جفرا بهاء :أم من زملكا بغوطة دمشق: بعد الكيمياوي ننام بعيون مفتوحة
زملكا في غوطة دمشق غيّرت اسمها لتصبح “شهيدة الكيمياوي”، هكذا قال “فراس. ع” الناشط الإعلامي وعضو في تنسيقية زملكا، وإن كان العالم نسي مجزرة الكيمياوي التي نفذها الأسد في غوطة دمشق قبل أشهر قليلة وراح ضحيتها أكثر من 1300 سوري، فإن زملكا لا تزال تعاني من تلك المجزرة وتبعاتها.
أبو محمد أب لـ5 أبناء، قضى معظم نهاره في البحث عن أي طعام ليسد رمق أولاده دون أن يستطيع أن يجد أكثر من فتات لا يغني من جوع.
لا يبدو أبو محمد الرجل الستيني من زملكا في غوطة دمشق، قادرا على الوقوف أكثر، خصوصاً عندما قال محاولاً أقصى جهده منع دموعه من أن تراها أعيننا: “قتلونا بكل شيء.. رصاص وهاون وطيارة و صواريخ وكيماوي بس شوف ولادي عم تموت من الجوع”.
تعيش الغوطة الشرقية ضحية الكيمياوي حصاراً شديداً، ويؤكد ناشطون للعربية نت أن الغوطة على بعد أيام من كارثة إنسانية.
الحواجز التي تتبع للنظام والتي أقيمت منذ شهر تمنع الدخول والخروج من وإلى زملكا، وإن كان دخول الإنسان أصبح ممنوعاً وبشكل كامل، فإنه غني عن القول إن حملة “الجوع أو الركوع” التي أطلقها النظام السوري قبل أشهر باتت قريبة من القضاء على من بقي حياً في زملكا.
ابصم تخرج
قبل يومين، وبحسب فراس، أطلق النظام حملة تحت عنوان “إخراج الشرفاء”، وهي ببساطة واختصار تنص على الموافقة على خروج بعض سكان زملكا بعد أن يبصموا ويوقعوا على ورقة، ولا يعرف من بقي في الداخل “وهم الأغلبية” ما هي تلك الورقة التي يوقع عليها من قرر ألّا يموت جوعاً وكمداً داخل زملكا.
زملكا تملك أراضي زراعية كانت كافية لإطعام الناس بالحد الأدنى، ولكن ومع بدء فصل الشتاء تتناقص الزراعة، وحاليا لا يمكن لأولئك الناس إلا زراعة الملفوف والقرنبيط، وبحسب فراس فإنه حتى تلك الأصناف القليلة من الخضراوات اقتربت من نهايتها، “ولن نجد ما نأكله”.
إغماءات في المدارس
يحاول الأهل إرسال أولادهم للمدارس، حتى لو كانت النتيجة مجرد قضاء بعض الوقت مع أولاد بعمرهم، ولكن حالات الإغماء الكثيرة المتكررة يومياً (4-5 حالات) بسبب سوء التغذية بدأت تنذر بمستقبل قريب شديد السواد.
ويؤكد فراس أن نساء زملكا أصبحن إما أرامل أو ثكالى، فلا يوجد بيت هناك لم يفقد أباً أو أماً أو أطفالاً، حتى أن بعض النساء اللواتي فقدن زوجاً بتن أفضل حالاً بكثير من تلك اللواتي فقدن أزواجاً وأطفالاً.
وتقول السيدة أم خالد “نحن ننام بعيون مفتوحة، لأن التجربة التي مررنا بها والناس التي ماتت بالكيمياوي لا تفارق صورهم مخيلاتنا، عدا عن كوابيس الأطفال في الليل بعدما شاهدوا ما شاهدوه، وننام كل ليلة بعد أن نسلم أمرنا لله خوفاً من أن يضربونا مرة ثانية بالكيمياوي”، وتختم قائلة “نحن نموت ببطء جوعاً وخوفاً ورعباً”.
كيمياوي.. جوع.. وموت
تقول أم عمر “لا يوجد في زملكا ناجون، نحن جميعا ننتظر دورنا في الموت”، ويبدو أنه من لم يمت بالكيمياوي في الغوطة الشرقية سيموت من الجوع بعد أن يشهد موت أطفاله جوعاً.
وإن كانت مدارس سوريا في المستقبل ستستقبل أطفالاً من جميع الأعمار، فإن من سيبقى من أهل أطفال الغوطة الشرقية عموماً وزملكا خصوصاً حياً سيمر من أمام تلك المدارس ويشيح بوجهه، فأطفاله ليسوا فيها، ويصبح يوماً بعد يوم الموت هو اللغة الوحيدة المقروءة في سوريا، واللغة الوحيدة غير المفهومة.
دمشق- العربية