زملاء

السينارسيت سمير ذكرى يكتب الى زياد الرحباني

الشعب السوري الحبيب الذي جيلا بعد جيل رضع و انفطم و تغذى و لا زال يعيش كل يوم بادئا صباحه بفن الرحابنة جيل بعد جيل…
و احب الرحابنة جيلا بعد جيل منذ بدؤوا بتسجيل أغانيهم الأولى في استوديو الاذاعة السورية و الذي يعود الأن الى المؤسسة العامة للسينما و لذلك و في كل مرة أدخله لأعمل فيه أشعر بالجلال و العظمة كيف لا و أنا أتصور الرحابنة و فيروز معهم يسجلون روائعهم في نفس المكان الذي اقف فيه!.و من ثم كانت لحظات اشتراكهم الموسمي في حفلات معرض دمشق الدولي ليتوافد اليها كل أهل سوريا من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ليحضروا فيروز…و عندما أحيت فيروز ذات يوم من هذا العهد الميمون حفلتها في مدرج بصرى و كما حدثني زياد نفسه و لما رأت الشرطة الذين يضربون بالعصي أهلنا من الجزيرة الذين حضروا خصيصا لسماعها أجهشت السيدة فيروز بالبكاء و هجمت كلبوة على قائد الشرطة لتهدده بالانسحاب ان لم يدخلوا الجميع و هي تصرخ فيه:جاؤوا ليسمعوني و أنتم تضربونهم!.فدخلوا جميعا نساء و رجالا و شبابا و ملأوا أرض المدرج جلوسا وعندها غنت فيروز!.هذه روايتك لهذه الحادثة و تتذكر تعليقاتنا عن هذا النظام الذي لا يجيد التعامل مع شعب سوريا الا ضربا و ركلا و قتلا!.و تذكر يا زياد و هذا كان بين العامين85_86و عندما اتفقنا على قيامك على تأليف موسيقى و الحان فيلم(وقائع العام المقبل)من انتاج المؤسسة العامة للسينما طمأنتك أنه و نظرا للحرب اللبنانية التي كانت لا تزال قائمة و صعوبة تجميع موسيقيين في بيروت ،لا بل رجوتك أن لا تذهب الى دمشق خوفا من انتقام الأمن السوري لأنك كنت تصدر برنامجك عبر اذاعة صوت الشعب مع جان شمعون(بالنسبة لبكرا شو؟) و ذات مرة هزئتم من الجيش السوري و من رئبس سوريا آنذاك،و لذلك غامرنا بحياة أكثر من أربعين عازفا سوريا و أرسلتهم اليك لتقوم بالتسجيل في استوديو الصوت في الحمرا بينما كنت أنا أكمل التصوير في تدمر…و صرت فيما بعد تأخذهم الى حفلات فيروز…و اذكر يا زياد أننا ذات يوم و نحن نعمل على الموسيقى عندك تصاعد صوت قصف شديد،فتوقفت عن العمل و صحت على مساعدك:ابراهيم من وين القصف؟!.و أجابك ابراهيم:من الشرقية عالبستان.و تساءلت أنت:البستان نفسه…شو اليوم بدهم يقبضوا من السعودية؟!. و ضحكتم و انتابتني الدهشة.و في اليوم الآخر أيضا تصاعد القصف و توقفنا عن العمل و صحت أنت:ابراهيم من وين القصف؟!.و أجابك ابراهيم:من الغربية.وأكدت أنت:على بناية عين الرمانة؟!.و أكد ابراهيم ذلك و تساءلت أنا مندهشا:كل طرف بيقصف في يوم القبض و على هدف محدد و بعد أن يعلم الطرف الآخر؟!.هاي هي حربكم الأهلية؟!.فقلت ليي:لك خيي لو كل قذيفة نذلت على راسنا كنا انقرضنا!.
(2)
أنعش ذاكرتك عزيزي زياد بأيام سررت فيها بالتعرف عليك فنيا و أن أكون قريبا من الرحابنة و لأسباب شخصية أيضا فلقد كانت أمي رحمها الله تحدثني عن السيدة فيروز أمد الله في عمرها لأنهما كانتا زميلتا دراسة في مدرسة زهرة الاحسان في بيروت و عن اعتراض بعض الراهبات على صوت (نهاد حداد_فيروز) عندما كانت ترتل و هي طفلة صغيرة بعد في جوقة الكنيسة:حاج تنوي!.أما أنا فلقد كان لصوت فيروز ذكرى أخرى:و بسبب خطأ طبي عندما ولدت في الجامعة الأميريكية في بيروت فقدت النظر بالكامل لمدة خمسة اعوام خضعت خلالها لعلاج طبي مستمر حتى استعدت النظر و أزيلت الغشاوة عن عيني و أذكر أنني عندما رأيت كانت أول من رأيت سيدة جميلة تقف أمام المرآة و هي تمشط شعرها الطويل الأسود و تلك كانت أمي بينما كان ينبعث من الراديو صوت فيروز يغني:سمراء مها!…أذكر كل هذا يا زياد كي أجعلك تدرك أنني و كمثل كل الشعب السوري لا نسمح و لن نسمح أن يشوه أحد ما ذكرى الرحابنة في ذاكرتنا الوطنية الجمعية!.لكن ما آلمني يا زياد أن من فعل هذا هو أنت!.أتركك لموقفك السياسي و أنا نفسي الآن لا أتصرف في سوريا و في كثير الأحيان سياسيا بل…انسانيا يا زياد!.أدهشني أنك لم تلحظ الكارثة الانسانية التي يرزح تحتها و فيها الشعب السوري.هذا الشعب الذي أعرف جيدا كم تحبونه و تحترمونه أنت أهلك الكرام.عبر الفايسبوك ارسلت اليك في اليومين الماضيين صورا لأطفالنا في المأساة علما بأنني انتقيتها مقبولة..اشك أنك لم تر أفظع منها.القذائف في سوريا يا زياد و هي كذلك براميل من الطائرات و دك و قصف و نهب و سرقة من الأرض كل هذا لا يسقط على رؤوس الشعب السوري حسب خطة و اتفاق كما كانت حربكم الأهلية التي آسف على كل قتيل فيها .و أذكرك و أذكر كل المثقفين اللبنانيين و العرب أننا قمنا بتوقيع بيان ضد دخول الجيش السوري الى لبنان ووقعه 99من كبار مثقفي سوريا تجده حتى على النت غوغل باسم بيان ال99…!.
منذ فترة و أنا أتساءل :أين زياد؟لماذا لم يبدع شيئا حسب معرفتي؟!.هل لأنه أجاب عن كل شيء سابقا؟!.
كيف يسمح زياد لنفسه بأن يقول انه لم يقم أية علاقة عمل مع النظام السوري حتى 2007!.و موسيقى فيلم (وقائع العام المقبل)التي حدثتك عنها.و هنا لا يمكنني و بكل شرف و صدق سوى أن أذكر أن زياد كان متواضعا جدا في الأجر الذي تقاضاه و كان لا يطالبنا بل نحن الذين نعرض عليه دفعة من أجره!…. تناسيت كي تبرهن لنا أن النظام تحسنّ فتحسّن بالتالي موقفك منه؟!.
هذه من المضحكات التي تمارسها يا زياد كمثل افتخارك بعضويتك بالحزب الشوعي اللبناني بهدف طبعا بناء نظام شيوعي في لبنان!.ألم تشعر الى الآن يا زياد بعبثية هذه الفكرة المضحكة في بلد ليس فيه مقومات مجتمع طبيعي بالمعنى الماركسي و هذا يطول شرحه و في بلد يحتقرون فيه الطبقة العاملة الأكثر فقرا لأنهم سوريين؟!.
هنا الأزمة في كل أسلوب زياد الذي أوصله الى ما يشبه عمى البصر و البصيرة ليس تجاه الشعب السوري و المحنة الانسانية المهولة التي هو فيه بل اتجاه بلده حتى ليبدو سمير قصير عبقريا بالمقارنة مع الفكر السياسي لزياد و حزبه الشيوعي عندما قال:ان لم يقم في سوريا نظام ديمقراطي فلن يقوم نظام ديمقراطي في لبنان!.و دفع حياته ثمن هذه الفكرة.أما زياد الرحباني فيصاب بهذا الاستعصاء الابداعي و الانساني و الأخلاقي نتيجة ارتباطه بفكرة عبثية و سخيفة و حتى متخلفة بعد انهيار النظام الشيوعي(و لم يكن كذلك)في الاتحاد السوفياتي!.
يا شعبي السوري النبيل و الحببب تأملت طويلا المكم و مفاجأتكم و صدمتكم و اسفكم على و من زياد و حرصكم على ضبط ردود أفعالكم احتراما لأرواحكم المتألمة و المكلومة و التي تعزي نفسها بدندنة الرحابنة و زياد منهم.انني متأكد أن فنانا بمثل موهبة زياد تأليفا و تلحينا لا يمكنه أن يتحمل هذا العقم طويلا.ان هناك في باطنه بركان يتفاعل لكنه لن ينفجر من باطن الأرض ليملأ ما يحيط به حمما و نارا الا عندما يحين أوان ذلك!.و ستأتي اللحظة التي أتمناها و بعد أن يزيل بركان زياد الابداعي كل غشاوة تحجب البصر أو أفكار سخيفة تحجب البصيرة!.
سننتظره معا لنحتفل به مرة أخرى في دمشق التي كان شباب سورية يركض وراءه و يواكب حفلاته من مكان الى آخر… هذا الشباب الذي يدفع حياته استشهادا أو نضالا أو اعتقالا بغية خلق سوريا يحتفل بها معنا زياد الرحباني و يغني لها!.
و الا فسننعي و بكل أسف الفنان الكبير زياد الرحباني!.

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق