضحة ومحددة، وحظرت على القاضي الجزائي التوسع في التفسير للنصوص الجزائية وحظرت عليه الأخذ بالقياس الفكري أو العقلي في الأمور الجزائية وفرضت عليه الأخذ بقاعدة المساواة أمام القانون كي لا تتحول العدالة بين يديه إلى لعبة حظ.

جميع تلك الأسس والأصول والدعائم الثابتة كانت هي الأعمدة الصلبة في بنيان العدالة الجزائية وهي السياج الآمن الذي يمنع انتهاكات الحريات العامة وبنى انعكس ظلها على المؤسسات القضائية فكساها برداء الوقار والعدل والنبل الإنسانية والعراقة والمساواة وهو ما شكل بمجمله أرضية الدولة الصالحة والحكم الرشيد والمجتمع المتحضر.

غير أن ذلك البنيان الإنساني والحضاري الضامن لحقوق الإنسان لم يكن وليد الصدفة ولم يأت من العدم وإنما عبر مخاضات إنسانية وروحية فقبل ذلك بأكثر من ألفي عام عزز تبلور حقوق الإنسان ما حملته مبادئ المسيحية السمحة للدولة الرومانية من مبادئ سامية التزم بها أباطرة الرومان. بالتركيز على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية وسن فكرة التكفير عن الذنوب والتأكيد على العقوبة بوصفها وسيلة لتطهير النفس الإنسانية لا بوصفها غاية بحد ذاتها مما ارتقى بالإنسانية لمراتبها العليا بصفتها المعلم الأكبر للضمير البشري.

وبعدها بحوالي ألف عام جاءت الحضارة العربية والإسلامية وعرفت نصوصاً في القرآن والسنة أرست الأرضية الصالحة للإنسان الذي يعرف للحق قيمة وللعدالة معنى فتأسست الدولة على مفهوم المساواة بين الناس، بقوله :

( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).

( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها البينون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون)

( ليعلم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الفاسقون).

وقول الرسول العربي الكريم ( لا تأتوني بأنسابكم وإتوني بأعمالكم وخير الناس أنفعهم للناس ) أن وما دعا إليه الرسول الكريم من رد المظالم لأهلها وحرية القول والتعبير عن الرأي كما جاء في الآية /148/ من سورة النساء ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) أي من شعر بالظامة فعليه أن يرفع صوته للمجاهرة بها.

ها هو الفاروق عمر بن الخطاب يقول ( من رأى منكم في إعوجاجاً فليقومه بحد السيف).

والحرية في الإسلام تشمل حرية الفكر والمعتقد ( لا إكراه في الدين).

والآية الكريمة ( وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). واحترام الإسلام إنسانية الإنسان ( ولقد كرمنا بني آدم ) وحظر الإسلام التعذيب وجميع أوجه المعاملة  الحاطة بالكرامة، فقد جاء على لسان الرسول الكريم ( إن الله يعذب الذين يعذبون الناس ) ( ومن لطم مملوكاً فكفارته عتقه فإذا قتله فهو يقتل). وهناك نصوص كثيرة مماثلة يضيق المقام عن ذكرها الآن ولكن مجمل القول أن : الديانات والشرائع كانت قد أرست الأساس اللازم والضروري وبأثر تراكمي من قيم روحية وأخلاقية وإنسانية للعنصر البشري القادر على بناء دولة الحضارة والمدنية، وبرأيي فإن فساد الحكم والدولة في حقب لاحقة سواءً كان بسبب سوء الغربة أو بسبب فساد الحكام أو بسببهما معاً ، لا علاقة له بالنظام القانوني القائم على هذه المبادئ.

فلابد من التفريق بين النظام القانوني القائم والواضح الملامح وبين ما يحدث من ممارسات أو انحرافات على الأرض خارجة عن هذا النظام القانوني تلك الممارسات التي قد تكون شاذة وأحياناً مشينة والتي من الممكن لها أن تفسد الحكم بأدواته وممارساته، لكنها بالتأكيد لا تمس المبادئ الأساسية للنظام القانوني نفسه، لأن تلك المبادئ تشكل كيان قائم بذاته يتضمن ضمانات لحقوق الإنسان تنعو باضطراد ويسعى الأخيار في كل بقاع الأرض لتوقيفها وتقنينها وحمايتها من الانحرافات والانتهاكات وهو ما عرف لاحقاً بأنه جوهر عمل حقوق الإنسان والحريات العامة والحقيقة التي لا مراء فيها أن تسليط الضوء على الأثر التراكمي لسعي الإنسانية لتثبيت الحقوق الأساسية وتحسين شروط إنتاج الحية هو الغاية من رواء تقديم هذه المذكرة .

كما أني أريد إثبات أننا في عالمنا العربي والإسلامي لا نعيش في معزل أو جزيرة نائية عن العالم وإننا لا نشتكي من فقر بالنصوص المجردة ولا حتى بالاستعداد الوجداني والإنساني للقبول بالنص وتطبيقه، وإنما لدنيا نوع آخر من المشاكل سأسلط الضوء عليها من خلال هذه المذكرة وما يهمني الآن هو إكمال ما كنت قد بدأت من عرض لنضال البشرية لضمان حقوق الإنسان وإيجاد الظروف الأفضل لإحلال العدم والسلام والمساواة بين بني البشر.

فقد شهد النضال البشري لضمان حقوق الإنسان في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين مرحلة مفصلية تميزت بحربين دوليتين إضافة لثورات داخلية في العديد من الدول كانت تحمل إلى مراكز صنع القرار (الحكم) قوى سياسية متنافرة بين معسكرين استقطبا على سياسات العالم في ذلك الوقت.

الأمر الذي أوحى بحالة من اللا توازن وعدم الاستقرار على الصعيد الدولي فظهرت الحاجة لملتقى دولي يجمع الدول لحل خلافاتها ويقيم المجابهات المسلحة التي أصبحت مهددة للعالم بعد اكتشاف السلاح النووي فكانت عصبة الأمم محاولة أولى جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانضمت إليها بعض الدول لتلتقي على مبادئ السلام العالمي، إلا أن الآمال التي علقت عليها سرعان ما ذوت باندلاع الحرب العالمية الثانية /1939/ والتي التقت الدول التي خرجت منها منتصرة لتعلن عام /1945/ ميثاقاً جديداً للسلام والتعاون الدوليين انتهى بإنشاء هيئة الأمم المتحدة والتي خلق بديلاً عن عصبة الأمم.

وقد تضمن ميثاق هيئة الأمم المتحدة أن الغاية من إنشاء الهيئة الدولية وقاية الأجيال اللاحقة من ويلات الحروب والتأكيد على الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية وكرامته وقيمة الشخصية الإنسانية ومساواة الرجل بالمرأة تلزم التمييز وإيجاد الظروف والمناخات الأفضل للتمسك بالعدل ودعم التنمية والتقدم الاجتماعي في مناخات من الحرية.

وقد أشارت المادة الأولى إلى أن أهداف المنظمة الدولية تحقيق التعاون الدولي لحل المشاكل بصبغتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية ودعم وتشجيع واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون تمييز من حيث العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين.

وقد أكدت مواده اللاحقة على أن المساواة في الحقوق وحق الشعوب بتقرير مصيرها هو الأساس اللازم لإحلال الأمن والاستقرار والسلام والصداقة بين الدول (ولابد من التلميح إلى ما سبق وأشرنا إليه من أن وجود كيان عاصي على القانون الدولي (إسرائيل) لا يعني بالضرورة أن المنظومة القانونية ككل كمنتج إنساني أو اجتماعي واقتصادي وسياسي يسعى الأخيار لتوثيقها وتقنيها مهدورة أو مضروب بها رأس المجن لمجرد وجود مثل هذا الكيان العاصي.

وقد تم تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنبثق عن هيئة الأمم المتحدة تأليف ميثاق أو عهد أو إعلان دولي لدعم حقوق الإنسان وبالفعل بادر المجلس المذكور في أول اجتماع له عام /1946/ لتعيين لجنة حقوق إنسان مع تفويض بوضع مشروع لإعلان هذه الحقوق، تلك اللجنة التي أنجزت مشروعها وعرضته على الجمعية العامة للأم المتحدة فصوتت عليه في العاشر من كانون الأول /1948/ بأغلبي /48/ صوت وامتناع ثمانية دول عن التصويت وهكذا خرج من رحم التوافق الدولي على الحرية والمساواة والعدالة، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. والذي احتفلت فيه لهذا العام مع أصدقائي من معتقلي الرأي والضمير من وراء القضبان وكنت شديد الفخر والاعتزاز بأن سورية بلدي ووطني كانت من ضمن الدول التي ساهمت في إعداد المشروع وإخراجه إلى النور لأنه منذ ذلك التاريخ أصبح للأسرة الدولية شرعة لحقوق الإنسان تضمنته من مبادئ قانونية تشكل نموذجاً للدول للاقتداء به وأسير على هديه وإدخاله دساتيرها وقوانينها.

وتأتي أهمية هذا الإعلان من أنه شكل باكورة النضال البشري الإنساني لتوثيق الحقوق الأساسية للإنسان والتي تتالت من بعده فكان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي أقرته الجمعية العامة للأم المتحدة عام /1966/ وتضمن هذا الإعلان حق الشعوب بتقرير المصير والحرية والنمو وتعهدت الدول الموقعة عليه باحترام الحقوق المعترف بها في هذا العهد ومنها حق الحياة والحرية والتمتع بالحقوق الأساسية كحق التعبير عن الرأي السلمي العلني وغيرها.

وقد نص هذا العهد على إنشاء لجنة تسمى لجنة حقوق الإنسان والتي استبدلت لاحقاً بمجلس حقوق الإنسان وتم توسيع صلاحياتها والتي تتلقى التقارير التي تضعها الدول الأعضاء فتدرسها وتبدي الملاحظات بشأنها كما تدرس الطلبات بعد إحالتها من الأمن العام للأم المتحدة والمقدمة من الدول والمتعلقة بمخالفة دول أخرى أطراف في هذا العهد لالتزاماتها بموجب هذا العقد، ثم تبدي اللجنة رأيها والحل الذي توصي به وقد ألحق بالعهد الدولي بروتوكول اختياري وضع للتوقيع من الدول التي تريد الالتزام به يتضمن تفويض للجنة حقوق الإنسان وحالياً مجلس حقوق الإنسان بتلقي الشكاوي التي تقدم من الأفراد ضحايا الخروق المقررة في العهد الدولي فيعمد المجلس بإحالة الشكاوي على الدولة الطرف في هذا البروتوكول للنظر فيها على أن يتلقى المجلس جواب الدولة مع الإيضاحات اللازمة والتدابير المتخذة لمعالجة الوضع خلال مدة ستة أشهر ولتوفير رقابة كافية من الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات المختصة ثم تكليف المجلس بوضع تقرير سنوي.

ثبت فيه الحالات التي نظر فيها والحلول المقررة بشأنها ومصير الشكاوي المقدمة إليه جدير بالذكر أن سوريا كانت قد صادقت على هذا العهد الدولي بالمرسوم التشريعي رقم /3/ تاريخ 12/1/1969 .

كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 1966 العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تضمن اعتراف أفراد الأسرة البشرية جميعاً بحقهم بالكرامة والمساواة والحقوق المدنية والسياسية وقد تضمن هذا العهد بأن تقوم الدول الأطراف في هذا العهد باتخاذ التدابير اللازمة لتأمين حق الإنسان بالعمل دون تمييز وتأمين شروطه وأجره العادل وتكوين النقابات الأمينة على حقوق أصحاب المهنة وعلى حق الإنسان بالضمان الاجتماعي والتأمين وحق الأسرة بالحماية والمساعدة وبمستوى معيشي لائق يساعد على تربية الأولاد بما يوفره من غذاء وكساء ودواء ومأوى وتعليم وتربية وتوجيه وإنماء إنساني وشعور بالكرامة لجميع الأفراد من المشاركة الفاعلة في إدارة أي مجتمع حر .

عام 1977 وفي قرار شهير للجمعية العامة للأمم المتحدة أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء قيام نظام اقتصاد دولي ظالم الأمر الذي يشكل عقبة كأداء تحول دون تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول النامية واعتبر أن النظام الاقتصادي يشكل أحد أهم العناصر الفاعلة لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية ثم تواكبت الإعلانات التي تستمد مبادئها من القيم الأصلية لحقوق الإنسان التي أصبحت مقننة في نصوص وعهود تلتزم بها الدول بمقدار ما تخشى على سمعتها وكرامتها وشرفها.

فكان هناك الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1964 والمتعلق بإزالة كافة أشكال التمييز العنصري .

والإعلان الصادر عام 1967 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها الكثير من الإعلانات المتعلقة بالوقاية من الحروب ضد الإنسانية وممارسة جرائم الإبادة الجماعية ، وشهد العالم تشكيل محكمة الجنايات الدولية لتحقيق هذه الغاية . وكذلك الإعلان الخاص بإزالة كافة أنواع الاسترقاق والعمل الإجباري والاتجار بالبشر .

وأعلن حق الإنسانية بالجنسية واللجوء السياسي كما صدرت إعلانات خاصة بحق النشر والإعلام والاجتماع وغيرها الكثير .

هذا ولم تكتف الدول بالإعلانات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة وإنما عمدت المجموعات الإقليمية ذات العامل المشترك لتكريس تلك الحقوق وإلزام الأعضاء بها وإعطائها أوسع مدى في التطبيق العملي اللازم لجعلها حقيقة ملموسة وواقع على الأرض.

فقد عمدت الدول الأوروبية التي كانت أعضاء في ذلك الوقت في مجلس أوربا عام 1950 لإصدار ميثاق حقوق الإنسان والذي وقعته سائر الدول الأوربية على مراحل زمنية بعد أن ترسخت فيها دعائم الديمقراطية ، والذي انطلقت فيه لوجوب تكريس مبادئ حقوق الإنسان الواردة في الشرعة الدولية ووجوب تدعيم وحدة أوربا عبر تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتي تشكل الأساس للسلام والعدل والمساواة ، وقد أنشأ ميثاق الدول الأوربية لحقوق الإنسان ما يسمى اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان ومهمتها مراقبة تطبيق أحكام الميثاق وتلقي الشكاوي من أية جهة (أفراد أو هيئات) بصدد التجاوزات أو المخالفات التي تقع على حقوق الإنسان وهي بدورها تجري التحقيقات اللازمة وهي بدورها تضع تقريراً يرفع للأمين العام للأمم المتحدة والدول المعنية تضمينه رأيها في الموضوع ويترتب عليه اتخاذ تدابير وإجراءات لاحقة وإحالة الشكوى على محكمة حقوق الإنسان ويمكن للجنة أن ترفع تقريرها إلى مجلس وزراء أوربا بوجود الخرق الذي أقدمت عليه الدولة العضو خلال مدة ثلاثة أشهر بأغلبية ثلثي الأصوات لاتخاذ ما يلزم لإزالة الخرق أو المخالفة بما يراه المجلس من تدابير وخطوات .

والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان كانت قد أنشئت بموجب ميثاق الدول الأوربية لحقوق الإنسان عام 1959 وهي مؤلفة من قضاة بعدد الدول الأعضاء في مجلس أوربا جميع الشكاوي المعروضة على المحكمة والمحالة إليها من قبل اللجنة التي تسعى لإيجاد الحل بالطرق الودية مع الدولة العضو قبل إحالة النـزاع أمام المحكمة وأحكام المحكمة الجنائية وإلزامية تجاه الدولة العضو ، وقد تبع الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان خمس بروتوكولات متممة ومتعلقة بحقوق لم تردد في الميثاق بغية إعطائها بعداً واقعياً ثم جاء إعلان (هلسنكي) عام 1975 بهدف جر الهوة وتقريب المسافات ما بين أوربا الغربية والشرقية بالاتفاق على مبادئ عامة إذا ما استثنينا الجانب السياسي والعسكري نجدها ترعى حقوق الإنسان وأمنه وتطوره على جميع المستويات ذلك أن تقارب البشر وامتزاجهم يزيل الحواجز النفسية ويأسو جراحات القلوب التي تخلفها الحروب أو التباين الإيديولوجي على مدى زمن طويل ، فقد اجتمعت في (هلسنكي) عام 1975 خمس وثلاثون دولة أوربية إضافة لأمريكا وروسيا وكندا وتركيا وقبرص وبحثت في سبل التعاون والأمن الأوربي وبعد التداول وصل المؤتمرون لمجموعة من المقررات تعتبر بمثابة فتح جديد للضمانات لتوثيق واحترام حقوق الإنسان الأساسية باعتباره يؤدي لتطوير العلاقات الإنسانية بين الشعوب بما يؤمن إرساء قواعد ثابتة

وقد أكد الإعلان على احترام حقوق الإنسان الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الحقوق الملازمة للشخصية الإنسانية والمنبثقة عن الكرامة الملازمة للشخصية الإنسانية.

تضمن تأكيداً على الدول الموقعة لاحترام الحريات الفردية في الدين والمعتقد وحرية الرأي والتعبير وحقوق الأقليات واحترام ما تضمنته شرعة الأمم المتحدة, والإعلان العالمي والعهود الدولية .

صحيح أن بعض الأنظمة الديكتاتورية المارقة والموقعة على الإعلان فيما بعد كانت قد ضربت صفحاً بالمبادئ التي وقعت عليها والتزمت بها ولوحق المواطنون بها جزائياً لمجرد المطالبة بالتقيد بأحكام إعلان هلنسكي.

وصحيح أن أنظمة أخرى في أوروبا لم تكن بحاجة لهذا الإعلان لأن المواطن فيها يتمتع بحقوقه الأساسية بمفاعيل الدستور العريقة والمؤسسات الساهرة على احترام تلك الدساتير, لكن الإعلان شكل نقطة التقارب بين دول أوروبا, مما مهّد وبأثر تراكمي لانبلاج أوروبا الموحدة بعد الاتجاه الإصلاحي العام للإتحاد السوفييتي وفي دول أمريكا اللاتينية ورغم التردي العام الاجتماعي والاقتصادي ورغم الدكتاتوريات العسكرية المتلبسة بقمع الحريات العامة والفردية فقد تم التوقيع على ميثاق لحقوق الإنسان عام 1969 على غرار الميثاق الأوروبي وأنشأت محكمة للإشراف على تطبيق أحكام الميثاق والنظر في الخلافات التي تنشأ على تفسيره والشكاوي التي يمكن أن ترد بصدد تطبيقه.

كما أنشئ الميثاق الأمريكي لجنه لحقوق الإنسان عهد إليها مسؤولية التوعية وتنمية الإدراك بحقوق الإنسان بحقوق الإنسان بين شعوب أمريكا ولتحقيق هذه الغاية أن تقدم توصياتها للدول الأعضاء لإقرار الوسائل العصرية لتكريس ونشر وتعميم حقوق الإنسان وبلورتها في دساتير وقوانين عصرية .

ولا بد في هذا الصدد من الإشارة للعديد من الإعلانات الصادرة عن المنظمات الإقليمية في آسيا وأفريقيا كمنظمة الوحدة الإفريقية التي أعلنت مطلع الستينات عن تعاونها لإنماء لبدان أفريقيا والتعاون لتحقيق الحرية والاستقلال والقضاء على التمييز العنصري.

وفي علمنا العربي فقد أصدرت جامعة الدول العربية اتفاقية المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام /1974/ وأوصت بإنشاء لجنة دائمة لحقوق الإنسان كما عقدت ندوات لحقوق الإنسان والحريات الإنسانية في الوطن العربي منذ عام /1979/ والتي حثت الدول العربية غير الموقعة أو المصدقة على الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على ضرورة التوقيع والتصديق على تلك المواثيق والإعلانات الدولية وتضمينها دساتيرها وقوانينها بما يكرّس تلك الضمانات والحقوق الأساسية مع العلم أن سوريا من أوائل الدول الموقعة على الشرعة,كما تقدمت جامعة الدول العربية باقتراح لإنشاء لجنه دائمة للدفاع عن الحقوق والحريات تسعى لدى الدول العربية لإقرار مشروع الاتفاقية العربية للحقوق والحريات تتبنى مشروع اللجنة الدائمة التي من مهامها تلقي الشكاوى من الأفراد والجماعات المتعلقة بالخروقات والانتهاكات وتقوم بالتحقيقات اللازمة وتصدر تقريراً سنوياً يعلن على الرأي العام, وتبلغ للحكومات والمراجع الدولية ذات الاختصاص وقد لفتت اللجنة التي أعدت الندوة نظر المؤتمرين إلى الآثار السلبية لحالة الطوارئ المعلنة في أكثر من دولة عربية, والتي أرست أوضاعاً استثنائية وخلدتها وعطلت الحريات العامة وشرعنت التوقيف التعسفي, وعممت المحاكم الشاذة والاستثنائية على اختلاف إشكالها.

وعليه فقد افترضت اللجنة قواعد ترعى حقوق المواطن في ظل إعلان حالة الطوارئ تضمن له الحماية القانونية المستوجبة.

وفي عالمنا الإسلامي أعلن عن وثيقة حقوق وواجبات الإنسان الأساسية في الإسلام من قبل لجنة مشكلة بقرار من وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي المؤتمرون في المغرب عام 1979 وقد شاركت الجمهورية العربية السورية به.

وقد دعت الوثيقة لوحدة الأسرة البشرية والتعارف والتعاون بين الشعوب لما فيه الخير للجميع وأن حقوق الإنسان في الإسلام نصوص آمره من الله عز وجل ليس للإنسان خرقها أو تجاوزها أو التنازل عنها.

وهي تعلن حق الإنسان بالكرامة والعدالة والمساواة واللجوء للقضاء وأن لا يعتقل أو يعاقب من دون وجه حق.

ومن حقه بأن لا يعذب أو يعامل بصورة منافية للكرامة وأن المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته بحكم صادر عن محكمة عادله وان الشك يفسر لصالح المتهم.

إضافة إلى الحق في الحياة الخاصة والأمان على النفس من التدخل السافر في بيته أو ماله أو اتصالاته.

وعلى الصعيد الإقليمي فيما يتعلق بعالمنا العربي والإسلامي فقد صدرت الوثائق والإعلانات وعقدت الندوات والتي تجاوزت أحياناً الضمانات الواردة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان فالحظر الشمولي لكافة طرق التعذيب وعدم جواز التستر بالظروف الاستثنائية وبحالة الطوارئ المعلنة لممارسة التعذيب الواردة في مشروع الاتفاقية العربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية يتجاوز في أهميته المادة السابقة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ذلك انه وعى لضرورة التزام الدول العربية لاتخاذ التدابير العملية على الأرض لجعل منع التعذيب أمراً واقعياً لا شكلياً, و لعدم الاكتفاء بالإعلانات الصورية, أن يحظر التعذيب تحت طائلة التجريم, والعقاب مع الإقرار بحق الضحية بالتعويض.

وليس بعيداً عن هذا السياق قيام المعهد الدولية للدراسات العليا في العلوم الجنائية بوضع مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي عام /1986/ والذي طرح على اتحاد المحاميين العرب في الكويت وفي العام التالي فوافق عليه الاتحاد وتبناه بمشاركة سوريا, وقد تضمن نصوص مكتوبة تجاوزت الشرعة العالمية لحقوق الإنسان.

وليس بعيداً عما جاء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي صادقت عليه سوريا بالقانون /50/ 3/11/2006 والذي تجاوز في بعض مما جاء فيه الضمانات الواردة في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان والذي ذكرّت فيه بالمادة /24/ أثناء دفاعي عن نفسي أمام نقابة المحامين بدمشق, والتي نصت على أن لكل مواطن عربي الحق في :

1-   حرية الممارسة السياسية.

2-   حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة, إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية.

3-   حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين والانضمام إليها …

–   ولا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيود غير القيود المفروضة طبقاً للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان.

–   لصيانة الأمن الوطني أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الغير وحرياتهم.

وبالمادة /35/ من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادرة عام /2004 والذي صادقت عليه سوريا والتي جاء فيها :

1-     لكل شخص الحرية في تكوين الجمعيات أو النقابات المهنية والانضمام إليها وحرية ممارسة العمل النقابي من اجل حماية مصالحه.

2-     لا يجوز فرض أي من القيود على ممارسة هذه الحقوق إلا تلك التي ينص عليها التشريع النافذ وتشكل تدابير ضرورية لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

وهو ما يتساوى مع المادة /22/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه سوريا بمقتضى المرسوم التشريعي رقم /3/ الصادر بتاريخ 12/1/1969 والمنشور في الجريدة الرسمية العدد /6/ لعام 1969 والتي تنص على :

–   لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين, بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من اجل حماية مصالحه.

حيث يتساوى أيضاً ويتجاوز ما كرسته المادة /25/ من الدستور السوري والتي تنص على أن الحرية حق مقدس, وتكفل الدولة للمواطنين ممارسة حريتهم الشخصية وأمنهم.

والمادة /21/ من الدستور السوري كلفت للمواطن:

–      “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

والمادة /38/ من الدستور السوري والتي أعطت:

–  “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي”.

والمادة التاسعة والعشرين من الدستور السوري التي كرست:

–   “للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور”.

وهو ما يتساوى أيضاً مع المادة /19/ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه بقانون من الجمهورية العربية السورية والذي نص على أنه:

“يكون لكل إنسان حق حرية التعبير.. دون اعتبار للحدود بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.

وكم كنت فخوراً بالموقف الرسمي والمعلن للسيد وزير العدل في الجمهورية العربية السورية في اجتماع المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب الأخير بدمشق والذي تناقلته وسائل الإعلام، من تبني وتمسك بمبادئ وقيم حقوق الإنسان … إلخ.

فهل النص وحده على أهميته كافٍ لحمل الدول على التقيد بالقواعد والمبادئ والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان؟. لاسيما حين تكون النصوص صادرة عن تلك الدول بالذات.

–  لو كانت النصوص على أهميتها كافية للالتزام، لما كانت هناك الخروقات والمخالفات والانتهاكات على مختلف مستوياتها.

فهل هي الازدواجية في الخطاب والتي يعاني منها الناس بشكل عام كمرض نفسي والتي من الممكن أن تنتقل من الأفراد للنظم والجماعات.

“أم أنها الازدواجية في الشخصية للغزو الذي يفكر بشيء، ويقول عكسه إما محاباة أو خشية أو اتقاءً. والتي يمكن لها أن تنتقل لتصل للمراكز القانونية ودوائر صنع القرار مما يوسع الهوة ما بين النص على الورق والواقع على الأرض حتى باتت ظاهرة من مظاهر مجتمعاتنا فعمت آثارها السلبية وعطلت النصوص الآمرة التي باتت واجهة براقة تسر الناظرين إليها والقارئين لها.

يقيني أن التباعد ما بين النص المكتوب والواقع الموضوعي على الأرض ليس أمراً حتمياً. والخروج من مستنقع الازدواجية أمر ممكن إذا ما انعقدت الإرادة الصالحة لذلك.

لسنا طوباويين ونحن بتجربتنا الطويلة كنشطاء حقوق مدنية وإطلاعنا على تجارب الشعوب في هذا المجال المتشابهة في الكثير من جوانبها، نعرف أهمية العنصر البشري ونعلم أن النصوص لن تجد طريقها للتطبيق إلى من خلال استعداد الإنسان لتفهم الحقوق الملازمة لها، واحترامها ووضعها موضع التطبيق في مجتمع يشعر فيه الإنسان بالعدل والمساواة.

إن ارتقاء الإنسان لمستويات اجتماعية واقتصادية وثقافية بحاجة لوقفة صدق مع الذات وبحاجة لحل مشكلة أزمة الثقة المستعصية ما بين أجهزتها الأمنية وبعتبات تنبيهها المنخفضة وما بين نشطاء المجتمع المدني على اختلاف مستوياتهم.

إننا بحاجة لوقفة صدق مع الضمير والوجدان تأخذ بعين الاعتبار ضرورة إشراك أكبر طيف مجتمعي ممكن في الحياة العامة بمختلف نواحيها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية وغيرها. وبرأيي فإن الوقت لم يفت بعد إذا ما أردنا وطناً أجمل لنا جميعاً.

وكما أن النصوص لا تكفي بدون استعداد بشري وإنساني لاحترامها، كذلك فإن المؤسسات والدوائر ومهما أحيطت بالترتيبات والطقوس والشكليات فإنها  أيضاً لا تكن إلا بوجود رقابة فاعلة ودائمة ضامنة لحسن نسيرها لذلك فرض المشرع ومن قبله التراث الفكري والقانوني المبدأ الدستوري العام المتمثل في الشهر والعلنية في المحاكمات.

“لأكثر لا بدفعه كإجراء إجراءات الأصول الجزائية” وإنما لإخفاء المشروعية على عمل القاضي من خلال الرقابة الشعبية الممثلة بالحضور الموجود في قاعة المحاكمة المفتوحة الأبواب تحت طائلة البطلان المطلق لا النسبي. لأن نظام العدالة كأي نظام له آليات رقابة تجاه أي انتهاكات أو مخالفات يمكن أن تشل آليات عمله وتطيح بمشروعيته.

وعليه فإن أهمية عامل الرقابة الدائمة إنما هي بذات أهمية النصوص والمؤسسات. وقد أوجدت الحضارة الإنسانية وسائل الرقابة تلك بأثر تراكمي لضمان حسن سير المؤسسات وحماية حسن تطبيق القانون.

كما أن الأسرة الدولية بما جهزت به نفسها من لجان دولية وهيئات رقابية إنما أرادت أن تعبّر عن عزمها بأن لا تبق تلك المواثيق والعهود والالتزامات مجر إعلانات براقة  أو ديكور حضاري تسر الناظر إليها والقارئين لها.

لقد انعقدت إرادة الأسرة الدولية على إعطاء النصوص الدفع اللازم لبث الروح فيها لتتحول إلى شعائر حية في ضمائر ووجدان الدول والأفراد، بما أفردت لها طرق للمراجعة بشأن كل ما يمكن أن يتجلى في الواقع العملي من انتهاكات، فأفردت لها التدابير والجزاءات وشجعت نشطاء المجتمع المدني والحقوقيين على التصدي لها بوسائل المراجعة المشروعة.

ومن النادر اليوم أن لا نجد وزارة لحقوق الإنسان أو هيئة قومية أو مجلس وطني في كل دولة عربية وإن كانت بحاجة لآليات عمل وإلزام.

ولئن كانت هيئة الأمم المتحدة لا تملك حالياً الوسائل التي تمكنها من حملن الدول على التقيد بمبادئ شرعية حقوق الإنسان إلى أن الوزن الدولي والمعنوي للهيئة الدولية ولقراراتها وإن كانت غير ملزمة للدول إلا أنها تشكل وسيلة معنوية فاعلة لجعل الدول التي تحرص على سمعتها في الأسرة الدولية ومكانتها الحضارية والتاريخية على التوافق مع مستوجبات الشرعية والمواثيق الدولية.

حقوق الإنسان غدا مفهوماً وممارسةً وسلوكاً وقيماً تهم الأسرة الدولية ككل بالنظر لنضال البشرية عبر التاريخ لتحرير الإنسان من الظلم والتعسف، والنصوص الآمرة التي تصون حرية الإنسان وحقه في الكرامة مقننة في إعلان وعهد ومواثيق دولية صادرة عبر الأمم المتحدة أو عبر مؤسسات دولية ترعى احترام الدول لحقوق الإنسان، وتجري الرقابة على ممارساتها وتحثها على سن القوانين التي تكرس الحقوق والحريات المعلن عنها.

الرقابة على احترام حقوق الإنسان أصبح مجسداً على أكثر من صعيد.

فهناك المستوى الوطني للرقابة على حقوق الإنسان، تلك الرقابة الذاتية التي من المفترض أن يضطلع بها المسؤول على نفسه وتصرفاته أثناء ممارسته لمهامه.

وهناك الرقابة الدستورية كالرقابة التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا. وهناك الرقابة التي تمارسها المجالس التشريعية، وهناك الرقابة الإدارية، وهناك الرقابة المسلكية. وهناك أيضاً رقابة المجتمع الأهلي الحقوقي والإنساني يمارسها من خلال المنظمات والجمعيات والمراكز الحقوقية وهو أمر بات مألوفاً من عالمنا العربي والإسلامي، وهو يتوافق مع المنظومة التشريعية الوطنية والإقليمية والدولية.

أذكر أن عدد الجمعيات والمراكز والمنظمات واللجان الحقوقية تجاوز عام 2003 عشرين ألف هيئة وجمعية أو منظمة جمهورية مصر العربية.

وبشكل عام فهناك هيئات أو لجان حقوقية لحماية حقوق الإنسان تتصف بالصفة الرسمية (مرخصة)  حكومياً كما هو الحال في المملكة العربية السعودية مثلاً.

وهناك جمعيات ومراكز وهيئات غير حكومية مؤلفة من مواطنين يجمع بينهم وحدة الهدف المتمثل بالسهر على احترام حقوق الإنسان من قبل الدولة وأجهزتها المختلفة ومنها المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية).

وآلية عمل هذه الجمعيات والمراكز والمنظمات واحدة تقريباً وتقوم على التنبيه بضرورة توفير هذا الاحترام وممارسة حق التظلم والقيام بالمراجعات اللازمة للسلطات المختلفة من تنفيذية وقضائية وإدارية كفريق ينضم للضحية على اختلاف أنواعها أو كفريق أصيل يطلب رفع الظلم والجور والحيف ووقف الانتهاك الحاصل بفعل الإدارات المختلفة أو نتيجة لتصرفات فردية أو من ذوي جاه وسلطان ونفوذ.

وغالباً ما ترصد هذه الهيئات والجمعيات والمراكز الحقوقية الانتهاكات المختلفة، وتقوم بالتحقيقات اللازمة وتعطي الاستشارات اللازمة لتعزيز حقوق الأفراد، فهي تمارس دوراً توعوياً في المجتمع بنشر وتعميم ثقافة حقوق الإنسان وتعريف المواطن بحقوقه بما يعزز انتماءه الوطني من خلال لفت النظر للمخالفات الحاصلة، لاتخاذ الإجراءات الإدارية أو القضائية الآيلة لرفع الضرر ورد المظالم لأهلها واتخاذ التدابير المناسبة إدارياً أو قضائياً بحق مقترفي هذه المخالفات والانتهاكات لا بحق أعضاء تلك اللجان أو المراكز والمؤسسات الحقوقية..!!

بذريعة أنهم السبب في هزائمنا العسكرية على اعتبارهم كانوا قد أوهنوا نفسية الأمة وأضعفوا المشاعر القومية بممارستهم لدورهم التوعوي في المجتمع. وقد تلجأ تلك اللجان أو الهيئات أحياناً لإعلام النيابة العامة إذا ما قام لديها دليل على وقوع الخرق كما فعلت المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية) حينما انضمت لورثة المرحوم أحمد سليم الشيخ وكمان القصد من ذلك رد المظالم لأهلها، وتمكين أطفاله اليتامى الأربعة بما فيهم الرضيع الذي كان في بطن أمه حينما وقعت الواقعة من الحصول على تعويض، عله يأسو الجراح ويواسي الجريح ويساعد الأيتام على متابعة الدراسة وتحمل شظف العيش.

وبشكل عام بمقدار ما تكون أجهزة الرقابة لحماية حقوق الإنسان فاعلة بمقدار ما يشعر المواطن بالأمان النفسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل نظام رقابي وملتزم ومحايد ونظيف على أمنه وكرامته تلك كانت الرقابة بأشكالها على المستوى الوطني وهناك النوع الثاني من الرقابة على احترام حقوق الإنسان والمتمثلة في الرقابة الدولية، وذلك تبعاً لوحدة المبادئ السامية التي ترعى حقوق الإنسان والمستمدة من المرجعيات الدولية من مواثيق وعهود وإعلانات ومعاهدات.

وقد أوجدت الهيئات الدولية معبر نضالها الطويل أجهزة خاصة بالرقابة على احترام هذه المبادئ منها مجلس حقوق الإنسان، والذي جاء نتيجة اختلاجات شهدتها الأمم المتحدة منذ حوالي خمس سنوات والذي خلف لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وهو المخول بالنظر بالتعديات الواقعة على حقوق الإنسان ومرتبط بلجان متخصصة منها ما هو إلزامي وما هو اختياري وعلى رأس كل لجنة مقرر متخصص بنوع معين من أنواع الاختراقات، يتلقى الشكاوي ويحقق في الانتهاكات ويقوم بإعداد الملاحظات والتوصيات الداعية لوقف الانتهاكات، ويمكن للشكاوي أن تكون شخصية أو من قبل منظمات دولية، تقوم بدورها بالرقابة على حقوق الإنسان ومتابعة أوضاعه في العالم، كاللجنة الدولية للقوانين في جنيف أو منظمة العفو الدولية أو منظمة مراقبة حقوق الإنسان حول العالم وغيرها. ومن المعلوم أن لتلك الملاحظات التي يوجهها المقررون الخاصون القائمون على اللجان الإلزامية منها والاختيارية أثر معنوي سلبي على الدولة التي يقترف الانتهاك على أراضيها يسيء لمصداقية وسمعة هذه الدولة ويهز ثقة العالم المتمدن بها. مما يشكل رادعاً معنوياً يختلف بحسب فهم وتقدير تلك الدولة وإدراكها لمكانتها ومنزلتها بين الدول المتحضرة.

وهكذا فقد زود العالم المتحد من نفسه اليوم بوسائل مختلفة للمراقبة والحماية. منها أيضاً محكمة العدل الدولية التي أنشئت بموجب ميثاق الأمم المتحدة لفض النزاعات التي تكون الدول طرفاً فيها. ومنها مجلس الأمن الدولي نفسه الذي حددت مهمته أساساً بحفظ السلم والأمن الدوليين، ونحن كغيرنا من نشطاء الحقوق العامة نعلم أن وسائل المراقبة التي جهز العالم المتحدث نفسه بها غير فاعلة بما يكفي للمراقبة وهي حالياً لا تستجيب لكل متطلبات الحماية وما زالت هناك كيانات عاصية على القانون الدولي (إسرائيل) لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة. في حين أن العالم المتمدن كان قد قطع خطوات وقام بإصلاحات ووصل لمنتصف الطريق.

بدورنا فقد كنا من المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية) مبادرين وفاعلين وإيجابيين وأثبتنا انتماءنا لهذه الأرض التي قدمت لنا الكثير وقد كان عليها أن نرد للوطن بعضاً مما له علينا بنضالنا وإسهامنا في المجهود الإنساني التراكمي لتوثيق وتعزيز حقوق الإنسان إيماناً منا بأن السعي البشري التاريخي للدفاع عن حقوق المستضعفين والمنسيين ومدمري الأجساد هو أكرم وأشرف عمل يمكن أن يقوم به الإنسان.

ولم يكن لنضالنا لتثبيت وحماية حقوق الإنسان أي طابع ثوري أو انقلابي وكنا على الدوام على مسافة واحدة من كافة ألوان الطيف السياسي سواء في السلطة أو المعارضة وليس كما يحاول الجهاز الأمني الذي أحالني للقضاء أن يصرح في متن الإحالة الأمنية لتسهيل إيقاع عقوبة غير مستحقة بي.

وأنا من موقعي هذا أتحدى إثبات أي من المزاعم الواردة فيها بدليل مقبول قانونياً.

والمنظمة السورية لحقوق الإنسان بالذات مؤلفة من شخصيات وطنية وعلمية وأكاديمية معروفة بتاريخها ووطنيتها وهي موضع تكريم داخلي وخارجي. وكل محاولة أمنية أو قضائية أو من خلال حفلات العلاقات العامة التي يقوم بها بعض المحسوبين على حقوق الإنسان تستهدف عزلي عن منظمتي وأعضاءها وكوادرها وإظهاري على أنني كنت أتصرف بصورة فردية بدون مرجعية جماعية محكومة سلفاً بالفشل.

وعلى الرغم من الضغوط التي تتعرض لها المنظمة السورية لحقوق الإنسان فما زال أملنا قائماً بالدعوى التي أقمناها نحن الأعضاء المؤسسين للمنظمة السورية لحقوق الإنسان بمواجهة وزارة العمل لإلزامها على اعتبار المنظمة السورية لحقوق الإنسان مشهرة بحكم وقوة القانون.

ومن المستحيل أن يقتنع أي عاقل في الدنيا بأني كنت أقضي الليالي مع الدكتور صادق جلال العظم والدكتور طيب تيزيني وكريمة قائد الثورة السورية الكبرى الصحفية منتهى الأطرش والدكتور عاصم العظم والمخرج المعروف محمد ملص وغيرهم من كوادر ثقافية وعلمية وأكاديمية، ونخترع أسماء الضحايا من بنات أفكارنا ونبلغ عن انتهاكات لا وجود لها إلا في خيالنا وأن كل هدفنا من وراء ذلك إلحاق الهزائم العسكرية بقواتنا المسلحة المشتبكة مع العدو على تخوم الجبهات…!!

والحقيقة المرة أننا حينما عقدنا العزم على أن نكون جزءاً من خارطة العمل الحقوقي العام النظيف في سوريا وتقدمنا بأداء حقوقي نزيه ومبني على قاعدة معرفية بالقانون، بهدف نشر الوعي القانوني لدى أكبر شريحة ممكنة، كنا ندرك قواعد اللعبة ونعلم أن العملة السيئة تطرد العملة الجيدة من السوق.

لكننا تعففنا عن الدخول في تلك اللعبة وقمنا بإصلاحات داخلية على مستوى المنظمة وتمسكنا بأداء حقوقي صادق ومحترم وأمين وبعيد عن التجريح من جهة وبعلاقة مع الجهات الرقابية علينا، قائمة على الشفافية والصدق والاحترام المتبادل، ومبنية على قاعدة من العلاقات الندية لا التبعية، ورفضنا فكرة التمويل من الباطن وتقدمنا بأداء حقوقي معتدل ونظيف وأمين.

الأمر الذي لم يرق لبعض المحسوبين على حقوق الإنسان والذين يمارسون العمل العام بأسلوب أخطبوطي، فيصنعون قدماً في حقوق الإنسان وقدماً مع المعارضة في الخارج وقدماً مع الجهات الرقابية وقدماً مع معارضة الداخل… وهكذا.

فكادوا بنا بالوشايات والتقارير الأمنية وكان كل شيء مهيأ في نفوس أصحاب القرار الأمني عند أول فرصة سانحة وهو ما شرحته مفصلاً في المقابلة الجارية معي والمنشورة على موقع مجلة ثرى والمرفقة مع أوراق الملف من قبل الجهات الأمنية.

وجاءت تلك الفرصة السانحة، بجلسة 19/7/2009 والوارد ذكرها في متن قرار الاتهام والتي جاء فيها بالحرف: “تبين من وقائع هذه القضية والتحقيقات الواردة فيها أن المدعى عليه مهند الحسني اعتراف بأقواله الأولية أنه بتاريخ 19/7/2009 حضر إحدى جلسات محكمة أمن الدولة رغم أنه لم يكن موكلاً أو مسخراً عن أحد من المهتمين بهدف نشر وقائع المحاكمات وما يتم فيها على موقعه الإلكتروني وبالتعاون مع مواقع أخرى تهتم بحقوق الإنسان … إلخ.

ولو لم تعرّج قرار الاتهام على هذه الواقعة بالذات ولم ترفق في ملف الدعوى القصاصات الورقية التي تمّ انتزاعها مني عنوة في بوفيه محكمة أمن الدولة، لما عرّجت عليها لا في محضر استجوابي ولا في دفاعي حرصاً مني على سمعة القضاء في بلدي.

ذلك أنه بجلسة 19/7/2009 كنت فعلاً من بين الجمهور الحاضر جلسات المحاكمة بمحكمة أمن الدولة وكان من بين الحضور الدبلوماسيين الأجانب والمحامين وغيرهم وكنت فعلاً أدون ملاحظات على أوراق خارجية.

كانت المحاكمة الأخيرة تتعلق بمهتم روماني من أصل سوري. ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه لأنه أعطى وعوداً لبعض الجماعات اليهودية بالخارج بالسعي لمعرفة مصير رفات الجاسوس الإسرائيلي ستالين كوهن والمساعدة على نقلها. وفي نهاية الجلسة توجهت لبوفيه المحكمة لدفع ثمن فنجان قهوة كنت قد احتسيته صباحاً فلحق بي أحد موظفي الديوان وهو شاب فتي ضخم الجثة مفتول العضلات ومسلح، وانقض علي خلسة مستغلاً عدم وجود أحد في البوفيه ولى ذراعي وأخذ أجندتي عنوة وانتزع منها الأوراق التي كنت أدون عليها ملاحظاتي، مردداً بعض العبارات غير اللائقة.

عدت لتوي لغرفة السيد رئيس المحكمة الذي كان قد أنهى جلسات المحاكمة في القاعة العلنية وشرحت له ما حدث. وللحقيقة والتاريخ فقد كان للسيد رئيس المحكمة موقف مشرف فقد استدعى الموظف المعتدي وابنه بشدة على مهاجمة محامي داخل المحكمة والاعتداء عليه بهذه الطريقة وانتزاع أوراقه بالشدة وطلب منه إعادة الأوراق، فامتثل الموظف ووضع الأوراق على منضدة السيد رئيس المحكمة.

وهنا تدخل السيد رئيس النيابة الذي أعلن مسؤوليته عن تصرف الموظف وأنه تصرف بأوامر مباشرة منه وسحب أوراقي من على منضدة السيد رئيس المحكمة مهدداً متوعداً لي بأنه سيتصرف في مواجهتي وأنني ناشط في حقوق الإنسان، وسأرى نتائج عملي… الخ.

وهنا دار نقاش حاد ما بين السيد رئيس المحكمة والسيد رئيس النيابة العامة، تمسك فيه السيد رئيس المحكمة بمبدأ الشهر والعلنية في المحاكمة، وبأنني على فرض أنني ناشط في حقوق الإنسان وأنشر ما يتمّ في قاعات المحاكم فهناك جهاز رقابي أمني مسؤول عن تصرفاتي لا يجوز لأحد أن يحل محلها أو يزاود عليها. وأن مرسوم إنشاء المحكمة نص على العلنية وهو مبدأ لا يمكن إلا احترامه ولو نص مرسوم إنشاء المحكمة على عقد المحاكمات سراً لعقدها في أي قطعة عسكرية لا في قاعة علنية.

لكن ذلك لم يمنع السيد رئيس النيابة العامة من دس الأوراق في جيبه إلى أن ظهرت أمامي إبان التحقيق معي في إدارة أمن الدولة بتهم إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة والنيل من هيبة الدولة … علماً بأنني قمت في اليوم التالي بزيارة السيد رئيس النيابة العامة بمكتبه بمحكمة أمن الدولة وحاولت تلطيف الأجواء معه وذكرته بأني لم أخفي عنه أو عن غيره صفتي كناشط في حقوق الإنسان وأني مراراً وتكراراً أعطيته بطاقة التعريف الخاصة بي (كرت الفيزيت) والتي دون عليها عنوان الموقع الإلكتروني لجمعية المنظمة السورية لحقوق الإنسان وصفتي كرئيس للمنظمة السورية، وطلبت منه مراراً وتكراراً الدخول للموقع ومعرفة رأيه بأدبيات المنظمة السورية لاسيما المتعلقة بمراقبة المحكمات.

وعليه فعملي ونشاطي في حقوق الإنسان كان على الدوام علني وشفاف وعلى رؤوس الأشهاد. كما أن قاعة محكمة أمن الدولة ليست مكاناً محظوراً والمحاكمات فيها علنية وأنه كان بإمكانه فيما لو رأى موجب للسرية أن يطلب إجراء المحاكمة سراً لاسيما وأنه هو من أصدر قرار الاتهام فيها.

ليس هذا فحسب بل كان بإمكانه أن يطلب مني الأوراق التي كتبت عليها ملاحظاتي والتي كنت سأعطيها إياه عن طيب خاطر بدون الحاجة للعنف في أروقة المحاكم من قبل موظف الديوان.

وكان بإمكانه أن يطلب مني عدم التعرض لهذه المحاكمة أو تلك وهو ما كان سيحدث بشكل طبيعي فيما لو سارت الأمور بشكل روتيني وأني متعاون عن طيب خاطر في كل ما يرى فيه المصلحة.

وأن هدفي من متابعة المحكمات بشكل عام الدفاع عن الفقراء والمتهورين والمستضعفين أينما وجدوا. والتعاون مع السادة أعضاء المحكمة على السير قدماً لتحقيق أكبر قدر ممكن من الضمانات للمتهم في المحاكمة الجزائية وهو أمر لن يتحقق إذا اعتبرنا أنفسنا (قضاة ومحامين) في خندقين متقابلين.

وأكدت له على موجبات الشهر والعلنية من وجهة نظر المشرع السوري. وأن المادة /410/ عقوبات هي الفيصل في هذا المجال وقد نصت على أن العقوبة هي :

1-             الغرامة من خمس وعشرين ليرة إلى مائة ليرة لكل من ينشر :

أ‌-      وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية وبالتالي فإن نشرها بعد تلاوتها في جلسة علنية لا يشكل جرماً.

ب‌-           مذكرات المحاكم.

ت‌-           محاكمات الجلسات السرية وإعطاء الجلسات طابع السرية يحتاج لقرار قضائي.

ث‌-           المحاكمات في دعاوي النسب.

ج‌-            المحاكمات في دعاوي الطلاق والهجر.

ح‌-            كل محاكمة منعت المحاكم نشرها.

2-             ولا تطبق الأحكام السابقة على الأحكام المنشورة عن حسن نية بغير واسطة الإعلانات أو الألواح.

وأكدت له أن عملي في مجال حقوق الإنسان تبرعي طوعي إنساني وأن أكبر مبلغ كنت قد تقاضيته من أسرة معتقل بمحكمة أمن الدولة لم يتجاوز يوماً العشرة آلاف ليرة سورية.

وأننا كجمعية حقوقية نمارس نشاطنا الحقوقي في المحاكم العلنية منذ بداية التأسيس عام 2004 ولمدة تقارب الستة سنوات ولم نتعرض لأي لوم أو تنبيه من الجهات الأمنية العديدة التي تراقب عملنا، لأن عملنا يتصف بالشفافية والموضوعية كما أننا لسنا الجهة الحقوقية الوحيدة التي تقوم بهذا العمل في سوريا فهناك العديد من اللجان والمنظمات والجمعيات والمراكز التي تراقب المحاكمات مثلنا تماماً.

وإن مراقبة المحاكمات كان أحد الأهداف المعلنة بالنظام الداخلي لجمعيتنا والموّقع من جميع المؤسسين والمقدم لوزارة العمل وكنا أمينين بقدر المستطاع على تحقيق تلك الأهداف.

وأن هدفنا في المنظمة السورية لحقوق الإنسان من مراقبة المحاكمات التأكيد على الضمانات المخصصة للمتهم والتعاون مع الهيئة الحاكمة في هذا السبيل.

من جهته قال لي : إن ما دفعه لإرسال الموظف لمهاجمتي وانتزاع أوراقي عنوة هو حبه للوطن وإخلاصه للحزب القائد للدولة والمجتمع.

فأكدت له إني أبارك مشاعره لأن حب الوطن يوحد ولا يفرق وهو يفرض على جميع الخيرين التعاون والتعاضد على السير لتحقيق أهداف عليا مشتركة من موقع الندية لا التبيعة والاعتراف المتبادل بحقوق الآخر على قاعدة حسن النية وبغض النظر عن التفاوت في الأحجام.

لقد أوردت الحادثة كما جرت معي بكل صدق وأمانة مع التأكيد بأني مفوض أمري إلى الله فيما أقدم عليه السيد رئيس النيابة من تصرف غير مألوف ومخالف للالتزامات المفروضة على القاضي في قانون السلطة القضائية من ضرورة التحلي بالهدوء والاتزان أثناء أداء الواجب بما يتناسب مع المسلك القضائي المتزن والقويم.

ولقد سبق لي وأن أطلعت السادة أعضاء فرع نقابة محامي دمشق على الحادثة أثناء المحاكمة السرية التي جرت معي وهم أعلم الناس بأن الاعتداء على محامي في المحاكم وأثناء قيامه بعمله هو بمثابة الاعتداء على قاضي إلا أنهم في فرع دمشق لنقابة المحامين لم يحركوا ساكناً لهذه الناحية … !!.

لذلك فإني أورد الواقعة بالحقيقة والتاريخ مفوضاً أمري إلى الله شاكياً ظلامتي إليه فمن النادر أن يتعرض محامي في هذا العصر الذين نعيش فيه للضرب في أورقة المحاكم من قبل موظف في المحكمة وتسلب منه أوراقه الخاصة وبدلاً من إعادة الاعتبار له تفتح عليه أبواب جهنم من كل حدب وصوب فيحال إلى نقابته التي من المفترض أن تدافع عنه فيدخلها مخفوراً بالسلاسل والأصفاد فتصدر القرار بشطبه من سجلاتها وإنهاء مستقبله المهني بعدما يقارب العشرين سنة على ممارسة المهنة، ثم يزج به في قفص الاتهام أمام محكمة الجنايات ليحاكم بتهمة بأوصاف جنائية مغلظة ما أنزل الله بها من سلطان ، من وهن نفسية الأمة إلى إضعاف المشاعر القومية والتسبب في الهزائم العسكرية للأمة، وكل ذلك على خلفية حضور إحدى جلسات محكمة أمن الدولة الجارية بتاريخ 19/7/2009 وتدوين الملاحظات حولها.

لتعتبر تلك الملاحظات مادة جرمية وترفق مع الضبط الأمني وكأنها دليل جرمي ويبدأ الجهاز الأمني في كيل التهم المجانية على رأس المتهم بتسديدها عن بعد وبغفلة منه من خلال تقارير أمنية معنونة بعبارات (سري جداً) تتضمن معلومات لا أساس لها من الصحة، ومما يدعو للأسف أن النيابة العامة كانت قد حركت دعوى الحق العام استناداً لتلك التقارير علماً بأني أعرف أن جهاز ا لنيابة العامة مؤسسة ذات بصيرة وإدراك في أهداف القانون وأغراض الملاحقة الجزائية وهي ليست أداة قمع عمياء تستهدف التنكيل بالمتهم المحال إليها وهي بحسب علمي تستند في تحريك الدعوى العامة على ما ورد في أقوال المتهم في الضبط الأولي المنظم وفق الأصول القانونية المعتمدة بالقانون لا على ما جاء في التقارير الأمنية بتهم مجانية.

وباستعراض التقارير الأمنية الثلاثة نجد أن التقرير الأول وهو الكتاب رقم /56900/42 تاريخ 3/7/2009 والمتضمن إحالتي للقضاء واتهامي بنشاط سياسي والاتصال مع المعارضة الخارجية مطالباً النيابة العامة ومن ورائها أجهزة القضاء معاقبتي بموجب المادة /286/ عقوبات والمادة /287/ عقوبات والمتعلقة بالنيل من هيبة الدولة في الخارج وهو ما أنكرته تماماً عبر جميع مراحل التحقيق والمحاكمة.

والتقرير الثاني وهو الكتاب السري للغاية المحال من إدارة المخابرات العامة رقم /57590/42 بتاريخ 2/8/2009 أي بعد إحالتي للقضاء بيومين أو ثلاثة والمتضمن اتهامي بأني اتصلت بذوي المعتقل المتوفي محمد أمين الشوا ونصحتهم بالتقدم أمام النيابة العامة العسكرية بادعاء بحق كل من قد يظهر التحقيق تورطه فيما لو تبين وجود تداخل جرمي بحادثة وفاة ولدهم، وهو ما أنكرته تماماً.

التقرير الثالث وهو الكتاب رقم /62252/44 تاريخ 149/8/2009 المتضمن اتهامنا بتلقي مساعدة مالية في المنظمة السورية لحقوق الإنسان من مركز الأندلس لحقوق الإنسان وهو ما أنكرته أيضاً وأثبتنا إنكارنا بكتاب رسمي صادر عن مركز الأندلس نفسه.

والمثير للجدل والحيرة أن النيابة العامة ومن خلفها الهيئة الاتهامية من قضاء تحقيق إلى إحالة إلى محكمة النقض العليا جميعها اعتمدت التقارير الأمنية الثلاثة أو الكتب السرية الأمنية الثلاثة الصادرة عن إدارة المخابرات العامة والتي وصلت لملف القضية سراً في اتهامي بأوساط جنائية وجنحية ولم تلتفت لا للضبط الفوري ولا لأقوالي الأولية فيه.

وبحسب علمي وخبرتي على مدى عشرين سنة من ممارسة المحاماة أن المحكمة الجزائية تتحرى بالدعوى الجزائية عن عنصر هام يتمثل في وجود أداة مشروعة صالحة للإدانة أو البراءة، ولا أعلم ما هو وزن تلك الكتب السرية الثلاث في ميزان المشروعية فالمشرع السوري بموجب المادة /180/ أعطى الضبوط الأولية المتضمنة اعتراف المتهم بالتهمة المسندة إليه قوة ثبوتية لا تتجاوز المعلومات العادية إذا كانت التهمة جنائية الوصف. ونحن هنا لسنا أمام ضبوط أولية تتضمن اعترافات المتهم ليكون لها قيمة ثبوتية بمثابة المعلومات العادية القابلة لإثبات العكس بجميع وسائل الإثبات.

نحن أمام كتب سرية تتضمن معلومات وإيحاءات وتوجيهات للمحكمة بالتغلظ في إيقاع العقاب، وهنا أعود إلى ما سبق واستعرضته في بداية أقوالي من أن الحضارة والمدنية ومنذ عام 1628 كانت قد أوجدت مرجعية عادلة ومؤتمنة تقف ما بين الجهاز الأمني الذي يعتقل ويحيل وما بين المواطن، أنه القاضي.

اليوم وبعد قرابة النصف قرن من الزمن على ذلك المفصل التاريخي فإني أستجير بالله ومن بعده محكمتكم الموقرة في مواجهة تلك الكتب السرية والتقارير الباطلة شكلاً وموضوعاً والمتضمنة معلومات ملفقة مزورة ولا أساس لها من الصحة.

وفيما يتعلق بما نسب لي من إذاعة أنباء كاذبة والتي استدل عليها القرار الاتهامي بالبيان الصادر في قضية المرحوم أحمد سليم الشيخ وفي قضية المرحوم محمد أمين الشوا وفيما يتعلق بقرية الشغور أبين :

–   بأن المنظمة السورية لحقوق الإنسان ومنذ بداية تأسيسها كانت قد اتخذت منهجاً قائماً على الوقوف إلى جانب الضحية وعلى سبيل الاعتراف بالجرم أقول لقد مارسنا في المنظمة السورية لحقوق الإنسان انحيازاً قصدياً إلى جانب الضحية ووقفنا إلى جوار تلك الفئة من المستضعفين والمهمشين والمقهورين وطالبنا بحقوقهم ورد الجور عنهم. ومارسنا حق التظلم جهاراً نهاراً وهو الحق الرئيسي الذي اعتمدناه في ممارسة عملنا.

–   ومن موقعي هذا أبدي استعدادي لإثبات كل حرف صدر عن المنظمة السورية لحقوق الإنسان على مدى السنوات الستة الماضية من عمرها. فالمنظمة السورية لحقوق الإنسان كانت على مدى سنوات عمرها الأكثر ثقة ومصداقية وهو ما يشهد فيه الكثير من المراقبين الحياديين.

–   وفيما يتعلق بالتهمة الثانية والمتعلقة بإضعاف الشعور القومي من خلال الدعاية التي قامت بها المنظمة السورية أوضح :

o   بأن المنظمة السورية كانت أبعد ما تكون عن ممارسة الدعاية فالإعلام لم يكن يوماً هدفنا، في حين أن غيرنا من المنظمات والهيئات والجمعيات واللجان والمراكز العاملة في حقوق الإنسان كان سباقاً في مجال الصحافة والإعلام بأخبار ومعلومات كثيراً ما اضطر للرجوع عنها وهو أمر يعلمه جيداً الكثير من المراقبين .

وبالنسبة لموضوع إضعاف الشعور القومي بالذات فإني أبرز باقة من بعض أدبيات المنظمة السورية لحقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر والتي منها :

–   البيان الصادر بتاريخ 20/1/2008 في أعقاب الحرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة والمتضمن التأكيد على توفر الأركان القانونية لجريمة الإبادة الجماعية في العدوان المفتوح على غزة والتأكيد على حق عودة اللاجئين لأهلهم وديارهم والمطالبة بإعادة النظر في قبول عضوية إسرائيل بمنظمة الأمم المتحدة.

–   البيان الصادر عن المنظمة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 22/7/2006 المتضمن الثناء على الجهود الحكومية التي تقوم بها السلطات السورية في استقبال النـازحين اللبنانيين في أعقاب العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، ومباركة جهود المتطوعين لاستقبال وتوزيع اللاجئين اللبنانيين على المدارس والمعاهد ومؤسسات البر وغيرها، ومناشدة لأصحاب الأيادي البيضاء بتقديم المساعدات والغذاء والدواء وتوزيعها على مناطق تجمع المنكوبين.

–   البيان الصادر بتاريخ 27/12/2008 أعقاب المجزرة بحق المدنيين التي اقترفتها إسرائيل بحق سكان إقليم غزة في ذلك اليوم، مع مناشدة عاجلة لجميع القوى الخيرة وعلى رأسها قوى المجتمع المدني بالتحرك العاجل للفصل ما بين الضحية والجلاد، وإعداد قوائم سوداء  بأسماء وصفات مجرمي الحرب الإسرائيليين ومنتهكي القانون الدولي تمهيداً لملاحقتهم قضائياً وبهذه المناسبة أبيَّن  أن المنظمة السورية لحقوق الإنسان كانت قد قامت بمسعى مع السيد رئيس مجلس الشعب (كجهة شعبية) للتعاون في إعداد ملفات نظامية بتلك الجرائم للتقدم للمدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية، لكننا لم نتلق رداً في ذلك الوقت.

إضافة لمطالبتها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإرسال بعثة تقصي حقائق لإعطاء تقرير مفصل بما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية من جرائم بحق المدنيين، يرفع للسيد الأمين العام وهو ما تم لاحقاً بتقرير القاضي (غولدستون) مع التأكيد على التمسك بالحقوق المكتسبة وعلى رأسها حق المقاومة المشروع للشعوب الرازحة تحت الاحتلال والمطالبة برفع الحصار المفروض على إقليم غزة من دول الجوار، ومناشدة الفلسطينيين إنهاء الخلاف بينهم وترتيب البيت الداخلي.

–   البيان الصادر عن المنظمة السورية لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 3/3/2008 والمتضمن استنكار لموقف عطوفة الأمين العام للأمم المتحدة في مساواة الجلاد بالضحية بالتصريح الصادر عنها بتاريخ 27/2/2008 والذي ساوى ما بين جرائم إسرائيل ضد المدنيين في غزة ومحاولات المقاومة المشروعة التي يحاول الفلسطينيون القيام بها لصد ذلك العدوان مع خطة عمل متكاملة لمواجهة تلك الجرائم ضد الإنسانية.

–   البيان الصادر بتاريخ 27/10/2008 والذي يدين العدوان الأمريكي على منطقة البوكمال السورية وضرورة اعتباره جريمة حرب.

–   البيان الصادر عن المنظمة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 19/2/2008 والذي يدين الحفريات التي تقوم بها إسرائيل في أساسات المسجد الأقصى المبارك وما تسبب من انهيارات وما يمكن أن يلحق به من أضرار وخراب. ينتقل بالتعبير من البشر الذين أصبحوا في الشتات إلى الحجر الذي بات مهدداً بالممارسات العدوانية.

–   البيان الصادر عن المنظمة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 7/6/2007 والمتعلق بالذكرى الأربعين لحرب حزيران واغتصاب القدس الشريف وإحكام القبضة العنصرية على /1200/كم2 من الجولان السوري والذي أكدنا فيه على التمسك بالقرار /242/ لعام 1967 الصادر عن مجلس الأمن وعلى حق سوريا بكل ذرة من الجولان وعلى التمسك بالقرار رقم /497/ لعام 1981 الصادر عن مجلس الأمن والمتضمن عدم الاعتراف بضم الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية من الجولان مع التأكيد على حق العودة للفلسطينيين المنصوص عليها بالقرار /194/ لعام 1984 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

والمطالبة باستقبال اللاجئين الفلسطينيين والمرحلين قسراً من مخيم الرويشيد على الحدود الأردنية ومخيم الوليد على الحدود السورية، مع المطالبة للاجئين الفلسطينيين بمزيد من الحقوق في دول المهجر العربي.

تلك بيانات وأدبيات المنظمة السورية لحقوق الإنسان. وما أوردته إلا غيض من فيض فيما يتعلق بإضعاف للشعور القومي للأمة.

آمل في حال إصدار قرار بتجريمي من قبل محكمتكم الموقرة بهذه التهمة أن تعتمد تلك الأدبيات والبيانات في حمل ما سيصدر عن محكمتكم الموقرة من فقرات حكمية على أسباب مستمدة من تلك البيانات والأدبيات.

حضرات السادة الأفاضل

رئيس وأعضاء محكمة الجنايات الموقرة


أريد أن أؤكد على حقيقة أحبها وأسعى لتحقيقها.

وهي أن خدمة الإنسان والوقوف إلى جانب المقهور والمظلوم كانت أنبل عمل قمت به في حياتي وقد حاولت مع زملائي في (سواسية) ترجمة القيم السامية لحقوق الإنسان إلى واقع ملموس على الأرض من خلال المنظمة السورية لحقوق الإنسان.

وإذا كانت جريمتي في هذه الحياة أني بحثت عن مجتمع عادل فهناك دائماً من يضحي بنفسه في سبيل القيم النبيلة والأهداف السامية وأنا من جهتي لم أجد هدفاً يستحق التضحية أسمى من الدفاع عن حقوق الإنسان.

وذلك على الرغم من قساوة الظروف التي خلفتها ثقافة الخلاص الفردي.

فالوطن الذي قدم لنا الكثير يستحق منا اليوم أن نقدم له واجب تضحية في سبيله.

بكلمة الحق وروح المحبة وذلك على الرغم من مرارة الاعتقال وقسوة السجن.

والله ولي التوفيق.

المحامي مهند الحسني

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق