فردريك س . هوف : جنيف والخيار البديل لنظام الأسد
إذا قدمت المعارضة السورية لمؤتمر جنيف الثاني المحدد عقده في22 يناير 2014 اقتراحاً معقولاً عن حكومة انتقالية بديلة عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يمكن عندها أن يساهم المؤتمر في إنهاء حكم العائلة الفاشية الوحشية لسورية. وإن تقدمت المعارضة بلائحة وحدة وطنية تتضمن أسماء بارزه تتضمن علويين خدموا بكفاءة وإخلاص في مراتب مدنية وعسكرية عالية، لربما تطلق بذلك تفكيكاً سريعاً لنظام دمّر سورية ولم يجلب سوى المآسي والأحزان والآلام لكل السوريين، بما فيهم المجموعة التي ينحدر منها.
حالياً يمتطي نظام الأسد الميليشيات المشكلة والمدعومة من قبل إيران إلى سلسلة من الانتصارات التكتيكية شمالي دمشق. فقد تكبدت القوات السورية الموالية للنظام –والتي تتكون غالبيتها من العلوييين– خسائر فادحة خلال العامين الماضيين، وأنهكت بعض وحداتها. وتحتاج طهران إلى عشيرة الأسد-مخلوف للحفاظ على خيار ردع استراتيجي في لبنان ضد إسرائيل (حزب الله). ولكن ضمن صفوف الطائفة العلوية هناك تساؤلات مكروبة عن حجم التضحيات التي قدمتها وعن المعاناة التي لا تزال تطلب منها للحفاظ على العائلة الحاكمة وموظفيها. إن عدم وجود بديل جذّاب وذي مصداقية هو كل ما يربط هذا المجتمع (وبعض الأقليات الأخرى) بالنظام. وفي جنيف يمكن للمعارضة السورية أن تخفف وطأة تلك القيود. فهل ستفعل ذلك؟
ليست هناك أرضية للتفاؤل.الائتلاف الوطني السوري يمتلك جذوراً في الداخل هي ضحلة في أحسن الأحول، وقد سُمّي هذا الائتلاف ممثلاً شرعيا للشعب السوري، ويعتبر من قبل أولئك الذين يدعون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري قائداً مركزياً للوفد السوري إلى جنيف، دون أن يتلقى الدعم الذي يحتاجه لإقامة بديل للحكومة داخل سورية. ويمكن تفهم أن الائتلاف، وبحساسيته لاتهامات بعدم الجدوى والتقصير والخلل وعدم احترامه من قبل الغرب، غير راغب في المخاطرة بطرح قائمة حكومة انتقالية قد تثير غضب الناشطين داخل سورية والذين تحملوا العبء الأكبر من وحشية النظام. وكمثله من الأحزاب السياسية في كل مكان، يجب أن يهتم الائتلاف بقاعدته، ولكن للأسف ولأسباب ليست كلها من صنع يديه لا يتمتع الائتلاف الوطني السوري بأية قاعدة شعبية.
وقد أبرزت الأحداث الأخيرة مدى تهميش التيار الوطني السوري الجدير بالاحترام في المعارضة، ويشهد بذلك قيام الولايات المتحدة بتعليق المساعدات غير الفتّاكة للجيش السوري الحر، فهناك مقاتلون تابعون لجبهة إسلامية، وهذه تشكلت مؤخراً من مجموعات إسلامية معارضة لنظام الأسد وغير مرتبطة بتنظيم القاعدة، كانوا قد سيطروا على بعض المعدّات غير الفتاكة التي زودت بها الولايات المتحدة الجيش السوري الحر، وهذا يعني أن أفراد الجبهة الإسلامية يتناولون الآن وجبات طعام جاهزة و يتواصلون مع بعضهم البعض باستخدام معدات دفع ثمنها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة. كما أن اللواء القدير سليم إدريس، والذي أرادت الولايات المتحدة أن يمر عبره كل الدعم من أسلحة ومعدات للمعارضة السورية المسلحة، شهد القوات التي كان يأمل بقيادتها تغادر الجيش الحر إلى التشكيلات الإسلامية التي يغدق عليها داعموها الأسلحة والذخيرة والمال والطعام والمعدات الطبية وأجهزة الراديو والشاحنات الصغيرة. لقد انتهى عملياً المجلس العسكري التابع للائتلاف، ولم يعد هناك دور فعلي للوحدات المختلفة من الجيش السوري الحر المرتبطة بشكل فضفاض مع ذلك المجلس.
في جوهره، يعني هذا الوضع أن إدارة أوباما قد تميل الآن للتخلي عن تظاهرها الأخرق بدعم المجلس العسكري الأعلى، هذا الدعم الذي لم يرقَ إلى أية درجة مهمة، على الرغم من النوايا الحسنة لوزير الخارجية جون كيري ومن العمل الشاق لبعض عناصر الولايات المتحدة. وحتى إن رأت الإدارة الأمريكية الآن أن استمرار نظام الأسد وصعود الإسلاميين في المعارضة المسلحة هي تطورات تهدد الاستقرار الإقليمي، وبالتالي مصالح الولايات المتحدة، فإن كياناً خضع لتجويع تدريجي حتى الموت –ولكن مع جرعات دورية إنقاذية غير فعالة– سيكون إحياؤه تحدياً عملياتياً من المرتبة الأولى، وربما يكون هذا جهداً جيداً يستحق الأخذ به ولو كان السبب الوحيد ضعف التأييد الشعبي لأشكال الإسلام السياسي الواقعة خارج نطاق الإخوان المسلمين. ولكن القيام بما كان ينبغي القيام به عام 2012 أصعب بكثير الآن عام 2013. ويأتي كل ذلك على حساب الفئات الضعيفة من السكان في سورية.
لن تأرق إدارة أوباما لتهميش العناصر المسلحة التي دعمتها، بشكل غير فعال على أي حال. ولكن ما الذي يجب القيام به حيال جنيف؟ منذ أيار 2013، كانت الولايات المتحدة هي القوة الدافعة لعقد جنيف2؛ وقد تسارع دفعها في أعقاب اتفاق الأسلحة الكيميائية، الذي أعطى نظام الأسد ومؤيديه الخارجيين يداً حرة تفعل ما تريد بالمدنيين السوريين، طالما أنها لن تستخدم السلاح الكيميائي. بالطبع تعترض الإدارة الأمريكية على هذا التوصيف. ولكن أين أختفى التهديد الحقيقي بالقوة العسكرية الذي وعدت الإدارة الأميركية بإبقائه خلال عملية نزع السلاح الكيميائي؟ من وجهة النظر الأمريكية الرسمية، جنيف هو المكان الذي سيتم فيه تفعيل الانتقال السياسي في سورية، من حكم العائلة الفاسدة الوحشية إلى شيء أفضل؛ وبمعنى آخر، جنيف هو المكان الذي ستنتصر فيه ورقة الكيمياء الدبلوماسية على ما يحدث على أرض الواقع.
ويبدو أن هناك أمراً بارزاً يعرقل بعناد تلك الكيمياء الديبلوماسية: إيران وروسيا تدعمان وبقوة ذلك النظام، والذي حرضت استراتيجيته الطائفية الفاضحة على النمو السرطاني لمعارضة إسلامية مسلحة عنيفة. هذه المعارضة، في المقابل، تدفع من ساحة المعركة وتسقط الأهمية السياسية لأي شيء تفوح منه رائحة الاعتدال والوطنية اللاطائفية وقيم المجتمع المدني، وهي قيم يريد معظم السوريين أن تنعكس في حكمهم. إذا كان الهدف في جنيف تقويض السبب المسبّب لدمار سورية –وهو نظام الأسد– من خلال تقديم بديل يقبله الذين يصونون و يدعمون ذلك النظام، فقط لأن الإسلام المتطرف يبدو أنه البديل الآخر، فمن هو الذي سيقدم هذا البديل؟ هل هم ذوو الميول السياسية المعتدلة، الذين جعلهم فشلهم في حشد الدعم الفعال من الغرب وفي التجذر داخل سورية يهيمون للأسف على غير هدى ويفقدون المصداقية؟ أم أولئك الذين قرروا محاربة النظام باسم الإسلام دون انتظار إشارة من واشنطن؟
تلك هي المعضلة التي أوقعت إدارة أوباما نفسها فيها، فهي ترى الآن أنه كي يقوم مؤتمر جنيف٢ بوظيفة الانتقال السياسي المطلوب فإن على الإسلاميين غير المرتبطين بالقاعدة إما أن يأتوا بأنفسهم إلى سويسرا أو أن يفوّضوا الآخرين للقيام بذلك ولوضع لائحة تضم أسماء أعضاء هيئة الحكم الانتقالي الذي دعا إليه البيان الختامي لجنيف١ (حزيران ٢٠١٢) على طاولة المفاوضات في جنيف. وهذا يحتم على الجبهة الإسلامية أن توافق على إقناع العلويين والمسيحيين وغيرهم (وخاصة أولئك الذين تقاتلهم في الأجهزة الأمنية) بأن الانتقال السياسي في البلاد لن يُقاد من قبل الإسلاميين، ولا من قبل الائتلاف الوطني، وبالتأكيد ولا من قبل تنظيم القاعدة، ولكن من قبل الذين نجحوا في خدمة سورية بشكل لائق دون أن يلوّثوا أنفسهم بالدماء، ودون أن يثروا أنفسهم بالفساد أو يحطوا منها بالإجرام.
بالنسبة لإدارة أوباما، هذا تطور غير مريح للأمور، وهي ترى أن النهاية المثلى هي مغادرة العائلة الجشعة الحكم، ثم انضمام القوات المسلحة الحكومية والمعارضة معاً للقضاء على وجود تنظيم القاعدة في سورية. الإدارة الأمريكية ترى الوضع الحالي للنظام على درجة من الهشاشة تمكّن من جلبه إلى نقطة الانهيار، ولكن فقط إذا كان من شأن المعارضة أن تتوحد في جنيف حول اقتراحات معقولة للانتقال السياسي. غير أن على إدارة أوباما أن تعتمد الآن على قيام تحالف الإسلاميين بطرح، أو بإعطاء التفويض لآخرين من أجل طرح، جدول للحكم الانتقالي من شأنه أن يطمئن ألدّ أعداء الإسلام السياسي في سورية. ليس هذا بالأمر الذي تستطيع الإدارة الأمريكية تمريره بسهولة. فالإدارة التي تخلت عن المعارضة الوطنية السورية قد تكون قليلة أو معدومة الرغبة بالتواصل والتحاور مع الإسلاميين.
وكالعادة، في السياق السوري، ليس هناك إجابات سهلة أو حلول سحرية: السعي إلى الحوار مع الإسلاميين غير المرتبطين بتنظيم القاعدة؟ تقبل استمرار حكم سورية من قبل عصابة القتل الغارقة عميقاً في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ تهنئة الذات بتطهير سورية من السلاح الكيماوي، مع الوقوف جانباً بينما تحترق سورية ويصرخ أبناؤها رعباً؟
إن بقاء النظام يضمن انعدام أي مستقبل متحضر لسورية. فالعصابة الحاكمة ليست بديلاً عن الإسلام السياسي في سورية، بل هي محفز التمزق الطائفي وسبب وجود تنظيم القاعدة بما يضمه من مقاتلين أجانب. نهج الإدارة الأمريكية لتغيير هذا النظام عبر جنيف مقامرة صعبة، ومع ذلك فلا يوجد لديها خيار آخر سوى اللعب بالأوراق التي قطعتها لنفسها.
ترجمة: أحفاد الكواكبي
الجمهورية لدراسات الثورة السورية