زملاء

فايز سارة : ليس بالإمكان إغماض العين عن سوريا

يتصور البعض، ان الجهود الدولية لعقد جنيف2 وكأنها محاولة لاحتواء ثورة الشعب السوري، ومحاولة لتجديد صورة نظام القتل والتدمير القائم في دمشق او انها خطوة في هذا الاتجاه. ويجزم اصحاب هذا التصور، ان التعاطي بانفتاح مع جنيف2 من جانب المعارضة والسوريين على نحو عام ينتمي الى عالم المؤامرة على الشعب وعلى الثورة، وبالتالي فان الخطوة الصحيحة المطلوبة في الموقف من جنيف2 هي مقاطعة المؤتمر، بل رفض مقدماته ونتائجه، والاستمرار في خط الصراع المسلح مع النظام، وهو الخيار الذي دفع اليه النظام منذ البداية في مواجهة الثورة الشعبية وفعالياتها السلمية، ومطالبها من اجل الحرية والكرامة والديمقراطية وتغيير نظام الاستبداد والقتل، وبناء نظام ديمقراطي بديل.
ورغم ان التصور السابق يقوم في جزء من اساسه على وقائع من بينها استمرار النظام في سياسته الدموية قتلاً وتدميراً وتهجيراً بالتزامن مع اطلاقه مواقف التشدد والتطرف مدعوماً بمزيد من قدرات وامكانيات حلفائه الدوليين والاقليميين من روسيا الى ايران ومليشياتها اللبنانية والعراقية وفي ظل تراخي اوساط فاعلة في المجتمع الدولي ولاسيما الدول الكبرى، فان اصحاب هذا التصور، لا يأخذون بعين الاعتبار جملة من الحقائق مطروحة في المستويات السورية والدولية بين الابرز فيها:
ان الصراع في سوريا وصل مستوى من العنف، لم يعد بالامكان تحمله من جانب المجتمع الدولي والرأي العام الدولي، ليس فقط بسبب ارتفاع حجم الخسائر البشرية والمادية، التي تصيب السوريين، وانما ايضاً بفعل متغيرات الصراع لجهة، انه لم يعد صراعاً بين النظام والشعب والمعارضة بما فيها المسلحة في الجهة الاخرى، انما امتد لتدخله قوى التطرف الديني وابرزها تنظيمات القاعدة وشقيقاتها من الدولة الاسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، وهي قوى آخذة في التمدد والانتشار، اضافة الى دخول تنظيمات كردية مسلحة على خط الصراع، وهو تطور جعل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عرضة لحرب مزدوجة، وجهها الاول هجمات النظام على سكان تلك المناطق، ثم الحروب البينية التي تقوم بها القوى والتشكيلات المسلحة ضد بعضها وضد السكان هناك وفي الحالتين تزداد عمليات القتل والتدمير وسوء الاوضاع الانسانية، وزيادة عمليات التهجير الداخلية والخارجية.
وقد رفع تطور الصراع في الداخل السوري من حدة التدخلات الاقليمية والدولية في الشؤون السورية، التي لم تعد وحدها السبب في تلك التدخلات، انما اصبحت احدى بوابات الصراع بين اطراف تتوزع بين دول وجماعات لها مصالح متناقضة، وجدت في الساحة السورية مجالاً حيوياً للتعبير عنها، والتأثير على الآخرين، ويكفي القول، ان العراق وحكومة الاقليم الكردي في شمال العراق صارا بين اللاعبين الاساسيين في الواقع السوري رغم ان الطرفين يرفعان مواربة راية الحياد، ولبنان صار بين اللاعبين المؤثرين في الازمة السورية من خلال التدخل العسكري لحزب الله رغم اعلان الدولة اللبنانية شعارها “النأي بالنفس عن الازمة السورية”، وهذه التبدلات تنطبق على الدول الابعد مثل ايران وقطر ومصر وبعض الدول الاجنبية ومنها روسيا، التي صارت أكثر غرقاً في تفاصيل الصراع السوري، وهي تشتغل مع أكثر من طرف خارج النظام.
ان الثمار المباشرة لتطور الصراع في سوريا، لم تعد فقط مزيداً من عمليات القتل والتدمير والتهجير، بل صار في نتائجها مزيد من اللاجئين في بلدان الجوار وفي الابعد منها، وهو امر جعل نحو عشرين دولة في العالم تفتح الباب امام هجرة السوريين الهاربين من الموت وتداعيات الصراع، والهجرة ذاتها لم تعد قائمة بصورتها العادية ومسيطر عليها، انما تحولت الى هجرة غير شرعية، الامر الذي يشكل خرقاً لنظام الهجرة والامن المعتمد وخاصة في البلدان الاوروبية، وفي ضوء زيادة حدة التطرف واليأس الذين يشيعهما الصراع في سوريا، فان المخاوف الامنية تتزايد في الغرب واوروبا بشكل خاص في ظل زيادة اعداد المهاجرين الذين يشكل السوريين بعضهم وبينهم كثير من بلدان اخرى استغلوا الوضع السوري لينضموا الى المهاجرين.
وبين الثمار الاخرى لتطورات الصراع في سوريا، تصاعد الحاجة الى مساعدات متزايدة لتخفيف المعاناة الانسانية عن اللاجئين خاصة وعن عموم السوريين الذين ضربهم الدمار اضافة الى العوز والفقر وصعوبات الحياة الناجمة عن الوضع، وهو امر لا يمكن للمجتمع الدولي وخاصة الدول الاوربية ان تتجاهله، وان تستمر في تقصيرها حيال الكارثة التي صار اليها السوريون، والتي ان لم تعالج سيكون لها تأثيرات سياسية واجتماعية وامنية، ليس في بلدان الجوار مثل الاردن ولبنان، التي تشكو اوضاعها الصعوبات التي تعيشيها، بل في البلدان الابعد، وهذا بعض اسباب ما صارت تعيش فيه تلك البلدان من ازمات، تدفع بعض تلك البلدان للوقوف على حواف ازمات تهدد كيانها وامنها.
ان تطورات الازمة الداخلية في سوريا، التي باتت تشكل تحدياً لعالم اليوم، وتحمل بامتداداتها الاقليمية والدولية اخطار تحديات اكبر للعالم ايضاً، وهو بعض ما يفسر سر التحرك الدولي الراهن للعمل على ايجاد مخرج سياسي للقضية السورية، انطلاقاً من فكرة ان الحل العسكري يبدو اكثر كلفة من الحل السياسي، وأقل امناً منه، ومن هنا تأتي المراهنة والضغط على الاطراف السورية للذهاب الى جنيف2، وليس باعتبار ان الامر مجرد مؤامرة، او محاولة لاعادة تأهيل نظام القتل والتدمير والتهجير، ولعل الاشارات والتأكيدات على ان جنيف2، انما يقوم على محتويات جنيف 1 ذي النقاط الست والحكومة كاملة الصلاحيات بما فيها سيطرتها على الجيش والامن، انما تكشف الاساس في التوجه الدولي باتجاه الحل السياسي وتأكيد ضرورة السير فيه.
ليست الحكاية حكاية مؤامرة اذن، انما حكاية ادراك عميق للمصالح وعمل على اساسها، فليس بالامكان اغماض العين عن سوريا وما يجري فيها وحولها، وتداعيات كل ذلك، وهذا هو الاساس في التوجه الدولي نحو جنيف2.

المستقبل
اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق