زملاء

برهان غليون : الثورة السورية الكبرى أمام تحدي الانتصار

١ـ ليست المصطلحات التي استخدمت ولا تزال تستخدم للتعبير عن الثورة السورية بريئة ولا عفوية، ولكنها تعكس المصالح العميقة، واحيانا غير الواعية، لمستخدميها. ولا اريد ان اشير هنا الى مصطلح الحرب الاهلية او الطائفية التي تتردد منذ بداية الثورة، ولا عن العصابات ثم المجموعات الارهابية التي يستخدمها النظام، والتي تعكس نكران الواقع وارادة الحرب المعلنة ضد الثورة، والسعي الى مواجهتها بكل الوسائل، فهذا امر بديهي اليوم ومعروف. لكنني اريد ان اشير الى استخدام مصطلح المعارضة بوصفها الطرف المناقض للسلطة الذي درجت عليه الدبلوماسية الدولية عموما ووسائل الاعلام الاجنبية والكثير من الاعلام العربي، والذي يغيب تماما مفهوم الثورة ومنطقها ومفرداتها. وقد اوقع هذا الخلط بين الواقع والصورة الخاطئة المشكلة عنه اطرافا عديدة في الخطا، وادخل مقارباتها او سياساتها في طريق مسدود، وحكم على خططها جميعا بالفشل، وفي مقدمها ما سمي بمبادرات الحوار بين السلطة والمعارضة من أجل انتقال سلمي للسلطة. فالاطراف الدولية التي اختصرت كل ما يحصل في سورية اليوم من احتجاج شعبي واسع النطاق بنشاط المعارضة بالمعنى السياسي والحزبي للكلمة، وجعلت من التفكير فيها وتحليل مواقفها والتشديد على عيوبها محور اهتمامها، انتهت الى تجاهل ديناميكيات الثورة التي تسيطر على الارض وتتحكم بالتحولات والاحداث، وجعلت من توحيد المعارضة القليلة التأثير في الوقت الراهن لازمة يومية، فاخطات في فهم آليات التحول الجارية، ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة. وهي لم تدرك ان انقسام المعارضة ذاته لا ينبع من الاختلاف السياسي أو الايديولوجي وإنما من علاقتها بقوى الثورة واحداثها ومن التنافس في ما بينها على اعطاء معنى لحدث الثورة الكبير أو أحيانا كثيرة من استخدامها لتأمين مواقع في حركة التغيير تضمن لها في المستقبل الحصول على مناصب قيادية. اما النظام الذي راهن على الانكار المطلق للثورة ومنطقها ورفض الاعتراف حتى بوجود المعارضة السياسية الكلاسيكية فقد تمسك بفكرة المؤامرة الارهابية ولم يبق له من افكار لمواجهة الوضع سوى فكرة الاستئصال بالقوة والعنف، كما حصل في الثمانينات من القرن الماضي في حماة، لكل ما يمت للثورة بصلة من تظاهرات أو احتجاجات مدنية أو مقاومات شعبية. والنتيجة مزيدا من الانفجار وتوسيع قاعدة الثورة وانتشارها في كل مكان بموزاة التصعيد الجنوني في العنف والممارسات الوحشية..

٢ـ هناك بالتأكيد معارضة سياسية في سورية مرتبطة اليوم اكثر فاكثر بالثورة لكنها لا تشكل القوة المحركة فيها ولا يمكن ان تشكل مثل هذه القوة. إنها بالاحرى تابعة ولا يمكن إلا ان تكون كذلك للثورة بما تمثله من ديناميكية تاريخية فاعلة مرتبطة بزخك كتلة شعبية متفجرة تحركها روح لا تخمد من إرادة التحرر والتضحية والفداء، وهي وحدها من يملك زمام المبادرة على الارض. والفرق بين الثورة والمعارضة هو الفرق بين منطقين وديناميكيتين اجتماعيتين مختلفتين تماما. فلا تعمل المعارضة إلا بمنطق السياسة القائم هو نفسه على الحوار والتفاوض للوصول إلى تسويات أو حلول وسط ترضي جزئيا على الأقل الاطراف المتنازعة. ومن دون هذا الحوار والتفاوض ليس للمعارضة اي امل في تحقيق شيء. ولذلك يرتبط نجاح المعارضة بالخبرة السياسية العملية وبمقدرة القادة السياسيين ومهاراتهم في فن الحوار والمفاوضة والمناورة السياسية والتكتيكية بشكل خاص. ولا يمكن لها ان تتقدم من دون خطط واضحة وبرامج مبلورة واهداف معروفة للجميع. فالسياسة هي فن الوصول إلى أهداف ممكنة بوسائل قانونية وشرعية اي سلمية. وهذا يعني انها ممارسة واعية ومنظمة وعقلانية تتحقق ضمن نظام مستقر على مباديء وقواعد واضحة ومعلومة.
وبالعكس، تشكل الثورة ظاهرة من نوع الظواهر الطبيعية التي لا تخضع لمعايير العقلانية السياسية العادية ولكنها تستمد هويتها من منطق اخر تماما هو منطق الانفجار. فهي ظاهرة موضوعية لا ترتبط بأي وعي نظري صوري أو أعداد مسبق أو مسار مخطط له، ولا يتحكم بها أي إدراك سياسي او غير سياسي. هي تعبير عن حالة استثنائية بكل المعاني، استثنائية في مضمونها وفي شكلها معا. ولذلك لا توجد ثورة شبيهة بثورة اخرى وليس هناك نموذج واحد للثورات. وما يسيرها هو منطق داخلي عميق يستمد قوته ومعناه من منطق الانفعال العميق المرتبط بكتلة من العواطف والمشاعر والإدراكات المتناغمة والمتباينة، المتراكمة عبر التاريخ الاجتماعي لحقبة طويلة من الزمن. وهو منطق البركان الذي يتفجر فجأة وعندما يتفجر لا يستطيع احد ان يقوده او يتحكم به. وتزداد روح الثورة اشتعالا بمقدار ما تواجه من مقاومة أو عوائق وليس العكس. ويقودها منطق التحدي الذي تدفعه المصاعب الى المزيد من التجذر والمغالاة والنزوع الى القضاء على كل من يقف في طريقها او تعتقد انه يفعل ذلك، حتى لو كان داخل صفوفها. فليس في الثورة مساومة ولا مهادنة ولا ترشيد للجهد أو اختصار للمسار. ليس للثورة اهداف مستقلة عنها وإنما هي نفسها الوسيلة والهدف من حيث هي تعبير عن التغيير والتحول الاعمق وتجسيد لانهيار الوضع القائم والانقلاب الشامل عليه. هي غاية ذاتها، وتحققها هو تحقق لهدفها في الوقت نفسه.
في منطق الثورة ترمي الشعوب نفسها بكليتها وتضع مصيرها بأكمله في الرهان فإما النصر أو الموت. فالثورة من الظواهر الحدية التي تعني ان الاطراف ترمي بنفسها فيها بشكل كلي وشامل لا توسط فيه ولا مساومة، ومن دون حساب او حتى من دون تفكير في العواقب او النتائج وفي الربح والخسارة .وهذا يعني ايضا انه لا مجال ولا مكان للهزيمة، للتراجع او للاستسلام والعودة إلى قانون العبودية والمهانة والإذلال. فالتضحية تقود في الثورة إلى مزيد من التضحية ومن دون حساب، والقتل الذي يستهدف الثوار لردعهم عن الاستمرار يجر إلى المزيد من القتل بمقدار ما يصبح فاقد الطاقة الردعية والمعنى. وما شهدته الثورة السورية هو التصعيد المتبادل: في التضحية والتفاني من قبل الثوار من أجل الخلاص والتحرر من العبودية من جانب اول، وفي القتل المنظم الهادف لكسر ارادة التحرر والانعتاق من جانب آخر.
من هنا لا تنبثق الثورة من التأمل المسبق وإنما بالعكس من حالة تفقد فيها كل التنظيرات والحسابات السياسية معناها سوى حساب كسر الطوق والخروج من الاسر والانتصار. ولو تأمل الثوار في عواقب ثورتهم ومآلاتها ما كانوا رموا بانفسهم فيها. هناك قيمة واحدة تحرك كل الثورات هي الحرية، ومنطق الثورة هو دائما التطلع الى الحرية التي تعني ايضا الخلاص من القهر، أو الموت.
٣ ـ لم يبرز الاختلاف بقوة في البداية بين منطق الثورة السورية ومنطق المعارضة. فقد كانت المعارضة في طريق مسدود وجاءت الثورة لتفتح امامها جميع الآفاق. وكما نظرت القوى الثائرة إلى المعارضة بوصفها امتدادا لها في الداخل الاجتماعي والخارج الدولي، رأت المعارضة في الثورة بساط الريح الذي سيحملها إلى تحقيق برنامجها السياسي وأهدافها. لكن مع الوقت، وبموازاة تحول الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، بدأ التميز يظهر بشكل اكبر بين منطق الثورة ومنطق المعارضة السياسية.
وقد اخذ هذا التمايز يعبر عن نفسه في البداية في المقابلة بين معارضة الداخل والخارج ثم في التباعد بين مواقف المعارضة نفسها، واستقلال طرف من المعارضة بالتمسك بالسلمية وتوجه اطراف اخرى نحو تبني خيار تسليح الثورة لمواجهة عدوانية النظام المتزايدة وهمجية سياساته. وهذا ما يفسر انهيار مواقع هيئة التنسيق التي لم تنجح في مواكبة التحول الداخلي للثورة وتعلقت بحلم السلمية الدائمة مهما كان الوضع.
لكن في ما بعد سوف يؤثر هذا التعارض بين منطق الثورة ومنطق السياسة على مكانة المجلس الوطني نفسه الذي اعلنته الثورة ممثلا لها في الفترة الاولى. وقد باءت محاولتي، كأول رءيس للمجلس، لرسم طريق وسط يؤلف بين منطق الثورة الذي لا يساوم ومنطق السياسة الذي يطمح إلى بناء معادلات وتوازنات داخلية، تخفف من احتمالات المواجهة الشاملة والتصعيد اللامحدود بإبقائها على هامش من المناورة السياسية ورفض القطيعة مع اطراف المجتمع المترددة ومع المجتمع الدولي معا، بالفشل بسبب سد النظام الطريق امام اي حل سياسي واعتماده سياسة الاستئصال المطلق للثورة. وبهذا الفشل تم أيضا القضاء على اي امل في تحول المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة وبالتالي الى المواءمة بين الثورة والسياسة التي من دونها لا يمكن وجود اي افق للخروج من المواجهة والتصعيد المستمرين من دون قاتل أو مقتول. فأمام استمرار النظام في نهج الحرب الشاملة الاستئصالية من الصعب للسياسة ان تؤمن لها مكانا في دائرة الثورة التي تنزع هي ايضا إلى جعل التصعيد في العنف تجاه النظام خيارها الأول وترى في اي مسعى لفتح طريق اخر غير المواجهة اضعافا لها امام آلة حرب نظامية لا تعرف إلا صناعة الموت والدمار.
٤ ـ يقود هذا الوضع الذي يجمع بين اقتراب النصر على النظام وفي الوقت نفسه الخوف من الفوضى بسبب غياب القيادة السياسية ـ والقيادة ليست مجرد رؤية لسورية المستقبل، وانما مركز القرار الذي يقود تطبيق هذه الرؤية ويضمن تحقيقها ويحظى في الوقت نفسه بثقة الثوار اولا لكن بقية اطياف الشعب ايضا ـ اقول يقود هذا الوضع إلى نوع من القلق على مصير الثورة من جهة من قبل الشعب والثوار، في الداخل، كما يقود هذا الفراغ السياسي إلى مخاوف كبيرة على مستقبل الاستقرار في سورية والمنطقة ايضا، في الخارج الدولي. فالشعب والثوار الذين يريدون من الثورة أن تحقق لهم اهدافهم في التحرر وبناء سورية جديدة ديمقراطية مدنية تعددية تساوي بين جميع مواطنيها وتضمن حقوقهم وفي مقدمها حقهم في الحياة أي في الأمن والأمان، يخشون أن يؤدي غياب مثل هذه القيادة التي تضبط وقع الثورة وتوجه خطاها وتحظى بثقة الثوار وتأييدهم وبالتالي وحدة التوجه والقرار، إلى وضعية تسود فيها الفوضى وتتصارع فيها القوى الثورية على اقتسام النفوذ أو المواقع أو يسود فيها الانتقام بعد السقوط الحتمي القريب للنظام، ويتضاعف هذا القلق وذاك الخوف اضعافا عندما يتعلق الامر بثورة مسلحة وبجيش تحرير مكون من كتائب لا تحصى ولا تخضع في تنظيم صفوفها لأي هيكلية عسكرية نظامية او سياسية. وبالمثل، لا يطمئن غياب قيادة سياسية واضحة تحظى بثقة الثوار والشعب ولها الحد المطلوب من المصداقي المجتمع الدولي، بما في ذلك اصدقاء سورية، انتشار السلاح على نطاق واسع في بلد يحتل موقعا استراتيجيا وجيوسياسيا خطيرا في منطقة ذات خطورة استثنائية. وترى في ذلك مؤشرا كبيرا على الفوضى العارمة التي سوف تعم بعد سقوط الاسد عندما لن تجد البلاد اي مركز قرار واضح يجمع الناس ويضمن احترام الكتائب المسلحة للقانون وتعاونها والتزامها.
يشكل هذا الوضع في نظري التحدي الاكبر للثورة السورية التي توشك على الانتصار. وهو يخلق حالة من عدم الثقة وعدم اليقين لدى الجميع ويزيد بسببه الشعور بالقلق والخوف كلما اقتربت ساعة الحسم وبموازاة اقتراب سقوط النظام. ويولد هذا الوضع شعورا خطيرا بأن مرحلة مابعد السقوط يمكن أن تكون اقسى وتطرح مشاكل على البلاد اكبر مما هو الحال اليوم حيث لم يعد للنظام اي نفوذ في اي ميدان لكن وجوده الشكلي يساعد على توحيد قوى الثورة والمقاومة المسلحة ضده ويضمن القليل من الاستقرار وضبط النفس.
بالتأكيد لم تساهم الضغوط العنيفة التي مارسها النظام على المعارضة في دفع الاخيرة إلى التعاون والتواصل مع قوى الثورة بما يمكنها من مد جسور الثقة المتبادلة والعمل المشترك والتفكير المشتركين. كما ان حرمان الدول الصديقة المعارضة من الموارد الضرورية لبناء الثقة مع الثوار لعب ايضا دورا كبيرا في استمرار القطيعة وتفريغ المعارضة السياسية من صدقيتها امام الثوار والشعب.
لكن من جهة اخرى لا يستطيع احد ان يخلق قيادة سياسية حسب إرادته. وما تقوم به الدول الصديقة لسورية أو التي تطلق على نفسها هذا الاسم من من مناورات ومساعي كاريكاتورية لتوحيد المعارضة او ابراز وحدتها الشكلية لتزويدها ببعض الصدقية والمشروعية في مواجهة الرأي العام السوري والعالمي لن يفضي إلى شيء. وما تقوم به بعض كتائب الثورة في الداخل من انشاء غطاءات سياسية بديلا لما تسميه المعارضة الخارجية لا قيمة له أيضا ولن يقود إلى ملء فراغ القيادة السياسية الذي تعاني منه الثورة السورية في الداخل والخارج.
٥ـ بغياب قيادة سياسية تملك رؤية نظرية وعملية واضحة وتحظى باجماع الناس وقبولهم، وبالتالي تملك نفوذا كبيرا عليهم لتوجيه خطاهم ونيل تعاونهم وضمان وحدتهم، مما لم تسمح لها الظروف بالنشوء، وتجنبا للرغبة في تركيب قيادة اصطناعية لن تحظى بأي من محددات القيادة، لا أجد بديلا عن تنفيذ مجموعة من الاجراءات العملية والتنظيمية الممكنة والتي تضمن تطمين الرأي العام السوري والدولي وتقليل مخاطر ما بعد السقوط إلى ابعد حد بانتظار ان تنبثق عن ذلك، وهذا ليس مستبعدا، فرصة لولادة الثقة الدافعة هي نفسها لبلورة ولاء ونشوء روح قيادية ايضا عند الشعب والنخبة السياسية معا. من أهم هذه الإجراءات التنظيمية:
ـ العمل على بناء هيكلية ولو مبسطة لكتائب الجيش الحر نتجاوز فيها التشتت والانقسام، وذلك من خلال دفع الكتائب المتواجدة في كل محافظة إلى الانضواء تحت راية قيادة واحدة في مجلس عسكري، يضم ممثلين عنها ويجري فيه التشاور في كل ما يتعلق بالتخطيط للعمليات في المحافظة وتوزيع الموارد المالية وغير المالية. وفي خطوة لاحقة يمكن تشكيل قيادة موحدة من ممثلي جميع المجالس العسكرية في المحافظات. وهو ما سعينا إلى أطلاق حركته في الاسابيع الماضية. لكن من المهم ان يتحقق هذا الهدف تحت اشراف قيادة سياسية سورية حتى يكون له الأثر الذي نريده في ما يتعلق بتعزيز شروط بروز مثل هذه القيادة للثورة. وقد اكتشفنا ان الدول الصديقة بدأت العمل على المشروع ذاته بموازاتن وبعيدا عنا. ويشكل هذا إجهاضا لفرص نشوء قيادة سياسية سورية، ويحتاج إلى معالجة سريعة حتى لا تخرج قوة الثورة السورية المسلحة الرئيسية عن اشراف السوريين انفسهم ونفوذهم.
ـ العمل بنشاط على توحيد المصادر التي تغذي كتائب الجيش الحر والمقاومة، وتوحيد معايير التمويل والتسليح. من دون ذلك سنجد انفسنا امام تشكيل ميليشيات خاصة سوف تخضع شئنا ام ابينا في القريب لإرادة مموليها، وفي وضع تزداد فيه شروط الحياة قساوة سيزيد احتمال تحول الميليشيات إلى مشاريع تحقيق مصالح واهداف خاصة. وهذا يتطلب ان تتوجه جميع التبرعات المالية والعينية الى قيادة سياسية سورية هي التي تتكفل بتوزيعها على الكتائب.
ـ الاستفادة من القوة العسكرية النظامية المنشقة سواء بإلحاقها بالمجالس العسكرية المشكلة في المحافظات أو من خلال تشكيل ألوية نظامية وطنية خاصة تتحول إلى قطب موحد أو مركز استقطاب الكتائب الأخرى والمقاومين بما تتمتع به من تنظيم ومزايا ميدانية، ويكون من السهل توجيهها ودمجها في المستقبل في الجيش الوطني وتحويلها إلى نواة للقوات المسلحة الوطنية الباقية المعاد تشكيلها.
ـ السعي إلى انبثاق لجنة مبادرة وطنية تضم اهم الرموز الوطنية المشهود لها بالنزاهة والعدالة والاستقلال والتي تحظى بحد كبير من التوافق، على ان تقبل هذه الرموز التي لن تتجاوز ربما اصابع اليد بالالتزام بعدم التقدم لاي منصب سياسي، على الاقل خلال المرحلة من الان إلى ساعة تنظيم اول انتخابات رسمية قانونية، وبالعمل سوية في كل الظروف ومهما كان الحال كمجموعة متحدة ومتضامنة وضامنة لمصالح الوطن والشعب العليا، والتجرد عن اي مصلحة خاصة أو شخصية، بما في ذلك دعم طرف سياسي أو اجتماعي أو مذهبي ضد آخر أو شخص مقابل شخص آخر. وأن تتعهد بتطبيق العهد الوطني الذي قبلت به جميع اطياف المعارضة، وباحترام حقوق السوريين المتساوية جميعا والدفاع عنها في كل الظروف. وستشكل هذه اللجنة نوعا من المرجعية الوطنية التي تسهر على وحدة الوطن والشعب واستقلال القرار الوطني وعلى ضمان الاستقرار وخلق الثقة بترفعها على التنافس السياسي ووضعها نفسها على مسافة واحدة من جميع الأطراف الشعبية وتمسكها الوحيد بالاجندة الوطنية العامة وصياغتها لها مقابل الاجندات الخاصة التي ستفرزها القوى السياسية والاجتماعية المختلفة والمتعددة.
تعمل هذه اللجنة كلجنة حكماء او عقلاء وتقوم بالمصالحة بين الأطراف الشعبية والثورية والتوسط بينها لتجنب التوترات والانقسامات أو تجاوزها، كما تقوم بالمشاورات الضرورية لاستصدار توافق شعبي عام حول أي قرار خطير يتعلق بالمصير العام.
ـ تشكيل حكومة مؤقتة، بعد مشاروات تقوم بها لجنة المبادرة الوطنية، تأخذ مكانها كحكومة ظل تضمن وجود سلطة جاهزة لاستلام مؤسسات الدولة وتسييرها حال سقوط النظام، وتقضي على مخاوف انتشار الفوضى في الساعات الأولى من انهيار الوضع الراهن، وتساهم في تطمين المجتمع الدولي على مرحلة مابعد السقوط وتؤمن الغطاء السياسي الضروري على الصعيد الدولي لاقصاء ممثلي النظام في الدول والمنظمات الدولية والحلول محله، وتمثل منذ الآن الدولة السورية الجديدة وسياسدتها ووحدتها واستقلالها.

لن تحل هذه الإجراءات التي هي في متناول اليد مسألة غياب القيادة السياسية التي جعلت البعض من الثوار انفسهم يصفون ثورتنا باليتيمة. لكنها، بالإضافة إلى تعبئة الحراك الثوري والرأي العام عموما حول شعارات الثورة التي لا تعني اسقاط النظام فحسب إنما في الوقت نفسه بناء الدولة الجديدة وتأهيل القوى الثورية والشعب أيضا للدخول في مناخ وسياق هذه الدولة الديمقراطية المدنية التعددية القادمة، سوف تلعب بالتأكيد دورا كبير في تخفيف الاحتقانات والتوترات وتطمين السوريين، من ثوار واهالي، على مستقبلهم، وتزيل قسما كبيرا من المخاوف التي تنتابهم اليوم بسبب حالة التشتت وغياب التأطير وغياب القيادة الموحدة التي تحظى بالثقة وبسبب سياسات الدول الصديقة التي تثير الريبة أيضا وتزيد من التوتر بسبب تأكيدها هي نفسها على المخاوف من المستقبل بعد سقوط النظام أو تصوير هذا السقوط كما لو كان مصدرا للقلق ولتفجر مشاكل لا قبل لأحد في ضبطها بما في ذلك احتمال تفتت البلاد وانتشار معمم للفوضى والعنف. وآمل ان يكون بيننا من العقلاء ما يكفي لتجنب دفع الناس إلى الإحباط والشعور بالخوف في الوقت ذاته الذي بدأت فيه معالم الانتصار تلوح في الأفق واصبح النصر قاب قوسيين أو أدنى.
وفي النهاية، مهما كان الحال، انني على يقين من أن الشعب السوري سيظهر، في الوقت المناسب واللحظة الحاسمة، كما أظهر خلال الأشهر السبعة عشر السابقة، أنه شعب عظيم وخلاق، قادر على تجاوز نفسه والارتفاع إلى مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية والانسانية، ووضع كل الخلافات والحزازات والمخاوف والاحقاد جانبا من أجل بناء الوطن الذي حلم به لعقود، وطن الحرية وكرامة الانسان والفرد ووطن العدالة والأخوة والمساواة. وسوف ينتصر عنده لا محالة كل ما هو نقيض لنظام الموت والخراب الهالك: العقل على الجنون، والوعي على الجهل، والمحبة على البغضاء، والتضامن على الانانية، والتسامح على الانتقام. هذا هو الشعب السوري وهذه هي ثقافة سورية التاريخية. وهي أيضا وسوف تبقى ثقافة سورية المستقبل ومضمون هويتها الواحدة المتعددة معا.

باريس 14 ايار 2012

د. برهان غليون مُفكر وناشط سياسي سوري 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق