زملاء

وجيهة الحويدر :سيناريو عن قاتل “بنازير بوتو”

في مكان ليس ببعيد عن مدينة “اسلام اباد” اقام سماحة الأمير الأكبر “كليم الله” معسكره، الذي ساندته في انشائه السلطة الباكستانية في عصر الحرب الباردة، ومولته مادياً ولوجستكياً دول مختلفة من العالم. ظل ذاك المعسكر محمياً حتى بعد انتهاء الجهاد في افغانستان من قبل بعض المتنفذين في السلطة الباكستانية، لقناعتهم وايمانهم بأن الدولة الإسلامية لا بد ان تعود بظلالها على ربوع باكستان، ومنها تنتشر الى شتى بقاع العالم إما عاجلاً او آجلاً.

كان يوم حافلا لمدربي الجهاديين في ذاك المعسكر في ساحة “جُند محمد”، حيث كانوا يدربون كتيبة “سيف الله” على كيفية صنع الأحزمة الناسفة وطرق استخدامها..واذا بصوت ينادي “يا أبا عبيدة.. يا ابا عبيدة..لديك زيارة” كان صوت المنادي اجش منزوع من اية صبغة.

تركَ “ابو عبيدة” كتيبته، وتوجه مسرعاً الى حيث كان يقف في انتظاره المنادي ومعه الرجل الغامض الملقب “بذي النوريين.” انتفض “ابو عبيدة” قليلا من الزائر، لأن “ذو النوريين” هو اليد اليمنى لسماحة الأمير الأكبر “كليم الله” وابن عمه وصهره في آن. حصل على لقبه لأنه تزوج بأبنتيين من بنات “كليم الله”، الأولى كان عمرها اربعة عشر عاما، لكنها فارقت الحياة اثناء ولادة طفلها الأول، فحظي قبل سنتين بأختها التي اصغر منها سناً، واكثر منها نضارة وقوة.

سلّم “ذو النوريين” بحرارة على “ابي عبيدة” واخبره بأن سماحة الأمير الأكبر “كليم الله” يود التحدث اليه حالاً. “ابو عبيدة” شاب في السابعة عشر من عمره، اسمه الحقيقي “شريف مظفر منتزري”. والده “مظفر” كان جندياً في جيوش “برويز مشرّف”، وقُتـل في احدى المعارك التي ما زالت تشنها السلطة على متمردي “كشمير” من حين لآخر. كان عُمر “شريف” اثني عشر عاما انذاك حين قُـتل والده. شعر “شريف” بحزن عميق، وانتابته كآبة شديدة لفقدان والده العزيز، مما دفعة ان يحقد على النظام ويمقته ويتمنى زواله. بعدها التحق “شريف” بإحدى المدارس الدينية في “اسلام اباد”. غالبية المدارس الدينية المنتشرة في باكستان تساند طلابها مادياً، لكنها تلقنهم في الوقت نفسه الدين الاسلامي بتفسيرات تنم عن تشدد وتطرف ولاعقلانية. محور منهجهم هو الجهاد من أجل بناء دولة اسلامية في باكستان. كان يُصرف لشريف اعانة شهرية تـُرسل الى والدته واختيه اللاتي يقطن في قرية تبعد ساعة بالقطار عن “اسلام اباد”. معظم ابناء الاسر الفقيرة المعدمة يلتحقون بتلك المدارس لأسباب اقتصادية. كثير من المدارس الدينية في مدينة “اسلام اباد” تتعاون بشكل غير رسمي مع عملاء معسكر سماحة الأمير الأكبر “كليم الله”. فالعملاء دائما يجوبون المدينة لإقتطاف الرؤوس اليانعة وتجنيدها في صفوف المجاهدين.

“شريف”، الملقب الآن “بأبي عبيدة”، كان فريسة جيدة وسهلة للقنص. فقد كان مليئاً بالغضب الشديد على الدولة، ومعدماً تماماً، ولديه قدرة رهيبة على اتقان المهارات الجديدة في وقت قصير جدا. لذلك استاذه الملا “حسن خان”، رشّح اسمه لعملاء المعسكر بعد سنة من إلتحاقه بالمدرسة. أي جُند “شريف” في المعسكر وهو ابن الرابعة عشر عاما. قضى 3 سنوات بين المجاهدين وتلقى كثير من التدريبات، واشتهر بدقته في القنص حتى للأهداف الصعبة. قام “ابو عبيدة” في الشهور الأخيرة ببعض عمليات التهريب لبضائع واموال عبر الحدود الباكستانية الافغانية. كان كالحمار يحمل اسفاراُ، لأنه لم يكن لديه علم ان تلك البضائع هي عبارة عن حشيش وعقاقير طبية ومخدرات وقوارير مياه معدنية خاصة لسماحة الأمير الأكبر واهله وحاشيتة المقربة له.

وصلا، “ابو عبيدة” و”ذو النوريين”، الى المجمع الذي يقطن فيه قادة المعسكر. دخلا “ديوان الحكم” حيث كان يجلس سماحة الأمير الأكبر “كليم الله” على منبر مرتفع مصنوع من الخشب الابنوسي الفاخر، والأرض تفترشها سجادات فارسية جميلة، والحيطان تعانقها روائح البخور ذي الجودة العالية وتبتث في ارجاء المكان. كان يجلس على احد جانبي “كليم الله” الامير مفتي الديار والمستشار الخاص الأمير “ابا قتادة”، وعلى الجانب الأخر الأمي “الفاروق” قاضي المحاكم الشرعية، والمسؤول عن كل ما له علاقة بقوانين الشريعة. وايضا كان معهم طبيب المعسكر “ابا ميسرة”. كان “الفاروق” هو الذي يعقد الأنكحة، ويقضي في حل الخلافات، ويقًسم غنائم المعارك ويوزعها، ويحكم في الرهائن من الأسرى والمختطفين من رجال ونساء. معظم الرهائن تـُقطّع رؤوسهم، اما الرهينات فيتحولن الى محظيات ويُستخدمن في التنظيف والطبخ وتربية صغار من يـُقتلون في المعارك من المجاهدين. بعض الرهينات يحاولن الهروب ويـُقتلن، والبعض الآخر يـُقدمن كجاريات للمجاهدين القادة لكي يستمتعن بهن.

نهض سماحة الأمير الأكبر “كليم الله”، ونزل من على منبره، وهو مرتدياُ جبة سوداء، وملابس بيضاء مغطاة برداء رمادي مزين بخيوط فضية لامعة. قرِبَ من “ابي عبيدة” واحتضنه وقبله بشدة. قال له: “اشتم فيك رائحة الجنة يا بني …اشتم فيك رائحة الجنة يا بني.. بخ لك يا ابا عبيدة .. بخ لك يا ابا عبيدة.. فكأني والله اعلم.. يـُوحى لي اني اراك من المبشرين بالجنة يا ابا عبيدة.. بخ لك يابني..” وقبـّله بحميمية ولمه بقوة مرة اخرى..

ابتسم “ابو عبيدة” وتذكر المشاعر التي تعتريه كلما تحدث عن الجنة وحور العين مع رفاقه في المعسكر. كان كل نهاية شهر يقيم المجاهدون وليمة عشاء فاخرة، ويشربون فيها عصيرات لذيذة، ويخطب فيهم “الملا ابو حمزة” ويعلمهم عن مصائرهم في الآخرة، وحين يذهبون الى مضاجعهم يشعرون بنشوة الجنة. كانت تلك احدى حيل سماحته حيث يطلب من الطبيب “ابي ميسرة” ان يمزج شرابهم واكلهم بحشيش معتـّق، مما يجعلهم ينتشون ويهيمون بخيالاتهم عن حور العين الفاتنات، والملذات الموعودون بها بعد ان ينالوا الشهادة.

جلسَ “ابو عبيدة” الى جانب الأمير الأكبر. تحدث الأمير اليه بصوت ناعم بأنه رآه في المنام في مقام عالِ بين الأنبياء والقديسين والشهداء. واخبره انه لم يرَ مثل ذاك الحلم من قبل سوى قبل ان يُستشهد “دادا الله” زعيم مجاهدي طالبان في افغانستان. ابتهج “ابو عبيدة” وشعر ان الأرض لا تسعه من شدة الفرحة.

بعدها أمر الامير الاكبر “كليم الله” صهره “ذي النوريين” بأن يأخذ “ابا عبيدة” الى مجمع “المبشرين بالجنة” لكي يستريح هناك، وان يجلبه بعد ساعتين لكي يحل ضيفاً كريماً على مائدة سماحته.

سارا “ابوعبيدة” و”ذو النوريين” يهنئه طوال الوقت ويُشعره بخبث انه يغبطه بأن الله اختاره للشهادة. واخبره بأن من يراهم سماحته في المنام بالفعل يحسّون بسعادة لا يضاهيها شيء، ومن الصعب وصفها، واحيانا يحلمون انهم في الجنة، وتعتريهم البهجة الى ان توافيهم منيتهم ويتقبلهم الله سبحانه وتعالى.

وصل “ابو عبيدة” والفرح يملأ كل جوارحه الى مجمع “المبشرين بالجنة” حيث توجد فيه عدة غرف. فتح “ذو النوريين” غرفة له ودخل. ودّعه واخبره بأنه سيأتيه بعد ساعتين. اغلق “ابو عبيدة” باب الغرفة واشعل النور، ونظر حوله ولم يصدق عينيه. غرفة وكأنها من غرف فنادق خمس نجوم. فراش وفير، ولوحات معلقة تحاكي الطبيعة في جمالها، ومقاعد فاخرة، وطاولة ناعمة عليها قرآن كريم، وكتاب بعنوان “سيرة المبشرين بالجنة”، وكتيب عن دعوات وصلوات للسكينة. ايضا يوجد مع الغرفة حمام نظيف مُعد بجميع الاحتياجات من ادوات السباحة وبماركات عالمية. وجد “ابو عبيدة” على السرير ملابس بيضاء، وكساء رمادياً كشميرياً ساحراً، وحذاء اسود جلدياً لامعاً مع جوارب قطنية. استحمَ “ابو عبيدة” وارتدى ملابسه الجديدة، ملابس الشهادة. بعدها استلقى على الفراش وبدأ يقرأ في سيرة المبشرين بالجنة. وغفا ونام لبعض الوقت. ثم استيقظ على دقات الباب واذا “بذي النوريين” اتى ليصطحبه الى العشاء.

بعد انتهاء العشاء والحفاوة والتكريم والضيافة الراقية التي لقيها “ابا عبيدة” على مائدة سماحة الأمير الأكبر، عاد “ابو عبيدة” الى غرفته. لا يدري ان ثمة خطة محكمة معدة مسبقاً له لزيارة قصيرة “للجنة”. فقد شرب عصيرا فيه مخدر وضعه له طبيب المعسكر “ابا ميسرة” بأمر من سماحته، فحالما رمى نفسه على الفراش غطّ في نوم عميق. بعدها بساعات صحى “ابو عبيدة” وفتح عينيه، ووجد نفسه بين احضان سبع فتيات قمة في الجمال والجاذبية. مرتديات ملابس زاهية تظهر مفاتن اجسادهن البيضاء الغضة. واذا بواحدة منهن تقبله وتدس بلسانها في فمه قرصاً، ثم تمسكه اخرى وتفعل الشيء نفسه. بعدها بدأ يرى المناظر واللوحات المعلقة على الحيطان وكأنها حقيقية. انهار تسيل، واشجار تلف المكان بصورة عجيبة، وروائح زهور ساحرة، وعصافير تطير وتزقزق بنعومة. احدى الفتيات نهضت وصارت تتمايل كغصن البان امام ناظريه، بينما الأخرى تعزف وتغني أجمل الاغاني الباكستانية التي كان يسمعها مع والده وهو صغير. ثم قامت اخرى بإعطائه حبات العنب بقبلاتها الحارقة. كانت غريزته الجنسية متأججة الى درجة الجنون، فهو لم يضاجع قط امرأة، والآن مستلقي بين احضان سبع من “حور العين”. كانت ليلة عمر لم يحلم بها قط تفوق الخيال والتصور. بعدها صحا من نومه على صوت اذان صلاة الفجر، فقام وتوضأ وصلى، وما ان انتهى من صلاته حتى سمع دقات الباب، واذا “بذي النوريين” يأتيه مع سماحة الأمير الأكبر الى الغرفة. كان قد شعر فجأة بصداع عجيب من كثرة المخدرات التي تعاطاها دون دراية. تناول مع الامير وصهره في الغرفة فطور الصباح، ودسوا في عصيره حبوب “استورويود” المنشطّة التي تُستخدم للرياضيين كي تتعافى اجسادهم بسرعة.

وهم يحتسون الشاهي، اخبره “كليم الله” بصوت مقنع وحكيم: “يا بني ان الله قد اختارك ان تكون المخلّص لهذه الأمة، والمجاهد الذي سيحميها من كفر ماحق وشر كبير لا يعلم مداه سوى الله جل شأنه. يا بني.. انت تُدرك يا بني ان نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) اوصانا ان لا نولي امورنا لإمرأة..فما بالك بإمرأة فاسقة فاسدة؟ انت تعلم ان العاهرة المتبرجة “بنازير بوتو” تريد ان تستولي على السلطة لكي تجعل من باكستان مرتعا للكفار والمنافقين والزنادقة…وقد حاول المجاهدين قتلها، ولكن لم يشأ الله لنا بلوغ ذاك المنال.. وحتى الآن لم نتمكن من النيل منها.. يا بني.. ربما الله اراد لنا على يدك الخلاص منها ومن شرورها.. فهل لك ان تخبرنا برأيك؟؟ اذا كنت ترغب في القيام بتلك المهمة الجليلة ام لا وانشاء الله تنال الجنة؟؟ ثم سلّمه اثناءها القرآن الكريم.. كان “ابا عبيدة” منتشياً وفيه طاقة رهيبة، ومشاعر متأججة، وشوق عارم للقاء حور العين العذارى في الجنه. لأنه فقط شاهدهن في منامه، لكنه لا يمسس اي منهن. الآن وبدون علمه انه بسبب عقار “استرويود” فيه طاقة جسدية وجنسية محتدمة تكاد تقتله اذا لم يقبل بعرض الشهادة..

وبدون ادنى تفكير أو مراجعة للذات اخذ “ابو عبيدة” المصحف الشريف بيده اليمنى، وامسك بيد سماحة الامير الأكبر “كليم الله” ووضعها على يده، وبصوت كله تحفز وهمه قال “ما لنا الا ما اراده الله لنا.. ما لنا الا ما اراده الله لنا.. فأنا بإذن الله متوجه لملاقاة ربي العلي القدير وانشاء الله سأنال منزلة عليا في جنانه بين الأنبياء والقديسين والشهداء… اوصيكم بوالدتي واختي خيرا.. فبحول الله وقوته سأقتل تلك الأفعى الفاجرة التي تُدعى “بنازير بوتو”، واحمي امة محمد وباكستان منها ومن فسقها وفسادها، وهذا كتاب الله بين يدي اقسم بالله العلي العظيم على اتمام المهمة، واشهد ان لا اله الا الله، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله..”

salamhatim2002@yahoo.com

* كاتبة من السعودية

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق