زملاء

وسيم نصر : ما علاقة تنظيم القاعدة بالدولة الإسلامية في العراق والشام ؟

احتل بيان تنظيم القاعدة الأخير حول علاقة التنظيم ب”الدولة الإسلامية في العراق والشام” صدارة الأخبار في الإعلام العربي والغربي صباح اليوم، كما لو أن هنالك في الأمر خبر جديد أو كشف عما كان مستورا أو سرا. وهنا وجب إعادة توضيح ما كنا قد كتبناه وقلناه في عدة مقالات سابقة وذلك منذ بيان أبو بكر البغدادي الشهير في مطلع العام الفائت والذي أعلن فيه قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. 

“الجهاد العراقي”هنا وجب العودة وإن بطريقة مقتضبة إلى حقبة “الجهاد العراقي” لأنه وفي هذه الحقبة ولأول مرة بدأ يظهر التمايز بين تنظيم القاعدة وفرعه العراقي آنذاك أي “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” في تسميته الآخيرة بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي وقبل تشكيل الدولة الإسلامية.

مع الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين وبنظامه عام 2003 دخل العراق والعراقيون في حرب ضروس، ضد الجيوش الغربية التي كانت متواجدة على أراضيه، ثم ما بين المكونين السني والشيعي وبعدها بين ما عرف بالصحوات السنية التي كانت رأس الحربة في الحرب على تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وبعده على الدولة الإسلامية. وهذه الحرب دامت سنوات طويلة قبل أن تهدأ نسبيا عام 2009 ، ذلك قبل أن تعود وتشتد منذ زهاء شهر مع عودة مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى المدن، وخاصة الفلوجة والرمادي، بعد غياب طويل. وهذه العودة لها دلالاتها وتداعياتها العسكرية على الأرض كما وقعها السياسي على الساحة العراقية والمشرقية عموما.

بالعودة إلى الحرب العراقية، وجه الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، ألا وهو تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، سلاحه على السواء نحو الآلة العسكرية الأمريكية ونحو شيعة العراق وبعد ذلك نحو الصحوات التي كانت تحظى بدعم الحكم الجديد وبدعم أمريكي لا محدود تمويلا وعدة. وهذا لم يكن مناقضا بحد ذاته لتوجهات القاعدة الأم آنذاك، إنما الاختلاف كان في سلم الأولويات، حيث تقدم في مرحلة ما قتال الشيعة والصحوات على قتال الجيش الأمريكي.

ومنذ ذلك الحين بدأ يظهر الفرع العراقي كابن التنظيم المشاغب إن صح التعبير. لكنه وبالرغم من ذلك فقد بارك أسامة بن لادن في وقته “توحيد بندقية الجهاد العراقي” ودخول فرع التنظيم العراقي كمكون أساسي بما سيعرف بالدولة الإسلامية في العراق والتي ضمت فضلا عن مقاتلي القاعدة مقاتلي تنظيمات أساسية أخرى كـ “جيش الطائفة المنصورة” و”جيش أهل السنة والجماعة” على سبيل المثال ولا الحصر، وكان ذلك في سياق ما عرف ب”حلف المطيبين” في أكتوبر من عام 2006. منذ تلك اللحظة لم يعد لتنظيم القاعدة الأم أي ممثل رسمي في العراق، حتى وإن كان لأبو عمر البغدادي أمير “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” آنذاك كما لنائبه أبو حمزة بيعة للقاعدة. وهذا ما فتىء يقوله خلف أسامة بن لادن على رأس تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، كما الدولة الإسلامية في عدة بيانات وإصدارات موجهة للعامة ولوسائل الإعلام التي ما برحت تنسب عمليات الدولة الإسلامية في العراق لتنظيم القاعدة.

“الجهاد الشامي” : بدأ نجم الجهاد الشامي في البزوغ مع عمليات تنظيم جبهة النصرة التي اختلفت في طريقة عملها مع سائر الفصائل المسلحة المعارضة والتي كانت تجتمع في وقته تحت مسمى الجيش السوري الحر. والنجاحات العسكرية أمنت لجبهة النصرة حاضنة شعبية لا بأس بها منذ ذلك الحين وحتى كتابة هذه السطور. إلا أن فعالية الجبهة العسكرية لم تكن وحدها سببا لاحتضانها من قبل شريحة من السوريين، إذ أن حرص الجبهة على حاضنتها الشعبية وعملها الدؤوب على تحسين ظروف عيش سكان المناطق  التي وقعت تحت سيطرتها، ذلك دون الانغماس في شؤون الناس اليومية أو الانفراد في قرار المناطق المذكورة عزز من شعبيتها. ذلك فضلا عن تركيزها على العمليات العسكرية والتي تستهدف أهدافا عسكرية، في توجيه صريح لتفادي المدنيين، ساهم لحد كبير في تقبلها. والدليل على ذلك يكمن في محافظتها على هذه الحاضنة رغم بيعة أميرها أبو محمد الجولاني للظواهري ولتنظيم القاعدة، والكل يعرف ما يمثله التنظيم لدى عامة الناس، علما أن هذه البيعة هي إعادة بيعة إذ أن الجولاني كان بايع الظواهري من قبل.

وهنا نصل إلى مرحلة مفصلية سنحاول تلخيصها بسطور قليلة من دون الغوص في تفاصيلها وتشعباتها الكثيرة. في بداية نيسان/ أبريل الماضي صدر بيان عن أيمن الظواهري يدعو إلى “الجهاد في الشام” بعده بأيام جاء بيان أبو بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية منذ أبريل 2010، والذي يكشف فيه أن جبهة النصرة لأهل الشام ليست إلا فرعا من فروع الدولة الإسلامية وأن مسؤول الجبهة العام أبو محمد الجولاني ليس إلا جنديا من جنودها، معلنا في نفس الوقت عن حل الدولة الإسلامية كما جبهة النصرة وعن دمجهما في تشكيل جديد ألا وهو الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وهذا ما لم ينكره الجولاني بل أكده في بيانه الذي جاء ردا على البغدادي، إلا أنه رفض الدمج مجددا بيعته لأيمن الظواهري ولتنظيم القاعدة. تبع هذه المشادة بأشهر بيان للظواهري يعلن فيه عن أن جبهة النصرة لأهل الشام وأميرها الجولاني هما ممثلا القاعدة في بلاد الشام، طالبا من البغدادي الانكفاء إلى العراق. وهنا يبرز تناقض وجب التطرق إليه، فأيمن الظواهري الذي صرح منذ أعوام بعدم تبعية الدولة الإسلامية للقاعدة عاد وأمر هذه الأخيرة بالانكفاء إلى العراق فضلا عن أمور أخرى لا مجال للغوص فيها الآن ولم يتأخر البغدادي في إعلان رفضه وعدم امتثاله لذلك.

كل فريق، إن جاز التعبير له تبرير منطقي لموقفه، فمن ناحية يعلل الجولاني رفضه بعدم إجراء شورى أو استشارته وهو ما يؤيده فيه الظواهري. بالرغم من أن هذا الأخير لام الجولاني لأنه أعلن رفضه للملأ دون استشارته. أما البغدادي فهو يعتبر أنه ليس ملزما باستشارة أحد جنوده وإن كان الجولاني، فيما لا تربطه بيعة كسلفه على رأس الدولة بتنظيم القاعدة. والعديد من الملمين بأمور الدولة الإسلامية في العراق والشام يعتبرون رفض الجولاني بمثابة “انشقاق وشق للصفوف”. بينما يعتبر مؤيدو الدولة أنه لا يعقل لدولة أن تكون تابعة لتنظيم، وأن التنظيم هو إحدى مكوناتها وليس العكس.

إنما هنالك تفسير آخر كان منطقيا في وقته، إذ أن الدولة الإسلامية لم تكن تسيطر على ما تسيطر عليه اليوم من مساحات عابرة للحدود، بينما كانت جبهة النصرة متمكنة من الأرض في سوريا. وكان مؤيدو الجبهة يعتبرون أنه لا يجوز أن يأتمروا بدولة لا وطأة لها على الأرض وهم مسيطرون على مساحات من سوريا ومساهمين في عودة الدولة الإسلامية بقوة إلى الساحة العراقية بفضل إنجازات الشام الميدانية.

ما حال الساحة اليوم؟ : كما قلنا في مقدمة مقالنا، ليس هنالك من جديد في بيان القاعدة الأخير فهو ليس سوى إعادة لما كان قد أعلن من قبل. لكن العبرة في توقيت البيان الجديد، إذ انه بعد مرور شهر من الحرب على الدولة الإسلامية في العراق والشام، بات من الواضح أنه سيكون من الصعب أستئصالها من سوريا، فبدل أن تنحسر ها هي تتمدد وتحكم السيطرة على مناطق تواجدها، وهو ما كنا قد تطرقنا إليه في مقالات سابقة.

والجدير بالذكر هو أن جبهة النصرة وتنظيم القاعدة معها مستفيدان سياسيا، إن جاز التعبير، من أخطاء الدولة الإسلامية في العراق والشام ومن اجتماع الجميع عليها. فها هي جبهة النصرة تبدو أكثر قبولا واعتدالا من الدولة، ومع ذلك يرسم تنظيم القاعدة وجها جديدا له، وجه يستند لحاضنة شعبية متينة. وما الدعم الذي تحظى به الجبهة من عدد من المشايخ المسموعين في الأوساط الجهادية إلا تمكينا لها على الساحة السورية وتأكيدا على هذا التوجه الجديد الذي اعتبر من أخطاء العراق السابقة والتي أبعدت التنظيم عن حاضنته الشعبية آنذاك.

فلأول مرة تجتمع هذه الحاضنة الشعبية مع آراء منظري الجهاد وعلمائه على تبني فصيل جهادي فكيف وهو تنظيم القاعدة، وما البناء على ذلك من قبل التنظيم إلا دخولا في اللعبة السياسية وهو بحد ذاته تطور مهم لا يلقى اهتماما يذكر من قبل المعلقين والمحللين. والكل اليوم إقليميا ودوليا يركز على الحرب على الدولة الإسلامية متناسيا أن ممثل القاعدة في سوريا هو جبهة النصرة. ربما لأن الدولة لا تعترف بحدود وتضرب من “ديالى إلى بيروت” كما قال الناطق باسمها أبو محمد العدناني السوري الجنسية، بل ولأنها تستقطب المقاتلين من أصقاع الأرض إليها، ففي صفوفها الأمريكي والأوروبي والشيشاني والأندونيسي وإلى ما هنالك من جنسيات مختلفة. وهذا ما يقلق عواصم القرار غربا وشرقا، لكنه من البديهي أن الإجماع على محاربة الدولة الإسلامية، وإن كثرت أخطاؤها وتجاوزاتها بحق القريب والبعيد، ليس إلا مقدمة لضرب جبهة النصرة بعدها فمن المؤكد أن من تناسى لم ينس. وحتى إن كانت القاعدة تنفذ إحدى سياساتها المعروفة بإنشاء فروع في كل بلد على حدة، فإن ذلك لن يحول دون أن تكون هي الهدف التالي لا محالة.

فرنسا 24

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق