د. كاترين ميخائيل :هل يمكن معالجة وضع ربة البيت ؟
منذ العشرينات خرجت المراة العراقية الى العمل الصناعي والتجاري وبدأت تتحول من ربة بيت أمية الى امراة مساهمة في العملية الانتاجية ، فطرقت ابواب المدارس النظامية ومدارس مكافحة الامية ووجدت لها موقعا فيها واصبحت جزء لايتجزا من العملية التربوية والاجتماعية والاقتصادية . كانت في الريف تعمل بالمساهمة مع زوجها دون اجور في الفلاحة وتربية الحيوانات . والمجتمع العراقي معروف بانه مجتمع ذو طابع قبائلى وعشائري لكن قوة نفوذ السلطة القبائلية تتذبذب وفقا للنظام السياسي الذي يحكم العراق وهذه النزعة القبائلية والعشائرية هي التي تقف حجر عثرة لتعليم المراة اولا لابل تغضب اكثر عندما تشاهد المراة تساهم في العملية الانتاجية . |
هذه العقلية القبائلية تريد ان تحصر المراة في بيتها وتعطيها لقب كريه هو (ربة بيت) . بعد ثورة 1920 حصل انفراج سياسي سمح للمراة أن تخرج الى الساحة السياسية حيث بدأت السلطة القبائلية والعشائرية تضعف . وبعد 1958 ضعفت تماما , حتى جاء نظام صدام حسين وانعشها في الثمانينات وفقا لمصالحه لادامة نظامه الديكتاتوري .
في الثمانينات وبسبب غياب الرجال وسوقهم كآلة في الحروب المتكررة . كانت المراة هي التي تدير الجهاز الحكومي والاداري في العراق طيلة تلك الفترة . لكن هذا الوضع بدأ في التراجع بعد حرب الخليج حين بدأ الحصار اولا ثم اعلان صدام حسين حملته الايمانية ( المزيفة) والتثقيف بجعل المراة آلة للانجاب وربة بيت . اخذت النساء المتعلمات يتحولن الى ربات بيوت لذا فإن ربة البيت في التسعينات وحتى يومنا هذا تصنف الى قسمين :
1- ربة بيت أمية او شبه أمية .. وهي الفتاة التي لم تذهب الى المدرسة او ذهبت الى الصفوف الابتدائية ومنعها اهلها من الاستمرار في الدراسة ، او تزوجت وهي صغيرة وكل همها بالحياة هو الانجاب وتربية الاطفال .
2- النساء اللواتي تركن الوظيفة بسبب المضايقات من قبل جهاز حزب البعث او دوائرالامن في الدوائر الحكومية وغير الحكومية. و كان للنظام سياسة مقصودة عام 1987 حين اصدر النظام السابق قانون ” الفائض من العمل وترشيق مؤسسات الدولة “ وفعلا سرحت الدولة الاف النساء من العمل وكان الهدف منها افساح المجال امام الشباب العائدين من الحرب بالعودة الى اعمالهم للقضاء على البطالة لان الشباب كانوا محل خوف نظام الطاغية . ويجب ان نذكر هنا اتحاد نساء العراق التابع للبعث والذي لعب دورا سيئا في هذه العملية إذ كان يشجع النساء على العودة الى البيت بدلا من ان يقف مع المراة .
اما ايام الحصار الذي دام 13 عاما فكانت اياما وخيمة ًعلى المراة العراقية فرغم كفائتها ومهاراتها اجبرت على ترك العمل لاغية ورائها كل سنين الخدمة التي قضتها تخدم البلد . و تركت الوظيفة لان الراتب الذي كانت تأخذه المراة كان لا يكفي لمصاريف نقلها وملابسها.
وبعد سقوط صدام جاء التراجع بسبب سيطرة الفكر الذكوري الموروث والمستورد من الدول المجاورة وادى الى تعميق النظرة الدونية للمراة .كازدياد ظاهرة التحرش الجنسي في الدوائر الحكومية وغير الحكومية وغياب القانون لمحاسبة المعتدي . عندما اخذت الوزارات ترجع كياناتها لم تجر العملية وفق تكافؤ فرص ، وكان يفضل توظيف الرجل على المراة . والاهم من كل هذا الوضع الامني وزيادة حالات الاختطاف والاعتداء على النساء في حالة خروجها من البيت سواء بذهابها الى العمل او التبضع . ثم محاربة صالونات التجميل ومحاربة اي مكان تتواجد فيه المراة . كل هذا جاء نتيجة سيطرة التيارات الاسلامية المتزمتة على الساحة السياسية وتوجت بالدستور غير العقلاني الذي نالت منه المراة حصة الاسد من الغبن .
الصنف الثاني لم تكن ربة بيت وفق خياراتها ، فلم ترغب ان تبقى جليسة البيت وهي تملك من الخدمة سنينا طويلة او انها تملك مهارات في مجالات كثيرة بذلت وقتا وجهدا من حياتها لتبني مستقبلها وهي تفاجأ بانها حبيسة بين أربع جدران وهي تعيش في ضائقة مادية ايضا . وكانت( جمهورية البصرة ) تتولى الصدارة في هذه الخروقات ضد المراة العاملة لسيطرة القوى الاسلامية الدخيلة على ادارة المحافظة وغياب القانون امام الخروقات التي ادت إلى حالات القتل والاختطاف . والقانون كانت مهمته التفرج وكأنه يتفرج على مسرحية انجزت من قبل اكبر المخرجين الذين قدموا من الدول الجارة .
ربة البيت هذه تكد وتكدح في العمل البيتي دون مقابل لابل دون احترام وتقييم من قبل الرجل والمجتمع كله ، و لو حسبنا ان عدد ساعات عمل الرجل خارج البيت هي 8 ساعات نجد أن المراة تعمل في البيت بين 10 الى 12 ساعة وهي تعمل مجانا اي ليس هناك معادلة متساوية بينهما . واكثر من ذلك انها في جميع الحالات الاذن الصاغية لاوامر الرجل في البيت ايا كان (الزوج –الاخ- الاب – او من اي ولي امر اخر) . والسبب في ذلك ان الرجل هو الذي يجلب المال للعائلة . كان هناك بعض الاراء في الامم المتحدة تشير وجوب اعتبار ادارة البيت والحمل والولادة وتربية الاطفال وظيفة اجتماعية مدفوعة الاجر كي لا يستحوذ الرجل على عمل المراة وهو مقتنع انها تعمل ضمن وظيفتها البيولوجية لاغير . وغالبية الرجال دائما يسلبون حقوقها المعنوية والانسانية من منطلق ان المراة كائن انساني مخلوق لتأدية وظيفة الحمل والولادة وتربية الاولاد . وعليه يجب ان يتولى المجتمع الدولي دراسة هذا الموضوع . . ولو حسبنا ساعات عملها نجدها انها هي التي تضع ساعات عمل اكثرفي البيت والولادة وتربية الاطفال , دون مقابل اذ لا يحسب هذا عمل مأجور.
امام هذا الواقع نحن بحاجة الى دراسة هذا الموضوع بشكل دقيق اذ ان هذه الشريحة هي قوة بشرية خلاقة قسم منها ذات مهارات وخبرات يجب ان تساهم بعملية البناء الجديدة بالضرورة استقطابها ثانية الى العمل للاستفادة من مهاراتها . والأمر الثاني تخصيص ميزانية لدفع مبلغ مالى معين مثلا ادخالها في نظام الضمان الاجتماعي وزجها في مدارس محو الامية . او من الممكن ايجاد عمل لها في البيت لو كانت ترغب البقاء مع اطفالها . وقد لاحظت في كثير من الدول ان المرأة تعمل كمنتجة جدية وتساهم في اقتصاد العائلة وهي في البيت مثلا تعمل في تحضير وطبخ طعام للمطاعم والمحلات التجارية ، أواعمال الانترنيت التي دخلت الى العراق حاليا . واعمال المحاسبة التي تدار في البيت عبر الانترنيت . وفتح دور حضانة صغيرة في بيتها تحت اشراف وزارة الصحة . أو ممارسة مهنة الخياطة وهي مهنة قديمة في العراق تمارسها وهي في البيت . او تشجيع الاعمال اليدوية النادرة وايجاد فرص لتساهم المراة في المعارض الفنية مثل الرسم , التطريز , الخياطة والكثير من الاعمال الفنية المفيدة وتصبح مساهمة فاعلة في الدخل السنوي للعائلة وهي داخل البيت . أنا أقول أنه يجب القضاء على مصطلح ربة البيت الذي عادة يعطي انطباعا وكانها خلقت لتكون اسيرة في البيت والة للانجاب والمطبخ وخدمة الرجل . ويقع الجزء الاكبر على الاعلام الذي لم يعرف كيف يعالج هذه القضية . او لم يؤمن بتطوير حياة المراة .