أحمد سليمانالشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسانزملاءمنظمة نشطاء الرأيهيومن رايتس ووتش

فالنتاين السوري.. حبٌّ ممرّغٌ بالدم والثورة

قتلوه وهو يردّد: "مرتي تاج راسي".. إنه محمد ضبّة

أحمد سليمان: في أبريل 2023، أي بعد تسع سنوات على مقتله، تم التعرف على هوية الثائر السوري صاحب المقولة الشهيرة “مرتي تاج راسي”، إنه محمد ضبّة، ابن حلب، الذي اعتقلته مليشيات الأسد، وسحلته في شوارع حي القطانة.

كانوا يركلونه بكعوب أحذيتهم، يسألونه عن مكان أبنائه الذين شاركوا في المظاهرات، ولم يكن جوابه سوى الصمت والصبر. وحين طلب منه أحد عناصر الشبيحة أن يقدّم زوجته مقابل رؤية أبنائه، ردّ بكلمات كانت آخر ما نطق به: “مرتي تاج راسي”. فأطلقوا عليه الرصاص وأنهوا حياته.

في تلك الأيام، كتبت عن محمد ضبّة، وأسميته “فالنتاين سوري، حب ممرّغ بالدم والثورة”. أعددت عنه فيديو موثّقًا يظهر عملية السحل، والاستجواب، وصولًا إلى لحظة إعدامه، لكن هذا الفيديو تم حذفه من عدة منصات.

الفيديو متوفر على موقع نشطاء الرأي منذ 2013 ‎

لأننا في حالة حرب مفتوحة مصدرها صنّاع القتل، سوف نتذكر معًا فالنتاينًا سوريًا لم يُقتل بمقصلة كما حصل مع قديس الحب، بل قُتل سحلًا، مضروبًا بالهراوات، وركلًا بأخامص البنادق، ثم بطلقات أنهت حياته.”

كان يردّ على قاتليه بجملة لم تُذكر في كتب الأدب، ولم يُغنِّها شاعر، ولم تُسمع في مجتمعات شرقية خاضعة للبطش والتسلّط: “مرتي تاج راسي”. ترك للإنسانية حكمةً تُقرأ في ضمير شعوب عاشت الحرب والثورة.

الفالنتاين السوري : رجلٌ أربعيني، ينطق بحبّه مرةً واحدة، صادقًا، لحظة إعدامه. حبه لزوجته التي وصفها بتاج رأسه، حبه لعائلته، لأبنائه، ولحريته.

الفالنتاين السوري لم يُقتل من أجل حبٍّ عابر، بل دافع عن عالمه، عن عشقه، عن ثورةٍ ربما ساهمت في كشف حقيقة هذا الحب.

رجلٌ أربعيني، ينطق بحبّه مرةً واحدة، صادقًا، لحظة إعدامه. حبه لزوجته التي وصفها بتاج رأسه، حبه لعائلته، لأبنائه، ولحريته.

في تلك الفاجعة، كان العالم يراقب كيف ترفرف روحه، وكيف يتحوّل العشق إلى تضحية، والحب إلى موقف، والكلمات الأخيرة إلى وصية محفورة في الذاكرة.

صنّاع الموت.. قتلة الحبّ والحياة

أعداء الحياة، صُنّاع القهر والإذلال، تختلف أدوارهم لكن غباءهم واحد. لا يعرفون عيدًا، ولا يتفقون على دين، لكنهم يتشبثون بالتسلّط، ويهرولون خلف أصنامٍ صنعوها في سراديبهم، يخرجون علينا بلحاهم ، يركضون وراء كراسيهم الملتصقة بأطيازهم.

في جاهلية العصر السوري، قتلوا عاشق الحب والثورة، كما قُتل القديس فالنتاين من قبله.

لكن بين الروايتين، هناك خيط جامع: كلاهما قُتلا ظلمًا، الأول في معبد، والثاني تم سحله في شوارع حلب اثناء الثورة من قبل شبيحة الأسد .

بين القديس فالنتاين ومحمد ضبّة.. الحب كجريمة!

في القرن الثالث الميلادي، أُعدم القديس فالنتاين لأنه بارك العشاق، لأنه رفض الانصياع لأوامر الإمبراطور الروماني كلاوديوس الثاني، الذي منع الزواج عن جنوده خوفًا من أن تضعف عزيمتهم. فالنتاين تحدّى القانون، وظلّ يعقد الزيجات سرًا، حتى تم اعتقاله وإعدامه في 14 فبراير 207م.

أما فالنتاين السوري، محمد ضبّة، فقد قُتل دفاعًا عن عشقه، عن زوجته التي رفض أن يساوم بها، عن أبنائه، عن كرامته.

القديس فالنتاين سيق إلى السجن بهدوء، أُعدم تحت رقابة حُرّاس، بينما فالنتاين السوري سُحل وأُهين وعُذّب علنًا، أمام أعين العالم، قبل أن يتم تصفيته بدم بارد على يد جيش يفترض أنه يحمي أبناء الوطن.

“مرتي تاج راسي” .. كلمات تهزّ ضمير العالم

لم يكن محمد ضبّة رجلًا عاديًا، كان عاشقًا في اعنف مراحل الإرهاب ، رجلًا رفض أن يبيع روحه مقابل الخلاص، رفض أن يقدّم زوجته قربانًا للقتلة.

نهاية العاشق السوري:

في التسجيل المصوّر، يُسمع الحوار الأخير بينه وبين أحد عناصر الشبيحة:

  • الشهيد: “كرمال الله، بس خلّيني ودّع ولادي…”
  • الشبيح: “بخليك تشوفهم بس خلّيني *** مرتك.”
  • الشهيد: “أعوذ بالله… مرتي روحي، ولادي روحي…”
  • الشبيح: “قل لنا أين أولادك، ونتركك.”
  • الشهيد: “مرتي بنت عمي… مرتي تاج راسي.”
  • الشبيح: “اش هالحيوانات هدول؟!”

ثم أُطلقت عليه الرصاصات القاتلة…

قُتل ألف مرة، وما زال موته يتكرر

نحن ازاء عاشق سوري شجاع، رفض المساومة، وواجه جلاديه بكبرياء، وقال ما لم يُقال: “مرتي تاج راسي”.

هو فالنتايننا، لكنه ليس قديسًا من العصور القديمة، بل عاشقٌ حلبيٌّ سوري، عشق في زمن القتل، وأحبّ في زمن الحرب، واستُشهد دفاعًا عن كرامته.

القديس فالنتاين مات مرة واحدة، وعاشت فكرته إلى الأبد.
أما فالنتاين السوري، فقد قُتل ألف مرة، وما زال موته يتكرر في زحمة البراميل المتفجرة، والنابالم، والكيماوي الخانق…

لكن اسمه سيظل محفورًا في الذاكرة، إلى أن تنتهي هذه الحرب.

المجد للحب، المجد لمحمد ضبّة، المجد لكل من أحبّ في زمن الكراهية.

  • قصة عيد الحب: الحقيقة وراء الأسطورة

    تعددت الروايات حول أصل عيد الحب (الفالنتاين)، لكن القصة الأكثر انتشارًا تعود إلى الحقبة الرومانية، قبل ما يزيد عن 1700 عام، عندما كانت الوثنية هي الديانة السائدة في الإمبراطورية الرومانية.

    في 14 فبراير، كان الرومان يحتفلون بعيد الإلهة “جونو”، ملكة الآلهة وحامية النساء والزواج. خلال هذا الاحتفال، كانت العادات تتسم بالانحلال، حيث تقوم الفتيات بكتابة أسمائهن على أوراق تُوضع في زجاجات، ثم يُجري الشباب قرعة لاختيار “عشيقة” لهذا العيد.

    ظلّ هذا التقليد قائمًا حتى القرن الثالث الميلادي، في عهد الإمبراطور كلاوديوس الثاني، الذي خاض عدة حملات عسكرية باءت بالفشل. ولإيمانه بأن الزواج يُضعف عزيمة جنوده، أصدر مرسومًا يمنع القساوسة من تزويج الجنود.

    التزم معظم القساوسة بالمرسوم، باستثناء قس يُدعى فالنتاين، الذي تحدّى القرار وأقام مراسم الزواج سرًا. لكن سرعان ما اكتُشف أمره، فتم اعتقاله وإدانته بمخالفة أوامر الإمبراطور، وصدر بحقه حكم الإعدام.

    خلال فترة سجنه، يُقال إنه تعرّف على ابنة السجّان، التي كانت تتسلل لزيارته حاملةً وردة حمراء، فأحبها، رغم أن تعاليم الكنيسة كانت تحرّم على القساوسة الزواج والعلاقات العاطفية.

    عرض عليه الإمبراطور العفو عنه مقابل التخلي عن المسيحية وعبادة آلهة الرومان، لكنه رفض، فتم تنفيذ حكم الإعدام فيه في 14 فبراير عام 269م.

    ومنذ ذلك الحين، أصبح يوم إعدامه رمزًا للحب والتضحية، وتحوّل “فالنتاين” إلى قديس عند المسيحيين، ثم تطوّر العيد عبر العصور ليصبح اليوم العالمي للاحتفال بالحب.

 

نّشر لأول مرة في 13 فبراير، 2013

 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق