الرئيس غل : نصحت الأسد كثيرا لإجراء إصلاحات وجرت أحاديث بين بشار واولمرت الاسرائيلي بحضورنا
في السنوات الماضية تحولت تركيا لاعباً بارزاً في منطقة الشرق الأوسط المفخخة والمعقدة. وكان من المفيد للصحافي الاستماع أكثر من مرة إلى وجهات نظر ثلاثة مسؤولين، هم عبد الله غل ورجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو، وهذا ما فعلت. في الأسبوع الأخير من آب (أغسطس) الماضي غادر غل قصر الرئاسة، الذي صار في عهدة رفيقه وصديقه رجب طيب أردوغان، وغادر داود أوغلو مكتبه في وزارة الخارجية ليشغل منصب رئيس الوزراء.
في العالم العربي يصعب العثور على رئيس سابق للجمهورية إلا في حالات استثنائية، واذا عثرت عليه يتردد في الإدلاء بحديث. في تركيا تبدو الصورة مختلفة. زارت «الحياة» غل بعد أسابيع من مغادرته القصر وهنا نص الحوار: غسان شربل
بماذا يشعر الرئيس في اليوم الأخير من ولايته؟ وهل تخططون للعودة إلى الحزب أم إلى التقاعد؟
– وأنا أغادر القصر شعرت بالاعتزاز والفخر اللذين شعرت بهما في اليوم الأول الذي توليت فيه هذا المنصب، خصوصاً أنني أسلم الأمانة إلى صديق قديم ورفيق درب. المهم أن الجميع في تركيا والعالم شاهد كيف أن المسؤول في تركيا يأتي إلى منصبه بالانتخابات ثم يتركه عند انتهاء ولايته ويسلمه لمن يفوز في الانتخابات التالية، وبشكل مدني وديموقراطي. وقد سعدت بأن تكون تجربتي شاهداً على ذلك. هناك من يخاف ترك منصبه ومغادرته، أما أنا فكنت في غاية الاعتزاز، لأنني أعتبر أنني أديت مهمتي على أحسن وجه.
في الشرق الأوسط لا أحد يحب لقب الرئيس السابق؟
– طبعاً هناك اختلافات بين دول المنطقة، ولكل دولة ظروفها الخاصة. تركيا دولة مسلمة، لكن نظامها ديموقراطي، وهي بذلك تختلف عن كثير من الدول الإسلامية، والانتخابات من أهم عناصر النظام الديموقراطي. وفي ما يتعلق بالشق الثاني من سؤالك السابق، أنا الذي ساهمت في تأسيس هذا الحزب وكنت أول رئيس للوزراء ورئيس جمهورية من الحزب، لذلك فإنه من الطبيعي أن أعود إلى الحزب.
أقمتم في السجن وفي المعارضة، وأقمتم في القصر الرئاسي، فأيها أصعب؟
– بالطبع كانت الإقامة في القصر أثناء الرئاسة.
أصعب من السجن؟
– نعم أصعب، لأن الرئيس يحمل على عاتقه همَّ ومسؤولية كل الشعب ويمثل كل الشعب، طبعاً إذا كنتَ مدركاً هذا الأمر، فإن الرئاسة صعبة، أما إن لم تكن مدركاً هذه المسؤولية فالرئاسة سهلة.
تركيا في منطقة مشتعلة منذ مجيء حزب العدالة والتنمية. ذهب صدام حسين وسورية مشتعلة وإيران مشتبكة مع الغرب، ما سر هذا الاستقرار الذي تعيشه تركيا؟
– السبب الأول هو احترام إرادة الشعب وإجراء الانتخابات الشفافة في موعدها وتنفيذ ما ينتج منها، وعليه فإنه إذا كان هناك غضب شعبي أو احتقان من الحكم فيتم تنفيسهما عبر الانتخابات، حيث يذهب المواطن إلى الصندوق ويقول كلمته. هذه الآلية الديموقراطية تعمل بشكل منتظم في تركيا. والمهم هنا أن هذه الانتخابات تتم بنزاهة وشفافية، لذا فإن حزب العدالة والتنمية نجح في البقاء في الحكم كل هذه السنين، لأن المواطن يفاضل بين سلبيات الحزب وإيجابياته، ويعطي قراره الأخير في الصندوق.
السبب الثاني والأهم الاستقرار الاقتصادي، فالقرارات الاقتصادية التي اتخذتها أول حكومة للعدالة والتنمية، وكانت حينها برئاستي، كانت صحيحة ومنضبطة، وسارت عليها كل الحكومات التي أعقبتها، ما أدى إلى فوز حزبنا في الانتخابات أكثر من مرة، بسبب نجاحنا الاقتصادي.
في ضوء ما يحدث في المنطقة، فإن البعض يرى أن العلمانية التركية مهددة لصالح تعريف إسلامي للعلمانية في الدستور في ظل حكم العدالة والتنمية؟
– في السابق كانت هناك تطبيقات وتفسيرات مختلفة للعلمانية في تركيا، والقسم المحافظ والمتدين من الشعب في تركيا كان يعترض على هذه التفسيرات، ونحن من بين من اعترض على ذلك، لأننا نؤمن بأن الحرية الدينية جزء لا يتجزأ من الحريات الأساسية والعامة. أتحدث عن الحرية وليس الفرض بالقوة، مثلاً السماح بارتداء الحجاب وليس فرضه على البنات، لكن في السابق كان هناك إجبار على منع الحجاب وهذه تفسيرات خاطئة للعلمانية، لذلك فإن الشعب التركي لم يكن لديه أي اعتراض أبداً على النظام العلماني بتفسيره الأنغلوساكسوني (بريطانيا وأميركا)، ونحن لم نغير الدستور، وما زال الدستور يقول إن تركيا دولة علمانية. نحن حاولنا أن نصحح الأخطاء التي جاءت مع تفسيرات خاطئة للعلمانية.
صور كمال أتاتورك لا تزال حاضرة؟
– بالطبع، أتاتورك مؤسس الجمهورية، ومن الطبيعي أن تكون صوره في كل مكان.
هناك تحالف دولي نشأ من أجل القضاء على «داعش»، ماذا تريد تركيا من أجل الانخراط فيه؟ منطقة عازلة؟ إسقاط الرئيس بشار الأسد؟ أم ماذا؟
– هذا الأمر تحدده الحكومة الحالية، لكن إذا سألت عمّا يحدث في المنطقة، وخصوصاً في سورية والعراق وظهور تنظيمات مثل «داعش» اليوم وغيرها في السابق وسيظهر ربما مثلها غداً، فالمهم هو منع تدهور المنطقة إلى هذا الوضع الأمني الخطير. لو نظرنا اليوم إلى هذه العناصر التي تقاتل في سورية وتابعنا حالها كيف كان قبل 3 أو 6 سنوات، لوجدنا أنهم كانوا أناساً عاديين وأبعد ما يكونون عن الإرهاب. يعني إذا تركنا جانباً القادمين من الخارج من الراديكاليين للقتال في سورية ونظرنا إلى من هم من أهل البلد، سنرى أنهم أرباب عائلات وأصحاب مهن وحرفيون، وأنهم أناس عاديون مثلنا ومتدينون، هكذا كانوا قبل أن تندلع هذه الحرب، فما الذي غيرهم وبدلهم؟ علينا أن نفكر في هذا الأمر. لكن مع الأسف، فإن الظروف والحروب عندما تندلع شرارتها تغير الجميع ولا تدع مجالاً للتفكير، وأنا متأكد من أن هؤلاء السوريين الذين يُتهمون اليوم بالإرهاب ما كان أيٌّ منهم ليخطر على باله قبل خمس سنوات أن الوضع في بلاده سيتدهور إلى هذا الحد، وأنه هو سيلعب هذا الدور يوماً أو يحمل السلاح، لذلك يجب حل كل المشاكل بطرق سياسية ودبلوماسية، وإلا فإن الطريق يصبح مفتوحاً أمام ظهور منظمات إرهابية تفرخ منظمات إرهابية أخرى مثل اللعبة الروسية.
يعني يجب البحث عن حل سياسي في سورية؟
– طبعا يجب العمل على هذا الأمر، بالتأكيد لا بد من التصدي لمن يحمل السلاح بهدف الإرهاب وترويع الأبرياء، لكن حتى ننجح في مهمتنا هذه لا بد من تجفيف مستنقع الإرهاب ومصادره، وذلك من خلال التوصل إلى حل سياسي في سورية. موضوع المنطقة العازلة مسألة تكتيكية كنا بحثناها وطالبنا بها سابقاً من أجل معالجة مسائل ثانوية نتجت بسبب عدم حل المسائل الأساسية. وهذه المسألة تم طرحها على الأمم المتحدة ومجلس الأمن واعترضت عليها روسيا والصين ومن ثم شهدنا جدالاً كبيراً وأخذاً وجذباً وإضاعة للوقت، كل هذا لأن المسألة الأساسية لم يتم حلها والاتفاق عليها، وهي الحل السياسي. يجب ألا ننسى أن المناطق العازلة في جنوب العراق وشماله في عهد صدام حسين تم تطبيقها بناء على قرار من مجلس الأمن.
أفهم أن تركيا تنتظر قراراً من مجلس الأمن؟
– هذا أمر طبيعي، فالمناطق العازلة داخل بلد آخر لا يمكن فرضها إلا من خلال قرار من مجلس الأمن أو من خلال إعلان الحرب على تلك الدولة وفرضها بقوة السلاح.
في حزيران (يونيو) 2011 كنت في مكتبكم في القصر بعد ساعات على خطاب الأسد حول الإصلاح. وصفتم الخطاب يومها بأنه خطوة إيجابية لكنها متأخرة وغير كافية، كيف ترون تعامل الأسد مع الأزمة؟
– أنا متأكد أن الأسد يفكر ويقول لنفسه يا ليتني أخذت بنصيحة أصدقائي، وأنا كنت أرسلت له أكثر من رسالة قلت فيها قد يكون غداً متأخراً جداً من أجل الإصلاح too little too late، ونصحته بأن يقوم بإصلاحات حقيقية قبل أن يفتح بلاده على التدخل الأجنبي والخارجي. أنا نصحته حينها بأن يتحرك بسرعة، لكنه لم يأخذ بالنصيحة.
بعثتم برسالة إلى الأسد مع وزير الخارجية حينها أحمد داود أوغلو في صيف 2011، بماذا نصحتموه آنذاك؟
– تخوفت من أن تصل سورية إلى هذا الوضع، وقلت له لا تسمح بذلك، استمع إلى المطالب العادلة للشعب وقم ببعض الإصلاحات العملية، وقلت له لا تخش الانتخابات فأنت ستفوز بها إن أقدمت عليها الآن، ومن خلال ذلك تقوم بعملية تحول إصلاحي تدريجي.
اقترحت عليه انتخابات رئاسية؟
– نعم، نعم، انتخابات تشريعية ورئاسية وإصلاحات، وقلت له أنت ستفوز بكل تأكيد لأن الشعب سيرى عزمك على الإصلاح، وحذرته من وقوع سورية في هذا المستنقع والخراب، وأعطيته مثال ما حدث في العراق.
كان بشار الأسد صديقاً لكم، وأردوغان كان يقول بشار صديقي، وقال لي أحمد داود أوغلو إنه زار دمشق 47 مرة، هل تعتقدون أن الحل السياسي في سورية ممكن مع بقاء الأسد؟
– أعتقد أنه لا يمكن حل المسألة بهذا الطرح.
تقصد مع بقاء الأسد؟
– هذا شأن آخر معقد، لكن ما أقوله هو أن محاولات الحلول في مؤتمر جنيف لم تكن أساسية وعميقة، كانت مجرد تكتيكات، يجب البحث عن حل أساسي وجذري للخلاف. في جنيف كل طرف حاول أن يتهم الطرف الآخر بالمسؤولية عما حدث وأنه هو المخطئ. وعندما تكون المسألة متعلقة بشعب كامل ودولة بأكملها، فإن الشخص غير مهم. يعني أنه إذا كانت معاناة السوريين ستنتهي وستعود سورية إلى لعب دورها في الإقليم وتستعيد عافيتها، فإنه لا يجب الوقوف هنا عند الاسم أو الأسماء.
هل تقصد أن مستقبل سورية أهم من مستقبل أي شخص فيها؟
– طبعاً، هذا ما أقصده، كما من المهم جداً معرفة النظام الجديد الذي ستبنى عليه سورية.
هل تخشون من تقسيم سورية؟
– نعم، بالطبع نخشى ذلك، والواقع الآن يقول إن التقسيم حاصل على الأرض حاليا كأمر واقع.
هل تتخوفون من أن تنقسم سورية إلى منطقة علوية وأخرى سنية وثالثة كردية، وأن يؤثر ذلك على تركيا؟
– لا أتحدث هنا عن خطر تداعيات التقسيم على تركيا، فتركيا تستطيع احتواء تلك التداعيات، وإنما أقول إن انقسام بلد عربي مسلم ووصوله إلى هذا المصير سيكون سابقة وموضوعاً خطراً ومؤسفاً بحد ذاته.
هناك اعتقاد أن النزاع في سورية نزاع سني علوي وهو جزء من النزاع السني الشيعي في المنطقة؟
– عندما ننظر في التاريخ الإسلامي لا نجد أن هذا الأمر مفاجئ أو جديد، فمنذ إنشاء الدولة الصفوية في إيران كان الصراع السني- الشيعي حقيقة تاريخية واقعة، لكن المهم اليوم أنه طالما أن أياً منا لا يتحكم في مذهبه، ويولد سنياً أو شيعياً، وطالما أن الشيعة لن يمحوا السنة ولا السنة سيقضون على الشيعة، فإنه من العقلانية أن يعيش الجميع معاً وفق نظم ومعايير واضحة، فكما نجح الكاثوليك والبروتستانت في العيش معاً بعد كل هذه السنين من الحروب، علينا نحن أيضاً أن ننجح في هذا الأمر أيضاً.
المثال الذي ذكرته نجح لأن الغرب فصل الدين عن الدولة؟
– نحن أيضاً يجب أن نفعل ذلك، وأضرب هنا مثالاً، أنا مثلاً سني، هل سيكون السني السيئ أو المخطئ عندي أفضل وأحب من الشيعي الجيد أو الذي على حق؟
هل تعتقد أن الدولة لا يجب أن يكون لها دين رسمي؟
– ليست هذه المسألة، أن يكون للدولة دين رسمي أو لا يكون هذا أحد الخيارات، لكنني أتحدث عن السياسيين وصناع القرار. الحاكم سواء كان رئيساً أو زعيم حزب لا يمكن أن تكون قراراته بناء على هويته الدينية، السياسة الدينية هي بداية الطريق إلى الانقسام والصراع والاقتتال، لأن اختلاف وتنوع المذاهب في المنطقة حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها. ما نعيشه اليوم عاشته أوروبا منذ قرون، وعلينا أن نستفيد ونتعظ من هذا الدرس، لأنه لا نهاية لهذا الخلاف. الجري وراء هذا الخلاف لا يؤدي إلا لاستنزاف الطاقات البشرية والثروات، فما الذي سينتج عن الحرب بين السنة والشيعة؟ هل سيقضي طرف على الآخر؟ أم سيجبر طرف الطرف الآخر على أن يعيش في قفص أو كانتونات؟
ماذا تقول عن «داعش» وتهجير الأقليات وتفجير الأماكن الدينية؟ كيف تنظر إلى هذه الظاهرة؟
– هذا أمر غير مقبول أبداً وظاهرة غير مقبولة أبداً، هذه ظاهرة راديكالية متطرفة وتلجأ إلى الإرهاب في تصرفاتها.
الأسد ينتقد تركيا ويقول إنها سمحت لآلاف الأجانب بالدخول إلى سورية على أمل إسقاطه؟
– تركيا لا ترسل أحداً، لكن لأن الحدود طويلة تصعب مراقبتها، ويمكن أن يكون هناك من عبر الحدود متسللاً. الحكومة قالت قبل يومين إنه تم إلقاء القبض على الآلاف ممن حاولوا عبور الحدود وتمت إعادتهم إلى بلادهم.
أنتم من بدأ المفاوضات السرية بين دمشق وتل أبيب، هل توقفت هذه المفاوضات بسبب حرب غزة 2008 أم بضغط إيراني؟
– لم يكن هناك ضغط إيراني علينا ولا يمكن لإيران أن تضغط علينا في أي موضوع.
قصدت ضغط إيراني على سورية!
– علينا أن نكون صادقين ونقول إن سورية حينها كانت متجاوبة معنا وكانت راغبة حقاً في السلام مع إسرائيل، لا أتحدث عن بشار الأسد اليوم وإنما بشار الأسد في تلك المرحلة. كان الوفدان الإسرائيلي والسوري في طابقين في إسطنبول وكان حينها أحمد داود أوغلو يتنقل بين الطرفين في وساطة، ووصلنا إلى صياغات شبه متطابقة لورقة مشتركة. بقي الخلاف قائماً على كلمة أو اثنتين فقط! كان حينها إيهود أولمرت رئيساً للوزراء، وأقول إن مسؤولية سورية عن الإخفاق في التوصل لاتفاق أقل من الطرف الآخر. كنا نضغط على الطرفين وكان الطرف السوري يتجاوب معنا بشكل أفضل ولم يفسد الطرف السوري الأمر.
أين جرت المفاوضات؟
– جرت في أحد الفنادق في ميدان تقسيم.
وكان داود أوغلو من يتنقل بين الوفدين؟
– نعم، لم يكن حينها رئيس وزراء ولا وزيراً، كان مستشاراً لرئيس الوزراء، وكان هناك دبلوماسيون مفوضون من البلدين، وكانوا يتحدثون هنا بالهاتف مباشرة مع المعلم والأسد، وأردوغان اتصل مرات بالطرفين من أجل حلحلة الأمر، لكن ضاعت تلك الفرصة بسبب حرب غزة.
سمعت أن أولمرت كان في مكتب أردوغان الذي كان ينتقل إلى مكتب آخر ويتحدث إلى الأسد؟
– نعم، هذا حصل أكثر من مرة.
اتهمت تركيا بإعطاء الربيع العربي طابعاً إسلامياً بالتعاون مع قطر.
– كل من يتابع تطورات المنطقة منذ سنوات كان سيخمن أن هذه الثورات لا بد أن يأتي يوم وتحصل فيه، لم يكن ما حدث مفاجأة. وأنا في كلمتي أمام المؤتمر الإسلامي في طهران عام 2003 توقعت حدوث ذلك وطلبت من العالم الإسلامي أن يقوم بإصلاحات قبل أن تتحرك الشعوب. نحن في تركيا اعتبرنا ما حدث شأناً داخلياً وتعبيراً عن إرادة الشباب العربي، ودعمنا الشباب هناك من أجل تحقيق آماله وتطلعاته. كنت أول رئيس يزور مصر بعد الأحداث، وهناك تحدثت مع الجميع من مختلف التوجهات، لم أتحدث إلى «الاخوان» فقط، بل تحدثت مع اليساريين والاشتراكيين ومحمد البرادعي، تحدثت إلى الجميع.
هل قدمت نصائح إلى الرئيس محمد مرسي؟
– بالطبع، تحدثت اليه في أكثر من مناسبة، وعندما زرته في القاهرة كانت أحداث الشارع قد بدأت، كما تحدثت إليه في آخر اجتماع للمؤتمر الإسلامي أيضاً. تحدثت إليه أكثر من مرة ونصحته في أكثر من مناسبة.
كيف تنظرون إلى العلاقات المتوترة حالياً بين القاهرة وأنقرة؟
– الصداقة التي تجمع الشعبين المصري والتركي قديمة جداً وعميقة كذلك. مصر وتركيا في شرق المتوسط كنصفي تفاحة واحدة، تركيا في الشمال ومصر في الجنوب متواجهتان، وفي هذا الإطار أود دائماً أن تكون مصر دولة قوية وأن يكون شعبها مرفّهاً وسعيداً. ويؤلمني ويؤسفني كل ما حدث بين الدولتين. كنت أتمنى لو كان الخلاف هادئاً. وكانت لي محاولاتي الخاصة لرأب الصدع وحل الخلاف.
هل يحرج تركيا أن تكون ملجأ لقيادات «الإخوان المسلمين» وخالد مشعل زعيم حركة «حماس»؟
– تركيا ليست دولة عربية. تركيا بدأت مفاوضاتها على العضوية مع الاتحاد الأوروبي وقوانينها قوانين أوروبية، وفي هذا الإطار فإنه كما أن بعض السياسيين يتركون بلادهم بسبب خلاف في الرأي ويستطيعون الإقامة في لندن بحرية ولكن تحت قوانين وضوابط واضحة ومعروفة يلتزمون بها، فإنهم أيضا يستطيعون أن يقيموا في إسطنبول وأيضاً ضمن ضوابط معينة. في المقابل أيضاً، نحن نطلب ونأمل منهم ألا يتسببوا بأي ضرر أو إساءة لعلاقة تركيا بدولهم أو دول أخرى بسببهم، ونتوقع من كل شخص يريد الإقامة في تركيا أن يلتزم قوانينها وأن يراعي مصالحها أيضاً.
علاقات تركيا مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني تبدو جيدة، هل تراجعت مخاوف تركيا من الطموحات الكردية؟
– نحن نعتبر الأكراد إخوة وأقارب للشعب التركي. هذه حقيقة وتاريخ، لكن وقعت بيننا حرب طويلة بسبب لجوء «حزب العمال الكردستاني» إلى السلاح والإرهاب، ولكن لم يكن جميع الأكراد مؤيدين للحزب، ونظرتنا للملف الكردي تختلف عند الحديث مع من يترك السلاح ويدخل العملية السياسية في تركيا، فنعمل معه على الارتقاء بمستوى المعايير الديموقراطية وإزالة ما وقع من أخطاء بحق البعض طبعاً. وبالنسبة إلى بارزاني، فهو رئيس إقليم كردستان العراق وجارنا، وكنا دائماً نطلب منهم عدم دعم «حزب العمال الكردستاني» وهم امتنعوا عن دعمه، وهو ما حسَّن علاقاتنا بهم.
هل إيران خصم أم منافس أم عدو؟ إيران ربحت في بيروت وصاحبة الكلمة في سورية وموجودة بقوة في العراق وصنعاء، فكيف تنظرون إلى هذه القوة وتوسع نفوذها؟
– نحن نتعامل مع إيران على أنها دولة جارة ونعتبرها لاعباً مهماً من أجل استقرار المنطقة، لكنني أود أن أؤكد مرة أخرى أنني لا أركز على التفاصيل وإنما على جوهر الموضوع. إذا أصررنا على ذهنية الحروب بالوكالة والصراعات المذهبية كما حدث في أوروبا العصور الوسطى، فلن يكون هناك استقرار في المنطقة.
قمتم بأول زيارة إلى أرمينيا، هل تعتقد أنه تمكن مداواة الجروح في هذه المنطقة مع الأرمن وبين الشيعة والسنة، وهل ثقافتنا تساعد على ذلك؟
– هذا ممكن من خلال قيادات ذات إرادة قوية لا تتردد بالقيام بمراجعات حقيقية وواقعية. العبء يقع هنا على قيادات المنطقة وزعاماتها، فلو نظرنا بعمق وراء الستار في العديد من الحروب والمشاكل، لوجدنا أن معظم المشاركين فيها دُفعوا إلى الوقوف مع طرف أو في موقع ما ولم يختاروا ذلك بأنفسهم. القيادات فقط هي التي تحدد وتختار.
هل يحتاج الإسلام إلى حركة إصلاحية عصرية؟
– علينا ألا نتحدث عن الإسلام هنا وإنما عن المسلمين، فالمسلمون اليوم عليهم أن يستفيدوا من دروس التاريخ وأن يغيروا نمط التفكير في كثير من الأمور.
جئت من الأناضول من منطقة ريفية محافظة ودرست في الغرب، هل لدى المسلم مشكلة في التعامل مع الغرب أو مع الآخر؟
– أنا لا أرى أي مشكلة. لا أرى أن معتقداتي تتناقض مع مبدأ قبول الآخر. إيماني ومعتقداتي لا تأمرني بأن أغير من رأي الآخر أو من تصرفاته أو اعتقاده، ولعلك ربما تسأل هنا عن الإسلام السياسي، وهنا دعني أقول إن الكوادر المتدينة أو التي تعتبر نفسها متدينة، هي في الحقيقة في امتحان حقيقي، فهذه القيادات وهؤلاء الحكام المتدينون إن احسنوا القيادة والحكم والتصرف فإنهم أولاً يكونون قد نفذوا أوامر دينهم، ومن خلال نجاحهم في الحكم يكونون قد بلغوا رسالة دينهم على أحسن وجه. تتحدثون عن قبول الآخر، وهذه صفة مهمة جداً لدى القيادات تحديداً، والتزام القيادات الشفافية وقبول المساءلة وتحمّل المسؤولية كلها صفات تروج لمعتقداتنا على أحسن وجه ولا تتعارض مع معتقداتنا. التطرف والقمع ليسا من ديننا بل هما مع الأسف من أساليب السياسة أو السياسة السيئة، ولا يمكن القول إن الدين هو ما يأمر بالقمع ورفض الآخر وألا تكون هذه جهالة كبرى بالدين.
برأيك لا مشكلة للإسلام مع الديموقراطية؟
– كلا أبداً.
ماذا تقرأ فخامة الرئيس؟
– في العادة أقرأ كتب التاريخ وكتب السياسة.
من هو الكاتب الذي تحبه؟
– هناك كثيرون، من الأتراك والأجانب.
مَن مِن الشخصيات السياسية العالمية أثرت بك أو أعجبت بشخصيته؟
– منذ عام 2000 وحتى الآن التقيت الكثير من المسؤولين في أوروبا والشرق، وتعرفت إلى كثيرين، كما عملت مع النواب الأوروبيين في البرلمان الأوروبي لمدة عشر سنوات، ولدي كثير من الأصدقاء بينهم. في آخر خمس سنوات تغير كثير من الزعامات في أوروبا.
وفي المنطقة أيضاً؟
– نعم، وهناك العديد من السياسيين الناجحين، ولا أريد الدخول في مسألة شخصية، لكن تمكن معرفتهم من خلال دولهم، لكن ما أريد أن أقوله إن الإخفاقات أكثر من النجاحات في المنطقة، والأزمة الاقتصادية شاهد على ذلك، وهناك كثير من الأدلة، ولو كان القسم الأكبر من الزعامات في العالم ناجحاً لما تعرض العالم لمثل هذه الأزمة الاقتصادية التي تعرض لها.
قرأت أنك كنت تحب الشعر؟
– قرأت الكثير من الشعر لكن لم أنظم منه شيئاً.
هل قرأت لأورهان باموك؟
– بالطبع .. فهو الأديب التركي الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب، والطريف والغريب أنه عندما حصل على الجائزة اتصلت به لأهنئه وكنت أنا المسؤول الوحيد حينها الذي فرح بحصوله على الجائزة، لأنه كان شخصاً معارضاً، ولكن في النهاية كان رسول الأدب التركي إلى العالم، وهذا ما يهمني، لا يهمني أنه يختلف عني في التفكير وقد التقيته أكثر من مرة، إذ افتتحنا معرض فرانكفورت معاً.
أي لون تحب؟
– هذا سؤال غريب، أول مرة يسألني أحدهم هذا السؤال، سئلت عن الكتب لكن هذه أول مرة يسألني أحدهم عن اللون الذي أحبه. اللون يكون جميلاً إذا ناسب المكان الذي هو فيه، فمثلاً اللون الأحمر جميل جداً في العلم، لكن اللون الأخضر أجمل في البيئة من حولنا واللون الأزرق مريح للبصر، لكن لا يمكنني أن ارتدي بدلة خضراء.
أي مدينة تحب؟
– إسطنبول لها مكانة خاصة، لكنني أحب لندن في الغرب، لأنني درست فيها وأول مدينة شاهدتها وعشت فيها أثناء دراستي، كما أعتقد أن مدينة براغ تؤثر في زائرها بشكل كبير. لها جمال أخاذ. والنظر إلى نهر الدانوب في بودابست يبعث على الهدوء والارتياح أيضاً. كذلك تعجبني القدس القديمة، أنا لم أذكر مكة والمدينة لأنهما مدينتان مقدستان لدينا ولا يمكن القياس عليهما طبعاً.
من هو كاتبك المفضل؟
– أنا أحب كتاب الرواية الروسية الكلاسيكية، قرأت الكثير من الروايات الروسية، لذا فأنا أحب دوستويفسكي كثيراً، ولكنني أقرأ أيضاً لكتاب معاصرين.
ما هي هواياتك؟
– بعيداً من القراءة، أحب المشي خصوصاً في الجبال والغابات.
عندما تقف على ضفة البوسفور هل تشعر بالأسف لأن تركيا تحولت من إمبراطورية إلى دولة، هل تشعر بالحنين إلى الماضي؟
– أنا رجل واقعي، وقد اقتربنا من مرور مئة عام على انتهاء الإمبراطورية العثمانية، طبعاً عندما افكر بالتاريخ اشعر بالفخر لتاريخ الإمبراطورية العثمانية، ولكن اليوم في هذه الجمهورية التي نعيش فيها، الأهم من موضوع التوسع والهيمنة هو العيش في نظام ديموقراطي واقتصاد قوي من أجل شعب مرفه وسعيد، السعادة اليوم للقيادي ليست في الهيمنة على الآخر والتوسع وإنما بتوفير السعادة والرفاهية للشعب وتدعيم الاقتصاد والديموقراطية، هذا هو الأهم.
> ما زالت إجاباتك متأثرة من فترة عملك كوزير خارجية، دبلوماسية بشكل كبير!
– هذا لا يعود إلى عملي كوزير خارجية، ولكن هذا هو طبعي في حديثي حتى قبل العمل في السياسة، فأنا لا أؤمن بأن الخطب الحماسية والنارية تفيد تركيا أو العالم الإسلامي في شيء، الاعتدال والدبلوماسية هما الأساس، ولعل معيشتي في أوروبا والعالم العربي سنوات قد أثرت في صياغة شخصيتي هذه.
إذاً أنت سياسي معتدل؟
– نعم، أنا معتدل لكنني في الوقت نفسه حاسم وحازم، لا يغطي الاعتدال على هاتين الصفتين لدي. لدينا مثل في التركية يقول «إذا أردت أن ترمي حجراً على ضفدع فيجب أن تكون متأكداً من أنه سيخيفه». رجل الدولة يجب أن يكون معتدلاً لكن عندما تستدعي الضرورة يجب أن يكون صريحاً مع شعبه. طبعاً مع الالتفات إلى أن القمع والتحكم يخلقان المشاكل عند الشعوب ويخلقان استقطاباً بين مكونات الشعب. صفة الاعتدال هذه هي أهم ما يميزني في شخصيتي السياسية.
هل نستطيع أن نسألك عن آخر لقاء مع الأسد؟
– لا أذكر تاريخ آخر لقاء، لكن مع بداية الأحداث كنت ألتقي دائماً بمستشاره أو مبعوثه الخاص، وكنت أتحدث إليه بصراحة. أنا حزين جداً لأن توقعاتي في الشأن السوري صحت ووصلنا إلى ما نحن عليه اليوم مع الأسف. عندما أرى صور حلب أو حمص في التلفزيون وصور الدمار والخراب الذي حل هناك أشعر وكأن بيتي هدم. حتى صدام حسين كنت أنصحه، وأرسلت إليه رسالة خطية مع وزيري الذي كان آخر مسؤول أجنبي يلتقي صدام حسين قبل الحرب، وهو كورشات توزمان وزير التجارة الخارجية. كتبت له: «إنك رجل تفهم بالتاريخ وتتحدث عن التاريخ في كلماتك، وإذا لم تنفذ قرارات الأمم المتحدة في ما يتعلق بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، فإن المغول سيعودون إلى العراق ويهدمونه من جديد». أنا حزين على انهيار العراق بهذا الشكل، كمسلم وجار للعراق يحزنني جداً ما تعرض له. وزير الخارجية الأميركي كولن بأول نشر كتاباً ذكر فيه أنه لم يكن لدى صدام أسلحة نووية ولكن صدام كان يريد إخافة جيرانه فاستغل الأميركيون هذا الأمر. كنت حينها رئيساً للوزراء ودعوت (نائب رئيس الوزراء) طه ياسين رمضان سراً إلى أنقرة. قال رمضان لي حينها: «ألا تعلم قوة العراق وقوة شعبه وبطولاته؟»، فقلت له: «جيشك لن يستطيع الصمود»، وجميعنا رأينا ما حدث بعدها. يحزنني أن قائدين عربيين قويين كان تصرفهما واحداً، هما صدام والأسد، تصرفا بالطريقة نفسها، نصحناهما فرفضا النصيحة وبعدها تم خراب البلدين.
هل عرفت معمر القذافي؟
– التقيت به عام 1997 عندما كنت وزيراً في حكومة المرحوم نجم الدين أربكان، التقينا في سدره، في مؤتمر صحافي، جلس القذافي وأربكان جنباً إلى جنب وأنا جلست قرب أربكان. بدأ القذافي يتحدث بأسلوب سخيف وكلام غير مقبول، فلم أستطع أن أمسك نفسي فخرجت خارج الخيمة غاضباً وتحدثت للجميع هناك عن أن هذا غير مقبول، وأنقذ موقفي هذا الحكومة من انتقادات الصحافة المحلية حينها. ثم بدأ القذافي يجول في أوروبا بخيمته الشهيرة وأراد أن يأتي إلى تركيا أكثر من مرة لكنني لم أسمح له ولم أدعه أبداً طوال فترة رئاستي. أدار القذافي بلده 40 عاماً بالخوف والحديد والنار، وعندما رحل ماذا ترك وراءه؟ ترك ليبيا بهذه الحالة المؤسفة، وكان بإمكانه أن يجعل الليبيين يعيشون مرفهين سعداء مع قلة عدد السكان وحجم الثروة النفطية.
هل أمرت بقتل أحد؟
– لم يحصل ذلك أبداً. لهذا قلت لك إنني خرجت من قصر الرئاسة وأنا مرتاح البال والضمير واستطيع الآن التجول بين الناس بكل راحة وأمان. انظر إلى أوضاع من أمروا بالقتل.
الحياة