زملاء

عقل العويط : تجديد القَسَم …إلى ياسين الحاج صالح كنا معاً، يا أخي ياسين، ونظلّ معاً.

aklawit.jpg

منذ “إعلان بيروت – دمشق/ دمشق – بيروت” (2006)؛ لم تكن قضية الحرية والديموقراطية في لبنان وسوريا، مسألة يوم ولا يومين. هي، آنذاك، لم تكن كذلك. فهل يُعقَل أن تصبح كذلك الآن، أو بعد عشر، أو عشرين؟!
إنها مسألة خيارات عقلية وثقافية وأخلاقية، كما هي مسألة أقدار ومصائر. ونحن نريدها كذلك، وننحني لها، باعتزاز، لأنها منذورةٌ فحسب للحرية والديموقراطية، في كلا البلدين.
في الماضي القريب، كنا نقيم وإيّاك في منفى. اليوم أيضاً، لا نزال نقيم في منفى، وإن جعلتكَ الأقدار الشخصية والوطنية الصعبة تمضي قسراً إلى غربتكَ الإضافية. كلّ المنافي هي المنفى، يا أخي ياسين، ما دمنا جميعنا لم نعثر، بعدُ؛ كلٌّ في بلده؛ ومعاً؛ على فضاء لبناني – سوري – عربي، يمنحنا أن نعيش أحراراً بكراماتنا، وأن نكون مستقلين وديموقراطيين.
تتذكر بالطبع أن صديقنا المشترك سمير قصير كان يقول: لا استقلال للبنان من دون ديموقراطية في سوريا. كم لا يزال هذا القول صائباً حتى هذه اللحظة. وكم لا نزال بعيدين عن هذين الاستقلال والديموقراطية. أليس لهذا السبب بالذات، كنا معاً، ونظل معاً، يا أخي ياسين، وكان معنا الياس خوري، بل كنا وإيّاه معاً؟!
ما أبشع ما نحن فيه! وهذا فقط لأن لا أحد منا يساوم على استقلال، ولا على ديموقراطية.
كان في مقدورك مثلاً، أن تقول، كما كان في مقدور الذين ظلوا واقفين في وجه العاصفة من المثقفين السوريين الشرفاء والأحرار أن يقولوا: ألف مرة حكم نظام البعث الأسدي الاستبدادي، ولا مرة واحدة ما آلت إليه أحوالنا، في سوريا والعراق ولبنان، من تمزقات وأقدار ومصائر تكفيرية وظلامية.
كان في مقدورنا أن نردّد الشيء نفسه. وكان ليكون ممكناً الاستمرار و”العيش” في ما كانت عليه بلداننا، تحت حكم “الأبد”، إلى “الأبد”.
لكنكَ لم تفعل شيئاً من ذلك. لأنكَ كنتَ تعرف، ولا تزال تعرف، كما كلنا يعرف، ولا ادعاء، أن هذا المنطق التبسيطي الرائج، والمخزي، هو منطق انهزامي، ابتزازي، رخيص، ومهين. وهو بالطبع ليس أخلاقياً، ولا منطقياً، ولا مشرّفاً، لأحد. وخصوصاً لمن يكون شاهداً تاريخياً، وضميراً للوجدان الجمعي. كأنتَ.
نشهد لهذا، وإن تكن الوقائع الكارثية المحدقة بنا، الآن، تحملنا على الشعور بالإحراج الوجودي والنقدي، حيال ما آلت إليه أحوالنا المحلية والإقليمية، وأحوال الثورة السورية، ومفاعيلها في منطقة الهلال الخصيب، بعدما سُرِقت من أيدي حَمَلة مشاعلها النبلاء، الذين قُتِلوا، وشُرِّدوا، ورُوِّعوا، وتعرّضوا للاضطهاد، وفُرِّقوا أيدي سبأ.
نشهد لهذا في الآن نفسه، بعدما سُرِقت من أيدينا في لبنان، انتفاضة الاستقلال، وصارت ألعوبةً في مهبّ السياسات الصغيرة والحسابات الإقليمية.
الظلام العربي، في سوريا والعراق ولبنان، ماحقٌ ومطلق، يا أخي ياسين. فهل يجب، بسببٍ من ذلك، أن نرتدّ على أعقابنا؟ هل يجب أن نسلّم لبقايا الأنظمة، ما لم نسلّم به عندما كانت في عزّ سطوتها؟ هل نستسلم أمام التكفيريين والظلاميين؟ هل نهرب إلى الأمام؟
وماذا نفعل، نحن العزّل، إلاّ من الكلمات وروح التمرّد؟ ماذا نفعل، يا أخي ياسين، سوى أن نكتب ونتمرد؟
كلّ ما نعرفه، أن خيارنا هو أن نكافح بالعقل والكلمة، وأن نظلّ نكافح، من أجل بناء دولة القانون؛ الدولة المدنية. قبلنا، فعل مَن حملوا الأقلام ما يجب أن يفعلوه. نستلهم فعائلهم المضيئة، ونخترع، لنرى أمامنا، فيما نحن نواصل ما يجب أن نفعله، ولا بدّ.
يتشرف “الملحق” باستقبال استبصاراتك الرؤيوية والعقلانية الحكيمة، في الواقع والفكر والنقد والثقافة والدين والمجتمع والسياسة. ويدعو القراء إلى قراءتك بالعقل والروح، في هذه المقابلة النيّرة (ص 22 – 23 – 24) التي أجراها صديقنا المشترك الأستاذ عبدالله أمين الحلاّق.
سلامنا إليك.

 

لقطاء الزواج الصهيوني – الاستبدادي

الفرق بين فكر “الدولة الإسلامية” وفكر “ولاية الفقيه”، كالفرق الظاهري بين سذاجة التسليم الأبله وحنكة التقية، بين خفة العقل ومكر الدهاء. أما في الباطن، فكلاهما يلغي الآخر المسلم؛ فكيف بالآخر المختلف دينياً أو سياسياً أو فكرياً أو ثقافياً أو… مجتمعياً!
قناعٌ واحدٌ بوجهَين مختلفَين، متوأمَين، يستولي على العقل باسم “الدين”. أما النتيجة فسأقول، ولا مفرّ، إنها مأساة. وهي لا تكون إلاّ بالدم والقتل والفجيعة.
الديكتاتوريات واحدة، وإن تعددت أساليبها ومراياها. أكانت سياسية، أم فكرية، أم أمنية، أم دينية، أم عائلية. فهل ثمة حياةٌ تُعاش، يا ترى، في كنف الفكر الديكتاتوري الاستيلائي؟ أعتقد أن لا حياة تُعاش. فكيف إذا كان هذا الكنف ظلامياً وتكفيرياً (سأقول: مذهبياً)؟!
كنا حتى الأمس القريب، بل إلى اليوم، نكافح مدنياً، على مستوى بلداننا العربية، أهوال النظام الاستبدادي، متمثلاً في أنظمة ديكتاتورية، جمهورية وملكية؛ من بلاد الشام وأرض الرافدين حتى المغرب العربي الكبير، مروراً بوادي النيل ومستنقعات الخليج.
في الآن نفسه، كنا، ولا نزال، نحارب الاغتصاب الصهيوني، ونقنع أنفسنا بأعذار واهية للتفريق بين المآسي الناجمة عن العدوّ الإسرائيلي، والمآسي التي يرتكبها “عدوّنا” الاستبدادي الداخلي.
أثمة مجالٌ، بعدُ، للتفريق بين هذين الكابوسين، بعدما تزاوجا تزاوجاً عضوياً لإنجاب أسوأ ما يمكن أن يكون عليه الأولاد المسوخ، في الواقع والخيال؟
نحن الآن في عهد الورثة الحقيقيين لزواج الصهيونية العالمية وأنظمة الاستبداد العربي.
هؤلاء الورثة مقيمون جميعهم في بلداننا العربية، وهم منّا، وفينا. هم جميعهم “دينيون”، لكنهم، جميعهم، يطلقون رصاصة الرحمة على الإسلام والمسلمين، قبل المسيحيين!
هؤلاء هم أعداؤنا. وهؤلاء هم قَتَلَتنا. شأنهم شأن المغتصبين في فلسطين. كلّ استنكافٍ عن الوقوف في وجههم، والتشهير بهم، واستنهاض الهمم لدحرهم، يجعل الحياة العربية مسروقةً منا إلى الأبد.
لأكن واضحاً: إذا لم يهبّ أهل العقل العربي الجريح، ومعه عقلاء أهل الدين الحنيف، في شقّيه، السنّي المتنوّر من جهة، والشيعي المتنوّر من جهة ثانية، للوقوف في وجه هؤلاء المسوخ، فسنكون جميعاً في قبضة لقطاء الزواج الشائن الذي بات مثلّثاً، الصهيوني – الاستبدادي – التكفيري بشقّيه السنّي والشيعي.
الحلول الخارجية كاذبة وقاتلة. بلدان الغرب غارقة في مصالحها ومطامعها وارتباكاتها وارتباط أولوياتها بمصالح إسرائيل. وهي ربما لا تريد أكثر من التفرج المجرم على ما يجري في دول الشرق، و… إلقاء المواد الغذائية للإيزيديين او للمسيحيين المشردين في شمال العراق. وهي طبعاً، وتالياً، غير قادرة على المساعدة في إنتاج حلول مشرّفة، لتخلّفنا المثلّث، الصهيوني – الاستبدادي – التكفيري.
نحن شهود (وشهداء!) هذه المعطيات الجهنمية والكارثية البالغة التعقيد. أما آلهتنا وقادتنا فهم هؤلاء: الصهيونية، الاستبداد، والتكفير… في شقّيه السنّي والشيعي، معاً، وفي آن واحد.
إذا لم نفعل شيئاً جوهرياً، لمواجهة مفاعيل هذا الزواج الكابوسي الظلامي، الجاثمة على مصائرنا وأقدارنا، فالأجدى أن يقيم المسلمون صلاة الغائب. وأن يقيم، مَن تبقّى من المسيحيين الشرقيين، صلاة الجنّاز وفق الطقس الأنطاكي.
المدنيون، الديموقراطيون، العلمانيون، اليساريون، الليبيراليون و… المؤمنون المتنوّرون، يجب أن يفعلوا شيئاً جوهرياً مضاداً، يهزّ الوجدان الجمعي العربي، ويكسر شوكة الظلاميين، وأنظمة الاستبداد، معاً، وفي آنٍ واحد. إذا لم نفعل ذلك، الآن، كلّنا، وهنا، فسننوح طويلاً فوق ضرائح الأمل والحياة والحرية.

* * *

لن

سوف نفعل كلّ ما لا يمكن أن يكون. سوف نفعل كلّ ما يمكن أن لا يكون. حجر المستحيل سوف ننحته من أجل أن يكون حجر الممكن. ولا هوادة. وسوف ننحت الهواء. وسوف ننحت المطر والينبوع. وسوف ننحت الخيال. وسوف ننحت النوم. وسوف ننحت الضوء. وسوف كلّ احتمال. واجتراح. إلى أن يطلع الفجر.
وسوف نشلّ يد القتل بيد الروح والشعر. وسوف جمهوريتنا ملاعب للهواء. وسوف سقفنا السماء. والحرية.
قبل ذلك، لا.
قبل ذلك، لن.

akl.awit@annahar.com.lb

ملحق النهار

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق