زملاء

كميل داغر : تحديات الثورة السورية، ودور اليسار في مواجهتها والتغلب عليها

حين دعتني الهيئة المشرفة على “يساري”، مشكورةً، إلى هذا اللقاء الإلكتروني عن تحديات الثورة السورية، ودور اليسار في مواجهتها والتغلب عليها، طلبَتْ إليَّ الانضباط في حدود صفحة، أو أكثر بقليل. لذا سأَقصُر مساهمتي على حفنة مقتضبة من الأفكار آمل أن يتيح لي مناقشتها الوقتُ الذي ستستغرقه الندوة. وهي التالية :

1- على رغم الإرباكات، الخاصة جداً، التي تميز السيرورة الثورية السورية، وما تنطوي عليه من مشكلات، وتعقيدات، ونواقص، وتشويهات(منها تلك المتعلقة بالانقسام والوعي الطائفيين والمذهبيين)، وتتعرض له من استهدافات مضادة للثورة، محلية، وإقليمية، ودولية، في آنٍ معاً، فنحن إزاء ثورة حقيقية، يشارك فيها، بصورة أو بأخرى، جزءٌ أساسي من الشعب السوري، وذلك ضد نظامٍ دكتاتوري يجمع إلى الاستبداد الدموي، والقهر ، والإذلال، الفسادَ، والنهبَ، الاقتصاديَّ – الاجتماعيَّ، ومن أجل الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي.

2- المشكلات، والتشويهات، الملمَّحُ إليها أعلاه، تشكل تحديات حقيقيةً تقف إزاءها الثورة السورية. ولن يكون ممكناً تجاوزُها، قريباً، وبالقوى الفاعلة على الأرض، التي تخوض الصراع الراهن ضد الدكتاتورية الأسدية، العسكري منه كما السياسي، بل ربما سيكون هذا التجاوز وَقفاً على أن ينمو، ويتجمَّع، خلال الصراع المنوَّه به، كما في الفترة التي ستلي انهيار النظام، مباشرةً، يسارٌ ثوري يمتلك برنامجاً متقدماً – سواء على مستوى قضية الحريات، والديمقراطية السياسية، ومن ضمنها إرساء مواطنية مكتملة ، قائمة على ما تُمكن تسميته علمانيةً ثوريةً تفرض حرية حقّة، على صعيد الرأي والمعتقد، في حين تضمن الفصل الجذري بين الدين والدولة، أو بخصوص الديمقراطية الاجتماعية، وحل مشاكل التنمية، والفقر، والظلم واللامساواة الاجتماعيين، أو بخصوص التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وغير ذلك من قضايا التحرر الوطني والقومي – ويتمكن من إقناع الغالبية الشعبية بتبني هذا البرنامج، وتسهيل الانتقال به إلى التنفيذ.

3- بين هذه الإرباكات والمشكلات، التي تتطلب معالجة عاجلة ، قدر الإمكان، تجدر الإشارة إلى ما يلي:

– على رغم أن ما ظلَّ حراكاً سلمياً حتى وقت غير بعيد، قبل أن تبدأ تتلازم معه أعمال عسكرية فرضها إصرار النظام على القمع الوحشي للتظاهر ، وغيره من أشكال التعبير عن رفض السلطة القائمة، وذلك عبر نشوء الجيش السوري الحر، لا نزال قادرين على اعتبار أن الثورة السورية ، التي سقط خلالها، إلى الآن، لا أقل من 40 ألف شهيد، معظمهم من المدنيين المسالمين، تفتقد القيادة الثورية الحقيقية، سواء منها السياسية أو العسكرية، ومع القيادة البرنامجَ. وهو ما بدأ يتيح للقوى الإمبريالية ، والدول الأجنبية، كفرنسا، والولايات المتحدة، وتركيا، وبعض حكومات الخليج، وغيرها، التدخلَ، بهدف التحكم ببنية الجيش الحر ، وقيادته(اجتماع اسطنبول الأخير ، وما لازمه من تسريبات وإشاعات، بخصوص قيادة عسكرية جديدة)، تحت تأثير التمويل ، والوعود بالتسليح الثقيل ، وما إلى ذلك . ناهيكم عن عمل كل تلك القوى والدول على احتواء الثورة وإجهاضها ، بما هي كذلك، وتحويلها، على العكس، إلى حرب أهلية طويلة الأمد، يتم خلالها استنزاف البلد، بشرياً، ومادياً، وعمرانياً، وتدمير قدراته الدفاعية ، وبُناه التحتية، المدنية كما العسكرية، بالكامل.

– دخول قوى عسكرية أجنبية، سلفية إجمالاً، بعضها أقرب إلى القاعدة، على الخط، ومشاركتها في الأعمال الحربية، على أساس برامجها ومشاريعها الخاصة بها، مع مخاطر ذلك الشديدة على النسيج الاجتماعي السوري، وضمن منحى يخدم التمزيق والشرذمة المذهبيين.

– حصول أخطاء فادحة، أحياناً، تمارسها مجموعات شتى تنسب نفسها إلى الجيش الحر، من ضمنها تركيز القتال في الأحياءالشعبية، مع ما يلي ذلك من كوارث: ضحايا في المدنيين، ودمار شديد في المدن والأرياف؛ ومن ضمنها أيضاً ارتكاب تجاوزات لها طابع مذهبي، أو ممارسة أعمال الانتقام ضد الأسرى ، وحتى أحياناً ضد المدنيين من غير الموالين للحراك الثوري، وإن لم يكن ذلك أصبح هو القاعدة، وعلى الرغم من تنصل الجيش الحر من تلك التجاوزات وإدانته لها ، بين الحين والآخر.

وهي مشكلات لا بد من وعي الحاجة القصوى لضرورة تلافيها، بالتلازم مع التعبئة، بالمقابل، لأجل أن يندفع مجدداً، الحراك الثوري الجماهيري السلمي، من شلله النسبي الراهن، بنتيجة المعارك الطاحنة في الأحياء والتجمعات السكنية الحاشدة، فضلاً عن تشجيع التنظيم الذاتي للجماهير الثائرة، وتقديم الدعم لها، ولا سيما بخصوص تأمين سبل العيش، والطبابة، والحماية، ليس فقط من بطش النظام، بل أيضاً من العصابات المسلحة غير النظامية، ومنها المجموعات المذهبية، واللصوصية، والتكفيرية، والاجنبية ذات الأهداف المشبوهة.

وأخيراً، فإن ثمة دوراً مركزياً ، في ذلك كله، للقوى الديمقراطية العلمانية الجذرية، واليسارية الثورية المناهضة للنظام القائم، وكل الأنوية الديمقراطية الشعبية، التي ظهرت ،إلى الآن، في مناطق شتى من سوريا، في شكل لجان وتنسيقيات للتنظيم الذاتي للجماهير، والجماعات الأكثر وعياً، ضمن الجيش الحر، وكل ما ستنتجه الثورة السورية، لاحقاً، ولا سيما على صعيد الشبيبة، من مجموعات ستشارك في القتال، من مواقع متقدمة، ولكن أيضاً من مجموعات ستلعب دوراً مؤثراً في إنضاج برنامج ثوري حقيقي للحراك الشعبي الجماهيري، وفي تنظيم هذه الجماهير في تنسيقيات يكون لها الدور القيادي الأهم في حياة الناس، التي تنخرط، أكثر فأكثر، في السيرورة الحاصلة، لأجل سوريا الجديدة، حيث الناس يتمتعون حقاً بالحريات الديمقراطية والاجتماعية، ويتمكنون من تحرير أرضهم من الاحتلال، وأنفسهم من القهر والإذلال، والاستغلال، والتبعية، بعيداً من أي قهر أو استلاب.

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق