زملاء

مايا أحمد: نساء سورية… بين كرسي الحكم والمعتقلات

  • “إنها مقارنة محزنة في آن، بين نائبة رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية نجاح العطار، والمدونة الإلكترونية طل الملوحي ذات التسعة عشر ربيعاً. أو بين المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان والكثيرات الكثيرات من المثقفات المعتقلات. مقارنة تدعو للتساؤل: متى نفتخر بسجون خالية من معتقلي ومعتقلات الرأي وحرية التعبير؟ ومتى نتخطى عقدة الوجه المظلم لفعل المساواة؟.”

لم تكن طل الملوحي تدري أن بضع كلمات نشرتها على مدونتها على شبكة الانترنت، ستودي بها إلى غياهب سجن فرع أمن الدولة في حمص، وأن الكتب والملخصات التي كانت تقرأها لتتقدم إلى امتحانات الشهادة الثانوية بعد شهرين، ستتحول إلى أوراق التحقيق التي ستوقعها بدون قراءتها حتى.

طل الملوحي فتاة سورية من مواليد 1991 استدعيت من قبل فرع أمن الدولة في حمص بتاريخ 27/12/2009 ولم تعد منذ ذلك الوقت.

كثرت في الآونة الأخيرة اعتقالات الأجهزة الأمنية السورية المختلفة، لناشطات وكاتبات سوريات، منهن كن سجينات رأي، أمضين سنوات من أعمارهن في سجون البلاد. الاعتقالات لم تستثن أمهات تركن أطفالاً رضع، ينتظرون أمهات سجينات.

أمست المرأة السورية شريكة الرجل في كل شيء، باتت تشاركه حتى في السجن والاعتقال وكم الأفواه، وخنق حرية التعبير، حيث قمعت الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، التي تعيشها سورية منذ انقلاب “حزب البعث” بتاريخ 8/آذار/1963، كل الحركات المدنية، السياسية منها والاجتماعية، وحتى الثقافية والاقتصادية. السلطة العسكرية الحاكمة قمعت كل أشكال التعبير عن الرأي وتبني الأفكار المغايرة للنظام الحاكم. فأدخل إلى جانب الآلاف من الرجال المعارضين، نساء كثيرات في سجون وأقبية الأجهزة الأمنية السورية. نساء لو تكلمن عما مورس ضدهن، لانفجرت البلاد.

كانت حسيبة عبد الرحمن الناشطة والروائية السورية المعروفة، من بين مئات النساء اللائي اعتقلن في ثمانينيات القرن الماضي، وشهدن على مساواة النظام بالبطش بين النساء والرجال المعارضين. ناشطات كثيرات غيرها تعرضن للاعتقال والتعذيب، منهن ناهد بدوية، ولينا المير، وسميرة خليل وغيرهن.

بتاريخ الأحد 7/2/2010 أقدمت السلطات السورية في مدينة حلب على اعتقال طبيبة الأسنان تهامة معروف، على خلفية الحكم الصادر بحقها عام 1995، اعتقلت معروف وهي ام لطفلين لأول مرة في 30 كانون الثاني 1992 لانتمائها ل”حزب العمل الشيوعي”، وأخلي سبيلها في آذار1993 ، قبل أن تصدر المحكمة بحقها حكماً بالسجن لمدة 6 أعوام في 5 من كانون ثاني 1995.

تؤكد مصادر حقوقية سورية أن الناشطة رغدة الحسن معتقلة لدى فرع الأمن السياسي بمدينة طرطوس الساحلية. اعتقلت الحسن من قبل إحدى الأجهزة الأمنية على الحدود السورية- اللبنانية بتاريخ 10/2/2010،

بعد تفتيشها تفتيشا دقيقاً ومصادرة بعض ما كانت تحمله من أوراق ومقتنيات. وتم دهم وتفتيش منزلها في طرطوس لاحقاً ومصادرة أوراق خاصة، وجهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بها، وأوراق رواية “الانبياء الجدد” التي تتحدث عن فترة اعتقالها السابقة، التي دامت سنتين ونصف (1992-1995)، بسبب انتمائها ل”حزب العمل الشيوعي”. الحسن متزوجة من فلسطيني وأم لأربعة أبناء أصغرهم في الثالثة من عمره.

تؤكد محامية وناشطة حقوقية من طرطوس، أن السبب وراء اعتقال الحسن هو نيتها لنشر الرواية المذكورة، وتشير الناشطة التي رفضت الكشف عن اسمها الى أن “هاتف رغدة كان مراقباً، والأمن كان يعلم بكل تحركاتها، لذا قام باعتقالها من على الحدود السورية اللبنانية، وفتش منزلها وصادر جهاز الكومبيوتر الخاص بها مع مسودة روايتها”.

بتاريخ 29/7/2009 قامت دورية تابعة للأمن السياسي، بمداهمة منزل أحد المواطنين الكرد في مدينة عين العرب التابعة لحلب، واعتقلت الناشطة الكردية من تنظيم اتحاد ستار النسائي روجين جمعة رمو، حيث أخرجت من المنزل عنوة، واقتيدت مكبلة اليدين، وهي ما تزال رهن الاعتقال التعسفي طبقاً لناشطين حقوقيين.

كما قامت دورية تابعة لفرع الأمن السياسي بحلب بتاريخ 15/10/2009 بمداهمة منزل أحد المواطنين الكرد في حي الأشرفية بحلب، واعتقلت الناشطة منال إبراهيم إبراهيم عضو التنظيم النسائي “اتحاد ستار”التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).

في مساء 2/آذار/2010 قامت دورية تابعة لفرع الأمن العسكري بحلب باعتقال عضوي مجلس أمناء منظمة حقوق الإنسان في سورية – ماف، الشاعر والناشط عبد الحفيظ عبد الرحمن والناشطة نادرة عبدو التي كانت في ضيافته، بعد مداهمة منزل عبد الحفيظ عبد الرحمن في حي الأشرفية في حلب، بطريقة استفزازية.

وسمح لعبدو بالعودة إلى منزلها بعد ساعتين من الاعتقال، على أن تعود في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي، حيث بقيت أربعة أيام ومن ثم أطلق سراحها.

واستدعيت الناشطة السورية المعروفة سهير الأتاسي، من قبل إدارة أمن الدولة، وتم التحقيق معها عدة مرات، واحتفظ بهويتها الشخصية لعدة أيام، وطلب جهاز أمن الدولة منها إغلاق “منتدى جمال الأتاسي” الذي تترأسه بنسخته الالكترونية على موقع “فايس بوك”.وعندما رفضت ذلك، هددت بالاعتقال والمحاكمة.

وقالت مصادر حقوقية في دمشق أن معاون مدير أمن الدولة اللواء زهير الحمد هو من حقق مع الأتاسي، الأمر الذي استغربه بعض نشطاء المجتمع المدني، فلماذا تحقق شخصية أمنية كبيرة بهذا الحجم في قضية انطلاق منتدى إلكتروني لموقع محجوب بسورية، قد لا يتعدى عدد أعضائه بضع مئات على احسن تقدير؟.

وذهبت أوساط اخرى إلى أن الاستدعاءات سببها الأوراق المقدمة للمناقشة على صفحات المنتدى الاكتروني، وخاصة قضية الجولان السوري المحتل، والقضية الكردية التي ناقشت ورقة أعدها برادوست أزيزي الكردي السوري المقيم في كردستان العراق، والذي انتقل إليها بعد فصله من جامعة دمشق إبان أحداث الثاني والثالث عشر من آذار 2004، والتي تسمى كردياً “انتفاضة قامشلو”.

يعد منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي الذي أغلقته السلطات السورية عام 2005 أحد أهم المنتديات التي عرفتها سورية بدايات الألفية الثالثة، إذ انطلق حركة مدنية ناقدة للكثير من الممارسات اليومية في سورية، عرفت بـ”ربيع دمشق”. وترأست سهير كريمة المفكر السوري جمال الأتاسي المنتدى حينها.

ويحمل المنتدى اسم المفكر جمال الأتاسي، أحد مؤسسي “حزب البعث العربي الاشتراكي” مع صلاح البيطار وميشيل عفلق، والذي أصبح ناصري التوجه فيما بعد. إضافة إلى قضية الوحدة العربية، اهتم الأتاسي بقضايا الأمة مثل الجزائر إبان الاستعمار وقضية فلسطين وحصار العراق.

قالت وسائل إعلامية سورية معارضة أن المحامية والناشطة الحقوقية السورية مجدولين علي حسن، العضوة في فرع نقابة المحامين السوريين في محافظة طرطوس، مهددة بالطرد من النقابة ومنعها من مزاولة المهنة نهائياً، لرفضها طلباً صريحاً من المخابرات العامة السورية، للسطو على ملفات شخصية سرية تابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، حيث تعمل منذ أواخر عام 2007.

وأشارت هذه المصادر الى ان المخابرات العامة “طلبت من المحامية مجدولين حسن سرقة، وتصوير ملفات شخصية من أرشيف المفوضية تخص عدداً كبيراً من العراقيين اللاجئين إلى سورية، والساعين إلى الحصول على لجوء في إحدى الدول الغربية عبر مكاتب المفوضية في دمشق”. نفت حسن عبر موقع “كلنا شركاء” ما نشر عن الخبر وفضلت عدم الخوض في التفاصيل.

انتخبت الطبيبة والكاتبة والناشطة المدنية فداء الحوراني رئيسة ل”المجلس الوطني لإعلان دمشق”. لكن ضمها الى صفوف المعتقلات السياسيات في سجن دوما للنساء بتاريخ 18/4/2005، والحكم عليها بالسجن لمدة سنتين ونصف السنة بتهمتي “إضعاف الشعور القومي ونقل الأنباء الكاذبة” حرمها من ممارسة مهامها في الطب والكتابة والمجتمع المدني. هي تقبع الآن في ظلمات السجون السورية، حالها كحال نساء كثيرات ما زلن ينتظرن انهاء احكام ومحاكمات بتهم باطلة وجائرة.

في حين تفتخر القيادة السورية بوجود أول نائبة لرئيس الجمهورية في العالم العربي، ووصول نساء كثيرات لمناصب قيادية كوزيرات وبرلمانيات وسفيرات، وقياديات حزب البعث أسوة بالرجال. يبقى الوجهة الآخر للمساواة- على الطريقة السورية- مظلماً وقبيحاً وجائراً، ويستمر اعتقال طبيبات وكاتبات ومثقفات وصحافيات، لاختلاف اساليب تفكيرهن او لآرائهن التي لا توافق عليها السلطات.

إنها مقارنة محزنة في آن، بين نائبة رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية نجاح العطار، والمدونة الإلكترونية طل الملوحي ذات التسعة عشر ربيعاً. أو بين المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان والكثيرات الكثيرات من المثقفات المعتقلات. مقارنة تدعو للتساؤل: متى نفتخر بسجون خالية من معتقلي ومعتقلات الرأي وحرية التعبير؟ ومتى نتخطى عقدة الوجه المظلم لفعل المساواة؟.

دمشق – مايا أحمد – “سكايز”

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق