زملاء

جمال قارصلي : إسقاط الجنسية السورية خطوة إستباقية للتقسيم أم لتزويرالإنتخابات؟


لم يكتف “النظام” في سوريا بتهجير الملايين من السوريين من ديارهم وقتل الكثير من النفوس البريئة وإعتقال مئات الآلاف من المعارضين وتصفية الإعداد الكبيرة من المعتقلين والمخطوفين, بل يريد إضافة إلى ذلك نزع الجنسية السورية من عدد كبير منهم. في ثمانينيات القرن الماضي غادر سوريا, وبشكل قسري, عددا كبيرا من نخبة المجتمع السوري من علماء ومفكرين ومثقفين, تحاشيا لبطش “النظام” وحفاظا على أمن وسلامة أرواحهم. لم يعمل “النظام” آنذاك على إسقاط الجنسية عن هؤلاء جميعا وإن حصل شيء من هذا القبيل فكان في حالات نادرة. قرار نزع الجنسية هذا يرافقه قرار إصدار نموذج جديد للهوية الشخصية السورية والتي لا يستطيع المواطن السوري الحصول عليها إلا إذا قام هو شخصيا بتقديم الطلب وتم أخذ بصماته ودراسة ملفه أمنيا.
إن تطابق توقيت قرار سحب الجنسية مع قرارتغيير نموذج الهوية السورية لم يات من عبث, بل جاء من سابق تخطيط وإصرار, لأن العصابة الحاكمة تريد من خلال هذا العمل وضع الحجرة الأولى لعملية تزوير نتائج الإنتخابات القادمة والتي لن تكون مثل الإنتخابات التي سبقتها وتكررت لعقود طويلة وكانت نتائجها معروفة لدى القاصي والداني ولولا الحياء لتجاوزت نسبة المصوتين 100% بنعم “للقائد” أو لمن يقترحهم “النظام” من مرشحين.
لو قمنا هنا بمقارنة بسيطة – ونحن نعلم بأنه لا مجال للمقارنة – كيف يتعامل البرلمان الألماني مع دستور البلاد والقوانين التي يسنها وبين طريقة عمل ما يسمى بمجلس الشعب في سوريا. فعلى سبيل المثال لا زال إلى يومنا هذا يدور النقاش في ألمانيا ومنذ عام 1945 حول إمكانية سحب الجنسية الألمانية من أدولف هتلر والتي حصل عليها بتاريخ 25.02.1932 بعد أن قدم طلبا من أجل ذلك. من المعروف بأن هتلر لا ينحدر من أصول ألمانية بل من أصول نمساوية. لم يستطع المؤيدون سحب الجنسية الألمانية من هتلر إلى هذا اليوم لأن الدستور الألماني لا يسمح بذلك, بالرغم من أن هتلر يُعتبر من أكبر مجرمي التاريخ. أما “النظام” في سوريا فهو يسخر كل شيء من أجل بقائه في السلطة وديمومته, وكل شيء يفقد قيمته من أجل الوصول إلى ذلك ولو تم التضحية بالدستور والقانون والنظام وحتى في الوطن. فما حصل تحت قبة “مجلس الشعب” السوري في عام 2000 من مسرحية هزلية والتي بواسطتها إستطاع هذا المجلس أن يغير مادة في الدستور خلال دقائق قليلة وجعل سن مرشح رئاسة الجمهورية 34 عاما عوضا عن 40 عاما لأن الوريث في الحكم آنذاك بشار أسد كان هذا سنه.

حسب القانون السوري الحالي لا يستطيع اي سوري أن يتنازل عن جنسيته السورية, وحتى عندما يحصل على جنسية دولة أخرى. عدم إمكانية التنازل عن الجنسية السورية يشكل في بعض الأحيان عائقا أمام حصول السوريين على جنسيات لدول أخرى لأن قانون تلك الدول لا يسمح بإزدواجية الجنسية. التمسك بالمواطن السوري وإلزامه بالجنسية السورية ليس نابعا من حب هذا “النظام” لمواطنيه, بل هو حبه للسيطرة والهيمنة على كل الذين يحملون الجنسية السورية وأينما كان مكان إقامتهم وتركهم رهينة في يده كوسيلة للضغط عليهم وعلى أقاربهم. هذا ينطبق ليس فقط على من يحمل الجنسية السورية, بل كذلك على أولاده وأحفاده وإن كانوا لم يروا سوريا ولو لمرة واحدة في حياتهم. على الذكور من الأولاد والأحفاد أن “يدفعوا البدل” عوضا عن تأدية الخدمة العسكرية إذا أرادوا أن يزوروا أقاربهم في سوريا.

في الدول التي تحترم نفسها ودستورها وقوانينها, يقوم عادة الشعب بمحاسبة الحاكم وطرده ‘ذا إقتضى الأمر ذلك وليس العكس من ذلك كما يحصل الآن في سوريا. على سبيل المثال تجري الآن محاكمة رئيس جمهورية ألمانيا السابق, كريستيان فولف, بسبب تهمة بسيطة وُجهة إليه وهي قبوله لدعوة من أحد رجال الأعمال والتي يتوقع القضاء بأن هذه الدعوة جلبت له فائدة مادية بقيمة حوالي 700 يورو فقط. هل نستطيع هنا ان نقارن بين هذا وما تقوم به العصابة الحاكمة في سورية من سلب ونهب وتفريط لثروات الشعب ومن تدمير للبلاد وتنكيل بالمواطنين؟ وهل يتصور أحد منا ما هو الحكم الذي سيصدر بحق هذه العصابة والتي لا زالت تتشدق وتدعي وتتستر خلف حجة الممانعة والمقاومة؟

الفقرة الثالثة من القرار الذي تنوي رئاسة الوزراء في سورية أن تصدره هذا نصها: “اسقاط الجنسية العربية السورية عن كل مواطن يحمل الجنسية السورية شارك في أعمال التخريب ضد الشعب السوري او الممتلكات الخاصة أو العامة بطريق القصد داخل الأراضي السورية أو خارجها عن طريق حمل السلاح أو التمويل أو التحريض أو التنظيم أو التسهيل”. لو طبقنا مضمون هذه الفقرة من هذا القرار على العصابة الحاكمة في سوريا وعلى مبدأ “من كلامك ندينك” فسنجد أكثر من مليون سبب وسبب لنزع الجنسية السورية عن هذه العصابة. ولكن الأحرار في سوريا يوعدون العصابة الحاكمة بأنهم لن يقوموا بإسقاط الجنسية السورية عن أفرادها في سوريا الجديدة التي ستسودها الديمقراطية والتعددية وحق المواطنة والعدالة والمساواة, بل سيتم محاكمتهم ومعاقبتهم حسب القوانين التي سنوها هم بأنفسهم.

ما تقوم به العصابة الحاكمة في سوريا الآن هو مؤشر واضح على حالة اليأس التي وصلت إليه هذه الزمرة المجرمة. على هذه الزمرة أن تعلم بأن إسقاط حق الجنسية السورية عن كل المعارضين السوريين لن يفيدها شيئا لأن إنتماؤنا لسورية هو إنتماء حضاري وثقافي وأن حبنا لها نابع من حب الوطن من الإيمان وأن حب الوطن لا يكمن في الهوية الشخصية أو في جواز السفر أو في الوثائق والمستندات, بل هو موجود في القلب والضمير والوجدان وأن لا أحدا يستطيع أن ينتزع هذا الحب من قلوب الأحرار مهما كلف وصار وأن هذا الحب سيكبر كل يوم أكثر وسنورثه لأجيالنا القادمة.

جمال قارصلي / نائب ألماني سابق من اصل سوري

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق