زملاء

ضحـى حسـن : أمير سابق في “جبهة النصرة” عاد مُدرِّساً

“أُبايعك على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، ما لم نرَ كفراً بواحاً عندنا عليه حجة من الكتاب والسنّة” …. ما إن أنهى “أبو أسيد” كلماته هذه أمام أمير “جبهة النصرة” حتى أصبح من مقاتليها، ثم عُيِّن أميراً على “سرايا خالد بن الوليد” المتمركزة في ريف الرقّة قبل التحرير. هكذا فقط تحوّل عبد الباسط الحسين مُدرِّس الرياضيات، الناشط والمتظاهر، إلى أمير في “جبهة النصرة”.

أمير سابق في "جبهة النصرة" عاد مُدرِّساً

لم يتعدَّ حلم الحسين الملقب بـ”أبو أسيد” نطاق المدرسة التي كان يدرِّس فيها وعائلته الصغيرة التي أخذت تتكوّن قبل الثورة بعام واحد فقط. وحين بدأت التظاهرات بالخروج في الرقّة كان من أول المشاركين فيها هو وزوجته وابنه الصغير، الذي لم يكن بلغ العام بعد، والذي طُلِب إلى التحقيق مع والده، إذ صوّره أحد رجال الأمن وهو على كتف والده محاولاً الهتاف في التظاهرة.

شكّل دخول الحسين إلى المعتقل شرخاً في علاقته مع معظم من حوله في الحي وفي المدرسة أيضاً، إذ تغيرت معاملة الطلبة وعائلاتهم تجاه من اعتبروه في تلك المرحلة تهديداً لأمنهم أو خائناً عند البعض ممن يقفون في صفوف النظام، على حد قول “أبو أسيد”، الذي اضطر حينها إلى إعطاء مادة الحاسوب فقط، في محاولة منه لتفادي الاحتكاك مع المتواجدين في المدرسة، كما انسحب الطلبة من الدروس الخصوصية التي كان يدرّسهم إيّاها.

قبل خروج قوات النظام من الرقّة كان عبد الباسط الحسين على لائحة المطلوبين من قبل قوات الأمن السوري، وتحديداً بعد حادثة تفجير أحد الباصات الذي كان يقلّ مجموعة من الشبّيحة، حيث قام صديقه الذي كان يصنع معه المتفجرات، بإعطاء عدد منها لمن قام بالعملية. وأوضح “أبو أسيد” أن الأمن استدعى أخاه للتحقيق عن مكان وجوده، وعندما أنكر معرفته بمكانه، أخبروه بأنهم “سيعيدونني إلى عائلتي مقطّعاً إلى 4 قطع في حال قبضوا عليّ”.

انضمّ “أبو أسيد” إلى “الجيش الحر” ليصبح مقاتلاً. لم يكن استخدام السلاح غريباً عليه، فهو تعلّم التعامل مع البنادق في معسكر الطلبة أثناء المدرسة، حيث كان تركيب البندقية التشيكية وفكّها والتصويب بها درساً من دروس حصة التربية العسكرية في مرحلتي الإعدادي والثانوي.

توجّه عبد الباسط إلى الحدود وعمل مع عناصر “الجيش الحر” في مساعدة اللاجئين السوريين وإيصالهم إلى الجهة التركية، كما أُوكِلت إليه مهمّة ملاحقة المهرّبين. لكنّه بعد أيام شعر أن جُلّ ما يقوم به “هو ملاحقة المهربين الذين هم من أهالي المناطق ذاتها، والذين لم يتغيّر عملهم عمّا كان عليه قبل الثورة”، لذلك لم يبقَ هناك أكثر من 15 يوماً.

قاتل “أبو أسيد” مع عدة كتائب. بدايةً مع “كتيبة صقور السنّة”، لينتقل بعدها إلى كتيبة “معاوية بن أبي سفيان”، ومنها أصبح مقاتلاً في كتيبة “أسامة بن زيد” التابعة لقيادة “لواء القسام”، لينتهى به الأمر أميراً على “سرايا خالد بن الوليد” التابعة للكتائب الإسلامية المتشددة. يضيف: “أنا إنسان ملتزم دينياً من قبل الثورة، لم يغيّر انضمامي إلى الكتائب المتشددة من هذا الأمر، وما زلت أتمنى أن أكون معهم، لأنهم أكثر الكتائب صدقاً من غيرهم، وتقوم أغلب الكتائب الإسلامية بإنشاء معسكرات تدريب وهناك تتم المبايعة، هو خيار لا يُجبر أحد على القيام به، وأنا بايعت حينها جبهة النصرة”.

خاض عبد الباسط الكثير من المعارك العسكرية ضد جيش النظام. ينزع “أبو أسيد” شخصيّته المدنية، حين تحدّث عن المقاتلين في سراياه بلغة القائد المفاخر: “معظمهم لهم قلب حديدي رغم كل الظروف والخطورة، ولم يكن هناك سوى شرط واحد يمكن الشبان من الانضمام إلى السرايا التي كنت مسؤولاً وهو التزامهم بالصلاة، لأن عدم التزامهم بالفرض يؤجل النصر ويضعفه”.

حرية الرقّة حررت “أبو أسيد”، الرجل الثلاثيني، صاحب اللحية المشذّبة من ثقل السلاح، إذ فضّ مبايعة “النصرة” وترك الكتائب المسلّحة، وعاد إلى صفوف المدنيين، ليؤسس مع مجموعة من المدرسين “اتحاد المعلمين الأحرار”، فهو يرى أنه “لم يعد هناك داعٍ لحمل السلاح داخل المدينة بعد التحرير، فحملُه في منطقة محرّرة هو تشبيح بحد ذاته، علينا العودة إلى أدوارنا السابقة في هذه المرحلة”.

اليوم أسسّ مدرِّسو الرقّة و”أبو أسيد” كواحد منهم، “اتحاد المعلمين الأحرار”، وقاموا بإجراء الامتحانات الدراسية بالتنسيق مع المناطق المحررة الأخرى في أربعة وعشرين مركزاً. يلفت “أبو أسيد” إلى أن الاتحاد يضمّ مدرّسين ومدرّسات “يعملون بشكل تطوعي”، و”سنقوم بإجراء امتحانات البكالوريا قريباً، نحن واجبنا كمدرّسين أن نتيح للشباب أن يتابعوا تعليمهم رغم كل الظروف”.

ألغى “المعلمون الأحرار” التدريب العسكري ومادة القومية، كما قاموا بحذف “منجزات آل الأسد” من كتاب التاريخ، وذلك تحت اشراف لجنة مختصة من المدرسين القدامى. قام الاتحاد بإجراء بعض التعديلات على المنهاج تلك المرتبطة بالنظام فقط وانجازاته، يتحدث “أبو أسيد بتباهٍ عن إجراء الإمتحانات “رغم كل الصعوبات التي واجهناها سواء كانت متعلّقة ببعض المؤيّدين الذين حاولوا تخويف الأهالي من إرسال أولادهم إلى المدارس بحجة أن النظام يقصف مراكز التجمعات، أو مادية حيث لم يقم أحد بدعمنا، حتى الائتلاف الوطني السوري”.

قد لا نستطيع أن نجزم بتعميم نموذج عبد الباسط ” أبو أسيد ” سابقاً على الجميع، فقد يرفض البعض التخلي عن سطوة السلاح، وقد لا نتفق معهم على مفهوم الدولة الاسلامية، ومن الممكن أن يكونوا قد أدمنوا الحرب ونارها. لكننا اليوم أمام مثال حي لرجل عاش الثورة بكل مراحلها بدءًا من الهتاف السلمي وصولاً إلى العصبة السوداء على الرأس، وعودة إلى الخيار المدني.  هناك احتمالات عدة باتت أمام المناطق المحررة: الإسلاميون المتشددون، عمليات الاختطاف والجلد، اعتصامات شباب الحراك المدني ضد الجبهة والدولة، الدعم المفقود من أطراف المعارضة السياسية الرسمية تجاه البنى التحتية. كل ذلك يضع الرقّة وغيرها من المناطق اليوم في حالة مخاض جديد لا أفق له حتى الساعة.

 نقلا عن موقع https://now.mmedia.me/lb

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق