16 نوفمبر, 2025

سوريا: قضاء «اللا نزاهة» وتشريع الاستبداد… نفي معلّمين ونشطاء مدنيين أمام محاكم صورية

إلى السيدة إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو وإلى المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان

تحقيق –أحمد سليمان : هل يُعقل أن يتم إنفاق «الملايين» من أجل تعميم العلوم، ولا نجد قوانين تحمي حاملي المعرفة والمدافعين عن الثقافة؟ أغلب هؤلاء من دعاة العلم قد تعرّضوا للتعنيف والترهيب، وبعضهم سيق إلى محاكم لا يمكن وصفها إلا بأنها «مهزلة منظمة»، وتلقّى أحكامًا تجاوزت العقد ونصف، وبعضهم مُنع من السفر، فبات قيد الإقامة الجبرية.

فيصل خرتش: مدرس لغة عربية وكاتب صحفي وسيناريست، له عدة روايات مطبوعة، تم نفيه من حلب إلى دير حافر.
محمد غانم: معلم صف وكاتب صحفي له كتب عدة، وهو سجين رأي سابق، نُفي إلى منطقة معدان.

توجد في الدولة، وفق بنية الأجهزة الأمنية، ما يمكن وصفه بـ«سياسة التطهير العرقي» بحق نشطاء مدنيين.

نحن على علم بوجود علاقة متينة بين الجمهورية العربية السورية ومنظمة اليونسكو، تجلت في مشاريع حضارية عديدة. كما نعلم أن ما يقارب ثلاثين مدرسة سورية منتسبة إلى شبكة المدارس التابعة لليونسكو، وصولًا إلى منحة «اليونسكو – اليابان» لإقامة ستة مراكز للتعلم المجتمعي.

وقد وصلنا نص تفصيلي يبيّن أشكال اهتمام اليونسكو بدول عربية عدة. وقد لفت انتباهنا ضآلة حجم الدعم في سوريا، رغم أن المبادرة تتركز في المدن الشرقية. وهذا أمر لافت، حيث تولون اهتمامًا ملحوظًا لسدّ الفجوات التعليمية في المناطق النائية، على أن يُؤخذ بالحسبان احتياج قطاعات سورية حساسة، مثل الجولان المحتل.

في الوقت نفسه، نبدي قلقنا بشأن مصير تلك المدارس التي أُنشئت بموجب مبادرتكم. فقد وردتنا معلومات عن طرد عدد من المعلمين الذين كان يفترض بوزارة التربية احتضانهم، خصوصًا أن أقلّ هؤلاء خدمةً يمتلك خبرة تمتد ثلاثة عقود في التعليم. وقد لاحظنا أيضًا حالات إقصاء ونفي وظيفي بهدف الضغط عليهم لإرغامهم على تقديم استقالاتهم «طوعًا».

إن هذا السلوك غير مسؤول، لأن طرد موظف من عمله أو الضغط عليه للتنازل عن وظيفته يعني تركه بلا مصدر رزق، خصوصًا أن معظمهم آباء لأطفال في مراحل دراسية حرجة.

السؤال الأبرز:
ألا يفوت على منظمة عالمية عريقة مثل اليونسكو، ذات المكانة لدى طالبي العلم، خطورة ما يحصل؟
هل يُعقل أن تُنفق الأموال لنشر العلم في حين يُضطهد حَمَلَةُ العلم أنفسهم؟
ثم هل تعلمون أن الأموال المخصصة من قبلكم باتت عرضة للاستهتار والنهب واللامبالاة داخل دولة تعاني من فساد مبرمج عبر أجهزة رسمية؟

نحن ندرك دور المنظمات الدولية، ولسنا بصدد الخلط بين ما تمارسه القوى الكبرى من ضغوط سياسية باسم حقوق الإنسان، وبين الدفاع الحقيقي عن كرامة الإنسان.

أولى مقدمات الطرد:

فجأة، وبدون مقدمات، تم إنهاء عقود معلمين ومدرسين من محافظة الحسكة بصورة غير مسبوقة، مع إصدار تكليفات لهم بالعمل في وظائف عامة خارج قطاع التعليم، كنوع من العقاب وشلّ قدراتهم في الأنشطة المدنية. وفيما يلي أسماء المنقولين:

  1. الأستاذ عبد الله ملا إسماعيل محمد — نقل إلى مجلس مدينة المالكية

  2. الأستاذ محمد سالم المحمد — نقل إلى بلدية الهول

  3. الأستاذ خضر علي الصالح — نقل إلى مديرية الشؤون الاجتماعية بالحسكة

  4. الأستاذ بنكين عبد القادر ملا عبد الله — نقل إلى مصلحة زراعة القامشلي

  5. الأستاذ نمر يوسف حسين — نقل إلى مديرية الصحة بالحسكة

نحن ندرك تمامًا أن معالجة قضايا كهذه تقع ضمن مسؤوليات منظمات حقوق الإنسان، إلى جانب الهيئات الدولية ذات الصلة بالشأن الثقافي مثل اليونسكو.

مجلس تأديب يحتاج إلى تأديب:

مجلس تأديب الدولة، يا للهول! لمن هذا المجلس؟ وكيف يمكن لكتّاب ومعلمين التملّص من قراراته؟ هل بوسع مواطن سوري لا يملك في رصيده سوى نظافة عقله وفقره أن يتخلّص من مأزق حياتي فرضته عليه قوانين الحسبة في نظام العبث؟ فهو، وفق ما أوردنا، «مجلس تأديب»، ليكن كما يحلو لهم، ولكننا نقولها بلا تردد: هو «مجلس» يحتاج إلى تأديب.

لقد سرّح المجلس «الموقر» كثيرين، وليس بوسع مثل هذا المجلس سوى تنفيذ ما تقرره «جهات أمنية» أو شخصيات نافذة مثل ضباط أو خَدَم القصر الدمشقي. وبالتالي، يتم تسريح المعلّمين وغيرهم من قبل «مجلس تأديب الدولة» التابع لمجلس الوزراء، إلى جانب نفي موظفين عن مدنهم، حيث كانوا يعملون لأكثر من عقدين. إن ذلك يمثل خطوة أمنية لإرغامهم على تقديم استقالات «طوعية».

لائحة أولية: منفيّون ومطرودون:

1- فيصل خرتش: مدرس لغة عربية وكاتب وصحفي وسيناريست، له عدة روايات مطبوعة. تم نفيه من حلب إلى دير حافر، على بُعد 50 كم من مكان عمله الأساسي الذي شغله طيلة سنوات.

– خبر مقتبس من صحيفة سورية:
«أصدر حتى الآن خمس مجموعات قصصية، وإحدى عشرة رواية، فازت إحداها (موجز تاريخ الباشا الصغير) بجائزة مجلة الناقد عام 1991، وفازت روايته (تراب الغرباء) بجائزة نجيب محفوظ 1994. وفاز فيلم (تراب الغرباء) الذي أخرجه سمير ذكرى ويتناول سيرة عبد الرحمن الكواكبي بالذهبية في مهرجان القاهرة السينمائي. كما كتب مسلسل (باب الحديد) الذي أخرجه رضوان شاهين وحصل على الفضية في مهرجان القاهرة التلفزيوني، وكتب مسلسل (دوار القمر) الذي أخرجه خالد الخالد».

وتتابع الصحيفة:
«إن العبرة التي يمكن استخلاصها من قرار النقل المذكور هي أن فيصل خرتش لديه خدمة مقدارها أربع وثلاثون سنة في تدريس اللغة العربية وتمكينها، وعمره الآن سبع وخمسون سنة، أي أنه أصبح على أبواب التقاعد». انتهى الخبر.

2- محمد غانم: معلم صف وكاتب صحفي له عدة كتب مطبوعة، وهو سجين رأي سابق. تم نفيه من محافظة الرقة إلى منطقة معدان، على بُعد 70 كم من مكان إقامته وعمله.

3- فؤاد حقي: مدرس رياضيات. نُفي من محافظة الرقة إلى منطقة تل أبيض على حدود تركيا، على بُعد 73 كم من مكان إقامته.

كما هو واضح، فإن النفي تم من دون سند قانوني، وبضغط مباشر من «البوليس السياسي» الذي يتحكم بإدارات الدولة وفق صلاحيات مطلقة، مستندًا إلى قانون جائر وغير دستوري عبر تلفيق اتهامات تحت مسمى سيّئ الصيت: «قانون الطوارئ».
نعم، القانون ذاته الذي يجيز اعتقال المواطنين لمجرد إبداء الرأي عبر صحيفة أو مدونة إلكترونية، في اتهامات لا يقبلها عقل سليم. أبرز هذه التهم، مثلًا: «نشر أنباء كاذبة».
بينما الحقيقة أن أجهزة الدولة هي من يمارس الكذب على مواطنيها وتطالبهم بالخضوع، وإلا فالمصير مجهول.

تسريحات وفق مجلس الحرمَلْك:

هؤلاء وغيرهم تم تسريحهم من قبل «مجلس تأديب الدولة» التابع لمجلس الوزراء:

1- الأستاذ محمد حمدان الصالح: معلم من محافظة الرقة، معتقل سابق على خلفية حزب العمل الشيوعي.
2- الأستاذ إسماعيل عبد اللطيف الحسن: مدرس فلسفة من الرقة، معتقل سابق (ناصري).
3- الأستاذ عبد الوهاب الغرسي: مدرس فلسفة من الرقة، معتقل سابق بتهمة الانتماء إلى «بعث العراق».
4- الأستاذ عبد خلف الكتاب: معلم من الرقة، معتقل سابق بالتهمة نفسها.

الثابت لدينا، وليس خافيًا عليكم، أن إدارات الدولة تعاني فقرًا مدقعًا في النظافة والمنطق السليم، وأن أصغر شرطي يستطيع اختراع قانون خاص به، مستندًا إلى حماية «شيوخ الفساد والقمع والاستبداد». ولا نُحار أمام دولة مثل سورية وقّعت على اتفاقيات، لو طُبقت، لكان لها شأن يليق بمواطنيها.

لقد أوردنا ما استطعنا من أسماء بعض المعلمين الذين أصبحوا مشروع عاطلين عن العمل، إضافة إلى تجريدهم من حقوقهم المدنية. نأمل من منظمة «اليونسكو» التدخل لدى الحكومة السورية ومخاطبة وزارة التربية لدرء الحيف عن بناة العلم والمعرفة.

وقد حصلنا على هذه الأسماء من منظمتَي «هيومن رايتس» و«العفو الدولية». وما هذه إلا إشارة صغيرة أمام لائحة طويلة من المعلمين الذين لم نتمكن من معرفة مصير وظائفهم. وقد سألنا كثيرين منهم، لكنهم تجنبوا الحديث، ما يوحي بأنهم مهددون بالاعتقال المباشر.

 

سوريا: قضاء «اللا نزاهة» وتشريع الاستبداد

ما زالت سوريا تطبّق قوانين اندثرت منذ زمن الحروب والانقلابات العسكرية التي عصفت بالبلاد قبل عقود. والمؤسف أن هناك كمًّا هائلًا من القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير يجري التعامل معها كأنها قضايا تمس الأمن الوطني، حتى إن اجتماعات علنية يحضرها مثقفون من مختلف الانتماءات السياسية والفكرية والدينية تُصوَّر وكأنها خيانة تمس السيادة.

النظام السوري، عبر أجهزته الاستخباراتية، يستغل مثل هذه الحالات مستندًا إلى قانون «الطوارئ». هذا القانون لم يقتصر على التضييق على الرأي فقط، بل شكّل مظلة تغطي المهرّبين وتجار المخدرات والفاسدين منذ أربعين عامًا.

إنها سوريا التي يبدو لزائرها وكأن البلاد تُحكم عبر مجموعة مستعدة للقتال حتى مع الهواء، غير عابئة بصورة الوطن، أو الفقر، أو البطالة، أو الجهل، أو الجريمة. كل هذا يباركه قانون الطوارئ الذي ألحق الأذى بفئات واسعة من المواطنين، وخصوصًا المثقفين. وكان آخر المتضررين من هذا القانون كل من حضر الاجتماع الموسّع لـ «المجلس الوطني لإعلان دمشق للتحول السلمي الديمقراطي»، الذي حضره 167 شخصية، اعتُقل منهم 12، وصدر بحقهم حكم بالسجن لمدة سنتين ونصف. وهم:

1- فداء الحوراني: طبيبة وكاتبة من حماة، من معتقلي إعلان دمشق، انتُخبت رئيسة للمجلس الوطني للإعلان. عضوة سابقة في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي. اعتُقلت في 16/12/2007، وحكم عليها بالسجن سنتين ونصف بتهمة «إضعاف الشعور القومي ونقل الأنباء الكاذبة».

2- أحمد طعمة: طبيب أسنان، من معتقلي إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، انتُخب أمينًا لسر مكتب المجلس الوطني. اعتُقل في 9/12/2007. حكم من محكمة الجنايات بتاريخ 29/10/2009 بالسجن سنتين ونصف بالتهمة نفسها.

3- أكرم البني: معتقل سياسي سابق لمدة تجاوزت 17 عامًا على خلفية انتمائه لحزب العمل الشيوعي. كاتب ومحلل سياسي. اعتُقل في 11/12/2007، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

4- علي العبد الله: صحفي، معتقل سابق عدة مرات على خلفية نشاطه العام. اعتُقل في 17/12/2007، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

5- ياسر العيتي: أكاديمي من دمشق، محاضر في مجال التنمية البشرية وله عدة مؤلفات. اعتُقل في 17/12/2007، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

6- وليد البني: طبيب من تل منين، معتقل سابق خلال «ربيع دمشق». اعتُقل في 17/12/2007، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

7- جبر الشوفي: مدرس وكاتب. اعتُقل في 9/12/2007، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

8- فايز سارة: كاتب وصحفي، وناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني. اعتُقل في 3/1/2008، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

9- محمد حجي درويش: مهندس كيميائي من حلب، وناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني. اعتُقل في 7/1/2008، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

10- مروان العش: مهندس جيولوجي ونقابي من دمشق. اعتُقل في 15/1/2008، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

11- رياض سيف: نائب سابق عن دمشق، معتقل سابق خلال «ربيع دمشق». انتُخب رئيسًا لهيئة الإعلان. اعتُقل في 28/1/2008، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

12- طلال أبو دان: فنان تشكيلي، عضو المجلس الوطني للإعلان. اعتُقل في 28/1/2008، وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف.

13- خلف الجربوع: معتقل سياسي سابق (1980-1984) بسبب انتمائه للحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي. عضو في «إعلان دمشق». كتب مقالًا نقديًا حول بيان صادر عن المجلس، واعتُبر مقاله «استتابة» وتراجعًا عن أهداف الإعلان. اعتُقل في 29/11/2009 بعد منعه من السفر عبر معبر العريضة الحدودي، وسُلّم إلى فرع الأمن السياسي بحمص، ثم نُقل إلى دمشق.

14- رياض الدرار: ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني. اعتقلته السلطات في 4/6/2005 بعد عودته من القامشلي وإلقاء كلمة في عزاء الداعية المغتال محمد معشوق الخزنوي. حكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة «إثارة النعرات الطائفية».

الشباب الملتزم والتدوين:

إذا كان الواقع السوري يمثل أرضية خصبة لنقاشات متباينة بين فئات الشباب ومتوسطي الأعمار، فقد برزت ظاهرة التدوين كمتنفس حيوي، بالرغم من المواجهة العنيفة التي تعرض لها المدونون من قبل السلطات. وقد أنتجت الحالة السورية بؤرًا فكرية وردّات فعل من نوع جديد، تمثلت في تشكلات شبابية وحلقات ثقافية ذات طابع نقدي، ظهر أثرها في التعليقات والمناقشات التي أصبح الإنترنت فضاءها.

ولا يغيب عنا أن عددًا من الشباب المدونين ساهموا عبر مقالاتهم وانتقاداتهم للأوضاع المرتبطة بحرية التعبير في سوريا بتحريك فئات طلابية وجامعية. إلا أن السلطات سارعت إلى اعتقالهم ومحاكمتهم استنادًا إلى قانون «الطوارئ»، ووجهت إليهم تهمًا مثل: نشر أنباء كاذبة، بث النعرات، والتحريض ضد سيادة الدولة.

وفي ملاحظتنا لطبيعة أنشطتهم، يمكن الاصطلاح على تسميتهم بـ «شباب النت الملتزم». وفيما يلي جدول مختصر للأحكام:

  • طارق الغوراني: اعتقل بتاريخ 18/2/2006 مع ثمانية شبان بتهمة تشكيل مجموعة نقاش ونشر مقالات على الإنترنت. حكم بالسجن سبع سنوات.

  • عمر علي العبد الله: اعتقل بالتاريخ نفسه، وبالتهمة نفسها. حكم بالسجن سبع سنوات.

  • ماهر أسبر: اعتقل بتاريخ 23/2/2006، وحكم بالسجن سبع سنوات.

  • حسام ملحم: طالب جامعي، اعتقل بتاريخ 24/1/2006. حكم بالسجن خمس سنوات.

  • أيهم صقر: اعتقل بتاريخ 23/2/2006. حكم بالسجن خمس سنوات.

  • دياب سرية: اعتقل بتاريخ 19/3/2006. حكم بالسجن خمس سنوات.

  • علام فخور: طالب جامعي، اعتقل بتاريخ 23/2/2006. حكم من محكمة أمن الدولة بالسجن خمس سنوات.

  • طارق بياسي: مدوّن، اعتقل بتاريخ 7/7/2007 على خلفية تدويناته. حكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة «إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة».

  • كريم عربجي: مدوّن، اعتقل بتاريخ 7/6/2007 وتعرض للاختفاء القسري لأكثر من عام. حكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة «نشر أخبار كاذبة». (أطلقت السلطات السورية سراحه بموجب عفو رئاسي في 7 يناير 2010).

أطرف وأقسى الملاحقات: حبيب صالح

لم يكد يخرج من محنة اعتقال حتى يدخل أخرى. للمرة الثالثة اعتُقل حبيب صالح، إذ كان قد اعتُقل سابقًا مع نشطاء «ربيع دمشق» في 12 أيلول 2001، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ثم أُفرج عنه في 9 أيلول 2004. بعد ذلك، اعتقل في 30 أيار 2005 وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وأُفرج عنه في 12 تموز 2007. ثم اعتقل في 7 أيار 2008 وحكم عليه في 15 آذار 2009 بالسجن ثلاث سنوات.

اللافت أن حبيب صالح اعتُقل ثلاث مرّات سابقة خلال حكم حافظ الأسد من دون محاكمة:

  • عام 1982 لمدة عام ونصف

  • عام 1986 لمدة ستة أشهر

  • عام 1994 لمدة سنة ونصف

حبيب صالح ناشط وكاتب، مؤسس «منتدى الحوار الوطني» في طرطوس. عمل كاتبًا ومترجمًا ورجل أعمال. تؤكد مصادر قريبة منه أنه يعاني من ارتفاع ضغط شديد والتهابات مزمنة في المفاصل.

وباعتقاله الأخير يكون قد أتم ستة اعتقالات، وقد اتُّهم بـ «نشر أنباء كاذبة» و«إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية»، وحكم عليه في 7/5/2008 بالسجن ثلاث سنوات.

الغرب يقدم جوائز للنشطاء وسوريا تعتقلهم:

على الرغم من قبضة المخابرات العنيفة، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة إرهاصات متغيرة، تجلت في تنديدات دولية صادرة عن منظمات ودوائر سياسية غربية، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين في السجون السورية. وعلى خط مواز، وللمرة الثانية، حصل المحامي أنور البني — وهو ناشط حقوقي ورئيس «المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية» — على جائزة دولية تقديرًا لنشاطه في مجال حقوق الإنسان، بينما كانت السلطات السورية قد اعتقلته منذ 17/5/2006 بعد محاكمة هزلية صدر فيها حكم بالسجن خمس سنوات بتهمة «وهن نفسية الأمة». 

وقد وصلت المهزلة القضائية إلى ذروتها في قضية المحامي المخضرم هيثم المالح، الحاصل على تقدير دولي لدوره في مجال حقوق الإنسان، ومؤسس «جمعية حقوق الإنسان في سورية»، وأحد الرعيل الأول في تنظيم الحراك الحقوقي في البلاد. تتلخص قضيته في حديث أدلى به لفضائية سورية اختفت لاحقًا عن البث، حيث علّق بلهجة واضحة حول أوضاع حقوق الإنسان في سوريا، وعن قضية سجين الرأي مهند الحسني الذي أثيرت قضيته مؤخرًا، والذي يواجه تهمًا مرتبطة بعمله السلمي في الدفاع عن السجناء السياسيين. وقد تطرق المالح أيضًا إلى استغلال النظام السوري لقانون الطوارئ رغم امتلاك الدولة أجهزة أمنية وموارد ضخمة، إلا أنها تستمر بالاتكاء على قانون فقد شرعيته.

ومن المعروف أن المحامي هيثم المالح كان ضمن فريق الدفاع عن مهند الحسني. والمشهد بالغ الدلالة: ما إن يترافع محامٍ عن موكله، حتى نجد أن المحامي نفسه يصبح بحاجة لمحامٍ جديد! بل إن الأمر يتطلب دولة حقيقية تحترم مواطنيها وتلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات التي صادقت عليها.

لم تغفل عين الرقابة الأمنية عن نشاط الحسني، إذ نسبت إليه المحكمة حضور بعض الجلسات من دون أن يكون مفوضًا بالتوكل رسميًا، على حد تعبيرها. وقد كان حضوره مبررًا وفق الدستور السوري الذي يتيح مراقبة المحاكمات وإصدار التقارير الحقوقية. لكن النظام يستند إلى قوانين استثنائية فقدت مشروعيتها منذ عقود، بالإضافة إلى غياب قانون يضمن حرية تشكيل الأحزاب والتجمعات، وغياب التراخيص الخاصة بمؤسسات المجتمع المدني والنقابات المستقلة الفعلية.

ولا نعني هنا بالطبع نقابات مثل نقابة المحامين في دمشق التي أدت دورًا مشبوهًا لا يمت بصلة إلى العمل النقابي، إذ قامت بفصل  الحسني بدل الدفاع عنه وصون أمنه، ما جعل المشهد أرضًا خصبة للفساد الذي ترعاه الدولة.

أثبت الحسني خلال أنشطته، سواء عبر منظمته أو كمحامٍ، ترافعه في قضايا تعتبر من أكثر القضايا حساسية. وسنستشهد بمثال قضية المفكر السوري ميشل كيلو الذي أُطلق سراحه هذا العام. هذه القضية كانت تحديًا لمهند الحسني على المستوى العملي والحرفي، بالإضافة إلى أهمية التصريحات التي كان يطلقها ميشل كيلو من معتقله. كيلو، في العقد السابع من العمر، أُطلق سراحه في مايو 2009، وكان أحد أبرز الموقعين على إعلان دمشق-بيروت، وهي وثيقة وقعها 500 من المثقفين والنشطاء السياسيين من سورية ولبنان عام 2006.

أما قضية الناشط الحقوقي مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وما رافق ذلك من ممارسات غير أخلاقية، فقد تمثلت في موقف نقابة المحامين – فرع دمشق، التي خلطت بين الواقعة الخاصة بالحسني وبين مسائل أخرى، مما جعل دور النقابة يبدو كأي خلية تابعة لفرع أمني، وهو ما عزز سلبية قرار المحكمة.

القضية ما تزال مفتوحة، وقد بدأت أولى مفاعيلها تظهر في أوروبا، حيث صدر التنديد من قبل جهات قضائية عليا، وقد يسفر ذلك عن إقصاء دور العمل النقابي الرسمي لفترة غير محددة.

وليس بعد، كمال اللبواني، طبيب ومؤسس التجمع الديمقراطي الليبرالي، ومن معتقلي «ربيع دمشق»، خرج إلى الحرية لفترة من الزمن، ليُعتقل مجددًا في 8 نوفمبر 2005 فور عودته من رحلة إلى أوروبا والولايات المتحدة. جاء اعتقاله لأن أنشطته تجاوزت ملامح العمل المحدد في ظل قوانين غير واضحة.

وعلى الرغم من أننا لسنا موافقين على زيارته لـ «البنتاغون» و«الآيباك» ولقاء رامسفيلد، إلا أننا نعتبر ذلك خطأً شخصيًا، ولا يبرر للنظام السوري اعتقال أي مواطن يمارس نشاطًا سلميًا.

وفق تعريف المحكمة — محكمة الجنايات العسكرية الأولى — التي قاضت كمال اللبواني ونشطاء مدنيين، نكتشف أنها تترأسها قاضٍ عسكري وضابطان عسكريان. وطبقًا لتشريع حالة الطوارئ، تتمتع المحكمة بالولاية القضائية لمحاكمة القضايا السياسية، لكنها لا توفر محاكمات عادلة وفق المعايير الدولية، كونها مكوّنة من عناصر مرجعية للسلطات السياسية والأجهزة الأمنية.

وقد حكم على اللبواني بالسجن 12 عامًا بتهمة «دس الدسائس لدى دولة معادية». ولم تتركه الرقابة الأمنية داخل السجن، إذ تم نقل كلامه من حوارات بين السجناء عبر تقارير أمنية، ليصدر ضده حكم ثلاث سنوات إضافية أمام محكمة الجنايات العسكرية.

وصولًا إلى محاكمة رئيس تيار المستقبل، المهندس مشعل التمو، فقد تم اختطافه في 15/8/2009 من قبل دورية تابعة للأمن الجوي في مدينة حلب، أثناء قيادته سيارته الخاصة.

وقد جاهدت السلطات السورية، عبر محاكمتها لـ «التمو» أكثر من مرة، على الالتفاف على نص الاتهام، محاوِلة حرمانه من حق الدفاع عن نفسه، وتلكأت أيضًا أمام مطالب لجنة الدفاع لأكثر من مرة.

المهزلة المرافقة لمحاكمة مشعل التمو تؤكد أشكالًا غير مرحب بها لواقع حقوق الإنسان في سوريا، إذ يتحفنا القضاء السوري بمهارته في تطبيق أشد العقوبات بحق النشطاء المدنيين، ويتعامل معهم وكأنهم «مجرمو حرب»، في حين أن كواليس السياسة تبرئ مجرمين وأصحاب سوابق وتجار الرقيق الأبيض.

واليوم تخطرنا بعض المراسلات عن اختفاء أثر الناشط الحقوقي نزار رستناوي، الذي اعتُقل بتاريخ 18/4/2005، وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهمة «نقل أخبار كاذبة».

يفترض أن يُنفذ الحكم الصادر بحقه دون أي ملابسات أو تعتيم على أخباره، ما يجعل حفيظة نشطاء حقوق الإنسان واضحة منذ أن كان نزيلاً في السجن العسكري الأول في صيدنايا، حيث كان من المفترض إطلاق سراحه في نيسان 2009، لكنه أصبح قيد الاختفاء القسري. تبخرت أخباره، وترافقت وعود غير صادقة بزيارته منذ تموز 2008، إثر أحداث «سجن صيدنايا»، وما زال أثره بعيدًا حتى اليوم.

كما هو ثابت في التاريخ السياسي لهذا النظام، فإن انتهاكاته طالت شخصيات عدة، ما أدى إلى تدهور العلاقات اللبنانية–السورية على خلفية اغتيالات نفذت بتدبير أمني فاضح، ما يجعل الحديث عن أي إصلاحات أمراً مستحيلًا. النظام يمهد رهاناته على نجاحات يكتسبها من خلال تحالفات على أعناق الشعب السوري ولقمته.

ولا بد من الإشارة إلى حالات اختفاء متكررة، بعضها لم تُحسم بعد من قبل السلطات السورية، مثل: فرحان الزعبي، ومزيد التركاوي، إضافة إلى الداعية محمد معشوق الخزنوي الذي اختُطف، وبعد عشرة أيام وُجد مقتولًا.

هكذا نظام، محاكمه تحتاج من يحاكمها، بل تحتاج إلى سجون فعلية. قضاء يعاني من فقر شديد في تطبيق القوانين، حيث لا عدل يعلو فوق سيف المحسوبات والرشاوى والمخابرات، بمعنى أنه قضاء «اللا نزاهة وتشريع الاستبداد».

هذا القضاء تواطأ وأباح حقوق السيدة ركانة حمور، وعزز جرائم المتنفذين من رجالات الفساد، في سرقة خمسة وعشرين مليون دولار ببساطة وتعتيم، باسم القانون. بل هناك من جعل القانون ملعبًا يتيح للمفسدين إباحة ما يشاء.

وفي هذه الحالة، حسم الأمر بتواطؤ مشترك بين رجالات «الأعمال الملوثة»، بعضهم من العسكريين، إلى جانب غرف الخلسة. ومن كان يُنظر إليهم في الأمس كشرفاء، هؤلاء الأشراف، دخلوا عبر البوابة الخلفية لقصر العدل، على مرأى الحاكم والوطن والمواطنين.

التطهير العرقي وظاهرة «التشييع»

لعلكم على معرفة كافية بطبيعة وتركيبة البلاد، وبنظامه وآلية تنفيذ القوانين فيه. تعرفون أيضًا أن كوادر نخبوية من المجتمع السوري، وأغلبهم من دعاة العلم، تم تعنيفهم وإرهابهم، بعضهم سيق إلى محاكم تُوصف بأنها مهزلة منظمة، وتلقى أحكامًا لأكثر من عقد ونصف، وبعضهم مُنع من السفر فأصبح قيد الإقامة الجبرية. أغلبهم نشطاء مدنيون يمارسون حقهم في التعبير كتابةً وقولًا، بموجب القوانين التي منحهم إياها دستور البلاد في سوريا.

في الدولة، وفق مكونات الأجهزة الأمنية، هناك ما يُصطلح على تسميته «سياسة التطهير العرقي» بحق النشطاء المدنيين، بهدف عزلهم عن المحيط الطبيعي لحياتهم، وذلك على خلفية آراء ومواقف يطلقونها حول خلل واضح في تطبيق القوانين المعمول بها، والذي يدفع ثمنه كافة مكونات المجتمع السوري، وخصوصًا مواطنو الجنسية السورية الذين يعيشون في مناطق تتعدد فيها الأقليات القومية المختلفة.

بل توجد مخاوف أبعد من ذلك، حسب إجماع عدد من المنظمات الحقوقية والنشطاء، تتجلى في تشجيع ظاهرة «التشييع»، التي يوليها الجانب الإيراني عناية لافتة، بجعل البلاد مكانًا لتجارب ومختبرات «التشييع السياسي»، وهو الأخطر كما نعلم، حيث يصبح سلاح النظام أفيونًا لا يستفيق منه المواطن إلا على اعتاب النهاية. وفي الوقت ذاته، نلاحظ دخول السياسة السورية ضمن أجندة إقليمية، اعتقادًا من النظام أنه الأكثر تأثيرًا في رسم سياسة المنطقة كقوة متفردة.

  • صدر التقرير عن منظمة ائتلاف السلم والحرية، و صادقت عليه المنظمات المنضوية في الائتلاف

24.12.2009 تحقيق : أحمدسليمان

www.opl-now.org

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب