زملاء

رامي العبيدي : المناطق السورية المحررة ما بين مطرقة النظام وسندان الانتهازيين

لم يكن المواطن السوري ليتخيل أن حلمه الإنساني يمكن أن يجر عليه ما يواجهه اليوم فبعد إنتفاضته السلمية التي تحولت إلى ثورة شعبية ضمت بصفوفها مواطنين سوريين من كافة المذاهب والطوائف و الإثنيات حول شعارات الحرية والعدالة والكرامة والوحدة الوطنية بدأت عسكرة الحراك لأسباب يعرفها الجميع أولها وآخرها بطش النظام ووحشيته في قمع الحراك السلمي ليتشكل ما يعرف اليوم بالجيش الحر الذي رفع لواء الدفاع عن المظاهرات السلمية في بادئ الأمر ومن ثم انتقل إلى تكتيك هجومي متمثل بضرب مراكز قوى النظام العسكرية والأمنية.
بدأت العمليات العسكرية من قبل الجيش الحر تتوسع وتزايدت أعداد الأفراد المسلحين سواء من الجيش الحر أو من كتائب وسرايا كانت تغرد خارج صف المجالس العسكرية أو تم إدخالها على الخارطة العسكرية السورية من الخارج, و من ناحية اخرى نجد فصائل مسلحة متشددة خارجة عن الخارطة السورية نهائياً كما هو حال جبهة النصرة وبقية الفصائل المتشددة.

مع توسع العميات العسكرية خسر النظام السوري سيطرته على العديد من القرى والبلدات ومن ثم مدن بأكملها كـ البوكمال والميادين في ريف ديرالزور على سبيل المثال لا للحصر سواء بخوض المعارك الشرسة ضد قواته المسلحة أو ببسط السيطرة على المناطق التي انسحب منها النظام تحت مسمى “تحرير” و مناطق محررة لتصبح هذه المناطق المحررة تحت رحمة طائرات وصواريخ ومدافع النظام التي تمطرها يومياً بآلاف القذائف مما أدى لحركة نزوح وتهجير من وإلى مختلف المناطق هرباً من الموت النازل على رؤوس المواطنين.
وصلت هذه المناطق المحررة إلى قاع حالٍ من الفوضى وانعدام الأمن و البنى التحتية و الأساسية المطلوبة لتسيير أمور الناس حيث أن الكتائب المقاتلة في بعض المناطق أثبتت فشلها في الإدارة الذاتية للمنطقة و بل اتجهت لتكون طرفاً في نزاعات راح ضحيتها العديد من المواطنين , على سبيل المثال لم تستطع كتائب لواء القعقاع في مدينة القورية وكتائب لواء النصر في مدينة العشارة في محافظة ديرالزور, من إدارة خلاف بين أهالي المدينتين في منتصف شهر شباط 2013 بل تصاعد هذا الخلاف ليتحول إلى معارك استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة وراح ضحيتها أكثر من عشرة أشخاص من الطرفين.
و مع أحتدام هذه المعارك والفوضى بدأت تظهر تجاوزات قاتلة أطلق عليها في حينه “أخطاء فردية” وهفوات تم السكوت عنها و بل تجاوز الأمر مهاجمة كل من ينتقدها بدعوى أن إسقاط النظام هو الأهم وأن مثل هذه الانتقادات تقوم بتشويه سمعة الجيش الحر والكتائب الجهادية.
و على صعيد أخر نجد ان ضعف المعارضة السياسية داخلياً و خارجياً وانشغالها بصراعاتها الفردية والداخلية، و ابتعادها عن القيام بدورها التوجيهي أخذت هذه الأخطاء الفردية والهفوات البسيطة بالازدياد لتصبح على غفلة من العناصر والأفراد المخلصين للثورة سواء من المدنيين أو من الجيش الحر، ظاهرة عامة منتشرة في المناطق المحررة وليقع المواطنون السوريون ما بين بطش مجموعات مسلحة تمارس الإرهاب والقمع والاعتقال والذبح والتعذيب ، وأخرى تمارس الخطف و النهب والسرقة وخاصة الممتلكات العامة ( طالت السرقة كل شي تحت حجج و تبريرات واهية فلواء أحفاد محمد في ديرالزور سرق قطيع من الجمال لأن ملكيته تعود لأسماء الأسد ,ولكن نفس اللواء لم يجد ما يبرر به سرقته لعدد من الماعز الشامي في مركز البحوث العلمية في بلدة سعلو )
وما بين الموت النازل على رؤوس المواطنين من طائرات وصواريخ سكود ومدافع و هاونات النظام يتوقع المواطنون السوريون ان الضربة التالية قد تأتي من جميع الجهات ، و أن الاعتقال أيضاً وارد من جميع الجهات ،نجد أن الصراع تحول و تبلور في المناطق المحررة ما بين ” الثوار ” في شكل صراع للسيطرة والفرض بالقوة، ونهب المقدرات والمتاجرة بلقمة الناس بدلاً من أن يبقى موجهاً ضد النظام !
و تحت ذريعة عدم تشويه سمعة ” المجاهدين ” انتشر الفساد والسرقة والنهب مصحوبا بالقمع والإرهاب تحت ذات التسميات , و المبررات.
و بالرغم من كل هذا ماتزال الكثير من كتائب وألوية الجيش الحر تحظى بثقة المواطن السوري فهي من وجهة نظرهم لم تنحرف عن الهدف الذي أنشأت من أجله وهو إسقاط النظام وحماية الأهالي بل اصبح الموطن السوري يميز بينها وبين تلك الكتائب التي تشكلت من مجموعات من اللصوص والقتلة ا لذين وجدو في اللحية أحياناً وفي تسمية الجيش الحر أحيانا أخرى خير مبرر للسرقة والنهب والتشبيح والخطف لطلب الفدية ( بل وصل الأمر في إحدى الكتائب المحسوبة على الجيش الحر في مدينة حمص أن قامت بتأمين عودة حوالي ثلاثة وتسعين منشقاً إلى أهاليهم ولكن بعد أن سلم هؤلاء المنشقون ما يملكون من مال وسلاح إلى هذه الكتيبة وجدوا أنفسهم تائهين في بادية تدمر دون ماء أو طعام أو دليل يدلهم الطريق فبدأوا بحفر قبورهم بعد أن سقط أحدهم ميتاً دون أن يجد من يدفنه بعد أن فقدوا الأمل بالنجاة ولكن القدر ساق لهم مجموعة من كتائب الجيش الحر تدعى مجموعة الخندق كانت تقوم بتمشيط تلك المنطقة ليتم إنقاذهم في اللحظة الأخيرة )
في حين تشكلت كتائب أخرى مهمتها الأساسية الانضمام إلى الكتائب المحاصرة للمراكز الأمنية قبيل سقوط تلك المراكز بهدف اقتسام الغنائم وبيعها (عند حصار كتيبة المدفعية في بادية الميادين كان عدد الكتائب المحاصرة معدوداً على امتداد أيام الحصار ولكن تضاعف العدد قبيل سقوطها ومن هذه الكتائب كتيبة أهل الراية و كتيبة أبو القاسم 315 من لواء النصر في مدينة موحسن و اللتان حضرتا قبيل سقوط المدفعية بساعات )
اما الكتائب الـ “دبلوماسية” و التي تشكلت من أجل الحصول على الدعم والتمويل الخارجي تقوم هذه الكتائب بتصوير مقطع تشكيل لهذه الكتيبة ترفقه بقوائم طويلة بأسماء وهمية أو بأسماء حقيقة ولكن لعناصر غير فاعلة على الأرض وذلك بهدف استلام رواتب عنها من الجهات الممولة(بعد الانتصارات التي حققها لواء القعقاع في مدينة القورية بدأ العديد من أفراد هذا اللواء باستغلال هذه الانتصارات وذلك بتشكيل ألوية تحت مسميات لواء جبهة القعقاع , لواء القعقاع 112,لواء القعقاع الإسلامي ….ضمت الكثير من العناصر الوهمية بل وصل الأمر بهم إلى تصوير عمليات وهمية من أجل الحصول على الدعم).
في الجهة الأخرى يعيش الكثير من شباب الجيش الحر المقاتل في ظروف معيشية صعبة وقاهرة وخاصة أولئك المنشقين منهم عن الجيش النظامي، نجد الكثير من قادة الألوية أو من يتسلمون مناصب قيادية في هذه الألوية قد أصبحوا من أمراء الحرب ( المقدم المجاز مهند الطلاع قائد المجلس العسكري في المنطقة الشرقية الذي يعتبر أقدم ضابط منشق ذو رتبة عالية مسؤول عن استلام الذخيرة من الجهات الخارجية بالتعاون مع الرائد إدريس للقيام بالعمليات العسكرية الداخلية ولكنه لا يقدم هذه الذخيرة إلا للكتائب الموالية له كما أن العديد من الأسلحة المقدمة يتم بيعها وذلك بشهادة أحد الداعمين :الشيخ الكويتي المتشدد شافي العجمي الذي صرح بأنه من مئة وثلاثة وثلاثين صاروخ كونكورس المقدمة إلى المجالس العسكرية قد تم بيعها وبأن أن المجالس العسكرية في كل من دمشق ودرعا وديرالزور تُعد من أسوأ المجالس العسكرية إذ أن العلاقة بين هذه المجالس و الكتائب العاملة على الأرض شبه معدومة)

أما قصة المتاجرة بالسلاح فلم تعد مخفية على أحد ونذكر هنا نقلا عن أحد المقاتلين المشاركين في تحرير مطار الحمدان بتاريخ 17/11/2012 (ولن نذكر اسمه خوفاً على حياته ) أنه تم اقتحام مطار الحمدان من قبل عدة كتائب واغتنمت تلك الكتائب كمية كبيرة من الأسلحة النوعية واللواء الذي اخذ الحصة الأكبر من تلك الغنائم هو لواء الله أكبر الذي يتزعمه صدام الجمل الملقب بأبو عدي… لكن أين تلك الأسلحة والغنائم فهي لم تستخدم في أي معركة بعد تحرير المطار، مع العلم مثلاً أن كتيبة المدفعية في الميادين كانت محاصرة وبحاجة ماسة لهذه الأسلحة ولم يصلها شيء منها لأن الأسلحة كلها بيعت لمصالح شخصية من قبل قادة هذه الألوية وخصوصا القائد صدام.
بعد تحرير لواء الصواريخ 113 بديرالزور تم اغتنام آليات كثيرة منها أربعة مدفعية شيلكا ودبابات عديدة ولكن هذه الآليات لم توجه لتشارك بمعركة مطار ديرالزور الممتدة حتى الآن بل أصبحت مهمتها حماية آبار النفط ليس لمصلحة البلد والمواطن بل لمصلحة الألوية التي سيطرت على هذه الآبار وتقوم بنهبها وسرقتها (تقوم عائلة الدهش المسيطرة على مجموعة من الآبار في قرية الحريجي التابعة لناحية البصيرة في ريف ديرالزور بحماية هذه الآبار مستخدمة عدداً من مضادات الطيران و الرشاشات الثقيلة وفي أواخر الشهر السادس من العام الحالي تم استخدام هذه الأسلحة في معارك العائلة مع العوائل الأخرى التي طالبت بحصتها من النفط في حين أن المقاتلين داخل مدينة ديرالزور يشكون من قلة ذخيرتهم وحاجتهم إلى مضادات الطيران)
بلإضافة إلى اغتنام حاضنتي صواريخ دفاع جوي لكن إحداها عادت بكارثة على قائد لواء أحرار العشائر حيث قام بجلبها إلى منزله وأثناء قيامه بتفكيكها انفجرت مؤدية إلى مقتله مع عائلته (و نشر على الأنترنت بان منزله تم استهدافه بصاروخ أرض أرض! )
أما جبهة النصرة ومثيلاتها من الفصائل الجهادية المتشددة فيكفي أن تقوم هذه الكتيبة أو تلك ،أو جبهة النصرة بالقيام بعملية استشهادية ضد حاجز للنظام في إحدى البلدات، أو ضد مركز للشرطة في مدينة ما، لتدعي لنفسها الفضل في تحرير المنطقة برمتها حتى ولو قام بتحريرها فعلا عناصر من الجيش الحر، وبعد ذلك تقوم جبهة النصرة بدخول المناطق المحررة مستغلة الفراغ الأمني والمدني وأحيانا حاجة المواطنين للدعم والإغاثة وتفرض سيطرتها وتستولي حتى على الهيئات الشرعية كما روى لنا أحد الشهود العيان أن ما حدث حين الاستيلاء على الهيئة الشرعية التي أقامها لواء أحرار الشام في إحدى مناطق أدلب المحررة وطرد القاضي المعين من قبل اللواء وتعيين قاضي سعودي بدلاً عنه ، شخص سعودي الجنسية استلم مكان القاضي الشرعي السوري. حيث نجد انه لم يعد يهم جبهة النصرة والفصائل المتشددة مقاتلة النظام أو تحرير مناطق أخرى، بل حولت سلاحها ضد الجيش الحر بحجة إقامة الدولة الإسلامية، وضد المواطنين السوريين أنفسهم، كما رأينا ما حصل في قرية حطلة بديرالزور حين حاول أفراد من هذه الكتائب ذبح عائلة كاملة للاشتباه بأنهم من الطائفة الشيعية و نجد حالات اعتقال للمئات من الناشطين السياسيين والمدنيين والحقوقيين والعاملين في مجال الصحافة و غيرهم في المناطق المحررة معتمدين في ذلك على عناصر قدمت من بلاد أخرى (في أواخر الشهر السابع من العام الحالي تم خطف الإعلامي علي أبو المجد مراسل قناة الآن في الرقة من قبل كتيبة حذيفة بن اليمان التابعة لجبهة الأصالة والتنمية المدعومة من المملكة السعودية وضربه لكونه قام بتصوير بعض التجاوزات )
تقوم تلك الفصائل المتشددة على جمع العديد من الشباب السوري الغير مستقل بقراره ليتم تجنيده وإعداده ليصل لمرحلة الطاعة العمياء, هذا عدا عن السيطرة على معظم المراكز الحيوية على مستوى سوريا كافة كآبار النفط والغاز ومخازن القمح والأعلاف والمعامل ونهبها وبيعها لصالحهم الشخصي وغيرها ( تسيطر جبهة النصرة على صوامع الحبوب والأعلاف في مدينة الميادين بينما تسيطر الدولة الإسلامية في العراق و الشام على شركة الغاز في بلدة خشام ,في أغلب الأحيان عندما يتم توزيع هذه المواد الحيوية –إذا تم توزيعها- تكون الأفضلية للقرى التي تدين بالولاء للجبهة أو للدولة الإسلامية )
ولكن الأخطر من سرقة المال العام الذي تقوم به بعض الفصائل المقاتلة على أرض سوريا هو أن يقوم البعض من هذه الفصائل بتسليم بعضهم البعض إلى النظام (في اقتحام قوات النظام لمدينة تلكلخ كان الغريب في هذا الاقتحام هو تخلّي العديد من الكتائب عن مؤازرة الثوار في المدينة، وتحدث البعض عن قيام البعض بمنع وصول السلاح أو الذخيرة إلى المدينة بشكل مقصود، وكأن سقوطها متفقاً عليه، ضمن سيناريو شبيه بما حدث في مدينة القصير، فالقصف المتواصل للمنازل وحرقها وتدميرها ونهب ممتلكاتها وامتناع بعض كتائب “الجيش الحر” من مؤازرتها يضع الكثير من نقاط الاستفهام والتعجب حول شرعية هذه الكتائب وأسلوب عملها. )
هذا كله وما تزال صواريخ النظام تنهال على رؤوس الأهالي وطائراته تقصف المدن والقرى المحررة وقواته المسلحة تصول و تجول , ومازال الشعب السوري يعاني الآمرين ذبحاً وقتلاً وتهجيراً وجوعاً ما بين مطرقة النظام وسندان انتهازيي الثورة.

* رامي العبيدي: كغيري من المواطنيين السوريين ,دخلت الى مجال السياسة محاولاً نقل صورة ميا حصل على الأرض , عملت باسمي الحقيقي في ظل وجود النظام السوري , و اليوم اعمل باسمي الوهمي خوفاً على اهلي و على نفسي من بطش من لا نعلمهم , و سأستمر بالكتابة باسم رامي من داخل دير الزور الى مطلع شمس كرامتنا.

كلنا شركاء

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق