“أدلة فرنسية” عن علاقة وثيقة للاسد بالمنظمات الجهادية في سوريا
علمت «الشرق الأوسط» من مصادر فرنسية رسمية أن الرئيس فرنسوا هولاند سيجري زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية يومي 29 و30 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لإجراء جولة واسعة من المشاورات مع القيادة السعودية، وسيكون الملفان السوري والنووي الإيراني على رأسها.
وترى باريس أن الزيارة مهمة بسبب الظروف الإقليمية والتطورات المتلاحقة التي تتناول الملف السوري والتحضير لمؤتمر «جنيف 2»، الذي يبدو أكثر فأكثر أنه في حال انعقاده فسيتم، في جلسته الافتتاحية، في مدينة مونترو وليس في مدينة جنيف.
وتعد المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، نقطة «التحول» في الحرب الدائرة بسوريا تعود للحظة التي قرر فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما الامتناع عن توجيه الضربة العسكرية للنظام السوري رغم تجاوزه «الخطوط الحمراء» التي حددها أوباما نفسه.
ورغم المخاطر التي كان يمكن أن تترتب على الضربة العسكرية وغموض ما يسمى «اليوم التالي»، فإن باريس تعد الانعكاسات السلبية التي كان يمكن أن تترتب عليها «أقل» من الانعكاسات المترتبة على عدم القيام بها، التي نراها اليوم على الصعيدين الميداني والسياسي. وبرأيها، فإنها لو حصلت لكانت أثبتت أن الغرب «جاهز للانخراط» في الأزمة السورية ومستعد من أجل تغيير «قواعد اللعبة». وبما أن الغرب، وتحديدا واشنطن، اختارت سبيلا آخر، فإن الرئيس السوري بشار الأسد «فهم أنه باق» وأنه «لا دينامية عسكرية جديدة». ومن هنا، فإن من المهم الاحتفاظ بالتفوق الميداني واستخدام كل الوسائل لذلك. وبما أن باريس تعد الحل السياسي «لا يمكن أن يتحقق من غير ضغوط ميدانية على النظام»، فإنها تعتقد أن الأسد «لن يتخلى عن السلطة» وأن «لا أسباب تدعوه لفعل ذلك»، خصوصا في ظل وجود معارضة سياسية وعسكرية منقسمة على نفسها وتفتقد استراتيجيات ذات صدقية.
وتعد المصادر الفرنسية أنه منذ أن اختارت واشنطن الامتناع عن الانزلاق إلى التدخل العسكري، فقد بدا أن الولايات المتحدة «ليست معنية بشكل كاف بالنزاع» و«لا تنظر إليه بالأهمية نفسها» التي ينظر فيها الفرنسيون لنتائجه المباشرة والبعيدة على السواء.
وتنظر باريس بكثير من التشكيك إلى الذين يدعون إلى الواقعية السياسية في التعاطي مع الملف السوري انطلاقا من استنتاج أن الأسد باق في السلطة، ولذا يتعين التعاون معه. ولم تستبعد هذه المصادر أن يكون النظام اقترح على الإدارة الأميركية صفقة، فحواها الالتزام بمحاربة الأصوليين والجهاديين مقابل تليين السياسة الأميركية تجاهه وتجاه مستقبله. وبحسب باريس، فإن خيارا كهذا يغلب عليه طابع قصر النظر، إذ ترى أنه يتعين على من يدعو لمقاربة كهذه أن يتذكر أن الأسد استخدم «القاعدة» في العراق وساعد المنظمات الجهادية في سوريا عندما أفرج عن المئات من أعضائها ومكنهم من الاستيلاء على مخازن السلاح العائدة للجيش النظامي ليستقووا بما تحتويه. وقالت المصادر الفرنسية إنها «تملك أدلة» على هذا الأمر.
من هذا المنطلق، ما زالت باريس ترى أنه من الضروري الإسراع في دعم المعارضة السياسية التي يمثلها الائتلاف الوطني السوري وجناحه العسكري، هيئة الأركان والجيش السوري الحر، الذي يحارب على ثلاث جبهات: النظام والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) و«جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية».
وبالنظر لكل هذه المعطيات، لا تبدو باريس «متفائلة» بما يمكن أن يسفر عنه اجتماع «جنيف 2»، خصوصا أن الغربيين «لم يحصلوا على شيء حتى الآن» من الطرف الروسي لجهة دفع الرئيس السوري للامتناع عن الخوض في الانتخابات الرئاسية في حال حصلت بعد قيام حكومة انتقالية تتمتع بالسلطات التنفيذية كافة. وكشفت عن أن الروس ما زالوا يقولون بحكومة انتقالية، لكنهم في الوقت عينه يتذرعون بالحاجة لإفساح المجال أمام الشعب السوري ليقرر مصير الأسد في الانتخابات المقبلة لتلافي أن يطلب منهم الضغط عليه.
بيد أن موسكو أبلغت الغربيين أنها «غير متأكدة» من أن الأسد يمكن أن يرضخ لطلب ابتعاده عن السلطة في حال قبلت موسكو أن تلعب دورا كهذا. كذلك، قالت هذه المصادر إن موسكو تريد «تدوير» قدري جميل، نائب رئيس الوزراء السوري المستقيل أو المقال من الحكومة السورية وفرضه على المعارضة. ولم تنف الخبر الذي نشرته «الشرق الأوسط» قبل عشرة أيام والذي يفيد بأن موسكو لا ترى غضاضة في أن يعمد الأسد لتأجيل الانتخابات الرئاسية بحجة صعوبة إجرائها بسبب الحرب ومن ثم تمديد ولايته، عبر مجلس الشعب، لسنتين إضافيتين. وفي أي حال، ترى باريس أن «لا سياسة روسية» إزاء سوريا، بل إنها «حجة لإبراز أنها عادت قوة يعتد بها في المنطقة»، والطريق لذلك الوقوف بوجه كل ما يقترحه الغربيون، والأميركيون على وجه الخصوص.
أما بصدد السياسة الإيرانية تجاه سوريا، جزمت المصادر الفرنسية بأن «لا تغير باديا فيها حتى الآن»، بعدها تندرج تحت باب المصالح الإيرانية العليا، وأن انتهاء حكم الأسد يعني «زعزعة أسس حزب الله» الذي هو «مرتكز السياسة الإيرانية» في المنطقة. وأكدت هذه المصادر أن إيران «لا يمكن أن تقبل سقوط مطار دمشق بأيدي المعارضة» لأنه يعني انقطاعها عن حزب الله. لكنها لم تستبعد «ليونة» إيرانية في المراحل اللاحقة إذا ما رأت إيران أنها يمكن أن تحصل على «مقابل» من الغرب على شاكلة اعتراف بنفوذها وبمصالحها في المنطقة كما كانت الحال أيام شاه إيران.
كلنا شركاء