زملاء

سحر حويجة : مأزق الصراع الدائر في سوريا والبحث عن حلول؟


بدأت الحرب في سوريا، والمعارك متنقلة، لكل مدينة وقرية ومنطقة منها نصيب، من الموت والدمار، وتشريد السكان، تاركين بيوتهم، وأملاكهم يحاصرهم القلق والخوف على مستقبل وطن يصبو إلى الحياة والنور لا إلى موت و وظلام وظلم لا حدود له. فرضت المعركة، التي بدأها النظام في مواجهة الشارع الأعزل المتحرك نحو انعتاقه وحريته، باستخدامه كل قوى القمع والقوة الخارجة من عقالها، فجاءت الردود العفوية والقسرية، دفاعاً مشروعاً عن النفس، وأخذت تتفسخ آلة القمع بعد انشقاقات الآلاف من الجنود والضباط، عن جيش النظام، اللذين رفضوا طاعة النظام والامتثال لأوامره، على قتل شعبهم، وانضموا لصفوف الثورة، وهكذا أصبحت حياتهم وحياة عائلاتهم في دائرة الخطر. ونتيجة لأعمال القتل والتدمير الذي انتهجها النظام دفعت الكثير من الشباب الثائر إلى التطوع، إلى جانب الجيش الحر، وتشكلت فرق عديدة تحت تسميات مختلفة باختلاف الرؤى والمناطق التي تولد وتنمو بها، وحملوا السلاح بدافع الدفاع عن أنفسهم وممارسة حقهم في التظاهر، حتى تحقيق التغيير المنشود. في البداية كان النظام يدفع الناس إلى حمل السلاح ليبرر سلوكه القمعي وليحمل معارضيه أعباء ما يجري من عنف، انتشر السلاح وتجار السلاح بطريقة هستيرية، كما أن السلطة وزعت الكثير من هذا السلاح على الموالين تحت ذريعة المقاومة الشعبية للإرهابيين، وحماية المدن والأحياء، ولكن الهدف الأساسي للسلطة من هذه التعبئة، دعم وحشد لقوة السلطة الأمنية عبر عيون جديدة ساهرة،من أجل تخويف الشعب وتعبئته لدعم السلطة، و تسليطهم على الأهالي والتشجيع على الاقتتال الأهلي. 

تراكمات عديدة امتدت بامتداد الثورة، وضغوط كبيرة، بكل أشكالها الاقتصادية والأمنية، وحتى الاجتماعية أدت للانفجار، الحركة الثورية التي ترى أنها تعبر عن الشعب وأن أغلبية الشعب داعماً لها بل مشاركاً بحركتها، ويدفع ثمناً باهظاً، وقوة النظام تتأتى من حجم آلة القمع التي لابد من كسرها وإضعافها. لكل هذه الأسباب سيطرت لغة العنف، كل طرف يريد دعم مواقعه وكسب مواقع جديدة، على أمل وضع نهاية للصراع، لقد ا استطاعت السلطة تحويل الصراع السلمي إلى عسكري، لتطلق العنان لآلتها العسكرية، في قصف المدن والأحياء، لا تمييز عندها بين الحجر والبشر، وكل مرة تعلن فيه الانتصار يكون على أنقاض، لا تلتفت إلى رأي الشارع، بكل مكوناته الذي يدفع الثمن، بل أن سياستها في إنهاك قوى المجتمع، وتدميرها، لإعادة صياغتها وفق إرادة ومشيئة النظام، وفق منطق القوة التي يملكها إن بقيت ، حيث وعدت المتضررين بالتعويض، وهي إحدى طرق المساومة على الولاء. مع إن الوقائع تشير أن النظام القائم غير قادر على إعادة البناء وما يستلزمه من نفقات هائلة لا يمكن تقديرها ، حيث أنه في كل محافظة الخسائر المادية تقدر بالمليارات.
كل ما جرى ويجري يشير إلى الفشل الذريع التي منيت به مبادرات الحل السياسي للأزمة السورية سواء الدولية منها أو العربية، . كما أن المبادرة الأخيرة من بعض الدول العربية التي توجهوا بها إلى الأمم المتحدة، ولدت ضعيفة و عاجزة، وغير قابلة للحياة، والأهم لا تعبر عن حاجة الواقع السوري من حلول. رغم الزخم و الدعم المعنوي لها بما كسبته من أصوات الأغلبية المطلقة من الأعضاء، في مواجهة أقلية تدعم النظام السوري هم حلفاؤه الدوليين إيران وروسيا ومن لف لفهما يدعمون النظام بكل أسباب القوة الاقتصادية والسياسية، والأهم من كل ذلك الدعم العسكري، حتى بدا أن موقف أقلية من الدول أقوى من موقف أغلبية مطلقة، بسبب حجم الدعم ونوعيته، غير أن المسألة التي يجب مناقشتها في هذا السياق، يتلخص في الموقف الروسي و الإيراني الداعي في كل مناسبة وكل مؤتمر دولي أو صحفي إلى عدم التدخل الدولي في الشأن الداخلي السوري، أما في الواقع فإن كلاً من روسيا وإيران هم من يتحمل مسؤولية تدويل الصراع وفق أحكام القانون الدولي.
حيث أن الصيغة البسيطة الواضحة حتى يتصف الصراع بصفة صراع دولي، حيث يقوم الصراع بين دولتين أو أكثر، إلا أن ذلك ليس معياراً، بل أن أكثر الحالات شيوعاً، و التي تبدو ضبابية وفي الخفاء، هي حالات التدخل المستتر حيث نجد أن التدخل الدولي يتحقق حتى لو تم تحت ستار إرسال خبراء عسكريين، مما يرتب عليه تدويل الصراع، لأنه يكشف على أن الصراع بلغ حداً من الجسامة لم تعد السلطة الحاكمة قادرة على مواجهته إلا بالاستعانة بالخبرات الأجنبية، وهكذا يكون الصراع ظاهرياً غير دولي وفي حقيقته يكون له صبغة دولية . ولدينا مثال تم عرضه على المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا بصدد الأحداث التي جرت فيها، حيث كان الصراع المسلح اعتباراً من سنة 1992 دائراً بين جمهورية البوسنة والهرسك وبين طائفة من مواطنيها هم صرب البوسنة فقضت المحكمة بأنه متى ثبت أن جمهورية يوغسلافيا كان لها الإشراف العام على مجريات الصراع فإن ذلك يكفي لوصف الصراع بأنه صراع دولي تنطبق بشأنه أحكام القانون الدولي الإنساني التي تنظم الصراعات الدولية.
، وعلى الرغم من الأدلة الكبيرة التي تثبت الدعم العسكري الروسي والإيراني للنظام السوري، وتقديم الخبرات العسكرية، مما يعطي للصراع الدائر طابعاً دولياً، فإنه من اللافت أن أحداً من الأطراف الدولية وفي جميع الاجتماعات التي دارت في مجلس الأمن وغيرها حول الوضع السوري، لم يتم مواجهة الموقف الروسي بهذه الحقيقة وعندما تم نقل الموضوع إلى الأمم المتحدة، بدا المجتمع الدولي والإقليمي والعربي عاجزاً عن اتخاذ قرار جريء في مواجهة الفيتو الروسي الذي يمنع اتخاذ قرار في مجلس الأمن . إذاً أن يتم إصدار قراراً بعد عشرات المؤتمرات الدولية والاجتماعات الدورية لمجلس الأمن، وبعد سنة وسبعة أشهر من استعمال العنف ضد الشعب السوري، و أن تتم دعوة الجمعية العامة للانعقاد، المنظمة التي لديها الحق في العمل وفق تقليد سابق تحت ما عرف بالاتحاد من اجل السلم والذي بمقتضاه مارست الأمم المتحدة التدخل في شبه الجزيرة الكورية بسبب عجز مجلس الأمن عن اتخاذ ما يلزم من إجراء بسبب الفيتو السوفيتي حينها . والتاريخ يعيد نفسه في فشل متكرر لمجلس الأمن على إصدار قرار ملزم يوقف العنف في سوريا، بسبب من الفيتو الروسي . لذلك كان الموقف الأممي ناقصاً وقاصراً وخجولاً ومضيعة للجهد، بل هروب إلى الأمام، إن إدانة نظام انسلخ عن المقومات الأخلاقية والمبادئ القانونية والشرعية، وارتكب كل أنواع الجرائم الخطيرة والجرائم ضد الإنسانية ولم يجد من يلزمه على وقف جرائمه، لن يحرجه هذا القرار كثيراً، بل يطمئنه أن مازال لديه متسعاً من الوقت، ليدافع عن سلطته.
إن السلطة السورية تبذل قصارى جهدها في قمع الثورة، وتسعى للسيطرة على الأرض ولو كانت سيطرة على أنقاض، كما أنها لا زالت تكابر، ولم تعترف بالمعارضة القائمة على الأرض، رغم تصريحات تصدر من قبل أعضاء في حكومتها عن استعداد السلطة للحوار حتى مع المسلحين من المعارضة، أما في الواقع فإن السلطة تسعى لأن تنتصر وتزج بمعارضيها في السجن وتحولهم للمحاكم المختصة، ناهيك عن الإعدامات الميدانية اليومية خارج القانون. وإن العرف الدولي يقضي في حال فشلت الدولة في قمع الثورة على وجه السرعة وهذا وضع الحال السوري،كما انه إذا تمكنت فوات الثوار من الاستقرار على جزء من إقليم الدولة فإن مسألة الاعتراف بالثائرين تطرح حينئذ على السلطة بقوة، وإن اعتراف السلطة بالثائرين يلزم السلطة إلى إخضاع قوات الثوار الذين يتم اعتقالهم إلى قوانين الحرب ومعاملتهم كأسرى حرب، لا كخونة،
: إن طرح أحد أطراف من المعارضة ممثلاً بمجلس أمناء فكرة الحكومة الانتقالية، جاءت صدى لطلب من دول عربية تتلمس التغييرات الجارية في الداخل السوري، ، غير أن المجلس الوطني الذي يعتبر الأكثر تمثيلاً لقوى المعارضة لم يبادر للدفاع عن مواقعه، على اعتبار أن المكتب التنفيذي بوصفه هيئة تنفيذية ورئيس المجلس فيه يعتبران بمثابة حكومة انتقالية، فهناك جملة من التطورات لم يستطع المجلس الوطني التصدي لها وقللت من تمثيله منها موقف الكتلة الكردية التي تعزز مواقعها ومطالبها نحو فيدرالية، والأخوان المسلمون يسلحون قسماً من الموالين لهم في الداخل تحت مسمى حق الدفاع عن النفس، كما أن هناك صراعاً مستتراً بين الجناح السياسي والعسكري وفي ظروف الصراع العسكري الدائر يتفوق أصحاب القرار الفاعلين على الأرض، إن الأجنحة العسكرية التي اتفقت على هدف إسقاط النظام، يشكلون تيارات مختلفة لكل منها قواها وأهدافها الخاصة، بسبب تباين التنظيم والقدرات العسكرية، ومناطقية الفعل، وحداثة الظاهرة، حيث الكثير ليس لديهم خبرات قتالية، وخروج قسم كبير من القادة العسكريين خارج سوريا، وظهور قوى سياسية تقوم على العمل العسكري مستقلة عن الجيش الحر، إن وضع المعارضة السورية خاصة الموجودة في الخارج حيث ركبت موجة الصراع ولم تستطع قيادته، لأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية، وجاءت فكرة حكومة انتقالية لركب موجة الصراع الجديدة، والتي تقوم في جوهرها على إمكانية تحرير جزء من أراضي الدولة، وأهمية وجود حكومة انتقالية تقود من الإقليم، وفق الأعراف الدولية، مع أن أصحاب المبادرة هم جزء من المعارضة التقليدية، وإن لم يمثلوا شخصياً في المجلس الوطني فإن التيارات التي ينتمون إليها ممثلة في المجلس، ولكن يسجل للأستاذ هيثم المالح على أنه هو من بادر منذ بداية الحراك وطرح مسألة حكومة انتقالية لاقت وقتها الكثير من النقد وكانت سابقة لأوانها، أما الآن وقد نضجت الظروف الملائمة لها، فإن السبق لها وتجاوز التشكيلات القائمة، يعبر عن روح الزعامة التي تنخر المعارضة وعدم الثقة بين أطرافها، وغياب الوسائل الديمقراطية التي تحكم العلاقات فيما بينها، وتغليب المصالح الفئوية الخاصة وكسب المواقع التي يسعى إليها كل طرف من المعارضة في وقت غير مناسب،

سحر حويجة

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق