نائب ألماني سابق يفصّل لـ”اقتصاد” سبل اللجوء السوري إلى ألمانيا وأبرز العوائق
أجرت “اقتصاد” حواراً مع النائب الألماني السابق، من أصل سوري، جمال قارصلي، وهو أحد الناشطين في الحياة السياسية الألمانية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وأحد الداعمين للحراك الثوري في سوريا منذ بداياته.
تركز الحوار على قضية اللجوء السوري إلى ألمانيا، وأبرز التفاصيل حوله، وحول المشكلات والعوائق التي يواجهها السوريون في طريقهم لنيل الإقامة في ألمانيا.
ويتضح من الحوار أن اللجوء السوري إلى ألمانيا له ثلاث سبل، لكل منها تفاصيله ومشكلاته، السبيل الأولى عبر مفوضية شؤون اللاجئين بلبنان التي تنقل بعض السوريين إلى ألمانيا بالاتفاق مع الجهات الرسمية هناك، والعدد المقدّر حالياً للاجئين الذين أبدت السلطات الألمانية استعدادها لاستقبالهم بهذه الطريقة، هو 5 آلاف لاجئ سوري فقط، من أصل أكثر من مليون لاجئ سوري في الأراضي اللبنانية.
السبيل الثانية للجوء إلى ألمانيا هي عبر دعوة أحد الأقارب الحاملين للجنسية الألمانية أو المتمتعين بالإقامة هناك، أما السبيل الثالثة والأخيرة، فهي الوصول إلى ألمانيا بطرق غير شرعية بالتعاون مع شبكات المهربين انطلاقاً من دول الجوار لسوريا، وصولاً إلى البر الأوروبي (إيطاليا أو اليونان أو بلغاريا)، ومن ثم الانتقال من بلد أوروبي إلى آخر وصولاً إلى ألمانيا.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
* هل يمكن أن تُوجز لنا الأرقام والمعطيات المتوافرة حول اللاجئين السوريين في ألمانيا حالياً؟
وصل عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا الأراضي الألمانية وبطرق مختلفة منذ بداية الأزمة السورية إلى يومنا هذا، حوالي 18 ألف لاجئ, إضافة إلى ذلك قررت الحكومة الفدرالية في ألمانيا جلب 5 آلاف لاجئء سوري عن طريق لبنان وبالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين هناك. أهم شروط الموافقة على جلبهم إلى ألمانيا هو أن يكون هؤلاء اللاجئون مسجلين رسمياً لدى هذه المفوضية في لبنان، ويجب موافقة الحكومة اللبنانية على مغادرتهم لأراضيها.
من أصل 5 آلاف لاجئء تريد الحكومة الألمانية جلبهم إلى ألمانيا, وصل إلى يومنا هذا طائرة واحدة فقط، على متنها 110 لاجئين، قدموا من مطار بيروت إلى مطار هانوفر، ومن ثم تم نقلهم إلى المُجمّع المؤقت بالقرب من مدينة غوتينغن، ومن هنالك تم توزيعهم على المدن الألمانية الأخرى.
* ما الفرق بين الميزات التي يُحصل عليها اللاجئ السوري الرسمي في ألمانيا، وبين أولئك الذين يصلون الأراضي الألمانية، بطرق غير قانونية؟
الفرق بينهم وبين الذين أتوا بطريقتهم الخاصة أو بطرق مختلفة، هو بأن طلب لجوء السوريين القادمين عبر مفوضية اللاجئين، وبموافقة الحكومة الألمانية، يعد منذ البداية مقبولاً ولا يحتاج لأية دراسة أمنية أو تدقيق أو استجواب؛ لأن هذه الإجراءات تكون قد تمت قبل اختيارهم من بين مئات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان. القادمون بهذه الطريقة القانونية يتم منحهم إقامة لمدة عامين، وهي قابلة للتمديد إذا ما بقيت الأوضاع في سوريا على حالها.
وإذا تحسنت الأحوال في سوريا واستتب الأمن والأمان فيمكن إرجاع هؤلاء الناس إلى سوريا، كما فعلت الحكومة الألمانية سابقاً مع لاجئين من كوسوفو والبوسنة وأفغانستان ودول أخرى، كما يحق للقادمين إلى ألمانيا بهذه الطريقة العمل والدراسة.
* هل من طرق أخرى للحصول على اللجوء أو الإقامة في ألمانيا، غير طريق مفوضية اللاجئين؟
إضافة إلى الـ5 آلاف لاجئ الذين ستجلبهم الحكومة الفيدرالية الألمانية, قررت 14 مقاطعة ألمانية (من أصل 16 مقاطعة) أن تمنح التاشيرة أو الإقامة المؤقتة لعدد معين من الذين تتم دعوتهم عن طريق أقاربهم في ألمانيا، علما أن صلة القرابة يجب أن تكون من الدرجة الأولى (الأطفال والوالدين) أو من الدرجة الثانية (الإخوة والأخوات والأجداد والأحفاد إضافة إلى أطفالهم القاصرين وزوجاتهم).
على سبيل المثال قررت مقاطعة شمال الراين فستفالية، وهي تعد أكبر مقاطعة في ألمانيا من ناحية عدد السكان، أن تمنح ألف تاشيرة إضافية لأشخاص مدعوين من طرف أقاربهم.
وعلى الذين يريدون أن يرسلوا دعوة لذويهم في سوريا أن يكونوا من حاملي الجنسة الألمانية أو لديهم إقامة مفتوحة في ألمانيا أو محدودة ويقيمون في ألمانيا منذ بداية عام 2013، كما على صاحب الدعوة أن يتكفل بكل مصاريف الذين دعاهم إلى ألمانيا ويجب أن يكون في دخله الشهري فائضا مالياً لكل شخص مدعو من طرفه، يتراوح بين 350 و400 يورو شهرياً، وبمعنى آخر، فإن الذين يستطيعون دعوة أقاربهم هم فقط من فئة ميسوري الحال.
كما إن التأمين الصحي للأقارب المدعوين يشكل عائقاً كبيراً لجلبهم إلى ألمانيا؛ لأن القانون لا يسمح بضم الأقارب إلى التأمين العائلي المتوفر لدى مقدم الدعوة، وفي بعض المقاطعات تم تجاوز هذه العثرة عندما قررت حكومة المقاطعة تحميل تكاليف التأمين الصحي على بلديات المدن التي يسكن بها مرسل الدعوة.
ومن الشروط أن الشخص المدعو يجب أن يكون سجله نظيفاً من الجنايات والأعمال الإرهابية ويكون قد فقد مكان سكنه، ويعيش في سوريا أو مصر أو إحدى الدول المجاورة لسوريا.
يتم تقديم الطلبات عن طريق السفارات أو القنصليات الألمانية في الخارج، وتوازياً مع هذا الطلب يقوم الداعي بتقديم طلب الدعوة إلى مكتب الأجانب في المدينة التي يسكنها.
* ماذا بشأن من يصل إلى ألمانيا بطرق غير قانونية؟
الذين قد وصلوا إلى ألمانيا بطريقتهم الخاصة، أو بأي طريقة كانت، يستطيعون أن يقدموا طلب اللجوء شفهياً أو خطياً لدى كل الدوائر الرسمية الألمانية وحتى عند الشرطة. هذه الدوائر تقوم بإحالتهم مباشرة إلى أقرب دائرة من الدوائر المختصة بشؤون اللاجئين، وعددها حوالي 20 دائرة موزعة في كل أطراف ألمانيا، وهي تابعة للمكتب الفيدرالي لشؤون المغتربين واللاجئين.
مقدم الطلب عليه أن يحضر شخصياً ويقدم طلبه بشكل رسمي، علما أن المكتب الفدرالي لشؤون اللاجئين يكون في العادة موجوداً داخل مركز لاستقبال اللاجئين، ويتضمن هذا المركز قسماً للشرطة وآخر للطبابة ومطعم ومهاجع للنوم. وهنا يصبح مكان الإقامة المؤقتة للاجئ بعد أن يقدم طلب لجوئه.بعد ذلك يتم التسجيل والتصوير وأخذ البصمات. الإقامة هنا ممكن أن تدوم أياماً أو أسابيع قليلة ومن ثم يتم فرز طالب اللجوء إلى إحدى المدن الألمانية. بعد أسابيع أو أشهر قليلة يتم استدعاء مقدم الطلب للاستجواب المفصّل من أجل شرح أسباب تقديمه لطلب اللجوء. ثم يتم البت في الطلب، وإذا تم رفض طلب اللجوء فيمكن لطالب اللجوء أن يعترض على هذا القرار أمام أقرب محكمة من المحاكم المختصة في الشؤون الإدارية.
إذا تم التأكد بأن طالب اللجوء كان مقيماً في بلد أوربي آخر أو جاء إلى ألمانيا عن طريق هذا البلد, فمن الممكن إرجاعه إلى ذلك البلد, لأن القانون الألماني ينص على أن طالب اللجوء يقدم طلبه لدى أول بلد آمن يصل إليه.
في العادة يتم قبول كل طلبات اللجوء المقدمة من حاملي الجنسية السورية، وحتى إذا تم رفض طلب لجوء أحد ما, وهذا ما يحصل نادراً جداً, فلا يوجد في الظرف الراهن إمكانية لتسفير السوريين إلى سوريا.
يحصل اللاجئ على إقامة لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، وهي قابلة للتمديد ويحق له العمل والدراسة.
من السيرة الذاتية لـ “جمال قارصلي”:
وُلد جمال قارصلي في مدينة منبج بريف حلب عام 1956، وتخرج عام 1978 من المعهد المتوسط للصناعات الكيمائية.
عام 1980 سافر إلى ألمانيا ليعمل في مخبر إحدى الشركات الألمانية بصفة كيمائي، قبل أن يلتحق بإحدى الجامعات الألمانية وينال درجة الماجستير في هندسة وتخطيط المدن.
وفي العام 1984 انخرط في صفوف حزب الخضر بألمانيا، ليصبح عام 1995 أول نائب من أصل سوري تحت قبة البرلمان الألماني عن ولاية شمال الراين-وستفالية.
عام 1985 حصل على الجنسية الألمانية، متزوج ولديه ابنتان وابن.
امتدت عضويته في البرلمان الألماني حتى 2005، وكان في بدايات تجربته البرلمانية متحدثاً باسم حزب الخضر فيما يتعلق بـ”سياسات الهجرة والمغتربين”، لكنه قدم لاحقاً استقالته من حزب الخضر بسبب مواقف الحزب تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، والعملية السلمية في الشرق الأوسط.
التحق “قارصلي” بحزب الليبراليين الأحرار، قبل أن يضطر للاستقالة من هذا الحزب بسبب حملة ضارية شنتها عليه بعض وسائل الإعلام الألمانية، بعد أن قال أن الجيش الإسرائيلي يستخدم طرقاً نازية في معاقبة الشعب الفلسطيني.
أسس عام 2003 حزباً سياسياً ألمانياً، حمل اسم “فاكت” تحت شعار “سلام، عمل، ثقافة، شفافية”، وهو حزب اجتماعي ليبرالي يضم في عضويته 40% من الألمان الأصليين، و60% من جميع جنسيات العالم، وانتُخب رئيساً لهذا الحزب.
له عدة مقالات باللغتين الألمانية والعربية، وله كتاب بالألمانية بعنوان “كمامة لأفواه الألمان”، وآخر باللغة العربية بعنوان “ألمانيا بين عقدة الذنب والخوف”.
اتخذ مواقف معارضة للنظام الحاكم في سوريا منذ عهد الأسد الأب، ووقف مع الحراك الثوري السوري منذ بداياته، ودعمه بالنشاط السياسي والمال، وله أقارب نافذون في المعارضة المسلحة السورية، خاصة في منبج بريف حلب.
إياد الجعفري – اقتصاد