زملاء

ماري عيسى : سوريا في عصر الجحيم


أمام مشاهد وصور الموت والجحيم الذي يعيشه السوريون، والتي تملأ شاشات التلفزة والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي نصاب بالذهول والصدمة، نشعر بان روحنا تعصر وان عقلنا صار عاجزا عن استيعاب كل هذا الموت. نتساءل هل يعقل أن تكون هذه صور حقيقية لإجرام يمارسه نظام في القرن الواحد والعشرين ضد شعبه الذي خرج إلى الشوارع وهتف للحرية فكان هذا جزاؤه؟؟!! هل يعقل أن تكون هذه الحقيقة والعالم يتفرج ويصمت بعجز مخيف، هل يعقل ان تنشر امام العالم خمس وخمسون الف صورة لأحد عشر معتقلا قضوا في سجون النظام تحت التعذيب ويبقى العالم صامتاً ؟

ليأتي الجواب نعم ونعم والف نعم هذا الواقع الحقيقي يعيشه السوريون بكل ملامحه الكارثية ولما يقرب الثلاث سنوات، والمشكلة ان العالم ومنظمات حقوق الانسان تراقب بصمت وتكتفي بالتنديد وتأجيل اجتماعاتها دون إيجاد أي حل لهذا النزيف اليومي. وكأن العالم مذهولا باكتشافه أنواعا جديدة من الموت قد تصلح لسينما الرعب عنده. موت عرفته البشرية بفضل حكومات أبدعت بقتل شعبها. بدءا بقلع الأظافر لاطفال درعا، إلى الكيماوي الذي استخدمه النظام في الغوطتين إلى القصف على معظم المدن السورية، إلى البراميل المتفجرة التي يمطر بها النظام حتى ساعة كتابة هذا المقال حلب والوعر وداريا…، إلى التجويع والحصار في حمص القديمة والمعضمية ومخيم اليرموك وجنوب دمشق الذي يحصد أرواح ابرياء لم تصل لها البراميل ..إلى الموت تحت التعذيب للمعتقلين في أقبية النظام…
يتكرر هذا المشهد يوميا ويسجل حالات موت جماعي لأرواح أبرياء في الشوارع والبيوت الامنة والمدارس والجامعات بعد القصف بالبراميل المتفجرة في حلب تحديدا منذ عدة شهور من طائرات الميغ المحملة باكثر من ألف كغ من الديناميت والقادر على حصد أكثر من عشرين بناء سكني معا بكل ما فيه من اناس أبرياء؟ لتكتمل المناظر المأساوية بان يقضي الابرياء تحت انقاض الابنية المهدمة. وبعمليات البحث عن احياء نجوا بالصدفة كما حدث واخرجوا عدة أطفال احياء من تحت الانقاض. ولنصادف أن امرأة مفجوعة هلعت تركض لجامعة ابنتها تطمان عليها بعد قصف عليها ببرميل متفجر، فتبحث بين الانقاض لتجد أشلاء ابنتها المبعثرة وحذاءها الملون بالدم ..وغيرها من القصص اليومية التي تدمي القلب والروح، مثل قصة طفل ينجو من الموت في مدرسته ليجد ان رفاقه ماتوا فيقول لماذا انا لم امت ومات رفاقي..لم اعد اريد ان ادرس والعب فمع من ادرس والعب…؟؟قصص محزنة وروايات لا تنتهي في كل بيت سوري ..ولا يكتمل المشهد المحزن بدون ذكر تنظيم داعش (الوجه الآخر للنظام) واعماله الاجرامية ضد الثوار الذي امعن منذ تواجده على تكفير الآخرين وملاحقة الناشطين وقتلهم ..وجعل منطقة الرقة التي سيطر عليها مؤخرا( وقبلها ريف حلب ومنطقة الدانا )مكان له يمرح به ويفرض قوانينه الجائرة على اهل البلدة بعد ان هجر معظم أهلها واحتل بيوتهم..ولونها بالسواد الذي لا يشبه إلا حقدهم وقلوبهم وعقولهم…..
هذه هي سوريا اليوم موت مجاني وساحة واسعة للرعب والقهر وتهديد بعدد اللحظات بكل انواع التعذيب لمن يقول لا للنظام،،اليوم تحديدا تناقلنا بألم خبر استشهاد وسام فايز سارة ابن عضو الائتلاف المعارض فايز سارة تحت التعذيب وبعد شهرين من الاعتقال في فرع الامن العسكري، وتبلغ الشرطة العسكرية ببرقية أخته لتذهب لاستلام الجثة وللتوقيع على أن العصابات الارهابية من قتله..وطبعا وسام واحد من مئات الاف من الشباب الذين قضوا ويقضون تحت التعذيب في معتقلات النظام من حمزة الخطيب وغيث مطر والطبيب البريطاني عباس خان وغيرهم الكثيرون ..وتهمتهم انهم قالوا لا للنظام ونعم للحرية وللانسان..
سوريا اليوم تعيش ابشع عصر عرفته البشرية عصر الجحيم ، العصر الذي تمتلك فيه قوات النظام كل القوة والسلاح لابادة شعبها لأنه خرج عن العبودية وتمرد على ظلم واستبداد عمره اربعون عاماً منذ جاء حكم البعث على سوريا. نظام استبد بشعبه وخنث بعهد الوفاء للوطن وحماية الشعب ورعايته..ليبقى السؤال هل يستحق هذا المنصب
كل هذه الدماء، وهل يستحق ان يحرق البلد ليبقى على عرش الرئاسة.
حقيقة ليس أشد بشاعة من هذا الموت اليومي والابادة الجماعية لهذا الشعب إلا صمت العالم والمجتمع الدولي عن كل هذه المجازر لأنه يعني أيضا سقوط كل النظم الاخلاقية والمعايير الوجدانية والانسانية وموت الضمير لاجل المصالح الدولية وعلى حساب الكرامة الانسانية واحقية الانسان بالحياة.

صحفية و ناشطة سورية

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق