زملاء

يمنى طاهر: “الكلام حرام”..توقيع:طل الملوحي !

هي التي كتبت في مدونتها:”يا قوم لا تتكلموا، إنّ الكلام مُحرّم”. ويبدو أنها قررت رغم ذلك الخوض في هذا “الحرام”!

تجرأت و قررت أن تُحرر “الكلمة” في سوريا مهما كانت التضحيات، هي التي لم تبلغ العشرين من عمرها، تجرأت على ما خاف منه الكثيرون، قررت أن تخوض حرب الخوف وحدها ، ضد أكثر النظم قمعية واستبداداً في العالم العربي: النظام السوري!

لم تُثنِها كلمات تُطالب بالحكمة والتعقل ، لم تُثنِها التهديدات والمضايقات، لم تُرهبها الحكومة السوريّة التي تحظر المعارضة السياسية وتفرض قانون الطوارئ منذ تولي حزب البعث السلطة سنة 1963.

استمرت في تدوينها وخطابها الموجه للإنسان في كل مكان، وضعت يدها على جُرحنا العربي “الحرية” وقررت أن تُداويه ولو بجُرحها هي، فسطرّت بطولة ندر أن تجدها في هذا السن الصغير، لتستحق منّا جميعا وقوفاً إلى جانبها و محاولة الإعلان عن “حرية تُنتهك في السجون السوريّة” فهل من مُجيب؟

ثورات العالم العربي

كان أجدر بالنظام السوري القمعي أن يتعظ مما يحدث من تغير جذري في خارطة الشعوب العربية، ثمة مذاقٌ جديدٌ للحُرية يُذاق لأول مرة، ثمة زلازل متتالية تهز عروش طغيان سادت وتجبّرت أعواماً طويلة ، ثمة أفواه كُممت تفك قيدها وتتحرر..تنطق بالحرية و تبذل في سبيلها الدماء والحب والحياة الغالية !

من يتصور أنّ في هذا العصر الحديث، ثمة من يُخطف و يُقتل و قد يُمثّل به لأنه “يتكلم”! نعم يا سادة، في بلادنا العربية لا زال يحدث الكثير، فلتسمع أيها العالم الحرّ المُتحضر ولتعي ما يحدث حولك! من يتصور أن حياتنا كلنا تُصاغ وفقا لأهواء و مصالح شخص يُسمى”حاكم” أو عدة أشخاص تُسمى ” حكومة” و أي حر يقبل بهذا!

الحكاية من البداية

طل الملوحي هي كاتبة ومدونة سوريّة من مواليد 1991 أي تعدّت العشرين عاما بقليل، تم اختطافها واعتقالها من قبل جهاز الأمن السوري في ديسمبر 2009 على خلفية نشرها لمقالات سياسية على مدونتها:

http://talmallohi.blogspot.com/

ومنذ ذلك الحين انقطع الاتصال بها تماما ولم يستطع أهلها الوصول إلى أية معلومات عن مكانها .

عُذراً يا سادة لا يُمكن المرور على هذا الحدث هكذا كسطر في خطاب، ما أقصى هذا الكلام الذي يختصر الألم في حروف قليلة!

ثمة من يتألم هُنا، ثمة أم تبكي حتى تنام، ثمة أب يمشي ذاهلاً وسط الناس، هُناك حرّية تُنتهك ، هّناك صغيرة تُلقى بإهمال على قارعة الحياة، تُلقى بإهمال في زنزانة بارده مُظلمة، وليل طويل،وهي التي تخشى الظلام ككل الصغار، وهي التي تخشى الغرباء ككل الصغار ، وهي التي تعشق الحرية ..ككل الأحرار !

وهي التي قالت :”إذا كنت لا ترى إلا ما يُظهره النور، ولاتسمع إلا ما تُعلنه الأصوات، فأنت في الحقيقة لا ترى ولا تسمع!”. فهل نسمع صوتها يصرخ وسط زخم الحياة الهادئة ؟ أم أننا نسمع فقط ما أُريد لنا أن نسمع؟

تاريخها مع الأمن السوريّ

بدأت علاقتها مع الأمن عام 2006 أي عندما كانت تبلغ من العمر الخامسة عشر فقط!
وحينها استدعيت طل الملوحي للأمن بسبب مناشدة وجهتها ـ عبر موقع الكتروني ـ إلى الرئيس بشار الأسد للإسراع في عملية التحول الديمقراطي بالبلاد، قائلةً بأنه : “كرئيس يحتم عليه منصبه وقف الفساد المستشري”، مذكرةً إياه “بما قطعه من وعود”. استخدمت طل اسمها الثلاثي في هذه المناشدة، وفي سنة 2007، تكرر استدعاء الأمن لطل ثلاث مرات على الأقل.

وبعد هذه الواقعة حصل والدها على اجازة من عمله بدون مرتب ، فاضطر إلى النزول بأسرته للقاهرة بحثا عن عمل و مأوى جديد. ثم استدعيت طل إلى السفارة السورية بالقاهرة، وتم التحقيق معها فبراير 2009، وتم استجوابها عن أسماء من تعرفهم عبر الإنترنت من سوريين بالخارج، كما تم تحذيرها من النشر أو الاتصال بمواقع إلكترونية أو صحف.

يوليو 2009، عادت إلى سوريا بعد قرار والدها بالرجوع حتى يتمكن من الحصول على المعاش التقاعدي، نظرا للظروف المعيشية الصعبة التي مرّت بها الأسرة، وظلت هناك حتى تم اعتقالها في ديسمبر 2009.

انقطعت أخبارها تماما ولم تفلح محاولات أهلها في سؤال الأجهزة الأمنية عن مصيرها ومكانها منذ ذلك الحين، حتى تم إخبار أهلها بأنها بخير وفقط دون أي معلومات، ثم تلقت والدتها وعدًا من “إحدى الجهات الأمنية” بأن ابنتها سوف يفرج عنها قريبا ،وهو مالم يحدث بالطبع . وانتشرت بعدها شائعات عن مصرع طل تحت وطأة التعذيب، ولكن ناشطون سوريون نفوا هذا الخبر.

وفي سبتمبر 2010، نشر موقع “دي برس” الإخباري السوري أن طل الملوحي موجودة في سجن دوما للنساء ، لكن نفت والدتها صحة هذا الخبر، قائلةً إنها زارت سجن دوما، لكنهم أخبروها أن ابنتها لم تنقل إلى هناك.

طل الملوحي..جاسوسة !

“طل الملوحي متهمة بالتجسس لصالح دولة أجنبية، لقاء مبالغ مالية، وأدلت بمعلومات أدّت إلى الإضرار بالأمن القومي السوري،”على حد قول مصدر أمني مسؤول ل”شام برس”. ولكن صرّح ناشطون بأن تسريب معلومة كهذه بعد مدة طويلة من الاعتقال، ليس سوى محاولة لحفظ ماء الوجه بعد تضامن العديد من العرب مع قضية طل.

خمس سنوات سجن !

أمس فقط حُسم الأمر، وفاجئنا الخبر الذي نشرته محطة أخبار سورية بأن محكمة أمن الدولة العليا تحكم بسجن طل الملوحي 5 سنوات ،بتهمة إفشاء معلومات للولايات المتحدة الأمريكية.

طل الملوحي التي أنشأت مدونة لتهتم بغيرها، بآلام الإنسان في كل مكان. وهي التي أنشأت مدونة أخرى هي رسالة للإنسان، تُطالبه بالعدل والحرية والأمن، تُطالبه بالرحمة، تُطالبه بأن يكون إنسانا!

وهي التي تقول في رسالتها الأولى للإنسان:

( لا أقول لك وداعا يا أخي الانسان لأني معك دائما)!
الحرية لطل الملوحي،ولتسقط كل الأنظمة القمعية!
وستعيش الحرية رغما عن الجميع، ستعيش الحرية لأنّ عمرها أطول من عمر البشر.

  • يمنى طاهر – الجزيرة توك – قطر

——————————————–

اظهر المزيد

alalwash

كاتب سوري نشرت رواية وجه الصباح واربع مجموعات قصصية آخرها البحر الاسود المتوسط 2010 بالاضافة الى كتابة المقالات المتعلقة بالحرية والفكر مهندس مدني خريج عام 1985 جامعة حلب مواليد الرقة 1962 والاقامة بين دمشق والرقة وحسب اماكن النزوح واللجوء والقصف العشوائي... الى ان يحل السلام في سورية بلد السلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق