زملاء

صبحي دسوقي : السقوط في مقهى ما

1 ـ حمل جسده المتعب ودخل إلى أحد المقاهي المتعبة، وضع الدفاتر على الطاولة أسند ثقل يديه على الدفاتر، امتدت يده المعروقة لتمسح عرقه المنحدر بسرعة، أفرغ كأس الماء في جوفه دفعة واحدة ،نظر طويلاً إلى فنجان القهوة ،حدق في السقف ،في الوجوه التي تحيط به، شعر برغبة في التقيؤ، قلَّب عينيه في الموجودات، استقرَّ على وجه مليء بالتجاع

يد، ذبابة تتحرك برتابة أمامه، حملق بها أصوات دقات مملة تجذبه من استغراقه، الذبابة لا زالت تحوم استقرت على الطاولة، حاول مداعبتها هربت من أمامه شعر بإرهاق، فكر طويلاً بالأشياء المحيطة به، بدأ يرسم صورة ملك مشنوق ابتسم عندما انتهى، أسند رأسه على يده وغابت كل الأشياء من حوله واستسلم للتفكير.
2 ـ دخل رجل ما إلى المقهى ذاته، اختار مقعداً قريباً من الرجل الأول، تأمل وجهه داعب أوراق كتاب أمامه ارتسمت ابتسامة على شفتيه، أمسك بورقة وقلم وبدأ يكتب بسرعة، حاول نقل أحاسيس الرجل الماثل أمامه كاملة إلى الأوراق، غيرَّ الرجل وضعيته، أخرج قطعة قماش مسح العرق المتصبب، تمخَّط بصوت مسموع، حدَّق في وجه الرجل الذي يكتب على الأوراق، ابتسم الرجل ثم سرعان ما عاد إلى إسناد رأسه إلى يده، حاول الرجل معاودة نقل أحاسيس الرجل الماثل أمامه، فشل ،حملق في فنجان القهوة النادر، أسند رأسه إلى يده غابت الأشياء من حوله واستسلم للتفكير. 

3 ـ دفعت خصلات شعرها إلى الوراء وهي تدخل المقهى نظرت إلى ساعة يدها اختارت مقعداً مواجهاً لرجلين أسندا رأسيهما إلى يديهما أمسكت برسالة شقيقها ” غريب ” منذ أكثر من عام انقطعت أخباره وهاهي رسالته الأولى :
_ أنا بخير.
” السجن المركزي ”
تنهدت قليلاً، حملت لفافة بيدها الصغيرة، بحثت عن عود ثقاب لم تجد اقتربت من شاب أسند رأسه إلى يده ومجموعة من الأوراق تجثم أمامه، ارتبك الشاب وهو يبحث عن عود ثقاب ثم ازداد ارتباكه عندما اكتشف أنه نسي أن يحمل أعواد الثقاب انتقلت ببطء إلى الشاب الآخر، حملق بها طويلاً بينما كانت يداه تنقبان ملابسه بحثاُ عن أعواد الثقاب، عادت بخطى مرتبكة إلى مقعدها، طافت عيناها في الوجوه وسألت نفسها بألم:
ـ كيف نسي الجميع ؟..
وغابت الأشياء من حولها واستسلمت للتفكير .

4 ـ رجل ذو ملابس جميلة نزل من سيارة طويلة وضع قدمه على مقعد واستلقى على آخر، تأفف بصوت مسموع، وضع علبة تبغ فاخرة على الطاولة أشعل اللفافة بولاَّعة نظر حوله، اقترب من امرأة جميلة، حاول أن يشعل لها اللفافة رفضت بإصرار، عاد إلى مقعده، احتوى المكان بعينيه، نقلَّ بصره على الوجوه، راقب انفعالاتها، أخرج ببطء دفتره الصغير، سجل شيئاً ما ثم أسرع إلى الهاتف. بعد لحظات توقفت عشرات السيارات أمام المقهى، واندفع منها رجال كثيرون بأيديهم أسلحة مشرعة، هوى باب المقهى من أثر اندفاعهم إلى الداخل، حدَّقوا بالوجوه التي نظرت إليهم بلا مبالاة رفع الرجل ذو الملابس الجميلة يده إلى الأعلى ثم خفضها انزرعت عشرات الطلقات في الأجساد، ارتفعت الأجساد غابت الأشياء من حولها، هوت، ثم استسلمت للتفكير

صبحي دسوقي : قاص سوري
اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق