زملاء

د.عماد بوظو : ماذا تبقّى عند بشّار الأسد من صلاحيّات لينقلها لهيئة الحكم الإنتقالي ؟

يقوم بيان جنيف 2012 على فكرة رئيسية و هي تكوين هيئة حكم إنتقالي بصلاحيّات كاملة تتولّى إدارة سوريا خلال الفترة ما بين مرحلة النظام السابق و التغيّر المنشود بإتّجاه سوريا الديموقراطيّة الحديثة , و كانت من أهم نقاط الخلاف المهمّة حول هذه المرحلة هي صلاحيّات الرئاسة الّتي ستنتقل لهذه الهيئة ؟, فلنلق نظرة سريعة على صلاحيّات رئيس الجمهوريّة الّتي فصّلها حافظ أسد على مقاسه عام 1970 

تم وضع دستور مؤقّت لسوريا في سبتمبر عام 1971 أعقبه دستور دائم عام 1973 يتضمن صلاحيّات مطلقة لرئيس الجمهورية، فهو الرئيس الأوحد للسلطة التنفيذيّة و التشريعيّة، مع صلاحيّات إصدار التشريعات منفردا و هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء و الأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي و هو الحزب القائد للدولة و المجتمع، بالإضافة إلى أنّه القائد الأعلى للجيش و القوّات المسلّحة مع صلاحيّات مطلقة تتجاوز كل الأنظمة المعروفة البرلمانيّة و الرئاسيّة , بالإضافة إلى صلاحيّات التدخّل في أعمال القضاء و إحالة الوزراء للمحاكمة و..و …لقد ضمت صلاحيات الرئيس كل ما تعرفه ديكتاتوريّات التاريخ البشري من صلاحيّات، و أهم إبتكارات “الديموقراطيّة الشعبيّة” و هي تنظيم إستفتاء يجري كل سبع سنوات لإعادة إنتخاب نفس الشخص لعدد غير محدود من المرّات . تمّ تعديل هذا الدستور الفريد في جلسة “تاريخيّة” عام 2000 لتخفيض سن الرئيس من 40 إلى 34 سنة ليتماشى مع عمر الوريث !!.

هذه هي صلاحيّات رئيس الجمهوريّة الّتي أورثها حافظ أسد لإبنه بشّار , ما الّذي تبقّى منها اليوم . من حيث الحزب القائد فقد تمّ إلغاء القيادة القوميّة لتخفيف المصاريف غير المجدية و لإنعدام أي دور لهذه الهيئة , و القيادة القطريّة ذات المرتبة الأدنى و الوظيفة الأقل فهي بإنتظار نفس المصير فلم يعد هناك أي ذكر لحزب البعث و كل ما تبقّى منه هو ذكرى سوداء لعصور سابقة منقرضة : شعارات وطنيّة فارغة و حقيقة طائفيّة فاقعة .

أمّا السلطات القضائيّة فوضعها ليس أفضل من حزب البعث , سوريا اليوم ليست سوى منطقة خاضعة بالكامل لشريعة الغاب فالسرقات و الإختطاف و المخدّرات و القتل و كل أنواع الجرائم تحدث يوميّا، من دون حسيب أو رقيب، و لا وجود لأيّ قانون و لا أدنى شعور بالأمان , تدير المناطق المختلفة ميليشيات محليّة ذات صلاحيّات مطلقة و غير خاضعة لأي محاسبة , المجرمون ومدمنوا المخدّرات ينتشرون في الشوارع و هم من يقف على الحواجز و يشكّلون أحد أهم أعمدة الشبّيحة الّذين يستخدمهم النظام لفرض سلطة أمر واقع على المناطق الّتي يديرها , و مع ذلك فقد مارس “القضاء السوري” خلال السنوات الخمس الماضية بعض النشاطات ذات الطبيعة الإعلاميّة الشكلية مثل محاكمات و هميّة “للمعارضين الشرفاء” أو الحكم على سليمان إبن هلال الأسد بعشرين سنة سجن لقتله العقيد حسان الشيخ في محاولة لإمتصاص غضب أقربائه من الطائفة العلويّة في محكمة فريدة لا وجود فيها لإدّعاء عام و لا لمحامي دفاع و بدون حاجة حتّى لإنعقاد جلسات من الأساس!

أمّا من ناحية السلطة التنفيذيّة و مجلس الوزراء فلا يمكن الحديث عن وزارة الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو غيرها بجديّة لإنعدام وجود أي نشاطات صناعيّة أو زراعيّة أو سياحيّة من الأساس، فهذه الوزارات حاليّا ليست أكثر من مباني يذهب لها بعض الموظّفين الّذين لا يوجد ما يفعلوه و لكنّ حاجتهم الماسّة للراتب الهزيل هي السبب الوحيد لذهابهم, من بين جميع الوزارات هناك وزارة وحيدة تقوم بنشاطات و بمهمّات حقيقيّة و هي وزارة الخارجيّة، فوليد المعلّم و بشّار الجعفري و فيصل مقداد لديهم عمل حقيقي يقومون به، لأنهم صلة الوصل الأساسية بين عائلة الأسد المقيمة في سردابها و العالم الخارجي , و مع الوقت أصبح هؤلاء الأشخاص يقومون بمبادراتهم الخاصّة و في أحيان كثيرة بإجتهاد شخصي منهم و بدون توجيهات من القيادة الأسديّة “الحكيمة” .

أمّا التغيّر الجوهري الحقيقي الّذي طرأ فهو على دور بشّار الأسد كقائد عام للجيش و القوّات المسلّحة، و هو المنصب الّذي إعتمدت عليه سلطة العائلة خلال الخمسين عاما الماضية, فلقد إنهار الجيش السوري و إنعدمت القيادة المركزية له و تحولّ إلى مجموعة من الوحدات المستقلّة، و الّتي تتولّى السيطرة على مناطق محدّدة : مثلاً في وسط سوريا هناك مجموعة سهيل الحسن، و في المنطقة الشرقيّة وحدة يتولّى قيادتها زهر الدين، و في المنطقة الشماليّة تشكيل عسكري يقوده خضّور، هذه الوحدات تتصرّف حسب إعتبارات منطقتها و لا تتلقّى أي أوامر من دمشق.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ القطعات الأيرانيّة غير خاضعة نهائيّا للقيادة السوريّة، و بالعكس فهي الّتي تعطي الأوامر و هي ترسم الخطط, و يقتصر إستخدامها لبعض الضبّاط و العناصر السوريين كخبراء في جغرافيّة المنطقة أو كمترجمين للتواصل مع السكّان المحليين , القيادات الإيرانيّة هي الّتي تعقد الإتّفاقات و صفقات التبادل و تنظّم الهدن مثل إتّفاق هدنة مضايا، و لا حاجة لإستشارة أي مسؤول سوري في الموضوع فهذا شأن إيراني صرف, و سيتم إعلام القائد العام للجيش و القوّات المسلّحة بهذه الإتّفاقات مثل باقي المواطنين السوريين عبر وسائل الإعلام, أمّا القوّات الروسيّة فهي صاحبة الأمر و النهي، فقد إشترطت أنّه يمنع دخول أي سوري للقواعد العسكرية الروسية من دون إذن من القيادة الروسيّة في إتّفاق لا يمكن لأي دولة ذات سيادة الموافقة عليه، و لا يحق لسوريا محاكمة أي عسكري روسي على أي جريمة يرتكبها في سوريا، و تتحمّل “الحكومة السوريّة” المسؤوليّة القانونيّة عن كل ما تقوم به القوّات الروسيّة من أعمال عسكريّة في وضع مماثل تماماً لكل سلطات الإحتلال .

كما نرى لم يبقى شيئ من الصلاحيّات بيد بشّار الأسد ليعطيها لهيئة الحكم الإنتقالي, أصبح وجوده حاجة رمزيّة روسيّة إيرانيّة لإستمرار إنتدابهم و لحكم سوريا . و هذا يذكّرنا من ناحية المنصب الشكلي بما فعله حافظ الأسد عام 1970 عندما عيّن إستاذ المدرسة أحمد الخطيب رئيسا بروتوكوليّا و صوريّا للدولة السوريّة, رئيس لا يفعل شيئا .

هذا يجعلنا أمام واقع جديد حول مع من يجب أن تجري المفاوضات و في وضعنا الحالي يجب على الثورة السوريّة مفاوضة روسيا مباشرة و ليس عملاءها, و هدف العمليّة التفاوضيّة هو التحرّر من الإحتلال الأجنبي فحكم الأسد قد أصبح من الماضي!

و أصبحت الكثير من شعارات الثورة خلال السنوات السابقة بعيدة عن الواقع الحالي، وحتّى من ناحية التكتيكات العسكريّة يجب تغييرها بما يتلاءم مع الغزو الروسي – الإيراني، مثل اللجوء لحرب العصابات و الوحدات الصغيرة و العمليّات الخاطفة بدل المعارك الواسعة و تحرير و الإحتفاظ بمناطق واسعة لصعوبة ذلك مع القدرة الناريّة الكبيرة للعدو، و العمل على إستنزاف الخصم بمعركة طويلة النفس لأنّ عامل الوقت في صالح الثورة و الشعب السوري و ليس في مصلحة الغزاة الّذين قامت خطّتهم على تحقيق نصر سريع و فرض تسوية تحافظ على مصالحهم، فوضع روسيا و إيران العسكري و الإقتصادي و السياسي لا يسمح لهم بخوض حرب طويلة الأمد.

  • كاتب سوري ، المقال نقلا عن أورينت
اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق